الساعة

السؤال الاهم حول الاقتراحات الدستورية

27/08/2011

مركز الرأي للدراسات

اعداد : احمد يوسف بدادوة

اب 2011

عدم ادراك الحد الواقعي للقضايا السياسية والحقوقية والمدنية، هو ضرورة الوعي لجعل حدود الدولة مع حدود السلطة واشتراكها مع جميع مواطنيها وهذا اولا، فلا غلبة لمنطق السلطة ولا غلبة لمنطق الفئة التي تحتكر المطالبات لنفسها، والا فهو سعي البعض لأوراق مشبوهة من خلال هذه المطالبات، ما سيفقد هذه الفئات صحة ما تدعيه.
فما اقتبس من توصيات اللجنة الملكية لمراجعة الدستور، هو مفهوم للتصور الجدلي بالتحديد الذاتي للشعب، أي انه لا مجال سياسيا او قانونيا او قضائيا يفصل المجتمع المدني عن المجتمع السياسي، او ان هذه المجالات شيء خاص وحصري لفئة السلطة السياسية او التنفيذية وحدها.

لذلك فان اعادة تعريف مراجعة الدستور ودلائله، قد حل محل المنطق الذي يحاول البعض إبعاده عن سائر الحقوق المدنية والسياسية للمجتمع، وهم بهذا إما لجهل منهم لمفهوم الادارة العامة للاصلاح، او عدم امتلاكهم القدرة بتقديم البرامج التي تصب كاصلاحات فعلية.

هذا ما استشف منه عند استلام الملك توصيات اللجنة الملكية لمراجعة الدستور ومن ثم دعوته للفئات والقوى السياسية على اختلاف اشكالها للانخراط بالمشروع الاصلاحي والمؤسسي، وتقديم مشاركتهم الفعالة بعد بلورة الخطوط الرئيسية لهذه التعديلات. وما هي الا دعوة سليمة تليق بحامل رسالة حضارية، قام على اثرها قلة من المشككين ببث الانتقادات حول هذه التعديلات وتوزيعها كشكوك ليس لها تأثير، فمهما يكن الرأي في هذه المراجعات الدستورية، فان كان هناك ردود فعل متوقعة من قلائل، ما هو الا تعبير عن كلام لعله المبطن بنزعة الكلام الذي لا يريد أصحابه الكشف عن اختلال التوازن بقياسهم.

فلو جئنا من الزاوية التي تتعلق بفصل القضاء واستقلاليته عن السلطات الاخرى بما فيه من عدم تغول الواحدة على الاخرى، وتشكيل محكمة دستورية للاعتراض على القوانين الدستورية، ثم انتقلنا لتعزيز الاعلام وصون الحريات الخاصة والعامة وتعزيز التوقيف او الاعتقال او التعدي على كرامة المواطنين او ممارسة الضغوط عليهم وتضييق الحريات وعدم محاكمة الفرد الا امام محاكم مختصة مدنية، ثم اقرار قانوني الاحزاب والانتخابات ومشاركة الجميع بالحياة السياسية.

كل هذا وغيره جعل استقرار المصطلح لدولة القانون هو نفسه المصطلح للدولة الحديثة خصوصا اذا ما كانت المعادلة الرئيسية لتحقيق هذا المصطلح هو ما اقره. الدستور من ايجاد الارضية او المناخ الذي سيحقق المبادئ والقيم الانسانية والاجتماعية والسياسية للجميع.

وفي هذه الحال اذا لم يدرك البعض امام هذه المراجعات الدستورية، ان الحياة الاجتماعية والسياسية وصون حقوق الانسان في دستورنا قد اثبت انه الدستور الذي يتجنب انزلاق النتائج الفضلى حتى لا يبتعد بها عن حقوق المواطن وحريته وكرامته فإذا لم تدرك هذه الفئات واصرت على ما هي عليه، فهو التأكيد على ضعف هذه القوى وشرعيتها وبرهان واضح للتخبط الذي تقوم به لا يعتمد الا على تكهنات.

فهذه الخطوة في التعديلات الدستورية، هي الموقف الثابت والمنظم لدى قيادتنا الاصلاحية منذ استقلال البلاد، وهي لا تحتاج الى الشرح او التعريف لانها بنيت على الوعي بحكم الدستور الاردني منذ اقراره.

فما يجعل من استمرار التقدم ودعمه على طريق الاصلاح، هو ان يعلم البعض فور صدور هذه التعديلات الجريئة أن أول خطوة بالعمل السياسي والاصلاحي يجب ان تستند للتحليل الموضوعي والمسؤولية الوطنية، والا فان نطاق العمل بردود الفعل والتكهنات من أي جهة كانت سيضع الكثير منهم في محاولات فردية فاشلة سواء امام الرأي العام المحلي او الخارجي او امام الشارع باكمله.

فعندما تتحقق الاهداف الكبرى وهي امن واستقرار البلد الذي بتوفره سيحيا الانسان، فان تفاصيل حياة المواطن الاجتماعية والاقتصادية الاخرى ربما لسهولة حلها لا تناسب عمل ما يدعيه البعض من العمل السياسي، وهو ما لم يستطع البعض التفريق بينه وبين الهدف الاسمى وهو الأمن والاستقرار.

أي بمعنى انه لا يمكن ان تكون حياة الشعب الدستورية مرتبطة بشعارات واهداف بعض الجهات بقصد توظيفها سياسيا، مقابل ازاحة النظر من خلال هذه الشعارات عن المشكلات الفعلية والأهداف الرئيسية في الظروف الراهنة، وهي تحصين الوطنية والحفاظ على الساحة الاردنية من أي انعطاف او انزلاق امامها.

