27/08/2011

مركز الرأي للدراسات
اعداد : د. ابراهيم حرب محيسن
اب 2011
مع بالغ احترامنا لجهود اللجنة الملكية الموقرة التي أعادت للدستور الكثير من الهيبة والاعتبار فيما اقترحته من تعديلات هامة، وإذ نثمّن عاليا هذه الجهود، لنستأذن في إبداء بعض الملاحظات التي تستحق ان نتوقف عندها (من الوجهة القانونية المحضة) وذلك قبل اعتمادها في صيغتها النهائية من قبل المراجع التشريعية المختصة، وتتناول هذه الملاحظات النقاط التالية :
محاكمة الوزراء
اقترحت اللجنة أن تتم المحاكمة أمام محكمة استئناف خاصة، وهذا الاقتراح ليس في محله للأسباب الأتية :
لأن المحكمة الاستئنافية من محاكم الدرجة الثانية التي ينعقد اختصاصها النوعي لنظر الدعاوي التي سبق الفصل فيها من قبل محاكم الدرجة الاولى ولا يجوز التوجه اليها مباشرة قبل ولوج بوابة محاكم أول درجة، وهذا الاختصاص متعلق بالنظام العام فلا يجوز مخالفته قولا واحدا.
التقاضي أمام محاكم الاستئناف يعد ترجمة عملية لمبدأ التقاضي على درجتين، وهو ما يفترض سبق الفصل في القضايا المنظورة استئنافاً ومخالفة ذلك يعني مصادرة على إحدى درجتي التقاضي وحرمان الخصم (الوزير) من حقه اذا رغب في الطعن في الحكم الصادر ضده من محكمة أول درجة أمام محكمة الدرجة الثانية، واختزال التقاضي في درجة واحدة خروج سافر على مبدأ التقاضي على درجتين.
كما أن حرمان الخصم من حقه في الطعن في الحكم الصادر من هذه المحكمة يخل بمبدأ المساواة بين الخصوم، لأن تعدد درجات التقاضي يعد إحدى الضمانات الهامة التي ينبغي أن يتمتع بها جميع الخصوم أيا كانت الجهة التي يتم التقاضي أمامها.
ثم أن المشرع الدستوري قد حرص من خلال التعديلات الأخيرة على تعميم مبدأ تعدد درجات التقاضي كما فعل بالنسبة للخصومة الإدارية فلماذا يحجب هذا المبدأ عن المحكمة المختصة بمقاضاة الوزراء؟!
كذلك فإن المحاكمة التي تجري أمام محكمة الاستئناف مباشرة تتعارض مع منطق الاستئناف الذي يعني في صحيح النظر تظلما من حكم سابق، وهو أمر لا يستقيم مع عرض النزاع على المحكمة الاستئنافية مباشرة لكي تنظر في تظلم من حكم لم يصدر بعد.
والاقتراح في مجمله يعد تجاوزا لنظام التقاضي على درجتين كأحد ابرز مبادىء التقاضي في النظام القضائي الأردني الذي تكرس عبر عقود خلت كما يعد خروجا سافرا على مفهوم الاستئناف وغاياته كما هو معتمد في القوانين المعاصرة التي اخذ عنها المشرع الأردني هذا النظام.
ولكل هذه الأسباب كان ينبغي أن ينعقد الاختصاص في محاكمة الوزراء لإحدى محاكم الدرجة الأولى فلا يستعاض عن وضع استئناثي شاذ بوضع استئناثي آخر أكثر شذوذا ولا يقل عنه خطورة لخروجه على الأصل العام (ولنا في محاكمة وزراء النظام المصري التي تجري حاليا مثل حاضر).
المحكمة الدستورية
اقترحت اللجنة أن تشكل المحكمة من تسعة قضاة وأن تنعقد بحد أدنى من القضاة لا يقل عن سبعة أعضاء ويلاحظ على هذا الاقتراح ما يلي:
خروجه عن الأصل العام المقرر في اصدار الأحكام القضائية وهو أن تصدر بالإجماع أو بالاغلبية المطلقة فما هي الحكمة من اشتراط أغلبية محددة لا تقل عن ستة أعضاء؟!
