الساعة

الطاقة النووية .. ليست طاقة نظيفة

20/06/2011


مركز الرأي للدراسات
اعداد : الدكتور أيوب أبودية
حزيران 2011

إن الطاقة النووية هي تلك الطاقة المستمدة من الانشطار النووي Nuclear Fission حينما تنشطر نواة المواد الثقيلة كاليورانيوم بقذفها بالنيوترونات، الأمر الذي يولد سلسلة من التفاعلات تنتج طاقة هائلة، إذ تقذف ذرة اليورانيوم بنيوترون فتنقسم الى عنصرين أصغر(باريمBarium وكريبتونKrypton ) بالاضافة الى ثلاث نيوترونات سريعة جدا تصطدم بذرات ثلاث من اليورانيوم 235 ، وهكذا دواليك .

والطاقة النووية أيضا هي تلك الطاقة المستمدة من الاندماج النووي Nuclear Fusion حينما تنصهر نظائر مواد خفيفة تحت درجة حرارة وضغط مرتفعين جداً حتى يلتحمان ليشكلان نواة ثقيلة؛ ونتيجة ذلك تتوالد طاقة هائلة أعظم بكثير من طاقة الانشطار النووي.

ولكن العلماء يعتقدون أن نجاح مشروع توليد الطاقة من الاندماج النووي على أرض الواقع سوف يحتاج إلى عشرات السنين، فتلك الدرجة المرتفعة المطلوبة للتفاعل لا يمكن الوصول إليها على سطح الأرض إلا في المختبرات العلمية في الوقت الحالي، ولم تتحقق اليوم إلا لفترات زمنية في غاية الصغر. ولكن بعض التصريحات لسياسيين مرموقين في الاتحاد الأوروبي تشير إلى زيادة الآمال بتحقيق ذلك الطموح خلال مدة 15 سنة على الأكثر.

المفاعل التجريبي ITER الواقع في جنوبي فرنسا، والذي تتشارك فيه الولايات المتحدة وأوروبا واليابان والصين وروسيا، فضلاً عن بعض الدول الأخرى، سوف يبدأ العمل في عام 2017 بإدماج الهيدروجين ثم الانتقال إلى الديتريوم Deuterium والتريتيوم Tritium.
أما المرحلة اللاحقة فتتمثل في مشروع DEMO الذي سوف يبدأ العمل به في مطلع ثلاثينيات هذا القرن، بحيث يشرع في تزويد الشبكات بالطاقة الكهربائية نحو عام 2040.
لا يعني الاندماج النووي أن هذه الصناعة خالية من التلوث الإشعاعي تماماً، ولكن، يمكننا القول إن المواد المشعة الناجمة عن هذه المفاعلات سوف يكون لها عمراً إشعاعياً قصيراً جداً قد لا يتجاوز مئة سنة، بدلاً من ملايين السنين في حالات النفايات الشديدة الإشعاع للمفاعلات التقليدية. ولكن إنتاج التريتيوم نفسه ينجم عنه نفايات مشعة طويلة الأمد الإشعاعي، إنما من المتوقع أن تقوم في المستقبل مفاعلات الاندماج النووي نفسها بإنتاج حاجتها من التريتيوم.

أما فيما يتعلق بوقود الانشطار النووي، فهناك نظائر لليورانيوم موجودة في الطبيعة، ومنها U235؛ والنظائر هي ذرات من المادة نفسها لها عدد نيوترونات مختلف ولكن لديها العدد نفسه من البروتونات وهذا يعني أنها تتصرف كيميائياً على النحو ذاته فيما تطلق النظائر المختلفة إشعاعات بكميات مختلفة.
U235 هو الوحيد من نظائر اليورانيوم الذي يوجد في الطبيعة وقابل للانشطار بالنيوترونات عند طاقة حركة منخفضة. أما U238 فهو أيضاً قابل للانشطار ولكن عند طاقة حركة أكبر للنيوترونات، وهو الذي يستخدم عادة في صناعة الأسلحة. فمن أين تحصل المفاعلات النووية على وقودها النووي من اليورانيوم؟
عادة ما تتواجد أكاسيد اليورانيوم بنسب ضئيلة في الطبيعة مخلوطة بمواد أخرى وصخور، فبعد عملية التعدين والحصول على المادة الخام من المناجم فإنها تطحن ويضاف إليها مواد أسيدية، ثم يتم ترشيحها للحصول على «الكعكة الصفراء» التي تحتوي على خليط من الأكاسيد يتكون في معظمه من أكسيد اليورانيوم U3O8. ومن خلال سلسلة تصنيع معقدة من الإضافات ينتج اليورانيوم المشع غير المخصب بعد.

