الساعة

المواطنة الفاعلة .. معرفة الحقوق وعدم التنازل عنها

16/06/2011


مركز الرأي للدراسات
اعداد : المحامي خالد محيسن العموش
حزيران 2011

تطور المفهوم الحديث للمواطنة قبل قرابة قرنين من الزمان عندما تشكلت الدول القومية الأوروبية. فالدولة القومية تعتبر لنفسها السيادة المطلقة داخل حدودها, وان أوامرها نافذة على كل من يقطن داخل تلك الحدود الجغرافية. ومن اجل منع استبداد الدولة وسلطاتها فقد نشأت فكرة المواطن الذي يمتلك الحقوق غير القابلة للأخذ أو الاعتداء عليها من قبل الدولة. فهذه الحقوق هي حقوق مدنية تتعلق بالمساواة مع الآخرين وحقوق سياسية تتعلق بالمشاركة في اتخاذ القرار السياسي وحقوق جماعية ترتبط بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.‏

ينطلق مفهوم المواطنة من ذلك الحق الفردي المتساوي لجميع من يحملون هذه الصفة في تقرير مصير الوطن, وخاصة مصيره السياسي بما في ذلك حكومته, وسياساتها العامة, وفي التمتع بكل ما يحققه أو ينجزه الوطن من طيبات وإنجازات سياسية واقتصادية واجتماعية في الخارج والداخل وتحمل مسؤوليات وواجبات الدفاع عن استقلال الوطن وتقدمه. فصورة الحق هنا إنما بالمحصلة هي نتيجة القوى المناقبية التي يعمل بها المجتمع لتأمين سلامته. وفي هذه الحق, لا نجد الدولة, بل المجتمع, وأوهامه,و عاداته. ولسنا نجد واقع الدولة إلا حيث نجد في المجتمع قوة فيزيائية تُخْضع, أو تُرْهب. ويهمنا هنا بالتأكيد على أن ذلك الحق الفردي الذي يسعى جميع الناس على ممارسته يجب أن ينطلق من اعتبارهم أشخاصا ذوي وجدان وعقل وكرامة مستقلين بأنفسهم عن أي مزاعم (تجمعية) سواء أكانت مذهبية أم إثنية تنكر هويتهم الفردية أو حقهم الأصيل في الحديث عن أنفسهم والتعبير الحر عنها بوضوح ودون تنازل مسبق أو ثابت. ويعني ذلك أنه لا تستطيع حكومة أو مؤسسة سياسية أو أية مؤسسة أخرى, أو طائفة أو طبقة أو جماعة إقليمية أو اثنية أو قومية أو أية جماعة أخرى مهما كانت صفتها أن تزعم ممارسة حقوق المواطنة بالنيابة عن الأفراد المنضوين تحت لوائها بالصفات الأرثية أو بوكالة عرفية أو بمزاعم تاريخية أو دينية أو أية مزاعم أخرى, فمثل تلك الفئات التي تنتشر على ساحة الوطن, والتي سيرتها ولا تزال تسيرها قضايا الماضي نحو أهداف الماضي, وإذا ما استمرت مثل هذه القضايا تتفاعل, فإنها ستقع أسيرة الفوضى وستهدم نسيج الوطن وبالتالي قوى( الأمة) فوجاً بعد فوج في اتجاه بلوغ حالة من التفكك والشرذمة وخلق الحواجز والسواتر في نسيج الوطن, فهي لن تسير قيد خطوة إلى الإمام بهذا الوطن, بل ترده إلى الوراء خطوات.‏

