الساعة

امريكا .. بين حق القوة وقوة النفط

13/04/2011


مركز الرأي للدراسات
اعداد : د.احمد الرقيبات
نيسان 2011

كثر الحديث في السنوات الأخيرة - واقصد تحديدا - نهايات القرن الماضي، وبدايات القرن الحديث، كثر الحديث عن نظام عالمي جديد، ولكن هذا النظام لم تبدأ ملامحه في الظهور والتبلور إلا قبيل وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كقطب سياسي واقتصادي وعسكري حافظ على نوع من التوازن الدولي وحد من شراهية الرأسمالية العالمية التي كانت تسعى لالتهام الأخضر واليابس.
تفكك الاتحاد السوفييتي، وتحولت دويلاته إلى مستجدي للصدقة على أبواب المؤسسات المالية والنقدية الدولية.ليبدأ العد العكسي بظهور امبريالية جديدة، واستعمار جديد يحركه ويوجهه رجال الظل وحكومات الخفى والشركات متعددة الجنسيات.
إن وجود نظام عالمي جديد يفترض وجود قوة اقتصادية وعسكرية مسيطرة تملكها دولة واحدة أو تحالف دول، بحيث تستطيع فرض أرادتها، أو على الأقل غير قابلة للتجاهل في كل قضية من قضايا المجتمع الدولي.
وبالرجوع للتاريخ قليلا فان بريطانيا مثلا، وبعد قيام الحلف المقدس والذي أتى عقب مؤتمر فينا 1814، سادت العالم، ولكن لم ينشأ عن هذا ما يمكن أن نطلق عليه -نظاما عالميا جديدا - إلا بعد هزيمة نابليون، وظهور بريطانيا كقوة رئيسية أمسكت بزمام القرن التاسع عشر، وظهور الجنيه الإسترليني كأساس للتعامل المالي والنقدي، والسيطرة على منافذ البحار والمحيطات ومسالكها ومضيقاتها، كل هذا سمه من سمات نظام ونمط حياه أطلق عليه تفاخرا (عصر السلام البريطاني) «paxa Britanica»
ولكن بعد الحرب العالمية الثانية، بدأ واضحا أن النظام العالمي البريطاني بدأ يتهاوى، وان بديلا جديدا سيظهر حتما، فالسياسة كالطبيعة لا تؤمن بنظرية الفراغ.

واعتقد البعض - وقد يكون عن حسن نية - بان هذا النظام العالمي الجديد لا بد له أن يستند إلى ما هو أكثر من دولة واحدة مسيطرة، خصوصا وان الحلفاء المنتصرين كانوا يشكلون فسيفساء من الإيديولوجيات المختلفة والأنظمة السياسية والاقتصادية المتباينة، وهنا برز حلم الأمم المتحدة إلى الوجود، ليكون رمزا لهذا النظام العالمي الجديد، ولكن حقائق القوة كما حقائق التاريخ التي فرضت نفسها بعد هزيمة هتلر ولم ينجح الحلف المقدس في زمانه، ولم تنجح الأمم المتحدة في زمانها، وكانت الولايات المتحدة -قلعت الثورة الصناعية الثانية - هي الدولة التي آلت إليها مقاليد قيادة العالم والاستحواذ على تشكيل معالمه والتحكم في قواعد «النظام العالمي الجديد» ليبدأ بزوغ فجر عصر جديد استحق أن يطلق عليه « عصر السلام الأمريكي paxa Americana مع كل الأسف هذا المقال لا يكفي للتطرق إلى كل أبعاد وحيثيات ما نطلق عليه اليوم اصطلاحا اسم «النظام العالمي الجديد» ولكنني أردت اختزال مادة هذا المقال في نقاط رأيت انه من الضروري التطرق إليها وهي:
1. النظام العالمي الجديد والبترول.
2. أميركا والبترول والنظام العالمي الجديد.
فأميركا هي اكبر مستهلك ومشتري وبائع للبترول، وهو المقوم الأول من مقومات اقتصادها وسيطرتها، وهي وقبل انهيار الاتحاد السوفيتي كانت تملك إستراتيجية جاهزة للتعامل مع الفراغ الجيوسياسي الذي سيتركه هذا الانهيار، وعليه فهي كانت مستعدة للتحكم في مصادر الطاقة والسيطرة على أهم منابعها, وما الغزو العراقي للكويت إلا إحدى تجليات هذه الإستراتيجية، وإحدى نتائجها.

وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبغض النظر عمن يقف وراءها أعطت لأميركا مبررا طالما حلم به «صقور الإدارة» وتمنته «حمائمها»، ليستيقظ العالم بعدها على إعلان أميركا حربا ضروسا لا هوادة فيها على «الإرهاب» وعلى «معاقل الإرهاب» في أفغانستان والعراق وقد يتساءل البعض، لماذا أفغانستان والعراق تحديدا؟ أقول السبب في ذلك يعود إلى أن من يتحكم في أفغانستان سيتحكم في كل جنوب شرق آسيا وبكل ثرواتها، وسيتحكم بإحدى أغنى مناطق العالم بالبترول إلا وهي منطقة بحر قزوين. زد على ذلك أن السياسة الأميركية في هذه المنطقة مبنية على الوجود الدائم والمستمر والقريب من عملاق الاقتصاد النائم والذي بدأ يستيقظ -الصين - وكذلك روسيا بوتين، التي بدأت ترفع رأسها وتعلن عن نفسها كلاعب قوي وغني وله مصالحة الاقتصادية والجيوسياسية في هذه المنطقة، وهو مستعد للدفاع عنها أن تطلب الأمر ذلك.
وكذلك وجود دولتين نوويتين أحداهما إسلامية وهما الهند وباكستان، مما يتطلب «عينا ساهرة» تراقب عن كثب ما يجري في هاتين الدولتين.
والولايات المتحدة من خلال معاهد دراساتها وأجهزة مخابراتها تعرف أن نفط العراق هو اقل كلفة استخراج في العالم، ومن أجود أنواع البترول ونصف احتياط العالم اليوم وثلاثة أرباع إنتاجه غدا، ضف إلى ذلك نفط دول الخليج والذي تحصل عليه الولايات المتحدة بأسعار غير تنافسية، وبعملية حسابية بسيطة، سنجد بان الولايات المتحدة، أصبحت وعن طريق النفط تتحكم في اقتصاد العالم، وصار بإمكانها هز أي اقتصاد تريد بالتقليل من ضخ النفط إلى هذه الدول أو تلك، ليصبح النفط سيفا سياسيا مسلطا على رقاب تلك الدول التي من الممكن أن تنافس أميركا اليوم أو في المستقبل كالصين واليابان ودول أوروبا ليصبح النفط كذلك وسيلة جديدة من وسائل صراع قديم، سيمكن أميركا من التحكم في التحالفات السياسية والاقتصادية وبالتالي التحكم في توجيه السياسة الدولية.

ومن يتحكم في أسعار البترول بإمكانه أن يحكم العالم، وارتفاع أسعار الطاقة يؤثر تأثيرا سلبيا كبيرا على اقتصاديات دول العالم الثالث، والتي لا توجد لديها مصادر طاقة مثل لبنان ,وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الضرورية، والذي سيؤدي بدوره للتضخم والعجز في الميزان التجاري، وزيادة المديونية والتي قد تصبح مستقبلا ورقة من أوراق الضغط على حكومات هذه الدول, ولكن أميركا ورغم قدرتها على التأثير في تحديد أسعار البترول، وفي تحكمها في أغنى منابعه، واجهت اليوم مشكلة مزدوجة ومعقدة، ألا وهي كون الزيادة المفرطة في سعر البرميل كوسيلة أميركية لضرب جهات معينة، مدت خزائن دول أخرى كروسيا وفنزويلا والجزائر وليبيا وإيران بأموال طائلة، وقد تستخدمها هذه الدول لحاجة في نفس يعقوب ولهذا فان أميركا اليوم تقف أمام خيارات صعبة ومعقدة, في تحول النفط إلى سلاح ذو حدين، حد يقطع لصالح الإدارة الأميركية، وحد يقطع ضدها.
ومن نتائج الطلب المتزايد والمتسارع على البترول مع غياب بدائله وزيادة استهلاكه والتسابق على موارده فان أسعاره معرضة للزيادة، ما لم تتدخل عناصر خارج حركة السوق لتفرض إرادتها كما حدث وكما يحدث.