تتبع ذلك عمليات الصهر وإضافات أسيدية وأمونيا لإنتاج سداسي فلوريد اليورانيوم UF6، ومن ثم تفصل النظائر لإنتاج U235 و U238 الأثقل وزناً. وفيما يستخدم اليورانيوم العالي التخصيب (نحو 85%) كوقود نووي في الأسلحة النووية، يستخدم الأقل تخصيباً لتشغيل المفاعلات النووية.
إذن، إن الطاقة النووية المتوافرة الآن هي الطاقة الحرارية التي يتم الحصول عليها بواسطة المفاعلات الذرية من خلال عملية الانشطار النووي. وتستخدم الحرارة المنبثقة من هذه الوسائل النووية والذرية في توليد الكهرباء عبر توربينات تعمل بواسطة بخار الماء.
ولكن عملية الانشطار النووي الحالية فيها مخاطر بيئية. فما هي تلك المخاطر التي ربما تنجم عن صناعة المواد المشعة وتشغيل المفاعلات النووية؟

في ضوء حاجة العالم المتزايدة للطاقة، وفي ظل القلق العالمي المتنامي من مشكلات التغير المناخي وارتفاع معدل درجة الحرارة في الغلاف الحيوي وآثارها الكارثية المتوقعة على العالم بأسره خلال هذا القرن، كانت الأنظار قبل كارثة المفاعلات النووية في فوكوشيما على إثر زلزال اليابان بتاريخ 11/3/2011 تتجه صوب الطاقة النووية كبديل لمصادر الطاقة التقليدية التي تنتج بفعل احتراق الوقود الأحفوري (الفحم والغاز والنفط ومشتقاته) والتي تكاد تسهم في نصف التلوث الذي يصيب العالم اليوم وتؤدي إلى التغيرات المناخية التي بدأنا نشهدها بالدليل الملموس منذ العقدين الأخيرين من القرن العشرين، حيث حسم النقاش بين العلماء إثر تأكيد رصدات ارتفاع معدل درجة الحرارة، المرتبط بزيادة كمية الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي الأرضي ارتباطاً وثيقاً، فلم يعد هناك شكوك حول أسباب ظاهرة الدفء المناخي وتناميها المضطرد في هذا القرن.

وفيما كانت الطاقة النووية حكراً على الدول الصناعية الكبرى، باتت اليوم هدفاً للدول الصناعية النامية، وبخاصة تلك الدول التي تحقق نمواً اقتصادياً عظيماً كالصين والهند. كذلك، ومنذ أمد قريب، كنا نشهد توجهاً صارخاً صوب إنشاء مفاعلات نووية في مناطق مختلفة من العالم النامي، بل وفي العالم المتأخر أيضاً.
تـُظهر المقالات العربية «الطاقة النووية» بمظهر ساحر عملاق يحل المشكلات المستعصية بكبسة سحرية تلامس مصباح علاء الدين؛ كذلك نلحظ اعتقاد أصحاب هذه المقالات القصيرة بسهولة «تطوير طاقاتنا العلمية بسهولة»، وكأن الطاقات العلمية ممكنة فقط في مجال الطاقة النووية، وأنه لا يمكن تطوير طاقاتنا في مصادر نظيفة ومتجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية؛ وكأن الطاقات العلمية تخلق في غضون سنوات وتتطور من دون قاعدة عريضة يتم التأسيس لها تاريخياً!

كذلك، لا يجد المدقق في بعض الكتابات شبه العلمية مسوغاً لحديث كتابها عن «سهولة التمويل المالي» لهذه المشاريع، وكأن الطاقة النووية سهلة التمويل بمليارات لا تنضب بينما أنواع الطاقة النظيفة محظور عليها التمويل؟
ولماذا اللهاث لتوفير «الغطاء اللازم من الشرعية لتأسيس مشروع نووي سلمي»، كما جاء في بعض تلك المقالات، بينما المشاريع الأخرى لا تحتاج إلى أي شرعية خارج نطاق القرار الوطني، ولا تحتاج إلى أي خطة دولية ورقابة مستمرة تجر البلاد إلى مهاوي التبعية وإشراف الوكالات أجنبية!
ومن يقول ان هذا الخيار النووي «مصيري» وأنه إذا تأخرنا فإن ذلك سوف يجعل الأجيال القادمة «تنعتنا بقصر النظر وقلة الحيلة»، فيأتي الرد على صاحب الاقتباس من بعض الدول المتقدمة التي اتخذت قرارها المصيري بالتخلي عن الطاقة النووية وفرغت منه إلى غير رجعة، وبخاصة ألمانيا التي سوف توقف إنتاج الطاقة النووية تماماً عام 2022. وتنحو بعض الدول الأوروبية المنحى نفسه تقريباً.

