مركز الرأي للدراسات
اعداد : المحامي نبيل حدادين
تشرين اول 2011
نص التعديل الدستوري على انه لا يجوز ان يكون عضوا» في مجلسي الاعيان والنواب من يحمل جنسية دولة اخرى. وبادر العين طلال ابو غزالة بتقديم استقالته من عضوية مجلس الاعيان، وانني اقدر له هذه المبادرة التي جاءت كاول تطبيق للتعديل الدستوري.
وقد نشرت جريدة الرأي الغراء في عددها الصادر يوم الاحد 2/10/2011 تصريحات لدولة الاستاذ طاهر المصري رئيس مجلس الاعيان ودولة الاستاذ فيصل الفايز رئيس مجلس النواب واعتمادا «على رأي معالي الاستاذ عبد الكريم الدغمي رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب مفادها ان الدستور الجديد، رغم نفاذه، لا ينسحب على النواب والاعيان والوزراء الحاليين، بحكم ان تعيينهم كان متوافقا» مع احكام الدستور قبل التعديل. وجاء في محليات الرأي «ان استقالة العين طلال ابو غزالة فتحت الباب حول شروط عضوية مجلس النواب والاعيان والوزراء من ناحية سياسية بعدما طرحت فتاوى بصحة عضوية مجلس الاعيان والنواب وكذلك الوزراء دستوريا «وقانونيا» باعتبار ان التعديلات الجديدة لا تسري باثر رجعي»... والى هنا انتهى الاقتباس مما نشرته جريدة الرأي في المحليات يوم الاحد 2/10/2011.
ومع تقديري وفائق احترامي لاصحاب الفتاوى المشار اليها اعلاه فانني اختلف معهم على كل ذلك واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.
ان القوانين الدستورية هي القوانين العليا والمواثيق الاساسية للدولة، وهي الاعلى والاسمى بين سائر قوانين الدولة، فالدستور ينظم وضع الدولة وسلطاتها، ويحدد دائرة عمل كل سلطة من سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية. كما يبين الحقوق والواجبات الاساسية للافراد والجماعات، والمبادىء الاساسية للعائلة والملكية والحرية...التي يجب على المشرع ان يحترمها ولا يتجاهلها وان يعمل على تفصيلها وتنظيمها وعلى الافراد والجماعات في الدولة ايضا» واجب الاحترام والطاعة للاحكام الدستورية.
والاصل ان تأتي الاحكام الدستورية بقواعد حقوقية غاية في الدقة وجامعة ومانعة. ولكن المشرع الدستوري قد لا يكون خبيرا «في مادته او قد يكون متأثرا» بعوامل السياسة والمجتمع، ولذلك قد تأتي النصوص غامضة او مشوشة، وربما لا تفي بالحاجة ولا تحقق كل الغايات. ولهذا فان من الخطأ التقيد بحرفية النص، واهمال روح القانون. وفي مثل هذه الاوضاع لا بد من تفسير نصوص القانون ويتعين الرجوع الى التشريع قبل اي مصدر آخر ولا مسوغ للاجتهاد في مورد النص.
تنص المادة 75/1/ ب من الدستور لعام 1952 على ان لا يكون عضوا«في مجلس الاعيان والنواب من يدعي بجنسية او حماية اجنبية. ونصت المادة (42) من تعديل الدستور لعام 2011 على « لا يلي منصب الوزارة او ما في حكمها الا اردني لا يحمل جنسية دولة اخرى وفي المادة (61) المتعلقة بشروط عضوية المحكمة الدستورية بان يكون اردنيا» ولا يحمل جنسية دولة اخرى». كما نصت الاحكام العامة لمجلس النواب والاعيان انه لا يجوز ان يكون عضوا من يحمل جنسية دولة اخرى.
وبرأيي المتواضع فان تولي عضوية مجلس الاعيان او النواب او الوزارة كان ممنوعا «على من يحمل جنسية دولة اخرى الا ان النص الجديد كان اكثر وضوحا ودقة وتحديدا» ولم يأت بحكم جديد.
وفي هذا المقام فانني اذكر واشكر للعين طلال ابو غزالة تقديم استقالته من مجلس الاعيان احتراما للتعديل الدستوري الجديد، وان كانت هذه الاستقالة جاءت متأخرة وكان يجب ان تقدم في ظل الدستور لعام 1952 وكما يقول المثل « ان تأتي متأخرا» خير من ان لا تأتي ابدا».
