مركز الرأي للدراسات
اعداد : حسني عايش
اب 2011
في بحثٍ لها دقيق وعميق نشرت خلاصته في مجلة : (Middle East Women›s Studies, Vol.7, iss2, spring, 2011) الأمريكية، تكشف الباحثة سمادانا لاي، المتخصصة في أنتروبولوجيا مصر وإسرائيل وفلسطين، وبخاصة في مواضيع العِرق والجنس والدين، عن معلومات مثيرة عن المجتمع اليهودي (في إسرائيل) لم نكن نحن وحماس والجهاد الإسلامي نعرفها، وقد أضرّ بنا جهلنا بها سياسيا ً بقدر ٍ يصعب محو أثره، وإن كان بيننا من يرد: أنه لا فرق في النتيجة عرفنا ذلك أم لم نعرف.
تفيد خلاصة البحث المنشورة في المجلة أن السكان في إسرائيل (فلسطين المغتصبة) يتكونون من التالي :
عشرين في المائة فلسطينيون
خمسين في المئة يهود مزراحيون (شرقيون إجمالاً) مهاجرون من البلاد العربية، والمسلمة (مثل تركيا وإيران) وغير العربية وغير المسلمة (مثل بلغاريا والهند) بالإضافة إلى السفارديم أي اليهود الذين طردوا من الأندلس بعد القضاء على الوجود العربي الإسلامي فيها (ومزراح تعني الشرق أو المصلين الذين يتوجهون بصلاتهم نحو القدس)..
يشكل المزراحيون الذين تصفهم حكومات إسرائيل باليهود المنحدرين من آسيا وإفريقيا، خمسة عشر في المئة من يهود العالم ويقيمون في إسرائيل.
يرفض اليهود المزراحيون وصفهم باليهود العرب الذي يطلقه عليهم اليهود في الشتات للتفريق بينهم وبين اليهود الأشكناز. وهم يعتبرون أنفسهم إسرائيليين أولا ً ويهوداً ثانيا.
ثلاثين في المئة أشكناز وهم اليهود الذين قدموا أولاً إلى فلسطين من وسط أوروبا ثم من غربها ثم من أمريكا... وقد قدمت أول موجة منهم إلى فلسطين سنة 1882م ثم تتالت موجاتهم بعد الهولوكست ، ويشكلون ما نسبته خمسة وثمانين في المئة من يهود العالم.
يخفي الخطاب الإسرائيلي الرسمي المخادع حقيقة أن أكثرية اليهود في إسرائيل مزراحيون. ولإنجاح هذا التضليل تستخدم دائرة الإحصاء الإسرائيلية مصطلح «اليهود المولودين في إسرائيل»، مما يجعل اليهود الذين لا يعرفون هوية الوالدين يعتقدون أن الأشكيناز والمزراحيين متساوون في العدد تقريباً في إسرائيل «مع أن معظم اليهود المولودين في إسرائيل مزراحيون» وبخاصة لارتفاع نسبة المواليد بينهم ، وانخفاضها عند الإشكناز.
يلاقي المزراحيون العنت والمشقة من ضغط الإشكناز(السكناج كما كانت تسميهم العامة في فلسطين) المستمر عليهم منذ وصول الموجة الإشكنازية الأولى إلى فلسطين 1882م للتخلي عن ثقافتهم العربية أو المتوسطية، ومن إجبارهم منذ هجرتهم القسرية (على يد إسرائيل) إلى فلسطين بعد سنة 1948م على السكن في المستعمرات الحدودية ومدن التطوير. لقد جعلت منهم السياسة العنصرية اليهودية مصدرا ً للعمالة الرئيسة والرخيصة في المزارع والمصانع، مثلهم في ذلك مثل الأقلية الفلسطينية ، بينما استأثر الإشكناز بالتعليم العالي والمهن والوظائف العليا المدنية والعسكرية في الدولة.