إذا ما كان الإدراك نشاطاً من أنشطة العقل, فالحواس ليست إلا أقنية الإدراك في الإنسان, وعبرها يتلقى الإنسان أساسيات معارفه ومصادرها, وهي التي تقدم له المعونات التي تتناسب واحتياجاته فهي موزعة في أنحاء الجسد. إلا أن هذه الحواس بحد ذاتها غير عاقلة, فكل حاسة هي أعجمية عن الأخرى, بحيث لا تمتلك حاسة التذوق مثلاً القدرة على الإبصار, كما لا تمتلك حاسة اللمس القدرة على السمع, وهكذا بالنسبة للحواس الأخرى. ويحتاج الإنسان إلى حاسة أوسع وأشمل بحيث تحيط بجميع الحواس الأخرى وتدركها,وتتبوأ عليها, ثم تتكفل بالتنسيق فيما بينها وإدارتها. فالإنسان بعقله الذي هو الشرع الأعلى, هو الذي ينظم الإدراك ويولد الوعي من داخله. فالحقائق تنشأ من وعي الإدراك, فمن سؤال (من أنا أو من نحن؟) تنشأ مسألة وعي الانتماء, التي تتألف من بعديّن متراكبين (المنتمي, والمنتمى إليه), لا يمكن فصلهما, ولا تغليب لعاملٍ على آخر, فقيمة أيٍّ منهما, رهنٌ بتفاعلهما معاً. والضمور في أحدهما, يستتبع بالضرورة قصوراً في الثاني, فينعكس عطالة في تفاعلهما معاً. وبتفاعلهما تبرز جملة مركبة ذات بنية اجتماعية- تنظيمية- تنسيقية تأخذ موقعها في حيز الفعل,وحين ضبط أدائها بمقوّمات وخصائص, يتخلق متصور وعي الانتماء ومن هنا نجد أن الانتماء يأخذ حتمية التعبير عن الوعي.ففي مقولة ( أنا أو نحن أردنيون فأنا أو نحن هنا هي المنتمي والأردنية هي المنتمى إليه الذي يقاس عليه المنتمي الذي هو أنا أو نحن, وليس العكس وعامل انتماء ال( أنا أو نحن) هنا يستند في بنائه على ما يبرز من خصائص الأردنية المنتمى إليها كثقافة استخلاص إنسانية وجودية, للوصول إلى فهم شعور الانتماء إلى الوطن ووعيه, بدءاً بالأساسيات وارتقاءً إلى المحصلات في دائرة ناموس العلاقة السببية (سبب(فعلAction) - نتيجة (رد فعل Reaction)-زمن) لابد من التركيز على أن ما يحصل يقتضي الالتزام وجوباً بالنتائج وبالتالي لا وجود لخيار آخر في الانتماء مادام في الوجوب .وإذا ما قمنا بمحاولةٍ لتحديد الشروط المنطقية الرئيسية المكوّنة للشعور بالانتماء الوطني وبالتالي المكوّنة للمواطنة انطلاقاً من ذلك الحق الفردي المتساوي لجميع من يحملون هذه الصفة في تقرير مصير الوطن وخاصة مصيره السياسي بما في ذلك حكومته وسياساتها العامة, وفي التمتع بكل ما يحققه أو ينجزه الوطن من طيبات وإنجازات سياسية واقتصادية واجتماعية في الخارج والداخل, وتحمل مسؤوليات وواجبات الدفاع عن استقلال الوطن وتقدمه, فإننا نجد بأن تلك الشروط تتركز في جملةٍ من المبادىء الأساسية :

التعايش البيئي المشترك

تعتبر الطبيعة والجغرافية الطبقة الداخلية في تاريخ حياة الإنسان ,فمع أنهما تميزان الجماعة تمييزاً واضحاً, فإنهما, فيما يختص بتاريخ الجماعة, لا تقدمان الاضطراريات إلا نادراً وفي حالاتٍ استثنائية, ولكنهما تقدمان الإمكانيات.وعندما يشعر مواطن ما بأنه ينتسب إلى أرضٍ ذات حدود جغرافية تضمن وحدة الجماعة التي ينتمي إليها, حضنت عناصر متجانسة نزلت واستقرت فيها واتخذتها موطناً لها تدور فيه حياتها, ومكنتها من التصادم, ثم من الامتزاج والاتحاد وتكوين شخصية واضحة, قوية,وحبتها بمقومات البقاء في تنازعِ الحياة.‏
فالأرض- الإقليم الجغرافي هي الأم الحاضنة وإليها يجب أن ينتمي الشعب الذي تولدت في روحه مواهب الأمة وتاريخها الثقافي والسياسي بفعل آلية التفاعل.فالبيئة- الأرض هي العنصر الأهم التي تولد الانتماء إليها وبالانتماء يتولد لحمة الشعب وتوحيده.وبذلك فإن المواطنة في هذا الإطار هي بناء نفسي وروحي وثقافي يتجاوز كلّ عوامل التباغض والتناحر والشكوك المتبادلة,وهذا الطموح والتطلّع لا يمكن أن يتحقّق إلا بالعدالة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية, حيث لا مواطنة بدون عدالة مساواة وتكافؤ الفرص, والأمم والمجتمعات التي استطاعت أن تكرّس مفهوم المواطنة في تجربتها السياسية والحضارية, هي تلك المجتمعات التي قطعت شوطاً طويلاً في بناء الديمقراطية والمشاركة العامة والعدالة المجتمعية.‏