سيفضي هذا الاقتراح إلى خلق أوضاع شاذة عندما تصدر أحكام بأغلبية أقل من الاغلبية المطلوبة: فلو كانت المحكمة منعقدة بهيئة مشكلة من سبعة اعضاء وصدر الحكم بأغلبية خمسة قضاة ومعارضة قاضيين، فإن مثل هذه الاغلبية لن تكون كافية لإصدار الحكم وهو ما يعني الاخذ برأي الأقلية وصرف النظر عن رأي الاكثرية الاولى بالاتباع، وهذا الوضع مستهجن بكل المقاييس ولا يستقيم مع المنطق القانوني السليم . وسنصادف في مثل هذه الحالة خروجا عن المألوف ونزوعا نحو رأي الاقلية بالرغم من رجحان كفة الاغلبية وهو وضع شاذ لا مبرر له في ميدان التقاضي القائم على العدالة والمنطق السليم قبل أي اعتبار.
كما أن اشتراط اغلبية معينة في إصدار الأحكام القضائية فيه تضييق على العدالة ومن قبيل لزوم ما لايلزم، فلماذا يكون حال المحكمة الدستورية مختلفا من هذه الناحية عن سائر المحاكم النظامية الاخرى.
ولماذا لا يكتفى بانعقاد المحكمة بهيئة مشكلة من خمسة قضاة، على أن تنعقد بهيئة عامة من جميع قضاة المحكمة للنظر في القضايا المستحدثة أو الأكثر تعقيدا كما هو شأن محكمة التمييز؟.. قد يقال بأن ميدان عمل المحكمة الدستورية من الأهمية والخطورة بمكان بحيث يتطلب أن تنعقد بنصاب أعلى وأن تصدر أحكامها بأغلبية فوق عادية؟ والرد على ذلك أن انعقاد المحكمة بهيئة مشكلة من خمسة قضاة - وليس ثلاثة- يراعي دون شك أهمية القضايا المطروحة أمامها أسوة بمحكمة التمييز التي تتبوأ رأس الهرم القضائي وتضع مبادىء قانونية ترتقي إلى مرتبة النصوص الواجبة الاحترام، الى جانب أن الرهان على أداء المحكمة واضطلاعها بالدور المنوط بها سيكون معلقا في المقام الأول على أهلية القاضي الدستوري الذي يفترض أن يمتلك من الكفاءة والخبرة ناهيك عن النزاهة والاستقامة، ما يمكنه من السهر على حماية الدستور وصونه من العبث، وليس بالاعتماد على عدد القضاة، وهي مسألة نسبية وغير حاسمة لا سيما مع وجود أنظمة قانونية تكتفي بنظام القاضي المنفرد.
لم تتطرق التعديلات إلى ما ينبغي للمحكمة التي يثار أمامها دفع بعدم دستورية قانون ما، أن تقرره مكتفية بإحالة الدفع إلى المحكمة الدستورية فيما كان ينبغي أن يضاف إلى ذلك قرار المحكمة بوقف الدعوى بقوة القانون على ذمة ما تقرره المحكمة الدستورية بصدد الدفع الذي يتوقف عليه الحكم في الدعوى، وهو الإجراء المتبع في كل مرة يثار أمام المحكمة مسألة يتوقف عليها االفصل في موضوع الدعوى كما هو شأن الدفع بعدم دستورية القانون الواجب التطبيق.
الإشارة إلى عدم جواز عزل القاضي الدستوري طوال مدة عضوية قد يوحي بأن هذه الضمانة قاصرة على قضاة المحكمة الدستورية مع أنها تشمل جميع قضاة المحاكم النظامية باعتبارها مظهرا من مظاهر استقلال القضاء، لذلك يتعين عند صياغة هذه المادة إزالة هذا الإلتباس.