وعن الاثر المباشر للقانون فان القانون يبقى مرعي الاجراء وواجب التطبيق حتى يصدر قانون يقضي بالغائه، ومن هذه اللحظة يتوقف نفاذه ويبدأ نفاذ القانون الجديد، فيقوم الجديد في مكان القديم في التطبيق والتنفيذ. وهذه المسألة تعرف في الاصطلاح القانوني بمسالة تنازع القوانين من حيث الزمان. والقاعدة العامة «ان القانون لا يطبق الا على المستقبل وليس له اثر رجعي». ونحن في هذا المجال امام حالات ثلاث:
ان يهدم القانون الجديد القانون القديم، ويكون القانون الجديد وحده واجب الرعاية والتطبيق على الحادثة او الحالة الحقوقية الموجودة... وهذا يخالف مبدأ عدم رجعية القانون.
ان يشمل القانون الجديد الحوادث الجديدة ويواصل القانون القديم استمرار نفاذ احكامه على الحوادث التي تولدت في ظله. وهذا يوافق مبدأ عدم رجعية القانون، لكنه يعطل تطبيق القانون الجديد على حالات كثيرة وهذا لا يتفق مع الاصل والعدل والمصلحة العليا للدولة.
واخيرا، والحالة الثالثة تقع بين المنزلتين السابقتين، فيكون القانون القديم مرعيا ونافذا حتى نفاذ القانون الجديد حيث يقف مفعول القديم، دون ان يعطل اثاره السابقة، ويبقى القانون القديم مرعي الاجراء على الحادثة التي تولدت في ظله، وعلى النتائج التي حصلت وتمت قبل نفاذ القانون الجديد، لانه ينفذ ويكون له حكمه واثاره على نفس تلك الحادثة اعتبارا من تاريخ نفاذه فقط على اي وقائع قائمة توصل الحياة. وفي الوقت ذاته لا تؤثر احكامه على ما تم في الماضي.. وهذا الحل هو افضل الحلول من الناحية المنطقية، لانه يؤمن نفاذ القانون الجديد دون اخلال بما تم قبل نفاذه، وبهذا يكون للقانون الجديد اثر مباشر ويطبق القانون الجديد على الاحوال القائمة والعلاقات الحقوقية المكونة ولو قبل صدوره. وميزة هذا الحل انه يحقق سلطات القانون وسيادته وواجب احترامه كما يؤمن وحدة التشريع في الدولة. فاذا كانت اثار القانون القديم قد تمت وانتهت قبل نفاذ القانون الجديد يبقى ذلك مرعيا عملا بقاعدة عدم رجعية القانون، واذا كانت الاوضاع الحقوقية ممتدة، فان ما تم في ظل القانون القديم يظل مرعيا، وما استمرت حياته في ظل القانون الجديد يسري عليه عملا بالاثر المباشر للقانون.
ولا يرد هنا ان حق العضوية في مجلسي النواب والاعيان والوزارة هو حق مكتسب قبل تعديل الدستور، لانه لا يحق لفرد ان يدعي بحق مكتسب، ليمنع تطبيق حكم قانون جديد يعتبر من النظام العام. ولهذا فان احكام تعديل الدستور تسري باثر مباشر، وتسري احكامه على ما هو قائم من اوضاع وجدت في الماضي لان هذه الاحكام من النظام العام للدولة حتى ولو لم يتضمن الدستور نصا يقضي بذلك. ويدخل تحت النظام العام كل ما يأمر به القانون او ينهي عنه بنص صريح يفيد الالزام، او على الاحكام ذات الصلة المباشرة بكيان الدولة السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي، وغني عن البيان انه يعتبر من النظام العام كل قاعدة حقوقية تتصل بكيان الدولة السياسي ويتناول نظام الحكم وامن الدولة. وبصورة عامة جميع الاحكام المتعلقة بسيادة الدولة وادارتها.
وخلاصة القول هو ان النص الدستوري الجديد يسري على اعضاء مجلسي الاعيان والنواب وكذلك الوزراء الحاليين ويمكن للنائب او العين او الوزير الذي يحمل جنسية دولة اخرى توفيق اوضاعه القانونية بأن يتنازل عن الجنسية الاجنبية او تقديم استقالته جريا على قاعدة اعتدل او اعتزل.