وهذه دراسة لمن يشك بان الدراسة الأميركية قد حسمت أمرها في موضوع الطاقة منذ زمن بعيد، وهي دراسة قامت بها وزارة الطاقة الأميركية ونشرت نتائجها عام 1988.
1. ان إنتاج دول (أوبك) الذي بلغ حجم صادراتها 17 مليون برميل في اليوم، لابد أن يصل سنه 1990 إلى ما بين 24-26 مليون برميل في اليوم، والسبب هو زيادة الطلب إلى جانب انخفاض مستويات الانتاج من «بحر الشمال» ( السعر الآن 18 دولارا للبرميل).
2. أن أسعار البترول - إذا ترك الأمر لعوامل السوق وحدها - لا بد أن تبدأ في الارتفاع إلى 36 دولارا للبرميل قبل حلول عام 1995.
3. انه مع دخول سنه 2000 لا بد أن يرتفع سعر البترول إلى 75 دولارا للبرميل.
4. انه مع دخول سنه 2010 لابد أن يرتفع سعر البترول إلى 110 دولارا للبرميل.
وهذه الزيادات كلها عبء سيصعب على اقتصاديات العالم أن تتحمله

واعتقد أن هناك دراسة أخرى سنطلع عليها بعد 30 سنة، لنفاجأ بأننا كنا على غير علم، في التعامل مع ملف البترول.
وهكذا صدقت نبوءة «جورج والدن» الذي كان رئيسا لشركة» سوكوني فالكوم» ( واحدة من اكبر شركات البترول الأميركية) حيث قال سنه 1945 «ان إدارة شؤون البترول تختلف عن ادارة شؤون أي سلعة أخرى، فإدارة شؤون البترول 90% منها سياسية و10% فقط بترول «.
ثم زاد «والدن» على ذلك بقوله: إذا كان محتما على الولايات المتحدة أن تدير شؤون البترول في العالم فان عليها أن تدرك طول الوقت بأنها مطالبة أن تفعل ذلك حتى خارج حدود سياستها الإقليمية، وخارج قيود القانون الدولي إذا دعى الأمر إلى ذلك.
وهذا هو ما تفعله الولايات المتحدة اليوم، فلا يوجد برميل نفط واحد يصدر إليها إلا ومزج بدم ودموع وعرق شعوب، حولتها السياسة الأميركية إلى أنصاف بشر وحولت دولهم إلى دويلات أشباح، قد تكون موجودة على الخارطة، ولكنها من وجهة نظر السياسة الأميركية لا تعبر إلا عن مربعات رسمت لتبين مصالح الولايات المتحدة في هذه المنطقة أو تلك، وباختصار فان الوطن العربي أصبح مربعا ميتا من مربعات الشهية الأميركية المتعجرفة التي لا تعترف بقانون, ولا تحتكم لعرف.
وهنا يتبين أن ما حصل في تونس ومصر وما سيحصل في دول أخرى ناتج عن استخدام البترول كسلاح فعندما ارتفعت أسعار النفط خمسة أضعاف عما كانت عليه عام 1990 تبعها ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية بنفس النسب تقريبا.

ولكن من المستحيل أن تتمكن الدول على رفع مستوى دخل مواطنيها بنفس النسب وهنا اصطدمت بعض الأنظمة العربية في واقع جديد ومعقد يصعب إيجاد حلول ممكنة إلا من خلال مكافحة جادة وسريعة للفساد المالي والإداري الموجود في كل بلد ورفع سقف الحريات وكذلك العمل على صياغة برنامج عربي عربي يتضمن مشروع تكامل اقتصاديا عربيا يوفر فرص عمل لأبناء الدول غير النفطية.