الساعة

الدولة الفلسطينية قائمة اصلا من وجهة نظر القانون الدولي

21/09/2011

مركز الرأي للدراسات

اعداد : حسني عايش

ايلول 2011

يرى الأستاذ جون بِك – المحامي الدولي والمستشار السابق للفريق الفلسطيني في أثناء المفاوضات مع إسرائيل – في محاضرة له في مؤتمر مونتيفيدو –عاصمة الأروغواي– بعنوان «مدى إنطباق ميثاق مونتيفيدو الخاص بحقوق الدول وواجباتها على فلسطين»، أن الدولة الفلسطينية قائمة اصلا ً في فلسطين بموجب هذا الميثاق والقانون الدولي، ولا تحتاج إلى موافقة على ذلك من إسرائيل أو إلى اعتراف أمريكا بها: (Middle East Policy: Washington: summer2011,Vol.18,Iss.2) وميثاق مونتيفيدو – لمن لا يعرف– معاهدة دولية رائدة هادفه/وهدفها الإجابة على سؤال محدد هو: ما الدولة؟ وقد انبثق هذا الميثاق عن المؤتمر الدولي السابع للدول الأمريكية الذي حضره الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وأعلن فيه سياسة الجوار الحسن التي وعد بها أي بمنهج أمريكي أقل عدائية في العلاقات الأمريكية. وقد تمّ عكس هذه الروح والمنفعة المتبادلة بين أطراف المعاهدة في أحكام هذا الميثاق الذي تمّ التوقيع عليه في 26 كانون الأول سنة 1933م.

تحدد المادة الأولى من الميثاق المعايير التالية للدولة لتوجد بموجب القانون الدولي:
يجب على الدولة كشخص امتلاك المؤهلات التالية: أ: سكان دائمين. ب:وإقليم محدد. ج:وحكومة، د:وقدرة على أو قابلية للدخول في علاقات مع دول أخرى.
لا تعني معايير الدولة في المادة الأولى من الميثاق أو تهدف إلى خلق قانون دولي، وإنما تهدف إلى إعادة توكيد ومعيرة القانون الدولي العرفي الذي كان قائما ً حتى سنة 1933م.

يذكّر الأستاذ المحامي جون بِك بضرورة التفريق بين وجود الدولة، والاعتراف الديبلوماسي بها من دول ٍ أخرى، فالمادة الثالثة من الميثاق تقول ما يلي بالضبط: «إن الوجود السياسي للدولة مستقل عن الاعتراف بها من دول أخرى. وللدولة حتى قبل الاعتراف بها من دولة أخرى – الحق في الدفاع عن وحدة أراضيها وعن استقلالها، والعمل على المحافظة على نفسها وعلى ازدهارها، وبالتالي تنظيم أمورها كما تراه مناسبا ً لها، والتشريع فيما يخدم مصالحها، وفي إدارة الخدمات فيها، وتحديد حقها في الحكم والتشريع، واختصاصات محاكمها».
ويضيف: إن الاعتراف الديبلوماسي مسألة سياسية أساسية لكن لا يمكن إجبار دولة على الاعتراف بدولة أخرى أو على منعها من ذلك. والولايات المتحدة مثالٌ بليغ عليه وفي الإتجاهين، فلثلاثين سنة متواصلة ظلت ترفض الاعتراف بالصين الشعبية، التي لم يكن يشك بوجودها أحد. كما ظلت تعترف طيلة الخمسين سنة السابقة لانهيار الاتحاد السوفييتي بجمهوريات البلطيق الثلاث: لتفيا، وليتوانيا، وأستونيا، مع أنها كانت قد أدمجت تماما ً في الاتحاد السوفييتي في نهاية الحرب العالمية الثانية. لقد بقيت ممثليات تلك البلدان قائمة في واشنطن باعتبارها سفارات معتمدة تماما ً.
يمكن الاستفادة من هذه الاسبقية البلطقية إذا قالت الولايات المتحدة أنه بودها الاعتراف بدولة فلسطين، وأنها تأمل أن تقوم بذلك في المستقبل، لأنه من المستحيل عليها قانونيا ً الآن الاعتراف بها لأن أرضها محتلة من دولة أخرى.