وبعد أن قدّر رئيس المركز الياباني للأبحاث الاقتصادية كازوماسا إيواتا تكاليف حوادث مفاعلات محطة فوكوشيما – دايتشي في اليابان بنحو 245 مليار دولار، فهل ظل من مغامر على وجه هذه البسيطة يجرؤ على المجازفة بمقدرات بلده بهذا العناد؟
والتقليل من مخاطر المفاعلات النووية هو الهدف الثاني من المقالات التي تقرؤها، فضلاً عن الاستشهاد بالمشاريع النووية القادمة في العالم (أكذوبة النهضة النووية) التي هي أصلاً محصورة في الدول النامية نمواً هائلاً والمتقدمة تقدماً مضطرداً في ركب الحضارة، فعلى سبيل المثال، فإن المفاعلات قيد الإنشاء في العالم في شهر أيار من عام 2006 تركزت في الهند وروسيا والصين على الترتيب، من حيث العدد، أما المفاعلات المزمع إقامتها في المستقبل فتتركز في الصين والهند وروسيا كذلك، بالإضافة إلى بضع مفاعلات هنا هناك، كبلغاريا والتشيك واندونيسيا ورومانيا وتركيا وغيرها من الدول، علماً بأن هذه الدول أيضاً تعيد النظر في مشاريعها النووية، حال مفاعل بيلين Belene في بلغاريا بقدرة 2 جيجا واط.

إن الدول المتقدمة تكنولوجياً هي التي كانت على أعتاب أن تشهد صحوة نووية، أما بعد كارثة فوكوشيما 11/3/2011 فالصحوة تتمثل الآن بالعودة عن القرارات السابقة والتوجه نحو مصادر الطاقة الأكثر أمناً. لقد آن الأوان أن يدرك المروجون للطاقة النووية أن هناك هوة سحيقة (علمية وفكرية ونفسية) بين ما قبل فوكوشيما وما بعدها، وذلك على نحو مشابه للهوة التي فصلت ما قبل أحداث 11 سبتمبر وما بعدها!

ولا عيب أو ضعف في العودة عن أي قرار، بل فيه شجاعة ورؤية متجددة تتطور باستمرار لتلبي حاجات التطورات السائدة في المنطقة، أما إذا لم يستجب الإنسان لهذه التغيرات وظل على عناده فإن عواصف التغيير سوف تجتاحه وتفرض رأيها.
ومن العجيب أنه تنشر مقالات تحمل عناوين تروج للطاقة النووية بوصفها طاقة نظيفة؛ فأي نظافة يقصدها الكتاب، وما مصدرها؟ هل نظافتها تكمن في تعدين اليورانيوم أم في تخصيبه ليصبح شديد الإشعاع أم في تبريد النفايات النووية وتخزينها لآلاف السنين، أم ربما في إعادة تأهيل الموقع فيما بعد؟
وهل تحويل التبريد بالانسياب الطبيعي هو حل للمشكلة إذا تعطلت الكهرباء، ألا يمكن أن ينضب مصدر المياه أو تتعطل خطوط التبريد أو تتصدع بفعل أحمال طبيعية أو صناعية؟
وماذا سيحدث لأسعار الأراضي في دائرة قطرها ثلاثين كيلومتراً، وربما أكثر، وماذا سيحدث لأسعار المنتجات الزراعية وحصة مياه المزارعين من المياه المستخدمة لتبريد المفاعل؟
وهل الجيل الثالث من المفاعلات النووية أكثر أمناً من الأجيال السابقة؟
هل قرأتم تقارير ارتفاع الإصابة بمرض السرطان حول منطقة المفاعلات في ألمانيا بنسبة 117 % لغاية مسافة خمسة كيلومترات من موقع المفاعلات الحديثة، أو الإحصائيات التي تشير إلى امتداد الضرر الإشعاعي، وبخاصة لدى الأطفال دون سن التاسعة، لمسافات قد تصل إلى 50 كيلومتراً؟ وهل قرأتم عن حوادث مفاعلات الدورة المضغوطة للمياه في العالم الذي نشر مؤخراً، وتحديدا الأضرار التي فعلتها المضافات الأسيدية في المياه الى الدرع الفولاذي الواقي؟
وهل ابتعاث الطلبة إلى الخارج شرط كاف لتحقيق عامل الأمان والاستدامة للمشاريع النووية؟
يجب أن نكون صريحين، فمهما ارتفع عامل الأمان في المفاعلات النووية، فهناك دوماً احتمال للخطأ إما بحكم خطأ فرضيات وضعت أصلاً من دون إثبات، أو بفعل دخول عوامل جديدة، كحوادث إرهابية أو طبيعية أو مصادفات عجيبة ليس من المستحيل أن تقع في منطقة معروفة بمطاردة المهربين عبر الحدود. فهل يحتمل الأردن أي كارثة نووية مهما قل شأنها؟
ومن هو المسؤول عن أي كارثة نووية، هل هي شركة الكهرباء أم هيئة الطاقة النووية أو هيئة تنظيم العمل الإشعاعي والنووي، أم وزارة الطاقة، أم شخصيات معينة حملت المشروع على أكتافها كشمشون الجبار؟

