مركز الرأي للدراسات
اعداد :د. عادل الأسطل
تشرين اول 2011
حتى هذه اللحظات، لم يقدر للشعب الفلسطيني بعد، أن ينعم كبقية الشعوب في العالم، بالعدالة والسلام والمساواة، ولم يتح له فرصة الأمن والبناء على أرضٍ تخصه من دون معارضة أو تضييق، فالشعب الفلسطيني ظل دوماً يعاني ويلات التشرد والقهر، وظلت أرضه ساحة للعدوان، وللرغبة في قهر أصحابها، وحرمانهم حقاً في العدالة والمساواة. غير أن التوجه الدولي نحو حل النزاعات الإقليمية، وعقد اتفاقات سلام، والتي شهدتها المنطقة بدءاً من مؤتمر مدريد، حتى عاد تجديد الأمل في خروج الحالة الفلسطينية والشرق الأوسط عموماً من مأزقه، بسبب القضية الفلسطينية، وتداعياتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، الذي استمر عقوداً عديدة كان يعيش خلالها حرباً مستمرة بين طرفين، طرف يدافع عن أرضه وحقه في تقرير مصيره، وطرف معتدي ولا يزال يعتدي ويحاول في كل مرة، سلب هذا الحق الظاهر دوماً، وتلك الأرض التي يزداد ثمنها يوماً بعد يوم.
وعندما نلقي نظرة على العالم من أقصاه إلى أقصاه، ومن غربه إلى شرقه، وعلى اختلاف معاييره، ومصالحه التي لا تنقطع، وبخاصة في هذه الأيام والقيادة في خضم محاولتها، الاعتراف بالدولة الفلسطينية، نشعر أن منطقنا ما زالت في انتظار العدل والسلام، اللذين ينادي بهما العالم - ما يسمى بالديمقراطي- والذي أخذ على عاتقه تغيير وجهة العالم نحو الديموقراطية على النحو الذي يريد، وتحقيق مبادئ حقوق الإنسان، والعمل على تحقيق الشعوب لمطالبها، وخاصةً عندما رأينا أمثلة ذلك ومنذ مرحلة الغزو المباشر للأراضي الأفغانية والأراضي العراقية.
ورغم الاختلافات التي أعتبرها ثانوية في ضوء هذا الوضع، حيث وقف الغرب على قدم وساق، حتى يحقق مآربه ويثبت طموحاته الاستعمارية الجديدة، في المناطق حيث فيها مصالحة واحتياجاته، على أن هذه السياسات الأمريكية والغربية، تعتبر نتيجة طبيعية لمجمل السياسة الخارجية للامبريالية والصهيونية العالمية، وقد قادت إسرائيل منذ قيامها عام 1948، سياسة عدوانية احتلالية وتوسعية، ليس ضد الشعب الفلسطيني فحسب، وإنما ضد الأمة العربية، رافضة الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية المشروعة في إقامة دولته المستقلة.
المواقف العربية
إن المتابع للأحداث والملاحظ لكل حدث، قد لا يستغرب جملة السياسات الإسرائيلية المناهضة للعرب والفلسطينيين، وما تتلقى من المساندة والدعم، من قبل القوى الأمريكية والغربية، للمشروع الصهيوني، ولكن ما يدعو إلى الاستهجان، هي المواقف العربية، التي لا أدرى على أي باب تقف، ولا من أي نافذة تستعد منها للهروب من أمام محنة، هي من أيسر ما تكون عليه المحن لو كانوا يعلمون.
لقد أهمل القانون الدولي شعوب المناطق المستعمرة - حتى وإن أطلق عليها شعوب مستقلة-، فلم تكن موضوعاً ذا شأن، هذه المناطق المغلوب على أمرها، لحماية القانون الدولي، الذي لم يكن يعترف لها بأهلية التمتع بأيٍ من الحقوق، سواءً كانت أصلية أو مكتسبة، وسواء أكانت حقوقاً سيادية أو التي تختص بالشخصية الدولية، أو حقوق التعاملات الدولية على أنواعها، فقد اعتبر كل ذلك، خارج نطاق القواعد الدولية المعترف بها.
