الساعة

البحث عن سلام عادل وشامل .. والرهان العالمي على الموقف الامريكي

14/09/2011

مركز الرأي للدراسات

اعداد : عمار الجنيدي

ايلول 2011

لأن الصراع العربي الإسرائيلي قابل لإجراء مفاوضات الحل والسلام العادل والشامل إذا ما حُلّت قضية الصراع الأساسية وهي القضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين المبعثرين في كل أنحاء العالم، فان إقامة الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية يصير حينها واقعا لا مفر منه، بل مطلبا دوليا تنادي به كافة مجتمعات العالم وشعوبه، حتى الدول العربي والإسلامية مطلبها الأكيد هو حل ملف الصراع الشائك، وإيجاد تسوية يرضى بها كل الأطراف، فيُطوى بذلك أهم قضايا الشرق الأوسط بل والعالم.

لكن القوى المستفيدة من إدامة أمد هذا الصراع والتي لا تسمح بحله بل تغذي ما فيه من قضايا ملتهبة ومختلف عليها؛ تجعل من أمر استدامة الصراع أمرا واقعيا، وتوهم العالم باستحالة إيجاد حلول له حتى في المدى المنظور.
بل وترى قوى سياسية إسرائيلية أن تفوق إسرائيل في كافة مناحي الحياة، لا على الفلسطينيين فقط بل على المستوى الإقليمي والعالمي، هو مصدر قوتها على صعيد المكتسبات، يساعدها التعاطف الأمريكي الرافض لفكرة الدولة الفلسطينية الذي يعقّد ويؤزّم الموقف، فتأخذ بفرض شروطها مسبقا دون الحاجة إلى انتظار جواب من الطرف الآخر، بل وتظل تردد وتبرر الغياب الدائم للشريك الفلسطيني.

مفاجآت التغيير

أما الإدارة السياسية الأمريكية الجديدة الطالعة من رحم مفاجآت التغيير، فقد أدركت - بعد الفشل الذي أصاب مبررات ونتائج غزو العراق - أن تفكيك النظام العربي وتفتيته وتمزيقه، قد جلب لها المتاعب وتراكمت عليها أحقاد الشعوب، خاصة أن القمة العربية التاسعة عشر في الرياض أثبتت أن الخلافات العربية مهما اشتد أوارها ؛ فإن قواسم الألفة ووحده المصير والتاريخ واللغة والدين بين الشعوب العربية أكبر من أي خلافات سياسيه بين أنظمتها، وأنها سرعان ما تجدها ملزمه بردم هوّة أيّة خلافات من أجل هيبة النظام العربي الشمولي الذي يحتل مكانة بارزة على الساحة السياسية الدولية، ولاعبا قويا ومؤثرا لا يمكن تجاهله، خاصة في مسألة الشرق الأوسط، والقضايا والملفات الإقليمية العالقة، لا سيما أن انطلاقة المبادرة العربية السلمية من قلب القمة العربية في الرياض كان لها مدلولات كبيره غيّرت من نظرة المجتمع العربي لها، وأربكت إسرائيل، التي كانت تعتمد في إعلام سياستها الخارجية على أنها الضحية والعرب هم الجلادون(!)، بل أن الكثير من الأوروبيين - على وجه الخصوص - يلومون العرب لأنهم مازالوا يحتلون إسرائيل (!) .

وقد ظلّ الرهان العالمي على الموقف الأمريكي بزعامته الجديدة التي تتخذ من التجديد والتغيير شعارا، أن تقف بوجه إسرائيل من اجل حلّ الصراع في منطقة الشرق الأوسط لحل القضية الفلسطينية ومشكلة الصراع العربي الإسرائيلي، بتحريك المفاوضات أولا بين العرب وإسرائيل، ثم الضغط عليها لتخفيف غلواء تزمّتها وتعصُّبها بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وإيقاف بناء المستوطنات وتوسيعها، بالرغم من الموقف العربي والأوروبي المطالِب بوقفها، حيث يشترط الموقف الأوروبي لرفع مستوى التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي لديها: هو توقُّف بناء المستوطنات وعدم المضي في السياسات الاستيطانية الإسرائيلية، وإزالة الجدار العنصري والالتزام بتنفيذ خارطة الطريق، وعدم التهويد المفضوح للقدس وللضفة الغربية، والتفاهُم حول المبادرة العربية؛ انطلاقا من أن حل الصراع في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة: أساسها حل الدولتين، الذي يضمن سلاما عادلا وشاملا ودائما في المنطقة.

