الساعة

التوقعات الاقتصادية في (ثروة الأمم) .. سلوك إنساني يغلب عليه العدوان والاستعمار

05/07/2011

مركز الرأي للدراسات
اعداد : محمد سامي ابوغوش
تموز 2011

في عام 1776 نُشِرَ كتاب (ثروة الأمم( للكاتب الاسكتلندي آدم سميث والذي اعتبر بمثابة نقطة البداية لولادة علم الاقتصاد كفرع علمي منفصل ومتخصص، وقد حدد كتاب «ثروة الأمم» عوامل الإنتاج من الأرض كالمصادر الطبيعية، قوة العمل او القوى العامله الخبرات كثروات، ورأس المال وهو الاساس لقيام اي نشاط اقتصادي، واعتبر أن هذه العوامل الثلاث هي التي تشكل جوهر الثروة التي تمتلكها الأمم. ونادى بالرأسمالية ورفض تدخل الحكومة في الاقتصاد ونادى بوجوب تركه لقوى العرض والطلب.ولكن الكاتب لم يضع اسس لدراسة توقعات السلوك البشري او لم يخطر له ببال ان تكون الحروب الاقتصادية اكثر فتكا وفعالية في ابادة الشعوب من الحروب التقليديه او ان تكون ثروات الامم هي الاساس للحرب, لذلك لم نكن نسمع من قبل 150 عام بتوقعات اقتصادية لانه لم تكن اصلا هناك منظمات اقتصادية دولية فاعله ومؤثره في السياسات الدوليه فالتوقعات في الاقتصاد العالمي تاتي من تحليل الاقتصاديين لهيكل العلاقات السياسية الدولية وتفسير الظاهرة الاقتصادية وكذلك التنبؤ بقيم المتغيرات الاقتصادية و تقييم ورسم السياسات الاقتصادية ومن ثم تحديد النموذج في شكل معادلة أو معادلات احتمالية وتوقعات ، معتمدين بذلك على الله ومن ثم على النظرية الاقتصادية في جمع البيانات الخاصة بمتغيرات النموذج الاكونومتري ومستعينين بالوسائل الإحصائية في جمع البيانات لتقدير النموذج النهائي باستخدام الوسائل الإحصائية المناسبة فالتوقعات تاتي من دراسة الاقتصاد الجزئي وكذلك العرض والطلب ونظرية المستهلك و نظرية إلانتاج في الاقتصاد التجريبي والاقتصاد السلوكي والموازنة العامة للشركات والبنوك خلال فترات محدوده و التنظيم الصناعي و التجاره الدولية و علم النفس السياسي - واقتصاد الحرب.

نمو الاقتصاد العالمي

لقد توقع تقرير صدر عن صندوق النقد الدولي ان تكون هناك اخطارا أكبر بكثير مما كان متوقعا على نمو الاقتصاد العالمي في العام الحالي وهذه الاخطار قد ظهرت منذ التقرير السابق في نيسان من هذا العام فقد أشار التقرير بوضوح الى أزمة ديون منطقة اليورو وعجر المجموعه الاقتصاديه الأوروبيه عن حل تلك المشاكل او فصل بعض الدول الاوروبيه الشماليه عن باقي الاجزاء الشرقيه والجنوبيه او عن تلك الاقتصاديات المتعثره وبقيت اليونان وازمتها الاقتصادية تراوح في مكانها بالرغم من الدعم المالي الكبير الذي قدمته مجموعة اليورو , فالمأساة اليونانية الحديثة تشكلت ونضجت على شكل مشاكل مالية، وقدمت وما زالت تقدم دروساً لشعوب اوروبا ألاخرى التي تعاني من عجز في ميزانيتها كان الطاعون قد انتشر في ارجاء الاقتصاد اليوناني فالهبوط الحاد في أسعار اليورو، أمر مفرج جدا بالنسبة لليونان ولكنه يثير القلق في الدول الأوروبية الأخرى كالمانيا وفرنسا وهولندا والسويد والنرويج واسبانيا وغيرها إذ أن هبوط سعر العملة يعني هبوط الأجور أيضاً ونموا اقتصادياً بطيئاً علماً أن أوروبا تحاول الخروج من أزمة ركود اقتصادي وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية المثقلة بالديون والتي لم تضع حتى الان خطة مقنعة في الاجل المتوسط لاصلاح مشكلاتها المالية. فاليونان مرتبطة باليورو شأنها شأن 15 دولة أوروبية أخرى، ومشاكلها بالتالي ستجر أوروبا إلى تلك المشاكل، علماً أنها سجلت عجزاً في ميزانيتها أكثر من أربع مرات في السنين السابقة. وظهور علامات على نمو تضخمي في اقتصاد الاسواق الصاعدة وهذا عكس جميع التوقعات السابقه لمعظم الحكومات والبنوك و الشركات العملاقه ولدراسة الاسباب التي ادت الى تلك التوقعات دعونا نستعرض تاريخ النظم الاقتصاديه العالميه الحاليه ولهذا استحضر في ذهني اولا ما كتبه الاقتصادي البريطاني ليونيل روبنز عميد المدرسة الاقتصاديه البريطانيه والذي عاش ما بين عامي 1898- 1984 في مقالة نشرها عام 1932 في تعريف الاقتصاد حيث يقول: «الاقتصاد هو علم يهتم بدراسة السلوك الإنساني كعلاقة بين الغايات والموارد النادرة ذات الاستعمالات» ونستنتج من كلامه ان الاقتصاد هو السلوك الانساني لصياغة واشتقاق مفتاح العلاقات في نموذج اقتصادي واضح، وصارم، وبسيط.