حتى أن النظام الاستعماري القديم في تراجعاته، منذ بداية القرن العشرين، عن بعض أساليبه الفاضحة، كانت فقط، بغية اتخاذ سياسات استراتيجية لعشرات السنين ليمكنها التماهي (للرائي) مع بعض المطالبات القومية التي كانت تعلو هنا وهناك، وتحاول الظهور بالاعتدال أمام تيارات الروح القومية والمطالبة بحق تقرير المصير وذلك ليس عن ضعف، وإنما عن غلبة ومنعة، ومكر وخداع.
بالإضافة إلى أن فترة الحروب العالمية، كانت قد عززت الهجوم من بعض القوى التحررية، على الدول الاستعمارية،خاصةً في ظل توالد أفكار ومباديء دولية جديدة، تتعارض مع الأفكار والمبادئ التي كانت سائدة، يستند إليها النظام الاستعماري التقليدي، حيث شهد العالم أكبر حركة تحررية في التاريخ، وإن كان شكلاً، وهي تحرر مئات الملايين من البشر من السيطرة الاستعمارية وقامت دول جديدة مستقلة، أخذت تطالب بنصيبها في الحياة الدولية وفي المساهمة في تقرير المصير.
إن الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، مافتئ يعاني على مرأى ومسمع العالمين العربي والإسلامي والعالم الغربي، ولا من مجيب، وظل يكافح من أجل تحرير أرضه، وممارسة حقه في تقرير المصير، وإقامة دولته الوطنية المستقلة، كشرط لتحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، تتعايش في ظله جميع شعوب المنطقة.
المسار السلمي
إن من أصعب الخطوات التي اتخذتها منظمة التحرير، والسلطة الوطنية، هي فكرة اختزال كل النشاطات الضامنة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، هي خطوة المسار السلمي (الصافي) من خلال المفاوضات، وهي دوماً وحتى كتابة هذه السطور، تتمسك بنبذ العنف ورفضه وإدانة جميع أشكال (الإرهاب)، مع أن السلطة الفلسطينية تقول أنها تتمسك بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل المتاحة، حتى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وانسحابه من الأراضي الفلسطينية، لأنها - كما تقول- حق مقاومة الاحتلال الأجنبي، حق مشروع لا يمكن إنكاره، ولكن مثل هذا التمسك ظل في البال النظري، بما فيه العودة إلى اللجوء إلى عسكرة الوضع من جديد، إذ لم يرتفع يوماً شيء غير الطريق السلمي (التفاوضي) إلى المجال العملي.
لقد تأكد حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، في الأرض المحتلة بالقرارات العديدة التي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة، والأحكام الواردة في عموم الاتفاقيات الدولية، وغيرها.
لكن ما دامت إسرائيل قد ضمنت سلمية السلطة الفلسطينية، والبيات العربي كذلك، فكان حالها على ما يرام، وانطبق في هذه الحالة، المثل في هلالة وزوجها، حينما تغافل زوجها قوماً وسرق بعض متاعهم، فرآهم يقصون أثره، فنادى زوجته وكانت تنخل الدقيق، فقال: هاهم قد أتوا، فإن رأيتهم قد أصرّوا بالحرب على ما سرقت، أعدته لهم، وإن رضوا بمن يحِل بيننا، أو جعلناه صلحاً، فقد نجونا بما سرقت، فلما وصلوا، قال أحدهم وكان على لين: يا هذا قد سُرق بعض متاعنا، وهذا الأثر دلّنا عليك، فماذا تقول؟ فلما سمع من لين الكلام، ذهب عنه الروع، وعمّه الأمن، ثم التفت إلى زوجته وقال: يا هلالة، انخلي وزيدي النخيل.
إن القضية الفلسطينية هي قلب الصراع في الشرق الأوسط، وهي أم القضايا، إذ لا يوجد في العالم كله قضية على مثل هذه الشاكلة، وعليه فلابد من معالجتها على أساس السيادة والشرعية، ولا أظن أن سلاماً نحا مثل ما عهدنا، وفي ظل التناحر والانقسام، وفي ظل الخطب التاريخية والمرافعات الكفاحية، يمكن تحقيقه ويكون للفلسطينيين، الحل على ما يرون من الأمن والاستقرار، وما دام الأمر كذلك، فإننا ما نزال حتى تحقيق ذلك، على بعد بضعة أحجار.