وفي وقت تتسارع الجهود الإسرائيلية للنيل من صمود الشعب الفلسطيني بكل الطرق والأشكال المتاحة؛ بالتهويد وتغيير أسماء البلدات والقرى والمدن الفلسطينية، والمبالغة في الزحف الاستيطاني، أو بالذرائع التي تقودها إسرائيل بعدم وجود شريك فلسطيني، وعدم إمكانية التفاوض مع احد الأطراف دون الآخر، وما داموا على فرقة وتناحر، طالما أن جولات الحوار الفلسطيني الفلسطيني لم تسفر عن تقدّم كبير في مجال إنهاء الصراع والخلاف بين فتح وحماس وباقي الفصائل الفلسطينية، وفشل جميع جولات الحوار والمصالحة والتوافق، فهم لا يتفقون إلا على تأجيل جلسات الحوار وكيل مزيد من الاتهامات بالتواطؤ لتعطيل الحوارات المعطّلة واللامجدية في ظل هذا التناحر المقيت، حتى صار من المثير للجدل والقهر أن جولات التفاوض لم تسفر حتى الآن إلا عن كل ما هو مُحبط، إذ أن الأولوية في الحوار ليس للمصلحة الفلسطينية، حيث تقبع اعتبارات الحصول على مكاسب وتنازلات من الطرف الآخر فوق أيّة اعتبارات أخرى؛ فلقد قاد الانقسام الفلسطيني إلى حصار على الضفة الغربية وقطاع غزة وانتهاجٍ إسرائيلي لسياسة الاغتيالات بحق الكوادر والقطاعات الإنسانية الفلسطينية، والى عدوان إسرائيلي على قطاع غزة دمّر بُنى غزة التحتية، وتسارع سياسة تهجير الفلسطينيين من القدس بعد عزلهم وعزل الضفة الغربية بعضهم عن بعض، في وقت تمرّّ فيه القضية الفلسطينية بأعقد مراحلها؛ من تسارع إسرائيلي مبرمج لعملية الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس؛ وعليه تكمن أهمية الحوار والمصالحة كضرورة ملحة في إبراز قيمة الشرعية الفلسطينية، والتي تدور ملامحها الأساسية حول حكومة الوفاق الوطني والاتفاق على مشروع انتخابات تشريعية ورئاسية وإصلاح الأجهزة الأمنية ثم إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، فبدل الانشغال عن القضية الأساسية بقضايا ثانوية وهامشية تعتورها مساعي الابتزاز للحصول على مكتسبات أو إرضاخ طرف 0لشروط الطرف الثاني، والتي لا ترقى إلى مستوى قضية الشعب المرابط، أو بما توحي الخلافات بأنه لا يمكن التوصّل لحلّها كتعثّر مسار المفاوضات بين حركتي فتح وحماس بقضية المعتقلين في سجون الضفة والقطاع، فالخلافات العقائدية بين الفصيلين الأكبر والخلافات العميقة في وجهات النظر تجري على حساب تطلّعات الشعب الفلسطيني وحلمه برؤية دولته على أرضه في مواجهة التعنّت والتطرّف ال»ليبرماني» و»النتنياهوي»، إنما تفتك بالشعب الفلسطيني، وتجبره على أن يتعامل مع حالة اليأس في مواجهة الحصار الإسرائيلي الخانق والذي لا يمتثل أو يعتبر لأي من قرارات أو مواثيق وعهود الشرعية الدولية‘ مما حدا ب وزير الخارجية الإسرائيلي «افيغادور ليبرمان» أن يقف على رأس التوجه الموصوف بالعنصري بسبب عداءه للعرب وبسبب تاريخه السياسي المثير للضغينة، حيث دعواته المستمرّة المعادية للعرب والمُحرّضة على العنصرية والموصوفة بالصهيونية المتطرّفة كدعواته المستمرّة لإبادة العرب وتطهيرهم عرقيّا؛ غير عابئ بنتائج معارضته للتوجه العالمي لحل قضية ومشكلة الشرق الأوسط المتمثّل بحل الدولتين، بل هو يسعى لتكريس الاحتلال وإقامة الدولة اليهودية ويحرِّض بعنصرية مقيتة على التنكيل بالشعب الفلسطيني لإذلاله وقهره وإنكار حقوقه وبما تجرّه هذه السياسات على عملية السلام وعلى الشعب الفلسطيني المضطهد، متكئاً على سياسته العنصرية المنطلقة من عدائه السافر للعرب والتي يدعو فيها لطرد العرب وإبادتهم واستبدالهم بمستوطنين يهود؛ فهذه الدعوات الإسرائيلية وضعت الموقف الدولي وخاصة أمريكا والدول الأوروبية في وضع مُحرِجْ، خاصة بموقفها المتشدد والرافض للمبادرة العربية التي تنادي بالسلام مقابل انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية؛ الكابح والمانع لحفز الولايات المتحدة الأمريكية أن تتحرك باتجاه الضغط على إسرائيل لتنفيذ القرارات الشرعية وإحلال السلام في عهد إدارة الرئيس الأميركي «اوباما».

