14/09/2011

مركز الرأي للدراسات
اعداد : الدكتور نوفان العجارمة
ايلول 2011
فرغت اللجنة القانونية في مجلس النواب من إعداد توصياتها بشان مشروع تعديل الدستور ، وقد تشرفت بحضور ثلاث جلسات من جلساتها بدعوة كريمة من رئيس اللجنة الأستاذ عبد الكريم الدغمي، وبعد حوار ونقاش معمق- سمحي لي من خلاله أبداء بعض الملاحظات- أقرت اللجنة القانونية هذا المشروع مع إدخال بعض التعديلات المهمة عليه، وقد بقيت بعض المواد كما وردت من الحكومة.
فالدساتير توضع لكي تبقى، وهذا يلقي عبئا ثقيلا على عاتق المشرع الدستوري من حيث استشراف المستقبل دون النظر إلى الحاضر فحسب ، ولان بعض هذه التعديلات- من وجهة نظري - عالجت بعض المواضع الآنية ولم تأخذ بعين الاعتبار النظرة المستقبلية للحياة العامة في المملكة ، فان من واجبي أن أسلط الضوء على بعض هذه المواد وكما يلي :
أولاً: التعديل المقترح على المادة (15/3) من الدستور: حيث تم إضافة عبارة (بأمر قضائي) إلى هذه المادة وأصبح نصها كالتالي:(لا يجوز تعطيل الصحف ولا إلغاء امتيازها إلا بأمر قضائي وفق أحكام القانون) أن هذا التعديل لا يراعي خصوصية السلطة التنفيذية وللأسباب التالية:
1. أن المهمة الدستورية للسلطة التنفيذية ، هي تنفيذ أحكام القانون الصادر عن السلطة التشريعية، وإذا وجدت السلطة التنفيذية ثمة مخالفة لحكم القانون فإنها تستخدم امتيازاتها كسلطة عامة وتقوم بإزالة هذه المخالفة من خلال أهم امتياز لها وهو التنفيذ الجبري المباشر عن طريقة وسليه القرار الإداري و تحت رقابة القضاء. فإذا وجد القاضي إن القرار مشروع يقوم برد الدعوى و إذا وجد انه غير مشروع يقوم بإلغاء ذلك القرار، وهذا الأمر موجود في أكثر الدول تقدما .
2. ليس من مصلحة الأردن أن تغّل يد السلطة التنفيذية او أن يقلص دورها ، و يجب أن لا نجرد هذه السلطة من امتيازاتها ، و ليس من العدالة أن نعامل هذه السلطة معاملة الإفراد بحيث تلجا إلى القضاء لغايات إلغاء ترخيص صحيفة خالفت أحكام القانون ؟ فهذه السلطة مطلوب منها تسيير المرافق العامة على مدار الساعة و مطلوب منها أن تحافظ على النظام العام بعناصره وعلى مدار الساعة ، لذلك فان الأصل إن تمنح الإدارة سلطة تقديرية في هذا الشأن و هذه السلطة مقرونة بحسن استعمالها و تحت رقابة القضاء الإداري .
3. إن إلزام السلطة التنفيذية باللجوء إلى القضاء مع بقاء المخالفة ماثلة طيلة نظر الدعوى والتي قد تستغرق سنوات فيه إذابة لفاعلية هذه السلطة وأيضا التقليل من أهمية.
وعليه اقترح : شطب عبارة (بأمر قضائي) الواردة في التعديل .
ثانيا: التعديل المقترح على المادة (18) من الدستور: حيث تم إضافة عبارة (بأمر قضائي) حيث أصبح نص المادة كالتالي(تعتبر جميع المراسلات البريدية والبرقية والمخاطبات الهاتفية سرية لا تخضع للمراقبة أو الاطلاع أو التوقيف أو المصادرة إلا بأمر قضائي وفق أحكام القانون) إن التعديل المقترح سوف يخلق بعض الإشكالات العملية ،فكيف يتأتي لشركات الاتصالات القيام بواجبها في الحد من شكاوي ومكالمات الإزعاج ؟ ألا يتطلب هذا الأمر مراقبة( الاتصالات) لمعرفة فيما إذا كانت المكالمة تشكل إزعاجا أم لا ؟؟ كيف يتأتى لشركات البريد القيام بواجبها في مراقبة وتدقيق وفحص الرسائل و البعائث و الطرود البريدية ؟؟ إذا تم الطلب منها اللجوء إلى القضاء يعني إطالة الإجراءات و شل فعالية الجهات الحكومية؟؟
لذلك اقترح شطب عبارة (بأمر قضائي) الواردة في التعديل.
