14/09/2011

مركز الرأي للدراسات
اعداد : منور أحمد الدباس
ايلول 2011
منذ ان اندلعت الثورة الليبية المباركة في 17/2/2011 كان هناك رهان على هذه الثورة، فهناك من راهن على أن ثورة الشعب الليبي سوف يقهرها القذافي وطغمته العسكرية وتنتهي وتختفي آثارها ويعود كل شيء إلى ما كان عليه ويبقى القذافي على هرم السلطة هو وأتباعه، وهذا الاتجاه كان يعتمد في الرؤيا على أن هناك عوامل قوية تقف الى جانب القذافي وتعطيه فرصة كبيرة في النجاح في الاستمرار في التغول والاستمرار في حكم ليبيا الشقيقة. وإن كثيراً من الدول لم تحدد موقفها من الثورة الليبية، ودول أخرى تقف مع القذافي علناً وتدعمه بالمال والسلاح، ناهيك أن قيادة حلف الأطلسي قد أدلى قادتها بتصريحات تفيد أنه لا حل عسكري لأزمة ليبيا والحل السياسي هو الذى سيحل المشكلة ولا يستطيع الثوار أن يحسموا المعركة مع كتائب القذافي، معتمدين بذلك على عاملين هامين الأول: العامل المادي وهو أن حكومة القذافي مسيطرة على كل الأموال الليبية الموجودة في الدول التي لا زالت لها علاقات حميمة مع نظام القذافي حيث يتصرف بها القذافي وحكومته كما يشاؤون ويستغلونها بشراء السلاح من الغرب والشرق لتعزيز كتائب القذافي وقوات الأمن التابعة له، وتمكن القذافي من الحصول على أحدث الأسلحة المتطورة بينما الثوار لا يملكون إلا القليل من الأسلحة، واستعمال هذا المال لاسترضاء بعض الدول بشراء ذممها والحصول منها على خبراء وعناصر مدربة عسكرياً لمساعدته في قمع ثورة الشعب الليبي الحرة، وكذلك دفع الأموال لشراء المرتزقة من الدول المجاورة وخاصة من الأفارقة وقد ثبت ذلك من خلال أسر الثوار لمثل هؤلاءالمرتزقة، ومن بطاقاتهم التي يحملونها أثبتت أنهم من دول افريقية مجاورة، كذلك استعمال هذا المال لشراء ذمم بعض شيوخ القبائل الليبية وتوفير المواد الأساسية لأتباعه في طرابلس، بينما يعاني باقي الشعب الليبي الثائر من ضنك العيش وصعوبة تدبير المال لدعم الثوار ومدهم بالسلاح للدفاع عن أنفسهم وعن المناطق التي قد حرروها من كتائب القذافي.
العامل المعنوي
أما العامل الثاني المعنوي: وهو وقوف دول عظمى تساند حكم القذافي الطاغية وتقف مع هذا النظام وتدعمه لعلها تحظى في المستقبل بحصة الأسد عند عودة ليبيا إلى طبيعتها كما كانت تحت حكم العقيد القذافي وطغمته الفاسدة، وهذه الدول لا تزال تتمسك بموقفها الشاذ بين دول العالم حتى النهاية بالرغم من أن الدول العظمى قد اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي للثورة الليبية المباركة عدا روسيا والصين، كممثل وحيد للشعب الليبي، وهذه الدول التي لم تعترف بالثورة قد راهنت على أن حل الأزمة الليبية لا يمكن أن يحسمه الثوار عسكرياً ولابد من الحل السياسي التفاوضي. أما الطرف المراهن الآخر يقولون: إن الدول التي اعترفت بالمجلس الانتقالي، قد أحدثت ارباكاً شديداً لنظام القذافي وأحيط بالعزلة الدولية الشديدة، وأقفلت معظم السفارات في الخارج، وغدا النظام الليبي غير مرغوب فيه على المستوى الدولي، وأجمعت كل الدول التي اعترفت بالمجلس على أن نظام القذافي سقطت شرعيته وعليه أن يسلم السلطة سلمياً للمعارضة.