المجتمع الدولي

الإدارة الأمريكية أبدت التزامها بالسعي لهذا الحلّ، ورغبتها بالدخول في مفاوضات جادة تُفضي بحلّ لمسالة الصراع، لأن مطالبة إسرائيل والضغط عليها بالالتزام الكامل بالمواثيق والمعاهدات الدولية، وعدم المماطلة والمراوغة والمراوحة في التصلّب والتعنصر والتجبّر الذي يُفقِدُها الكثير ممن المصداقية في الرغبة إلا ّ أن تكون حكومة عنصرية بامتياز.

المجتمع الدولي يتطلّع باهتمام وتأثّر منقطع النظير للصراع التاريخي بين إسرائيل والفلسطينيين، ويرى بأن الوقت قد حان لإنهاء قضية ومشكلة الشرق الأوسط التي بات يؤمن العالم أنه بحلّها فإن إحلال السلام يعني أن الطريق سالكة لحلحلة القضايا والإشكاليات العالقة في العالم، لكن الحكومة الإسرائيلية ما زالت ماضية في عنادها ورفضها لأيّة رؤية أو مسعى حقيقي لإحلال السلام، بالتنامي المستمر لحركة الاستيطان في القدس والضفّة الغربية وعمليات التهويد المتغوّلة والمُحبِطة لأي بادرة سلام، وظل ملف الأسرى الفلسطينيين الذين بلغوا عشرات الآلاف من شيوخ ونساء وشبان وأطفال، نقطة حاسمة في مطالب المفاوضات الجارية لحل إشكاليات الصراع والخلافات القائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة بعد أن اعتقلت القوات الإسرائيلية نوابا ووزراء فلسطينيين، هم في عُرف إسرائيل إرهابيين ومخرّبين بسبب انتمائهم لمنظمات تعتبرها إسرائيل منظمات إرهابية على الرغم من أنها تفاوض معها وتمثل الشعب الفلسطيني في مؤسساته السيادية كالحكومة والبرلمان والمجالس البلدية وغيرها؛ فالأسرى والمساجين الفلسطينين يعرفون أنهم فقط محتجزون من اجل المساومة عليهم، ولسان حالهم أنه قد حان موعد المساومة عليهم مع جندي إسرائيلي واحد، فمتى يحين دور المساومة على الشعب الفلسطيني المُختطَف والمُحاصَر منذ عشرات السنين.

الإدارة الأمريكية التي وعدت بأنها «ستتبنى نهجا أكثر شمولية في علاقاتها مع العالم الإسلامي» بإعادة إطلاق المفاوضات وضمان استمرارية انعقادها حتى التوصّل إلى حل ينهي حالة الصراع والعداء على أسس عادلة وشاملة يرضى بها الطرفان، بالرغم من التشاؤم الذي يبديه بعض العرب من تأخّر المساعي والجهود الأمريكية لبدء مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، والتحفّظ الذي تبديه الإدارة الأمريكية والرفض الإسرائيلي على بعض بنود المبادرة العربية، وخاصة البند المتعلّق بعودة اللاجئين، والانسحاب إلى أراضي 1967 المحتلة، فهي، وبما لها من فرص سانحة لاستثمارها جهود السلام يمكنها التحرّك الجاد والحقيقي، إذا رغبت.