لا يقتصر هذا التمييز على المؤسسات الرسمية والاقتصادات فقط، بل يمتد أيضا ً إلى المؤسسات السياسية والحركة النسوية حيث الانقسامات حادة بينهما. لقد أدّت هيمنة الإشكناز على المشهد النسوي الإسرائيلي إلى بروز متأخر جدا ً للحركات النسوية المزراحية. ولكن سيطرة أو علو نبرة الخطاب الأمني على الساحة الإسرائيلية يخفي العنصرية اليهودية اليهودية المتفشية في إسرائيل، ويجعل جميع اليهود من مختلف المنابت والأصول يتحدون ضد العدو (الفلسطيني والعربي) ويعتبرون الأقلية الفلسطينية بمثابة قنبلة ديموغرافية موقوتة.
غير أنه في اثناء ذلك تنتقد الحركة النسوية المزراحية الطبقية والعنصرية الإشكنازية التي تعامل بها نساء المزراحيين والفلسطينيين في «إسرائيل»، فحتى سنة 1991م ظلت القائدات المتحدثات بإسم الحركة النسائية في إسرائيل «إشكنازيات – ما خلا مزراحية واحدة وفلسطينية واحدة – كانت النكتة المتداولة حينئذٍ في أوساطهن: إن أدوات السيد لن تفكك بيت السيد؛ بمعنى أن على المرأة المزراحية أن تظل تخدم في البيت الإشكنازي وتنظفه وتجلس مع الأطفال فيه، لتتفرغ المراة الإشكنازية لأنشطتها الخارجية.
وقد استمر خنوع المرأة المزراحية إلى أن رفضت المشاركة الرمزية في لقاءات المؤتمر النسوي للمرأة في إسرائيل، حين طالبت بتمثيل متناسب لكل مجموعة مع ثقلها السكاني: المزراحية والفلسطينية والإشكنازية.
صارت جميع الأحداث والمناسبات النسوية غير الأكاديمية منذ سنة 2000م رباعية (النظام الرباعي حسب التسمية الرسمية)؛ بمعنى وجوب تمثيل الفئات السكانية الأربع: المزراحية، والفلسطينية، والإشكنازية، والمثليات الجنس. أما الأحداث والمناسبات النسوية الأكاديمية فقد ظلـّت إشكنازية.
المشكلة أن النساء الإشكنازيات في الخارج لا يعرفن عن هذا الانقسام أو التقسيم النسوي في إسرائيل، مما جعل كثيرا ً منهن لا يتعرّضن إليه ويقصرن احتجاجهن على عنصرية إسرائيل ضد غير اليهود في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبما أن الخطاب المزراحي الخاص بالعنصرية اليهودية اليهودية خافت أو مقموع بالهيمنة الإشكنازية، والخطاب الأمني، والعدو المشترك، وبالحاجز اللغوي (جهل المزراحيين باللغة الإنجليزية الذي يمنعهم من السفر إلى الخارج أو التفاعل معه) فإن الانقسام العنصري اليهودي اليهودي يظل غير مرئي، أو غير مألوف، أو غير معروف من معظم اليهود التقدميين في الخارج.
وترى الحركة النسوية المزراحية سخرية كبيرة (أو نكتة بايخة) في التناقض القائم بين تأكيد الحركة النسوية الإشكنازية لحقوق الإنسان الفلسطيني والمرأة الفلسطينية، وصمتها عن حقوق الإنسان المزراحي والمرأة المزراحية المنتهكة.
لعل هذه الممارسة هي التي دفعت النساء المزراحيات (والرجال) ينعطفن نحو اليمين منذ سنة 1977م، أي عندما أظهر مناحيم بيغن أول مسؤول (حزبي) إسرائيلي كبير إهتماماً بمشكلات اليهود المزراحيين، وعمل على تحسين أحوالهم المعيشية والسكنية، فصوتوا له وناصروه في الانتخابات النيابية للكنيست، مقابل تفكيك تحالف حزب العمل وميرتس منذ سنة 1993م – 1999م نقابات العمال ونقل الأعمال إلى الخارج: إلى مصر والأردن (المراكز المأهولة) وجنوب إفريقيا وجنوب شرق آسيا، مفضّلين توظيف الأيدي العاملة الأجنبية الرخيصة على توظيف العمالة النسائية المزراحية والفلسطينية الأكثر كلفة في إسرائيل. كما خصخصا القطاع العام وخفضا مستحقات الضمان الاجتماعي للمحتاجين.