كان قرار ألمانيا مؤخراً بشطب المفاعلات النووية كلها في عام 2022 قراراً حاسماً لا مندوحة عنه، فلماذا لم يعارض الألمان القرار بحجة «الحمل الكهربائي الثابت» Base Line، كما نفعل نحن؟ ولماذا أوقفت بلجيكا مؤخراً العمل في المفاعل النووي الجديد لديها بعد كلفة باهظة، وبات هيكلاً عضمياً بلا حياة؟ ولماذا أصدرت السويد قانوناً عام 2003 يلزم شركة توليد الكهرباء Electrabel بإنهاء عمل المفاعلات النووية السبعة كلها في عام 2025؟ ولماذا قرر الشعب الايطالي العودة عن الطاقة النووية تماما وذلك في استفتاء عام ظهرت نتائجة بتاريخ 13-6-2011 رافضا الطاقة النووية رفضا قاطعا بأغلبية ساحقة؟
ومفاعل بلغاريا الثاني الذي يقع على نهر الدانوب في شمال البلاد، الذي أوقف المقاول الروسي العمل به الآن، انطلق من تقديرات للتكلفة بلغت 4 بلايين يورو، ثم ارتفعت إلى 5، وما لبث أن قفزت إلى عشرة بلايين يورو؛ وفي ضوء كارثة فوكوشيما أوقفت الحكومة العمل به الآن.

لقد ازداد إنتاج العالم من الكهرباء بالخلايا الكهروضوئية من 2500 ميجا واط عام 2006 إلى أكثر من 10500 ميجا واط عام 2009، أي أكثر من أربع مرات، لماذا؟ وفي هذه الأثناء انخفضت تكلفة توليد الكهرباء بهذه التكنولوجيا خلال تلك الفترة نحو 50%. أليس ذلك مؤشراً كافياً للانخراط في هذه المشروعات الوطنية المستدامة النظيفة؟

والحال مماثل في مشاريع طاقة الرياح، فقد تضاعف إنتاج السويد، مثلا، من طاقة الرياح خلال الفترة الواقعة بين عامي 2006– 2008، وكذلك الأمر في إسبانيا وألمانيا وغيرهما من الدول الأوروبية، وكذلك بريطانيا كما سوف نعرض مثال الملكة اليزابيث الثانية التي استثمرت في أضخم مروحة رياح في العالم .
فلماذا ما زالت عطاءَات مشروعي الكمشة لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح في جرش والفجيج في الشوبك يراوحان مكانهما، ولماذا تـُهمل مناطق رأس منيف وحوفا والصفاوي، بينما سرعات الرياح فيها تتراوح بين 5 – 8 متر / الثانية، وهي ممتازة واقتصادية بما لا يدع مجالاً للشك؟
قررت الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا الاستثمار في طاقة الرياح لتوليد الكهرباء النظيفة والمستدامة، إذ يتم حالياً بناء أضخم توربين في العالم لحساب هذه «الملكة الخضراء» التي تعشق الطبيعة وتغار عليها من التلوث الذي ينجم عن احتراق الوقود الأحفوري والنشاطات الزراعية والصناعية المتنوعة.
تبلغ قدرة توليد العمود الواحد من هذا التوربين العملاق 10 ميجاواط، أي أن نحو مئتي مروحة من هذه المراوح العملاقة تكفي حاجة الأردن بالكامل من الطاقة الكهربائية. وإذا أضفنا البشائر الطيبة من غاز الريشة الذي ربما يزود المحطات الحرارية بما لا يقل عن 200 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً نحو عام 2015، فإن الوضع سيكون مثالياً
وتفاخر الملكة إليزابيث بأن المروحة الهوائية الواحدة التي اشترتها سوف تبدأ في العمل في العام القادم 2012، وذلك فوق شواطئ بريطانيا، وأن هذه «الجنية العملاقة» يبلغ ارتفاعها 574 قدماً، أي ما يدنو من 200 متر، وأن شفرات المروحة العملاقة تصل إلى ارتفاع فوق سطح الأرض أعلى من ارتفاع قامة ساعة بيغ بن الشهيرة التي تتربع في وسط لندن - العاصمة البريطانية.