مصلحة الوطن فوق كل مصلحة‏

إن المصالح مبدئيا,صنفان, يجب ألا يصير بينهما خلطٌ وتداخل, كما يحدث عادةً في تعميم المصطلحات الفنية. فهنالك المصالح المتشابهة, أو الشكلية, التي هي لكل فردٍ, مثلما هي لكل فردٍ آخر,كتحصيل المعاش,‏ أو ربح الصيت, أو جمع الثروة, أو أي مصلحة أخرى شخصية خاصة. فهذه المصالح, هي شكلية,أو متشابهة, ولكنها لا تقتضي اتحاد من يريدونها في المواطنة, أو إيجاد علاقة اجتماعية ثابتة فيما بينهم. وهنالك المصلحة العامة, أو المشتركة, التي يجمع عدد من الناس على الاشتراك في تحقيقها لأنها تشمل الكل, كمصلحة خير القرية, أو المدينة أو الدولة. ومهما كان الباعث على العمل لهذه المصلحة, فالمصلحة نفسها تظل مصلحة الجميع, لأنها تشملهم أي أنه قد يكون حب المجد, هو الموحي أو الدافع لبعض الأشخاص على العمل للمصلحة العامة, فتكون المصلحة في هذا المثل مركبة, بالنسبة إلى الشخص, ولكنها بالنسبة للعموم عامة بسيطة, وهنا نضطر إلى التمييز بين المصلحة العامة الأولية بالنسبة إلى الكل وبين المصلحة العامة الثانوية بالنسبة إلى الشخص, الذي يتخذ من المصلحة العامة وسيلة لمصلحة شكلية شخصية, هي المصلحة الأولية له فالأساس الاجتماعي للمصلحتين واحد هو خير المجتمع وهو وحده يوجد علاقة المصلحة الاجتماعية الثابتة. ومهما يكن من الأمر في هذه المسألة الشخصية, فمصلحة المتحد تظل قائمة, لأنها دائمة, وهي تختلف عن مصلحة قريبة منها, هي مصلحة الشركة (كعمل تجاري) , فهذه المصلحة, تقوم على أساس المصلحة الشخصية البحتة, وكل اعتباراتها العامة, مقررة بالمصلحة الشكلية لكل شخص فهي خصوصية قبل كل شيء, لأن غرضها خصوصي, معين ومحدد. فحين نتكلم عن مصلحة الوطن التي هي فوق كل مصلحة فلا بد لنا من التحدث عن الإرادة, وبذلك فإننا نتكلم بالتعبير الأوفى والأوضح, وهذا التوسع في معنى المصلحة, يشمل كل ما تنطوي عليه النفس الإنسانية في علاقاتها. وبهذا المعنى نتكلم عن المصلحة الاجتماعية. وإذا كانت المصلحة والإرادة هما قطبا المجتمع, فواحدهما سلبي وهو المصلحة, والآخر إيجابي وهو الإرادة فالمصلحة هي التي تقرر العلاقات جميعها والإرادة هي التي تحققها.وبديهي , أنه لا إرادة حيث لا مصلحة, فحين يجوع الإنسان يريد أن يأكل, وحين يعطش يريد أن يشرب وحين يشتاق يريد أن يحب, فالمصلحة هي طلب حصول ارتياح النفس. وتحقيق ارتياح النفس, هو غرض الإرادة.وهكذا نرى أن المصلحة, غير المنفعة أو الفائدة, وليست هي دائماً وليدة الشعور بالحاجة, ولا هي والحاجة شيئاً واحداً.إننا نعني بالمصلحة كل ما يولد, أو يسبب عملاً اجتماعياً, وبناءً على هذا التعريف, يمكننا أن نقول, إن رابطة المتحد, هي رابطة المصلحة فالمصلحة وراء كل متحد, وكلما نمت الحياة, وازدادت, ازدادت المصالح التي تولد الاجتماع, وقلت المصالح المفرقة.وهنا فإن المواطنة هي سهم في ملكية الوطن يعود للأفراد حتى لو أن الوطن هو أكثر بكثير من مجموع مواطنيه الأحياء والبالغين في حقبة زمنية ما.
فالشعور بالمواطنة والانتماء إلى الوطن هو أقوى عامل من عوامل وحدة الأمة, وأهم عنصر من عناصرها. إنه الوجدان العميق الحي, الفاهم للخير العام, المولد محبة الوطن والتعاون الداخلي بالنظر لدفع الأخطار التي قد تحدق بالأمة, ولتوسيع مواردها. الموجد الشعور بوحدة المصالح الحيوية والنفسية المريد استمرار الحياة واستجادة الحياة بالتعصب لهذه الحياة الجامعة, التي يعني فلاحها, فلاح المجموع, وخذلانها خذلانه . ‏