ثالثاً: التعديل المقترح على المادة (45) من الدستور: حيث تم شطب عبارة ( أو أي تشريع آخر) بحيث أصبح نص المادة كالتالي: (يتولى مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما قد عهد أو يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور إلى أي شخص أو هيئة أخرى ). أن هذا التعديل لا يراعي مستقبل الإدارة العامة في الأردن ، و يشكل انتكاسه حقيقية بخصوص اللامركزية المرفقية وللأسباب التالية:
1. إن شطب هذه العبارة يعني عدم إمكانية إنشاء مؤسسة عامة في الأردن تتمتع باستقلال مالي واداري مستقبلا ؟؟
2. إن شطب هذه العبارة يلزم الحكومة( أو مجلس النواب) بالتقدم بمشاريع قوانين لغايات تعديل كافة قوانين المؤسسات العامة بحيث يتم تجردها من استقلالها المالي والإداري و أن تتبع هذه المؤسسات تبعية مباشرة لأحدى الوزارات وكل حسب اختصاصه، مثال ذلك : تبعية البنك المركزي لوزير المالية و تبعية المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لوزير العمل و تبعية الجامعات لوزير التعليم العالي ؟؟ هل هذا المطلوب حقا لغايات تطوير الإدارة العامة في الأردن ؟؟ إلا يوجد استراتيجيات حكومية و رؤى ملكية لغايات ضمان استقلال الجامعات ؟؟ هل من المعقول أن تقوم الحكومة بإدارة السياسية النقدية بدلا من البنك المركزي صاحب الخبرة العريقة بهذا الشأن؟ ألا يوجد تخوف من قيام الحكومة بإدارة أموال الضمان الاجتماعي ؟؟ والقائمة تطول من الأمثلة .
3. إن مشكلة تفريخ المؤسسات العامة لم يكن الدستور سببها ، بل تخبط السياسات الحكومية بهذا الشأن، و مجلس النواب لم يحرك ساكناً حيث كان عوناً للحكومة على زيادة هذه المؤسسات من خلال تمرير تلك القوانين دون أن يقف وقفه جادة بهذا الخصوص من خلال رد تلك القوانين أو تعديلها ؟؟
4. إن نظرية المؤسسات العامة تمكن الإدارة من إتباع أساليب إدارية مرنه تراعي خصوصية تلك المؤسسة و تمكنها من التخلص من البيروقراطية والروتين الحكومي .
5. إن الحكومة الحالية قد شرعت بالفعل باتخاذ خطوات ملموسة من اجل إعادة هيكلة القطاع العام و دمج المؤسسات المتشابهة، وعليه، فانه يمكن حل تلك المشكلات دون المساس بالدستور.
وعليه، اقترح شطب عبارة أو أي تشريع آخر واستبدالها بكلمة (قانون) بحيث يكون النص كالتالي: يتولى مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما قد عهد أو يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور أو القانون إلى أي شخص أو هيئة أخرى.
رابعاً: التعديل المقترح على المادة (59) من الدستور( بخصوص النصوص المقترحة لإنشاء المحكمة الدستورية أرجو أن أبين الملاحظات التالية بخصوص هذه النصوص :
1. اقترح حذف كلمة (النافذة) الواردة بعد كلمة الأنظمة الواردة في المادة (59): لان المحكمة( محكمة الموضوع) يمكن أن تسند في حكمها إلى قانون ملغى مخالف للدستور، فهل نخرج القوانين الملغية من الرقابة ؟؟
2. لماذا يتم حصر الجهات التي يمكن أن تلجاء إلى المحكمة الدستورية ( المادة 60 من المشروع) من المستقر فقهاء و قضاء بأنه لا دعوى (بما في ذلك الدعوى الدستورية) بلا مصلحة ، و الأصل أن يكون لكلي ذي مصلحة أن يلجا إلى المحكمة ضمن ضوابط معينة( أن تكون له دعوى منظور) والسؤال ما هي مصلحة مجلس الوزراء أو مجلس الأمة في الطعن بقانون أو بنظام كونه غير دستوري ؟؟ فالأصل انه من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه؟؟
3. الأصل أن نجعل الطريق إلى المحكمة الدستورية أكثر سهولة ويسرا، بحيث نعطي قاضي الموضوع ( باعتباره الأكثر معرفة بقضيته) صلاحية البت في تحويل الدعوى إلى المحكمة الدستورية من عدمه، ولا نترك هذا الأمر إلى أي قاضي ( وحتى لو كان أعلى درجته من قاضي الموضوع) فالنص المقترح فيه إطالة غير مبرره للإجراءات، وقد يؤدي أيضا إلى عدم العدالة ، فما يراه رئيس محكمة ما طعنا جديرا بالاهتمام، قد لا يراه رئيس محكمة أخرى كذلك.لذلك فأنني اقترح أن يكون النص كالتالي : إذا أثير الدفع بعدم الدستورية أمام إحدى المحاكم، وكان الدفع جديا يتوقف عليه الفصل في الدعوى الأصلية ، تحدد المحكمة التي تثير أمامها الدفع ميعادا للخصم لرفع دعوى الطعن في دستورية القانون أمام المحكمة الدستورية ، وتوقف الفصل في الدعوى الأصلية حتى تفصل المحكمة الدستورية في الدفع بعدم الدستورية.