كان أحد شعارات اليسار في المظاهرات: موّلوا القلنسوات (القبعات) في الأحياء القذرة في المدن ومدن التطوير بدلا ً من تمويل المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومن السخرية بمكان عند المزراحيين إستغلال الكيبوتس –أي النموذج الصهيوني الاشتراكي المستنير– العمالة المزراحية الرخيصة للعمل في الأعمال الصعبة وبأجور أقل وبلا حقوق. ومما زاد الطين بلة والنقمة على الفلسطينيين شِدّة في نظر المزراحيين تفضيل العمالة الفلسطينية (في الضفة والقطاع) الأقل كلفة للعمل في المزارع والمصانع والخدمات، ثم العمالة «المستوردة» من الخارج، على حساب المزراحيين.
لطالما وصف اليسار الإشكنازي المزراحيين بالجماهير الرجعية والشوفينية، وان شعاره: موّلوا القلنسوات في الأحياء القذرة ومدن التطوير، لا المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، المحتليّن. يتجاهل –عمداً– حقيقة أن المزراحيين هم الأكثرية الصامتة في مستوطنات الضفة والقطاع. إنه لا يرفع هذا الشعار العنصري لتمويل الأحياء القذرة في الناصرة الفلسطينية، والناصرة المختلطة، وجنوب تل أبيب الذي يقطعون نصف ميل للوصول إليه لأكل الشيش كباب والخبز العراقي الرخيص.
تستمر هذه العنصرية الإشكنازية دون توقف لأنه من المسلم به عند اليسار الإشكنازي إخلاص المزراحيين للدولة. وبالفعل يستمر المزراحيون بالتصويت لصالح اليمين الإسرائيلي بغض النظر عمن يكون الحزب الحاكم، وعلى الرّغم من تجاهل الحركة النسائية الإشكنازية الانقسام العنصري الطبقي في إسرائيل.
يعيش اليهود المزراحيون في محنة؛ فهم لا يقارنون بالفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة الذين يعيشون تحت فظاعات القوة العسكرية الإسرائيلية، ولا بالأقلية الفلسطينية في إسرائيل التي تواجه بالتصرفات اليومية الأبارتيدية التي تقوم بها إسرائيل ضد مواطنيها الفلسطينيين.
يقع المزراحيون حسب وضعهم الاقتصادي والثقافي في الوسط. ولكنهم لا يزالون ينتظرون الوعد اليوتوبي الصهيوني بالخلاص. وهم مثل جميع اليهود في إسرائيل، ملزمون بالخدمة في الجيش لكن الخدمة في الجيش لم تعد جذابة للإشكنازيين منذ سنة 1982م، الذين يدرسون في الجامعات، ويعيشون في الضواحي المرفهة، ويعملون في الوظائف المدنية العليا بعيدا ً عن خطوط القتال... بينما يُعدّ المزراحيين ويُدرّبون للعمل في وحدات المشاة والدروع والخطوط الأمامية للجبهة، مما يجعلهم معرضين لمزيد من الإصابات، وأهدافاً للإنتحاريين (الإستشهاديين) الفلسطينيين، لأن التفجيرات تقع –عادة– في حافلات النقل العام التي يستخدمها المزراحيون غالباً، لأنهم لا يستطيعون شراء سيارات خاصة كالإشكناز.
وهناك أيضاً – الأحياء المزراحية الفقيرة الجذابة للتفجيرات (لعدم قدرتها على استئجار الخدمات الأمنية الخاصة) والمحرومة من حراسة الشرطة ما خلا مداهمتها في حالة الإغارة على مهربي المخدرات .
عندما اندلعت الحرب مع لبنان سنة 2006م تمّ توفير ملاجئ مكيفة للكيبوستات الإشكنازية، الشيء الذي لم يتوفر للمستعمرات الحدودية ومدن التطوير المزراحية، مما جعل الحركة النسوية المزراحية تحتج علناً وبجرأة غير معهودة أنه تم التضحية باليهود المزراحيين من أجل المغامرة العسكرية الإسرائيلية.