أبناء الوطن مجتمع واحد‏

وهذا المبدأ هو من أهم المبادى التي يجب أن تبقى حاضرة في ذهن كل مواطن. فهو أساس الوحدة الاجتماعية, ودليل الوجدان الوطني, الضمان لحياة الشخصية الوطنية الاجتماعية واستمرارها في مجتمع واحد. فوحدة المجتمع هي قاعدة وحدة المصالح,ووحدة المصالح هي وحدة الحياة. وعدم الوحدة الاجتماعية ينفي المصلحة العامة, التي لا يمكن التعويض عنها بأية ترضيات وقتية. وفي هذا الإطار تغدو المواطنة نتاجاً تحولياً ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً في إطار تفكك البنى القبلية والعشائرية والمذهبية والإثنية, وإعادة تفاعلها ضمن سيرورة سيادة المواطن كوحدة اقتصادية وحقوقية ضمن منظومة الإنسان- المجتمع, التي توفر ذلك النتاج الذي يعزز منطق تقدم المجتمع بغض النظر عن أصوله العرقية, أو الاجتماعية, أو الطبقية, وأياً كان أفراده ذكوراً أم أناثا0 ‏
يعد مفهوم المساواة أمام القانون دونما تمييز في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة, حجر الزاوية في مفهوم المواطنة. غير أنه يجب الاعتراف بأن مبدأ المساواة أمام القانون لم يتخذ في العديد من البلدان من تجسيد لواقعه الحقيقي سوى الطابع الشكلي.في حين أن المساواة التامة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين المنتمين للوطن يتوجب أن تنطلق من قاعدة وعي أن مصلحة جميع أبناء الأمة الذين يشكلون مجتمعاً واحداً هي فوق كل مصلحة. وانطلاقاً من هذا الوعي الموحد للقلوب والأفكار, تتوجه القوى المكونة لنسيج الوطن في إرادة واحدة وعمل منظم واحد نحو غايات الأمة العظيمة. هذا النسيج الجديد من الإرادة والأفكار, هو شيء ضروري جداً, شيء لا يستغنى عنه مطلقاً للنهوض بالأمة من الحضيض الذي وصلت إليه, والتقدم بها نحو ميادين الحياة الواسعة. كل محاولة بدون هذا النسيج, بدون هذه الوحدة الروحية الفكرية في الإرادة والعزيمة المرتكزة إلى شيء حقيقي واقعي, إلى مجتمع واحد في حياة واحدة ومصير واحد, بدون هذا الأساس, لا يمكن النهوض ومواجهة الأفكار بأمل الانتصار, فإحياء مفهوم المواطنة سيكون له أثر ملموس على تفعيل الشعور بالانتماء وبالوحدة الوطنية, وتشجيع المواطن على المبادرة والمشاركة الشعبية, لتشمل كافة مناحي الحياة المختلفة, في آليات بناء الوطن الذي ينتمي إليه وعلى ممارسة حقوقه السياسية وأداة للتوعية والتحفيز السياسي من ناحية, وآلية لتغيير البنية الثقافية والإدارية من ناحية أخرى, حيث يستطيع المواطن التمسك بأحكامها لتيسير ممارسته لحقوقه. ‏