فتوزيع القوى السياسية لنفسها للمشاركة على الصعيد الوطني، لا يمكن ان يحصن بعيدا عن الدستور وهذا ما يجب ان تعلمه هذه القوى. فان السؤال الذي ينبغي ان نطرحه على تلك الفئات اذا ما توسعوت بتخبطاتها التحليلية هو، هل حاجات المجتمع الفعلية ستصبح كالزيت الذي سيصب على تبديد شرعيتها في هذه الأوهام وعاملا من عوامل ضعفها، اذا ما علمنا ان الحاجات الفعلية للوطن والمواطن هي امنه ووحدته اولا واخيرا.

ومن هذه الزاوية يمكن القول ان ما بدأ البعض من تقديمه او تأخيره من تعليقات مشككة حول التعديلات الدستورية، ما هو الا فرص واضحة تنطوي على نزعة الرفض الذي يبنى على مبدا عدم تحديد الرؤية.

فتجانس ونقاء المعقول بمسؤولية قيادتنا غير قابلين للمناقشة، لأن التمام والثبات والدوام بتوارث الثقافة والسياسة لا تكون الا من خلال سيادة اثبتت قدرتها على إدامة المعادلة الاصعب في عمل الشعوب وعدم تهميشها بين العرب والمسلمين وبين الشعب الواحد، لذلك فان تفوق قيادة الملك الاصلاحية والسياسية والاقتصادية ومن قبله القادة الهاشميين بتتبع هذه المعادلة، هو السيادة والتفوق الذي كان وما زال يتوارث بأخذ البلاد والعباد نحو التقدم وعدم التبعية.

لذلك فقراءة الواقع لبلدنا الذي نريده وتقدمه، هو احد شروط الفكر الملكي في تقدم هذا البلد ونهضته، وهو مشروع الاصلاح الديمقراطي الذي يتلاءم مع تقدم العصر وليس الاصلاح بضعفه وهزله وعيب من ينادي به, فالمنطق بقراءة واقعنا هو ضرورة الوقوف خلف هذه القيادة بكل ما تقوم به والسبب كما اوضحنا من اجل سيادتنا وتجنب المخاطر المحدقة بنا، وهو الواقع الذي لا سبيل للتغاضي عنه بغية استمرارنا لأنه واقع الدستور الذي يبتعد عن الزيف والخيال، فماذا يريد البعض اكثر من ذلك.

فالمؤشر الأساسي الذي يحدد ما اذا كانت هذه الفئات المشككة تسير في الاتجاه الصحيح ام لا، هو ان تحدد اهدافها بكل صراحة ووضوح ومن ثم طرح الوقائع إن وجدت لديها وليس الوقائع دون بيانات كما تعودت ان تفعله من قبل.

فالاستراتيجية اذا توفر الفهم التام لها من اصحاب هذه الشعارات واعتقدوا بامكانية توزيعها في محيط فكرهم، فهي إستراتيجية تحتاج الى هندسة في التوزيع لمجالات. واعمال اكبر وادق تشتمل القدرة الفعلية على تطبيقها،تماما كالتخطيط الاستراتيجي الذي يحتاج الى متطلبات خاصة ودقيقة في التقنية والقدرة على تنفيذها.

ومحورية السؤال هنا، هل يرتبط ذلك بوجود المهارة او القدرة او شيء منهما لدى هؤلاء باستخدام هذه المجالات، ام هو ما يستشف من هذه المطالبات وهو خلق ظروف لتحقيق مواقع محددة لهم، اشبه بالتزاحم على علو المركز او السلطة من خلال طرق يرون انها ملائمة او هيأوا لأنفسهم انها ملائمة لتحقيق ما يسعون اليه.

هؤلاء او البعض منهم، هم من سيزيدون من احباط العملية الاصلاحية من خلال الاساءة الى انفسهم عندما يدعون بأن مواقفهم هذه هو العمل المتاح لتنفيذ استراتيجيات لهم، لنكتشف بعد ذلك انها مضيعة للوقت واضعاف ثقة المجتمع بهم.

فالعامل الذي يحكم بين من يدعي هذه المطالبات كتحديد اعمال الملك التنفيذية او اخلال رمز القوة الأمنية وهي المخابرات او من ينادي بالغاء الضروريات لحفظ أمن البلد او اعطاء الصلاحية لمجلس النواب باقالة الحكومة متى شاء وكيف ما شاء، فالعامل الذي يحكم بين كل ذلك وبين من لا يملك فهما عميقا لبعض المجالات كالعسكرية والسياسية والدولية والأمنية وادارتها ثم يدعي متخبطا بأنه يقع ضمن قدرات بتطبيق هذه المجالات، انما هو الفشل الذي ينم عن عدم ظهور أي قوة لدينا يمكن ان نطلق عليها قدرة سياسية او حزبية من شأنها ان تحدث عملا ينسجم مع تسميتها قوى ذات موازين.

لذلك على من يتبنى هذه المطالب او انه يريد المزيد من التعديلات الدستورية، ان يحدد اهدافه للمجتمع بكل وضوح وشفافية مقرنا مفهوم افضل باستخدام وسائله المتاحة ان وجدت، والا فهو كمن يقحم نفسه ضمن جماعات تفتقر الى الجذر المعرفي والاخلاقي لمبدأ الولاء، بحيث تغدو هذه المطالب مجرد احلام وهمية لهذه الفئة او تلك ليس منها سوى تضييع الوقت واهدار الطاقة.