وكانت أغلب التوقعات تشير بوضوح أن نظام القذافي سينتهي لا محالة وينتصر الثوار ويحررون ليبيا من طغمة القذافي الحاكمة في طرابلس. كل ذلك كان مبنياً على عوامل قوية يعَول عليها في انجاح الثورة الليبية التي أخذت على عاتقها تحرير ليبيا من هذا الحاكم المستبد. ومنها أن معظم الشعب الليبي الحر قد التف حول المجلس الوطني وثورته المباركة حيث أن الثورة والمجلس قد نظموا أنفسهم وأصبحت لهم قيادة عسكرية وسياسية وادارية موحدة يقودون فيها المدن المحررة ويوفرون لسكانها الأمن والأمان وكل المتطلبات الحياتية قدر الاستطاعة. ومن خلال نشاطاتهم المنظمة والناجحة عسكرياً وسياسياً أصبح عند كثير من الدول القناعة بقيادة المجلس والثورة ومن أبرز هذه الدول أمريكا وفرنسا وبريطانيا، وكان لهذه الدول الأثر الكبير في دعم الثورة الليبية ومساندتها بالسر والعلن بتقديم الدعم السياسي والعسكري، لتمكين الثورة من الوقوف أمام كتائب القذافي التي تتفوق على الثوار بالمال والسلاح والتي همها تدمير مقدرات الشعب الليبي وقتل أبناء ليبيا بأي طريقة ومهما كلف الثمن لتثبيت حكم القذافي. لكن الدول العظمى الثلاث التي ضغطت باتجاه اصدار قرار من مجلس الأمن لفرض حظر جوي على ليبيا لحماية المدنيين بكل الطرق المباحة وعدم السماح لطائرات القذافي في القيام بأي عمل ضد الشعب الليبي، بعد أن قتلت ودمرت واستباحت دماء الشعب الليبي ودمرت بنيته التحتية وكانت هذه الدول على يقين أن الثورة الليبية تقاتل من أجل حرية ليبيا أما كتائب القذافي فهي تقاتل من أجل العقيد القذافي وطغمته الحاكمة، لذلك كانت ترى بوضوح أن معنويات الثوار عالية جداً وعزمهم قوي في التصدي لكتائب القذافي واحراز النصر عليهم في غالبية المعارك التي خاضوها وبمعنويات عالية وقوية، مقابل كتائب القذافي التي معظمها من المرتزقة تقاتل من أجل المال.
وقد كان لمجلس التعاون الخليجي و لبعض الدول العربية دوراً كبيراً في دعم الثورة الليبية ممثلة بالجامعة العربية سياسياً ومالياً وعسكرياً وفي مقدمة هذه الدول قطر والامارات والأردن وكان الدور المميز لدولة قطر التي لعبت دوراً كبيراً في دعم الثورة الليبية بكل وضوح، وعقدت المؤتمرات على أرضها وفي دول أخرى ونجحت في كل مساعيها في الدعم المستمر حتى اللحظة... وكان لحسن أداء المجلس الانتقالي الليبي ونجاحه في الدفع بالعمل على اسقاط النظام الليبي في الخارج وفي الداخل حيث كان لنشاطاته السياسية المكثفة في عمل الزيارات الخارجية لبعض الدول المهتمة والمعنية وتمثيل ليبيا في كل المؤتمرات التي عقدت الأثر الكبير وانعكاس ذالك على الثورة الليبية وما تحققه من مكاسب وانتصارات مذهلة على كتائب القذافي. واستطاع المجلس أن يحافظ على الثورة ويبين ويقدم البراهين والأدلة القاطعة على أن الثورة الليبية ثورة الشعب الليبي ويشترك فيها كل أطياف الشعب الليبي ولا يغلب عليها طابع القاعدة أو التشدد الديني وقد رفض وكذب المجلس كل الأقاويل والتصريحات الكاذبة والتي تصب لمصلحة القذافي وكتائبه المهزومة.