4. إن النص المقترح (المادة 60/2) هذا النص قصر الدفع بعدم الدستورية على الخصوم وحدهم ، ولم يعط مجالا لقاضي الموضوع إذا تبين له ومن تلقاء نفسه بان النص غير الدستوري ، إلا يحق له أن يحيل هذه الدعوى إلى المحكمة الدستورية ؟ باعتبار الدفع المتعلق بعدم دستورية القانون من النظام العام يجوز لمحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها .
خامساً: التعديل المقترح على المادة (71) من الدستور بخصوص الفصل في صحة نيابة عضو مجلس النواب،حيث أصبح الاختصاص لمحكمة الاستئناف، لقد هدف مشروع التعديل – على ما يبدو- من إخراج الطعون الخاصة بالفصل في صحة نيابة عضو البرلمان من ولاية المحاكم الإدارية وادخلها في ولاية القضاء النظامي (محكمة الاستئناف) إلى تخفيف العبء على الناخبين، نظرا لانتشار محاكم الاستئناف في و سط وجنوب و شمال المملكة( ثلاثة محاكم )، ومن ثم قربها من المتقاضين ، ولكننا لسنا مع هذا المسلك و نتمنى على مجلس الأمة أن يمنح الاختصاص لأعلى محكمة إدارية في التشكيل القضائي الإداري و للسببين التاليين :
إن الطعون الانتخابية - باعتبارها ذات طابع إجرائي إداري- تدخل في صميم المحاكم الإدارية، و لا تدخل في اختصاص المحاكم النظامية ، فالمحاكم الإدارية اقدر على تفهم روح القانون العام الذي يحكم هذا الموضوع (الانتخاب).
• إن إعطاء الاختصاص للمحكمة الإدارية ، بدلا من محاكم البداية، من شانه أن يوحد المبادئ والأحكام ويوحد الحلول في كافة المنازعات المتعلقة بموضوع الانتخابات، فوجود محاكم متعددة لا تخضع أحكامها لرقابة محكمة عليا يؤدي إلى تعدد التفسير التشريعي وفهم القانون بصورة مختلفة، وهذا يؤدي إلى إهدار العدالة وإهدار مبدأ المساواة بين المواطنين، لان الاختلاف في الاجتهاد - بين محاكم البداية – سوف يؤدي بالنتيجة إلى حرمان بعض المرشحين دون البعض الآخر، وهذا يتنافى من ابسط قواعد العدالة .
سادسا: التعديل المقترح على المادة (98) من الدستور: اقترح شطب كلمه (وحده) الواردة في الفقرة (3) من تلك المادة، و للسببين التاليين:
1. حتى تتوافق تلك الفقرة مع الفقرة (1) من تلك المادة ، لان قرار تعيين القاضي هو قرار إداري مركب (تشترك فيه أكثر من جهة) منها المجلس القضائي و جلالة الملك وفقا لأحكام المادة(98/1) من الدستور و التي تنص على: يعين قضاة المحاكم النظامية والشرعية ويعزلون بإرادة ملكية وفق أحكام القوانين.
2. إن المشكلة الحالية التي تواجهه المجلس القضائي في التعيين مصدرها قانون استقلال القضاء و ليس الدستور، و الذي أعطى وزير العدل صلاحية التنسيب بتعيين القضاة .
سابعاً: التعديل المقترح على المادة (100) من الدستور: اقترح أن يبقى النص كما ورد من الحكومة كونه أدق في صياغته و تعبيره، فالنص المقترح من قبل الحكومة جاء بالصيغة التالية: (( تعين أنواع جميع المحاكم ودرجاتها وأقسامها واختصاصاتها وكيفية إدارتها بقانون خاص على أن ينص هذا القانون على إنشاء قضاء إداري على درجتين ) في حين النص المقترح من قبل اللجنة القانونية جاء بالصيغة التالية: ((تعين أنواع جميع المحاكم ودرجاتها وأقسامها واختصاصاتها وكيفية إدارتها بقانون خاص على أن ينص هذا القانون على إنشاء محكمة قضاء إداري على درجتين). فلا يمكن أن نتصور محكمة على درجتين، بل يمكن أن نتصور قضاء إداري على درجتين ؟؟
وأخيرا، أود أن اوكد على أهمية هذه التعديلات، فهي تعتبر وبحق أهم نقلة نوعية سياسية في تاريخ الدولة الأردنية، وقد صاغت مفهوما جديدا لعلاقة الفرد بالسلطة، حيث كفلت هذه التعديلات حقوق الفرد وحرياته ، وجعلت من السلطة التنفيذية حاميا لهذه الحقوق والحريات، ، وقد عززت استقلال السلطة القضائية ، وتوفير ضمانات نزاهة انتخابات مجلس النواب وتعزيز دور السلطة التشريعية . وسوف يكون لهذه التعديلات أثرا ايجابياً على مفهوم المواطنة، من خلال تمكين المواطن الأردني من مباشرة حقوقه السياسية، و تعزيز دولة القانون و المؤسسات.