ولما كانت الامم تعاني دوما من ازمات سياسيه ما بين طرفة عين واخرى فان السلوك الانساني المرتبط بالاقتصاد سيؤثر حتما في اداء تلك التوقعات ولذلك هناك ما يسمى الاقتصاد السياسي وهذا ليس بالشي الحديث فقد ولدت الأفكار الاقتصادية مع ولادة الحضارات القديمة كالإغريقية، والرومانية والهندية والصينية والفارسية والحضارة العربية والاسلاميه وكانت الاحداث السياسيه و الحروب تؤثر في المجريات الاقتصاديه.وقد اشتهر عدة كتاب ينتمون إلى هذه الحضارات من أبرزهم أرسطو الفيلسوف الإغريقي المشهور، ورئيس وزراء الإمبراطور الأول لإمبراطورية (موريا) في شرق آسيا، والفيلسوف العربي المعروف ابن خلدون صاحب مقدمة ابن خلدون) في القرن الرابع عشر الميلادي). ويعتقد الكاتب التشيكي (جوزيف شومبيتير) أن الباحثين المتأخرين ما بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر هم المؤسسون الحقيقيون لـ «علم الاقتصاد». ووصف جوزيف شومبيتير (ابن خلدون) بالرائد السباق في مجال الاقتصاد المعاصر، حيث أن العديد من نظرياته الاقتصادية لم تكن معروفة في أوروبا حتى وقت قريب نسبياً. لاحقاً.

مدرستين اقتصاديتين

لذلك تنتمي معظم التوقعات الاقتصاديه الحديثه لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة العشرين وغيرها من البنوك على مدرستين اقتصادتيين في غاية الاهمية (المدرسة الطبيعية (الفيزيوقراطية)، والمدرسة التجاريه المركنتلية)، اللتين قامتا بتطوير وإضافة مفاهيم اقتصادية جديدة، حيث ساهمتا في قيام ما يعرف «القومية الاقتصادية» او ما يسمى الاقتصاد السياسي من تكتلات اقتصادية اقليميه او يعرف بمجموعة العشرين و مجموعة الثمانيةو غيرها و»الرأسماليةالحديثة» في أوروبا. ولكن التاريخ يشهد بان أول من تعامل بجدية مع علم الاقتصاد هم الفيزوقراطيين حيث أمنوا بالزراعة كمصدر صافي للربح .
واعطيكم مثالا على السلوك الانساني وتاثيره في التوقعات الاقتصاديه فقد لاقت الجماهير العربيه وبالتحديد المصرية الفقيرة ظلم واستغلال خلال أربع سنوات هي عمر الحرب العالمية الأولى، ففي الريف كانت تصادَر ممتلكات الفلاحين من ماشية ومحصول لأجل المساهمة في تكاليف الحرب، كما حرصت السلطات العسكرية الانجليزيه على إجبار الفلاحين على زراعة المحاصيل التي تتناسب مع متطلبات الحرب، وبيعها بأسعار قليلة. وتم تجنيد مئات الآلاف من الفلاحين بشكل قسري للمشاركة في الحرب فيما سمي بـ «فرقة العمل المصرية» التي استخدمت في الأعمال المعاونة وراء خطوط القتال في سيناء وفلسطين والعراق وفرنسا وبلجيكا وغيرها. فنقصت السلع الأساسية بشكل حاد، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية و المعيشية لكل من سكان الريف والمدن، وشهدت مدينتي القاهرة والأسكندرية مظاهرات للعاطلين ومواكب للجائعين تطورت أحيانا إلى ممارسات عنيفة تمثلت في النهب والتخريب. تماما كما حدث في هذا العام وكان التاريخ يعيد نفسه ولم تفلح إجراءات الحكومة لمواجهة الغلاء، مثل توزيع كميات من الخبز على سكان المدن أو محاولة ترحيل العمال العاطلين إلى قراهم، في التخفيف من حدة الأزمة، كذلك تعرض العمال ونقاباتهم لهجوم بسبب إعلان الأحكام العرفية وإصدار القوانين التي تحرم التجمهر والإضراب.