ومن الانصاف أن لا نغفل عن الدعم الكبير الذي قدمه (حلف الناتو) على جميع الأصعدة وخاصة الصعيد العسكري الذي مكن الثوار من تحقيق انتصارات على كتائب القذافي والمحافظة على أرواح المدنيين في كل ليبيا. لقد زادت انتصارات الثوار في ليبيا في شهر رمضان المبارك بدعم من غارات (الناتو) على مواقع كتائب القذافي في كل المدن الليبية التي لم تحرر بعد، وقد بدأ الثوار يستعملون أنواعاً جديدة من السلاح استطاعوا الحصول عليها من فلول الكتائب وما يوفره المجلس الانتقالي من كل المصادر المتاحة ومن الدول التي تدعم الثورة الليبية على المكشوف وبدون أي استحياء أو تردد وفي مقدمتها دولة قطر والامارات العربية والأردن. وتحت هذه الظروف والمعنويات العالية جداً للثوار استطاع الثوار فرض سيطرتهم على كل المدن التي تحيط بالعاصمة طرابلس والتي لا تبعد عنها أكثر من 50-200 كم ، وقد تبين لكل متابع ومراقب أن الثوار قد وضعوا في حساباتهم العسكرية حسم الوضع قبل نهاية شهر رمضان المبارك. لذلك بدأ الثوار يضيقون الخناق من كل الجهات على العاصمة طرابلس، وبعد تلك الانتصارات الحاسمة أسدل الستار عن خطة تحرير طرابلس ((عروس البحر)) في مساء يوم الاثنين 22/8/2011 وفعلاً ما حصل وبعد صلاة المغرب بدأ التكبير من مساجد أحياء وضواحي طرابلس، ودعوة سكانها للانتفاضة خرج الآلاف من سكان طرابلس منتفضين منادين بسقوط الطاغية ونظامه، واستطاع ثوار طرابلس احتلال وتطهير بعض الأحياء والشوارع المهمة وبعد هذا التسهيل واستسلام الكتيبة المكلفة بحماية القذافي وتسليم أمرها إلى ثوار طرابلس وفي أثناء ذلك وصلت طلائع الثوار إلى طرابلس ودخلوها من أربعة أبواب قادمين من كل المناطق والتحموا مع ثوار طرابلس مقتحمين مقر القذافي في مجمع باب العزيزية الشهير الذي يتحصن به القذافي وزمرته.
معركة تحرير طرابلس
حسمت معركة تحرير طرابلس وتم تحرير مجمع باب العزيزية وانهزمت فلول كتائب القذافي الى أطراف طرابلس، ولم يُعرَف أين ذهب القذافي هارباً من الثوار وشجاعتهم ضد الظلم، كل ذلك حصل في ساعات مع أن تحرير طرابلس كان هاجساً للثورة الليبية، وكان في الحسبان أن معركة طرابلس سوف تأخذ أياماً وأسابيع لكن قدرة الله سبحانه وتعالى ثم شجاعة الثوار وانتفاضة سكانها كانت قد سَرعت كثيراً في تحرير طرابلس وهزيمة نظام القذافي واسقاطه، وكان يحق للشعب الليبي في كل أنحاء ليبيا وعلى رأسها العاصمة طرابلس أن يحتفلوا بالنصر المبين وفتح العاصمة طرابلس وطرد فلول كتائب القذافي الذي لم يعرف مكانه هو وطغمته حتى اللحظة باستثناء ثلاثة مدن يوجد فيها فلول من الكتائب يحاول الثوار التفاوض فيها مع القبائل لتسليمها للثوار دون قتال، حيث أن الثوار يتواجدون على مشارفها بانتظار الاقتحام أو التسليم بدون مقاومة حقناً للدماء.
وقد أعلن الثوار أن العاصمة طرابلس مسيطر عليها بالكامل وهي تحت السيطرة ويتعامل الثوار مع جيوب صغيرة من فلول الكتائب في بعض الأحياء على أطراف طرابلس ،وقد تم الاعلان في بني غازي أن المجلس الانتقالي سينتقل بكل أعضائه المتواجدين في ليبيا إلى العاصمة طرابلس ليمارس نشاطه في كل الاتجاهات لخدمة الشعب الليبي المجاهد المناضل صاحب البطولات الذي استطاع أن يغير كل الحسابات وأن يقلب كل المعادلات ويحرج كل من انحاز إلى نظام القذافي ويخسرون الرهان ويجبرهم على إعادة النظر وبطريقة لا تخلو من الخجل في مواقفهم. هنيئاً للشعب الليبي الاستقلال من جديد، وننحني للشهداء الأبرار الذين قضوا من أجل حرية ليبيا، تحية كبيرة لكل الجرحى من مدنيين وعسكريين ممن يرقدون على أسِرَّة الشفاء نتمنى لهم الشفاء العاجل. وهنيئاً لكل من وقف وساند الشعب الليبي ووقف إلى جانب ثورته ونردد معهم بصوت عالٍ: أنا الشعب لا أعرف المستحيلا... ولا أرتضي بالخلود بديلا. ونقول للقذافي وطغمته المهزومة: بأن الثوار يبحثون عنك في كل مكان مدينة مدينة ... ودار دار ... وزنقة زنقة ... وحفرة حفرة... ونقول لشعب ليبيا العظيم لقد نجحتم في معركة الحرية والآن بدأت معركة تثبيت الأمن والأمان، والمصالحة الوطنية، ونبذ كل الفتن والمهاترات، وإسناد ودعم مجلسكم الأنتقالي لإكمال مهمته المشرفة في جمع كل الليبين من شتى مشاربهم تحت مظلة الاستقلال الحقيقي لدولة ليبيا الحرة الشقيقة.