(لم تكن حماس والجهاد الإسلامي تدركان معنى التفجير في باص أو في كراج، بالنسبة لهذه الشريحة اليهودية. كانتا كأنهما حليفتان للإشكناز ضدها) مما دفع اليهود المزراحيين بعيداً إلى اليمين، وزاد من كراهيتهم وعدائهم للفلسطينيين. لقد ابتعدت مؤسسات المجتمع المدني المزراحية عن الاهتمام بحقوق الشعب الفلسطيني وعن التعاون مع الحركة النسوية الفلسطينية في إسرائيل، وكذلك مع الحركة النسوية الفلسطينية في الضفة الغربية بسبب تحالفها مع حماس(كما تدعي). (طبعاً سيرد المنحازون إلى الحركتين بأنه لا فرق سواء أصابت التفجيرات المزراحيين أو الإشكناز، فاليهود ملـّة واحدة، وإن لم تؤد التفجيرات إلى تحقيق هدف واحد ادعته حماس والجهاد. بربك قل لي: هل وضع فلسطين والفلسطينيين أفضل بعد التفجيرات أم أسوأ؟ لقد حققت مظاهرات بلعين السلمية أكثر بكثير مما حققته تفجيرات حماس والجهاد في المدنيين اليهود المصادفين، مما أجبر الرئيس المقال هنية –أخيراً– على الدعوة إلى المقاومة المدنية أو السلمية، ولكن بعد فوات الأوان بالجدار والفصل التام اللذين بررتهما التفجيرات. كانوا يكفروننا لدعوتنا إليهم لممارسة المقاومة المدنية/السلمية فقط ).
إن قدرة الحركة النسوية المزراحية على تحدي النظام محدود بسبب تهديد مصادر التمويل لها إن تمادت بمطالبها. وهي لا تستطيع الإشارة إلى الأيدولوجيا الصهيونية الإشكنازية الخبيثة الخاصة بتحديد النسل وممارساتها ضد المزراحيين، يوم كانت تجبرهم على التعقيم، وتعرضهم لجرعات مرتفعة من أشعة إكس في تجاربها عليهم دون موافقة مسبقة، وانتزاع أطفالهم من أحضان أمهاتهم ليتبناهم الإشكناز، وان ذلك ينعكس اليوم بمعاملة الفلسطينيين السيئة. ولكن المزراحيين صامتون فلا يتحدثون عن هذا التشابه المزراحي الفلسطيني.
وهم (في سرّهم) يرون أن حلّ الدولتين والإنكار التام لحق الفلسطينيين بالعودة، محسوب على أساس احتفاظ الإشكناز في إسرائيل بالنفوذ والهيمنة.
لقد أصبح جميع اليهود من مختلف المنابت والأصول في إسرائيل أقليات في المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. وإن حلّ الدولة الواحدة في نظرهم يجعل الفلسطينيين أكثرية.
يعتقد اليهود المزراحيون أن قيام الدولة الإسرائيلية الفلسطينية الواحدة سيؤدي إلى هجرة يهودية كاسحة إلى الخارج. يوجد – حالياً – نصف مليون إلى مليون يهودي إسرائيلي مسلحون بجوازات سفر أوروبية حصلوا عليها منذ أن بدأت الانتفاضة الفلسطينية الثانية سنة 2000م (وكأن خير سلاح امني لليهودي الإسرائيلي هو الحصول على جواز سفر أوروبي أو أمريكي ليطير به في الحال إلى هناك إذا اضطرب الأمن وتهدد البقاء في إسرائيل).
ويرى المحللون أن حلّ الدولة الواحدة سيدفع أصحاب المهن العليا ومعظمهم إشكناز إلى الهجرة إلى أوروبا وأمريكا، أما القشرة المتعلمة من المزراحيين فستهاجر إلى بلدان مثل كندا وأستراليا وأمريكا اللاتينية.