القوانين المؤقتة
حسناً فعلت اللجنة عندما استعادت النص القديم المتعلق بحالات الضرورة الموجبة لاصدار قوانين مؤقتة مع ملاحظة أن إلحاق كلمة (الطوارىء) بالحروب غير لازمة، لأن حالة الطوارىء ليست مستقلة أو منبتة الصلة بالحروب والكوارث العامة وإنما تنشأ عنها، وهذا ما اكدته مقدمة المادة التي جاء فيها ..... لمواجهة الطوارىء الآتي بيانها :
وإبقاء كلمة «الطوارىء» ملحقة بالحروب قد يكون منفذا لإقحام حالات أخرى تبرر اصدار المزيد من القوانين المؤقتة سيئة السمعة فتعيدنا الى ما كان عليه الحال سابقا.
انواع المحاكم ودرجاتها
جاء في المقترحات العمل على انشاء محكمة عدل عليها يتضمن قانونها أن يكون القضاء الإداري على درجتين، وصياغة النص جاءت ملتبسة وقد توحي بأن تعدد درجات التقاضي قاصر على محكمة العدل العليا التي وردت في نفس السياق الذي أشار إلى أنواع المحاكم ودرجاتها واقسامها واختصاصها، مع أن تعدد درجات التقاضي يعد أصلا عاما واحد أبرز مبادىء التقاضي التي يقوم عليها النظام القضائي الأردني والذي ينبغي أن يسود جميع الخصومات، لذلك يفضل إعادة صياغة المادة بحيث تشتمل على بندين: الأول يشير إلى أن تعيين المحاكم ودرجاتها واختصاصها وكيفية إدارتها بقانون خاص يتضمن إنشاء محكمة عدل عليا، فيما يشير البند الثاني إلى أن التقاضي في جميع الخصومات على درجتين (مع مراعاة الاستثناءات المتعلقة بنصاب الطعن ورغبة الخصم فيه).
إنشاء المجلس القضائي بقانون لكي يتولى الشؤون المتعلقة بالمحاكم النظامية وحق تعيين القضاة النظاميين مع تبيان صلاحيته في الشؤون الوظيفية المتعلقة بالقضاة، هذه العبارة التي تتناول تنظيم شؤون السلطة القضائية تحتاج إلى إعادة صياغة على النحو التالي:
تنظم شؤون السلطة القضائية بموجب قانون يصدر لهذه الغاية ويتضمن إنشاء مجلس قضائي يتولى الشؤون المتعلقة بالمحاكم النظامية وحق تعيين القضاة النظاميين وكافة الشؤون الوظيفية المتعلقة بالقضاة (وهو قانون استقلال القضاء أو قانون السلطة القضائية) لأن الموضوع الرئيس للقانون هو تنظيم شؤون السلطة القضائية وليس إنشاء المجلس القضائي الذي يعد اداة لذلك.
لم تتطرق التعديلات المقترحة إلى إعادة النظر في مسألة تعدد جهات القضاء بحيث تقتصر على القضائين العادي والإداري على أن يندرج القضاء المدني والجزائي والشرعي والديني في دوائر مستقلة تحت مظلة القضاء العادي، فلا يوجد في الأنظمة القانونية المعاصرة غير نموذجي القضاء الموحد والقضاء المزدوج، إلى جانب الوضع الاستثنائي المتعلق بالمحاكم الخاصة.
ولا أحسب أخيرا أن هذه الملاحظات تقلل من شأن الجهود المميزة للجنة الملكية الموقرة التي ندين لجهودها بالشكر والعرفان متمنيا على ديوان التشريع الذي أحيلت إليه هذه التعديلات أن يضع الملاحظات السابقة بعين الاعتبار وأن يحرص على استقبال المزيد من الأفكار والاجتهادات القانونية المتعلقة بالمبادئ التي جاءت بها هذه التعديلات والتي لا نشك لحظة في أنها ستصب في مصلحة وضع دستور محكم البناء والصياغة ولا تدعونا الحاجة لتعديل بعض بنوده قبل أن يجف مدادها.