الوطن العربي

ان المفاجآت كثيره ومتوفره ولا يمكن توقعها في الوطن العربي المصدر الاهم للطاقه لجميع دول العالم ويعتبر استقراره من اهم ركائز الاستقرار الاقتصادي العالمي , فمفاجأة حرب 1967 ومفاجأة عام 1973 ومفاجأة عام 1980 حرب الخليج الاولى وكذلك ومفاجأة عام 1990، ومفاجأة عام 2003 والتي تركت اقتصاد العالم العربي منهكا و ضعيفا بالرغم من ثراء الامم والاقتصاد العالمي يقف على شفير هاوية وكذلك الثورات العربيه كالثورة ضد الاستعمار كما حصل في فلسطين في الثلاثينات وفي الجزائر في الخمسينات من القرن العشرين و الانقلابات العسكرية العشوائيه كما حدث في مصر ثورة عام 1919 ضد البريطانيين والاحكام العرفيه التي صدرت بحق المصريين وتبعتها العراق والهند وليبيا والمغرب وحديثا التحركات الشعبية في ظل الحركات القومية العربية هي الأخرى نموذجاً آخر؟ ولا ننسى الانتفاضات مثل انتفاضة فاس عام 1990 ومسلسل الانتفاضات الفلسطينيه والامثله كثيره في العراق والسودان والجزائر وهذا ما يسمى في علم الاقتصاد بالسلوك الانساني المؤثر في الاقتصاد , لقد تفاجأة دول العالم الصديقة والعدوه بالثورات العربية الحديثة فقد عرف العالم على مدى الخمسين عام الماضيه الامم العربيه بانها أقل توقداً واكثر استكانة وتبعية للاحلاف والاقطاب الدولية ،فمبدا الديمقراطية العربيه ينادي «بان ينحشر الناس في حزب واحد» ليس رفضاً للظلم او أكثر تحرراً وتمسكاً بالكرامة الإنسانية العربية كحلف واحد , وانما للتوحد والتجسد في شخص واحد يقود المسيرة الديمقراطية من الان والى يوم القيامه .

واليوم يعتبر سياسة تجويع الشعوب حتى الموت او ما يسمى بالعقوبات الاقتصاديه الخطوة الاولى في اية تناقضات ايدولوجية وخلافات سياسيه تنشأ ما بين الدول التي تملك و الدول التي لا تمتلك ثروات , لذلك تنقسم دول العالم إلى مجموعتين: دول غنية تضم 5/1 سكان العالم وتسمى بدول الشمال ودول فقيرة تضم 5/4 من سكان العالم وتعرف بدول الجنوب. وتتميز العلاقة بين المجموعتين بهيمنة دول الشمال اقتصاديا وثقافيا على دول الجنوب تم تصنيف دول العالم إلى شمال وجنوب في إطار منظومة عالمية تتمحور حول قطب ثلاثي , فبعد الحرب العالمية الثانية، صنفت دول العالم إلى دول اشتراكية ودول رأسمالية، انطلاقا من معيار سياسي بحت. كما صنفت إلى دول قوية اقتصاديا ودول فقيرة اعتمادا على معيار اقتصادي نسبي . وأطلقت على الدول الفقيرة عدة أسماء كالدول العالم الثالث و السائرة في طريق النمو أو النامية.

شمال وجنوب

ان التصنيف إلى شمال وجنوب، فليس بالمعنى الجغرافي وانما بالمعنى الاقتصادي حيث توجد دول فقيرة في شمال الكرة الأرضية ودول غنية في جنوبها، وإنما يعني عدم التكافؤ بين دول غنية تملك 5/4 من ثروات العالم وتتميز باستقرار عدد السكان وهي الشمال. ودول فقيرة تملك فقط 5/1 ثروات العالم وتتميز بارتفاع عدد السكان وهي دول الجنوب. وهذا التصنيف، في إطار المنظومة العالمية للمنظمات الدولية، لذلك تعتبر دول الشمال هي البداية في كل شي ومسك الختام.