تبدو معايير الميثاق لوجود الدولة اليوم: السكان الدائمون؛ والإقليم المحدد؛ والحكومة؛ والقدرة على الدخول في علاقات مع دول أخرى، عائقا ً منخفضا ً للتأهل للدولة، ومن ثم للحقوق التي تتمتع الدول بها ، بغض النظر عن الاعتراف بها، الوارد في المادة الرابعة من الميثاق:
«الدول متساوية قانونيا ً، وتتمتع بالحقوق نفسها، ولها صفة متساوية في وجودها. إن حق كل دولة لا يعتمد على القوة التي تمكنها لضمان وجودها، وإنما على الحقيقة البسيطة لوجودها في إطار القانون الدولي».
إن فلسطين – المعترف بها حالياً من 112 دولة، مؤهلة تماما ً كدولة في إطاق هذا الميثاق، وكذلك كوسوفو، التي تعترف بها 75 دولة على الرّغم من أن معظم الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، لا تزال تعتبرها كإقليم محدد، جزءا ً من دولة صربيا ذات السيادة. والشيء نفسه ينطبق على إقليم الصحراء الغربية الذي تعترف به الآن أربع دول، ودولة واحدة عضو في الاتحاد الإفريقي، مع أن حكومته موجودة خارجه. والإقليم محتل من الجيش المغربي طيلة الخمس وثلاثين سنة الأخيرة. أما أبخازيا، والجمهورية التركية في شمال (قبرص) وجمهورية ترانسنيزترايا (المتنازع عليها مع مولدافيا) فمعترف بها من أربعة، وأربعة، ودولة واحدة، على التوالي. ومن المثير القول إن إسرائيل غير مؤهلة كدولة في إطار هذا الميثاق، لأنها اختارت عن وعي، أن لا تحدد إقليمها وحدودها أبدا ً، خشية أن يضع ذلك قيودا ً عليها.

لقد أخذ القانون الدولي العرفي منذ سنة 1933م يضيق فيما يخص – على الأقل– سيادة الدولة (كلمة سيادة واستقلال لا يظهران في المادة الأولى من الميثاق) فالإقليم المحدد الذي يتطلبه الميثاق صار يعني – إجمالا ً– إقليما ً محددا ً لا تنازع سيادياً عليه من دولة أخرى، فيما صار متطلب «الحكومة» في الميثاق، الآن يعني «السيطرة الفعالة» على إقليم الدولة وعلى سكانها.
وبارتفاع المعيار في هذين المجالين تفشل جميع «الدول الطامحة» المشار إليها فيما سبق في التأهل كدول ذات سيادة... ولكن فلسطين تظل مع ذلك مؤهلة (كما سيأتي).
لقد خرجت الضفة الغربية سنة 1988 عن السيادة الأردنية، فيما أدارت مصر قطاع غزة لتسع عشرة سنة، إلا أنها لم تؤكد أبدا ً السيادة عليه. وبينما ضمت إسرائيل رسميا ً شرقي القدس وقوسا ً من الإقليم حولها (وهو ضم لم تعترف به أية دولة في العالم ولا حتى الولايات المتحدة) إلا أنها امتنعت لأربع وأربعين سنة عن توكيد سيادتها على أي جزء آخر من الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو تصرف يطرح أسئلة محرجة عن حقوق السكان، أو عن غيابها، بالنسبة للذين يعيشون فيهما.
لقد ظلت دولة فلسطين منذ تشرين الأول سنة 1988م -عندما أعلنت رسميا ً في هذا التاريخ- الدولة الوحيدة في العالم التي تؤكد سيادتها دون منازع على تلك الأجزاء من فلسطين تحت الانتداب التي احتلتها إسرائيل سنة 1967م، بما في ذلك الجزء من شرقي القدس الموسع الذي تدعي إسرائيل سيادتها عليه، المرفوضة من جميع دول العالم. إن ادعاء دولة فلسطين بالسيادة عليها هو حرفيا ً وقانونياً دون منازع، حتى وإن لم يتم الاعتراف بذلك عالميا ً به بعد.
طبعا ً، كان من المفرح جدا ً اعتراف نحو مئة دولة فوراً بدولة فلسطين عندما أعلنت إستقلالها سنة 1988م لكن لسنوات عديدة تلت ظل التحدي القانوني لإثبات أن فلسطين لبّت معايير القانون الدولي العرفي بالسيطرة الفعالة على الإقليم والسكان قائما ً وهو أفضل ما كتبته وأثبته في مقال نشرته في مجلة واشنطن الربعية عن الشرق الأوسط في أوائل سنة 1993م (Vol.2.No.1-ed) وقبل إعلان مبادئ أوسلو التي وقعت في أيلول في حديقة البيت البيض.