ومما دفع الملكة إليزابيث الثانية إلى الاستثمار في الطاقة النظيفة إدراكها الواعي للغازات الدفيئة التي يطلقها الوقود التقليدي عندما يحترق، وإدراكها الواعي كذلك بحجم التلويث الذي أصاب العالم، سواء على صعيد الغازات الدفيئة، كثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان وأكسيد النيتروز وغيرها من غازات ومركبات تسهم في رفع معدل درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض وما يتبع ذلك من انحباس حراري وتغير مناخي سوف يؤدي إلى ذوبان الثلوج في القطبين وغمر الكثير من الشواطئ والبلدان نتيجة ارتفاع منسوب البحار والمحيطات. وكذلك تدرك الملكة أن العالم أخذ يبتعد بسرعة عن إنتاج الطاقة النووية، سواء من جهة التكلفة المرتفعة أو بفعل المخاطر الإشعاعية المرتبطة بها، فضلاً عن إشكالات تلويث البيئة الكارثي الذي يصاحب عملية تعدين اليورانيوم.

وبناءً على ما سلف، صرحت الملكة إليزابيث أن المروحة العملاقة التي اشترتها مكفولة لمدة ثلاثين عاماً، وأنه عندما تنتهي مدة خدمة هذه «الجنية العملاقة» فإنها تكون قد أسهمت في توفير مليوني برميل من النفط الخام، أو ما يقابلها من مصادر تقليدية للطاقة، وبالتالي فإنها تكون قد أسهمت في إنقاذ العالم مما كان سوف ينجم عن احتراق هذه الكميات الضخمة من الوقود الأحفوري من ثاني أكسيد الكربون الذي يقدر العلماء وزنه بما يقارب 724,000 طناً، أي ما يقارب ثلاثة أرباع مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون وحده؛ ناهيك بالكميات الأخرى من الغازات الكثيرة المصاحبة للاحتراق، مثل أكاسيد الكبريت والنيتروجين وغيرها.
وإذا قارنا هذا الرقم الذي يمثل وزن الكربون بما ينتجه الأردن من ثاني أكسيد الكربون، فإن هذا التوربين العملاق وحده يوفر من إنتاج ثاني أكسيد الكربون ما ينتجه الأردن خلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع نتيجة النشاطات الملوثة للبيئة مجتمعة، وذلك بفعل حرق الوقود التقليدي لإنتاج الطاقة.
وتطمح الملكة إليزابيث من استثمارها في طاقة الرياح إلى دعم تحول بريطانيا إلى إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر نظيفة ومستدامة للطاقة، كما تطمح إلى أن يتحول موقع توربين الرياح إلى موقع سياحي يرتاده السياح على غرار الأعداد التي لا تحصى من السياح الذين يزورون بريطانيا لرؤية ساعة بيغ بن والبرلمان الإنجليزي والقصر الملكي وكاثدرائية وستمنستر؛ إذ تتطلع دول العالم اليوم كي تحذو حذو ملكة بريطانيا في التأسيس الأخضر للطاقة النظيفة كمفتاح لحل مشكلات الطاقة في العالم ونشر الوئام بين الثقافات المختلفة بدلاً من زرع بذور العداوات بين الدول من خلال نشر الوقود النووي كوسيلة للسباق على التسلح من جديد.
إن الاستثمار في الطاقة الشمسية أو في طاقة الرياح لا يخلق عداوات وحروب بين الجيران لأن الشمس والرياح مدد طبيعي يمتلكه الجميع في عقر دارهم ولا داعي لاحتلال أرض الغير للاستحواذ عليه كما حدث في العراق.
واليوم يتم تدارس مقدار التلوث الناجم عن تعدين اليورانيوم، وبخاصة بعد اجتماع كوبنهاجن عام 2009 واجتماع كانكون في المكسيك عام 2010، ففي ضوء ضبابية تجديد اتفاقية كيوتو 2012 يتردد في أروقة الأمم المتحدة، وفي أدراج الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي، أنه ينبغي أن تفرض ضريبة على المصادر الملوثة للطاقة؛ ربما تكون نحو 60 دولاراً للطن الواحد من غاز ثاني أكسيد الكربون، ومن المتوقع أن تدخل قيد النفاذ نحو نهاية عام 2012؛ عند ذاك، فإن أسعار الطاقة النووية والطاقة المولدة من الفحم التي تطلق في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها 50 طناً من الزئبق سنوياً، سوف تصبح من أكثر أنواع الطاقة تكلفة.
وإذا أضفنا إلى حسابات تكلفة الطاقة النووية هامش الضرر المحتمل، من تعدين اليورانيوم واستخدامات النفايات النووية ومخاطر الحروب، فلن يختلف اثنان أن الطاقة النووية هي الأعظم تكلفة في هذا العالم والأشد خطرا بلا منازع!
يقول المثل العربي: «إسأل مجرب ولا تسأل حكيم»، فاسمعوا صيحات انطلقت من حناجر عشرات الآلاف من المتظاهرين في اليابان في ذكرى كارثة فوكوشيما لثلاثة أشهر التي صادفت في 11-6-2011، إذ رددت هذه الصيحات: «الطاقة النووية مكلفة للغاية....الطاقة النووية خطرة للغاية»!
وإذا تحققت ضريبة التلويث القادمة لكل طن ثاني أكسيد الكربون تطلقه الصناعة النووية، من خلال التعدين والتخصيب وإقامة البنية التحتية وإعادة تأهيل الموقع...إلخ، فإننا نتوقع في السنوات القليلة القادمة أن تكون أقرب محطة طاقة نووية للكرة الأرضية على « الشمس»!
نحن لا ندّعي أننا نحب الأردن أكثر من غيرنا، ولكننا سوف نجود بالغالي والرخيص حتى نتركه سليماً معافى للأجيال القادمة، ولن نقبل باحتمال حدوث كارثة، حتى لو كانت الاحتمالية واحداً إلى مليار، فالتلوث الإشعاعي هو أخطر أنواع التلوث بلا منازع، وقيمة الوطن بأهله وسكانه وبيئته الحيوية، فإذا قضى السكان وتشوه الخلق وانعدمت الحياة الطبيعية فيه، فهل يظل الوطن على النحو الذي نعرفه؟