المواطنة الفاعلة‏

المواطنة بمفهومها الحديث كأبرز الظواهر الاجتماعية العامة العصرية, لها أساس فلسفي قديم ارتبط بمفهوم الدولة- المدنية التي أنشأها الفينيقيون (الكنعانيون) , والتي كانت الوحدة الأساسية في التكوين السياسي. فكانت طرازاً جرى عليه بعد الإغريق,والرومان. ومع ما نشأ عندهم من الدول (المحافظات), فإنهم لم يتحاربوا, وظلوا محافظين على صفة الشعب الواحد المتضامن في الحياة. ولقد كان الكنعانيون أول شعب, من بين جميع شعوب التاريخ القديم التي تمشي على قاعدة محبة الوطن, والارتباط الاجتماعي, وفاقاً للوجدان القومي, للشعور بوحدة الحياة, ووحدة المصير. ولقد سمي هذا الطراز من المواطنة بالمواطنة الفاعلة. وتكون المواطنة أساساً بذلك شعوراً وجدانياً بالارتباط بالأرض وبأفراد المجتمع الآخرين الساكنين على تلك الأرض.وهذا الارتباط الوجداني تترجمه مجموعة من القيم الاجتماعية التي تربط الناس ببعضهم الآخر وتحضهم على فعل الخير من أجل الصالح العام.
عندما تنعدم المواطنة الفاعلة في أي مجتمع فستجد انتشاراً لانتهاكات حقوق الإنسان وسينتشر عدم التسامح بين الحكومة والشعب وبين أفراد الشعب ذاتهم, وستنتشر اللامبالاة وستنعدم المسؤولية وسينتشر الفساد الإداري والسياسي وسينعدم حكم القانون.وقد عرف الشيخ (ميثم البحراني) المواطنة الفاعلة بأنها الفعل الذي( يكون عائداً إلى الإنسان مع عامة الخلق) في إطار الوطن الواحد, وأضاف أن الحكمة السياسية هي (كيفية المشاركة فيما بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان ومصالح بقاء الإنسان) كمرحلة أساسية في إزالة الحواجز التي فرضتها المزاعم الطائفية أو الطبقية أو الإقليمية أو الإثنية على ساحة الوطن الواحد. والمواطنة بهذا المفهوم تختلف عن المزاعم الأنفة الذكر. فأبناء المذهب أو الطائفة الواحدة يترابطون فيما بينهم بروابط معنوية فوق الزمان والمكان, أما المواطنة فهي رابطة التعايش السلمي بين أفراد يعيشون في زمان معين ومكان معين ( أي جغرافية محددة). والمواطنة لا تتناقض مع المبدأ الإسلامي لان العلاقة الدينية تعزز الروابط الزمنية أيضا, ولإخلاف في ارتباط الإنسان المسلم مع غير المسلم ضمن إطار اجتماعي يتم الاتفاق عليه تحت عنوان المواطنة . ‏
المواطنة الفاعلة تعتمد إذن على الاتفاق والاجتماع القائم على أساس التفاهم من اجل تحقيق السلم الأهلي وضمان الحقوق الفردية والجماعية. والمواطنة تتطلب الاعتراف بالقواعد والدستور الذي يقوم عليه الحكم والالتزام به من قبل الحاكم والمحكوم . ‏
هذه المواطنة لا تتحق إلا إذا علم المواطن حقوقه كاملة سواء كانت هذه الحقوق مدنية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية. وبعد أن يتعلم هذه الحقوق فإن عليه أن يمارسها ويسعى لتحقيقها وعدم التنازل عنها, لان الحق يؤخذ ولا يعطى. المواطنة هي استشعار المسؤولية وتحمل الأمانة والقيام بكل ما يتطلبه الصالح العام من اجل حفظ الكرامة الإنسانية.

تستلزم المواطنة الفاعلة توافر صفات أساسية في المواطن تجعل منه شخصية مؤثرة في الحياة العامة والتأثير في الحياة العامة هو القدرة على المشاركة في التشريع واتخاذ القرارات.
إن هذه المواطنة الفاعلة تقوم على أساس الكفاءة وقدرة المواطن على فهم طبيعة المجتمع وكيفية التعاون والتنافس وحل الخلافات على أسس عقلانية تهدف الى خدمة الصالح العام ودعم الترابط الاجتماعي .