إن الحلقة الضعيفة في الادعاء الفلسطيني بوجود الدولة الفلسطينية هو – طبعا ً – في المعيار الرابع الخاص بالسيطرة الفعالة، فإقليم الدولة (الفلسطينية) بالكامل تحت الإحتلال العسكري من (دولة؟) أخرى ذات سيادة. لسبعة أشهر ظلت فلسطين والكويت تشتركان في هذا المعيار الغائب، لأن «السيادة الفعالة» ليست مجرد بنادق وقدرة على إجبار السكان على الاستسلام بالقوة المادية. إنها تتضمن أيضا ً انتماء السكان، أو ما يصطلح عليه أحيانا ً بالرضا أو القبول العام: (The General acquiescence of the people).
إن قلة من الدول في العالم تستطيع الشك بدرجة وعمق الانتماء اللذين يظهرهما الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يوما ً دمويا ً بعد آخر للدولة الفلسطينية. وعندما تُصدِر دولة إسرائيل ودولة فلسطين تعليمات متضادة للسكان، فإنه يمكن معرفة الدولة التي لها سيطرة فعالة على انتمائهم.
وعليه، وكمسألة أو موضوع في القانون الدولي وليس من موقف حكومات القوة الدولية أو الضمير الغربي الشعبي، فإن وضع «المناطق» اليوم لا يُنازع في إن دولة فلسطين هي صاحبة السيادة هناك، وإن دولة إسرائيل هي القوة المحتلة، وإن ديباجة قرار مجلس الأمن رقم 242 التي تؤكد بوضوح أنه لا يجوز الاستيلاء على أراضي الغير بالحرب هي القاعدة المقبولة عالميا ً لانهاء الاحتلال.

واضح بالمطلق أن الإقليم لا يستطيع أن يكون مستقلاً ذاتيا ً أو حاكما ً لنفسه تحت سيادته. وبناء عليه إذا قبل الفلسطينيون مثل هذا الاستقلال أو الحكم الذاتي فإن الهدف الظاهري للمفاوضات الثنائية الإسرائيلية الفلسطينية، هو بالضرورة نقل السيادة إلى مكان آخر، وفرضيا ً إلى إسرائيل. وبالاتفاق على الاستقلال الذاتي يقبل الفلسطينيون للمرة الأولى، بالاحتلال، ويرفضون – قانونيا ً– سيادتهم الراهنة على تلك الأجزاء من فلسطين الانتداب حيث يشكلون الأكثرية الساحقة من السكان. فما الذي يجبرهم على ذلك؟.لقد سمحت عملية أوسلو –على الرّغم من خيباتها وقيودها– بدخول حصان طروادة الفلسطيني الحكومي المسمى بالسلطة الفلسطينية، إلى الأراض ِ المحتلة، والبدء ببناء بُنى الدولة، التي لا تجرؤ الي اليوم على ذكر اسمها. وستكشف دولة فلسطين الممارسة للسيطرة الفعالة على جميع سكان الدولة ومعظم الإقليم، عن حصان طروادة هذا، وأنها مستعدة أو معدة تماماً قبل تقديم طلب عضوية في الأمم المتحدة.
يتطلب هذا التحول – منطقياً – حلّ السلطة الفلسطينية المسبق (الذي كان يجب فعله سنة 1999م) أي في نهاية فترة الانتقال الواردة في إتفاقية أوسلو، وما يرافقه من إعلان أن جميع وزاراتها وغيرها من الوكالات الحكومية، أصبحت وزارات أو وكالات للدولة الفلسطينية.
وهنا يدعو الأستاذ جون بِك إلى تحقيق مصالحة بين فتح وحماس قبل الذهاب إلى الأمم المتحدة في أيلول (وهي غاية لا تدرك، لأن حماس – كما يبدو– لا تريد المصالحة وقد سيطرت على السلطة في غزة حتى وإن كانت ظلت تحت الحصار الإسرائيلي).
ويضيف: تستحق المادة الحادية عشرة من الميثاق الرجوع إليها، لأنها تقول:
«على الدول المتعاقدة التوكيد كقاعدة لسلوكها الإلتزام بعدم الاعتراف بالاستحواذات الإقليمية، أو بالميزات الخاصة التي تمّ الحصول عليها بالقوة سواء تم ذلك باستخدام السلاح، أو بالتهديد الديبلوماسي، أو بأي إجراء عقابي فعّال آخر. إن إقليم الدولة غير قابل لانتهاك حرمته من أحد، ولا يكون موضوعاً للإحتلال العسكري، أو لأي إجراء قوة آخر يفرض عليه من دولة أخرى، مباشرة أو بصورة غير مباشرة، أو لأي دافع وإن كان مؤقتا ً.
إن هذا المبدأ الوارد في المادة 11 من الميثاق هو سلف لأهم خلف ورد في ميثاق الأمم المتحدة، فالمادة الثالثة من الميثاق تمنع الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، وديباجة قرار مجلس الأمن رقم 242 تؤكد بوضوح على عدم جواز الاستحواذ على الأرض بالحرب».
إن قابلية تطبيق المادة 11 من الميثاق على فلسطين واضح ولا يتطلب أي تعليق.