وهل الطواقم المسؤولة عن الترويج للطاقة النووية مستعدة لتحمل المسؤولية عن أي حادثة في المستقبل وأن تعوض الأضرار الناجمة عن التلوث الإشعاعي وخلافه على المدى القصير المتمثل في الضرر بالناس والإنتاج النباتي والحيواني وتلوث المياه السطحية والجوفية، وأيضاً على المدى البعيد من حيث معالجة إصابات السرطان والتشوه الخلقي واللوكيميا وغيرها من الأمراض التي تعتبر الأكثر تكلفة للمعالجة من غيرها على الإطلاق؟
لقد انتشرت غيمة الإشعاعات الناجمة عن كارثة تشرنوبل ولوثت مناطق بلغت مساحتها 200,00 كيلومتر مربع، أي ضعف مساحة الأردن، فهل نحن مستعدون للتعويض للشعب الأردني وأجياله القادمة!
هناك شروط لإنشاء المشروع النووي: المادة الخام واستدامتها ونوعيتها، تكنولوجيا تصنيع الوقود النووي، طبيعة رأس المال وحجمه، الاحتكارات النظرية والعملية، الخبرات وتطويرها، تحقيق الحد الأدنى من درجة الأمان على أصعدة حماية البيئة والعاملين في الموقع، القدرة على تملك العلم والتكنولوجيا والقدرة على الحد من التلوث الناجم عن هذه الصناعة بمجملها ونسبة الطاقة الكهربائية مقارنة بالحمل الكهربائي الكلي، فضلاً عن الآراء الشعبية الايجابية. فهل هذه الشروط جميعها متوافرة لدينا؟ لا اعتقد أن أياً من هذه الشروط متوافرة، لا على مستوى نوعية المادة الخام ولا على صعيد استدامتها، أو تملك التكنولوجيا أو رأس المال، ولا حتى على صعيد ثقافة الأمان؛ وأعتقد أننا جميعاً نتفق على ذلك.