هل كان غائبا عن الكاتب آدم سميث في عام 1776 ان السلوك الانساني هو أساس الاقتصاد العالمي , لم يكن آدم سميث يعلم انه اشعل نار المؤشرات الإحصائية الاقتصادية لتصنيف البشر والدول فالمؤشر الاحصائي للناتج الوطني الإجمالي للفرد يعمق الهوة بين الشمال والجنوب في نظر الشمال ، الا إنه ليس معبرا دقيقا للمساواه بين البشر فقد اصبح المقياس بين الدول والشركات والافراد بالثراء المادي وليس بالقيم والاخلاق مع ان المؤشر يحسب بالدولار الامريكي أي بعملة دوله لا اخلاقية وكذلك غير مستقرة القيمة، ولها قيما شرائية تختلف باختلاف قيمة عملات الدول بالنسبة للدولار. كما أنه لا يعبر عن التفاوتات الاجتماعية داخل بلد معين، مما دفع الأمم المتحدة إلى تبني مؤشر التنمية البشرية.

لقد لعبت العوامل الاقتصادية دور مهم في دفع حركة الكشوف الجغرافية إلى الأمام إذ حظي البحارة الذين اتصفوا بالحيوية بتشجيع الحكومات. وهذه الحكومات كإسبانيا والبرتغال لم يكن في وسعها حل مشاكلها الاقتصادية إلا بالعثور على طرق تجارية جديدة تمكنها من الحصول على بضائع آسيا. كذلك أسهمت حاجة أوروبا الشديدة إلى المعادن الثمينة كالذهب والفضة في دفع حركة الكشوف وذلك للخلاص من الأزمة الاقتصادية التي انتابتها خلال القرن الخامس عشر وكان من أبرز مظاهرها تضاؤل الإنتاج وانكماش المبادلات التجارية وهبوط الأسعار.و الهدف الرئيسي هو تحقيق الربح التجاري والتخلص من الاحتكار الإسلامي.
واليوم تعصف باوروبا ازمات اقتصادية قد تدفعها الى الحرب او الى الاستعمار الحديث والذي يعتمد على سرقة مقدرات الشعوب إن أطماع الحكومات الأوروبية في السيطرة وزيادة النفوذ وامتلاك المستعمرات في الأمكنة المكتشفة أدت إلى تنافس سياسي لاكتشاف مناطق جديدة استمر طيلة القرن السادس عشر. وقد كان للدوافع الدينية أيضا دور في حركة الكشوف الجغرافية فالبرتغال على سبيل المثال جعلت شعارها في هذه المرحلة ضرب قوة المسلمين في غرب أفريقيا وشواطئ الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط. وقد حازت حركة الكشوف على اهتمام بالغ من قبل البابوية.

اقتصاد الحرب

ويهتم اقتصاد الحرب والدفاع بالآثار الاقتصادية للإنفاق العسكري على الاقتصاد الوطني فمثالا انفقت ادارة الرئيس الامريكي بوش مليارات الدولارات في الحرب على افغانستان والعراق و كانت نتائجها ليس انتصارا وانما دمارا شاملا للبنية التحتيه للعراق بينما كان شعار الحرب لتحرير العراق والنتجيه كانت سرقة مقدرات وخيرات العراق ونتيجه للتخطيط المسبق والتوقعات الفاشله وقعت امريكا في أكبر أزمه اقتصادية في تاريخها , فقد فشلت ادارة الرئيس بوش في إدارة الاقتصاد في وقت الحرب ، إضافة إلى فشلها في تهيئة الأنشطة الاقتصادية وإعدادها في وقت السلم لمواجهة حالة الحرب عند حدوثها وبخاصة ان الهدف الاساسي كان نفظ العراق و مخزونات النفط في اسيا الصغرى وافغانستان لقد كانت نتائج الحرب كارثية مقارنة مع الانجازات الوهمية بالقضاء على القاعده و الرئيس السابق صدام حسين ان التوقعات واهتمامات اقتصاد الحرب والدفاع بميزانيات الإنفاق العسكري وإدارة مخصصات القوات المسلحة ومواردها لا يعد اقتصاد الحرب والدفاع ولا فرعاً مستقلاً من فروع علم الاقتصاد انما يعد مخططا شيطانيا لسرقة ثروات الشعوب الفقيره تحت مسميات وشعارات مثل شعار تحرير الدافور الغني بالنفط في السودان ولا يمكن ان يكون أسلوبا اقتصاديا في تحليل الأنشطة العسكرية ومعالجتها وإدارتها من منظور اقتصادي . ان التوقعات والتخطيط الاقتصادي المسبق هو العملية التي تُمكن لروساء العالم الغني ويمكن الولايات المتحده وحليفاتها من تقدير النتائج المستقبليه للحملات العسكرية على الدول الفقيره بحجج واهيه وبالتالي تعديل الاهداف واختيار البديل الافضل واتخاذ القرارات عملية ادارية يمارسها وهي عملية جماعية ايضا
فهل سمعنا يوما ان دولا مثل روندا او تانزانيا او الصومال او حتى جنوب افريقيا او دول شرق اسيا او حتى غربها كانت مستفيدة من تلك التوقعات والدراسات .