وبينما ظلّ سلوك الولايات المتحدة خارج حدودها غير مقيد بالمبادئ القانونية الأمريكية أو الدولية، بقي ميثاق مونتيفيدو لسنة 1933م معاهدة مصدقا ً عليها من الأطراف لم يتخل أو ينكرها أحد، مما يجعلها قانونا ً داخليا ً/أمريكيا ً يتطلب من أمريكا احترامها والإلتزام بأحكامها، كونها غير خاضعة كذلك إلى أية مؤهلات جغرافية أو حدود قطرية. وحسب معايير ميثاق مونتيفيدو أو القانون الدولي العرفي فإن دولة فلسطين موجودة وقائمة أصلا ً ولا يتطلب وجودها موافقة إسرائيل عليه أو اعتراف أمريكا به. إنها حقيقة يجب التوقف عن تجاهلها.
لقد توصل أصدقاء الشعب الفلسطيني وقضيته بما فيهم أنا (جون بِك) في السنوات الأخيرة إلى قناعة أن حلّ الدولتين غير ممكن، وأن على الشعب الفلسطيني إستيحاء مسيرتي مارتن لوثر كنج، ونيلسون مانديلا، وترجمتهما بوسائل مقاومة غير عنيفة أبدا ً للحصول على حقوق المواطن الكاملة أو المساواة في دولة ديموقراطية واحدة تحفظ كرامة الجميع. (وهو ما ادعو إليه وأشاركه فيه).

ولكن الأستاذ جون بِك الصديق للشعب الفلسطيني والقضية لأكثر من خمس وعشرين سنة كما يقول يوافق على الذهاب إلى الأمم المتحدة الآن لإصرار المنظمة /السلطة عليه، بشرط قيام الدولة في إطار الحدود السابقة لسنة 1967م على الأقل». والحقيقة أن المشكلة – يا أستاذ جون بِك – ليست في القانون الدولي ولا بغيره من المبادئ، وإنما بالقوة الإسرائيلية المتغطرسة التي تملكها، والتي تجعلها ترفض الانصياع للقانون ولغيره من المبادئ، والضعف العربي الذي يتجلى بالضعف الفلسطيني في مواجهتها. لكنّ وقفة عربية ديبلوماسية صادقة كافية لتأديب إسرائيل، وإجبار أمريكا وإياها على الانصياع للقرارات الدولية: ماذا لو قرر العرب سحب سفرائهم من واشنطن أو طرد السفراء الأمريكيين من عواصمهم في الوقت نفسه؟ وماذا لو قرروا ونفذوا تهديدهم بالتحول عن التعامل الاقتصادي معها؟ إن لسان حال الشعب الفلسطيني والشعوب العربية يقول: اللهم احمنا من أمريكا وكفَّ شرها عنا، أما إسرائيل فنحن كفيلون بها، وعلامة ذلك استماتة إسرائيل في طلب تطبيق القرارات الدولية على الفلسطينيين.
لقد هاجت أمريكا وماجت من اقتحام المتظاهرين المصريين لسفارة إسرائيل في القاهرة، ولكنها لم تكن لتهتم لو أحرقت كل السفارات العربية. وإن أمريكا ومهما كانت الكارثة الواقعة عليها تجد متسعا ً كبيرا ً من الوقت لتتابع مصالح إسرائيل وتقديمها على مصلحة أمريكا نفسها، ومن ذلك تعبئة قواها الديبلوماسية في العالم للضغط على فلسطين كيلا تذهب إلى الأمم المتحدة مع أن أوباما نفسه تمنى مرتين رؤية فلسطين عضوا ً فيها، لكنه الآن ومعه الكونجرس يضغطان على جميع الدول في العالم لترفض الاعتراف بدولة فلسطين في الامم المتحدة، فبماذا كانت تريد أمريكا إذن أن تنتهي المفاوضات بين السلطة وإسرائيل؟ وماذا كانت تخبئ وإسرائيل بلعبة المفاوضات هذه غير إعطاء وقت للقرد الإسرائيلي ليأتي على كل الجبنة؟ أفنظل بعد ذلك نستجدي أمريكا ونقول: أيا حاكما ً في واشنطن بلغ نتينياهو يعطف علينا؟! بعدما حوّلنا أو جعلونا نحوّل، أو جعلتنا القرارات الدولية نحوّل الصراع: من صراع وجود إلى صراع حدود!!