الساعة

دور المؤسسات التعليمية في تعزيز الانتماء الوطني

06/09/2011

مركز الرأي للدراسات

اعداد :احـمـد عـبـد الـرحيم الـحـوراني

ايلول2011

منذ تسلم جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية في العام 1999، وضع جلالته نصب عينية هدفا ساميا، تمثل في إعداد المواطن القوي المسلح بالعلم والمعرفة، والمتحلي بنفس الوقت بسمات ومزايا المواطن المؤهل المنتج، المنضبط، المنفتح في سماء المعرفة والتطور، والراسخة جذوره في وطنه وأمته، ليكون بالفعل ثروة البلد الحقيقية، ونواة انطلاقته نحو الإبداع والتميز على طريق تحقيق التنمية الشاملة.

وبحمد الله، فقد أينعت وعلى مدار السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة، سمات الإنسان الأردني وأثمرت بفضل رعاية جلالة الملك، تقدما وعطاء وغدا الأردن مثالا يقتدى ونموذجا يتطلع الآخرون للسير على نهجه وتجربته في الرقي والانفتاح والحداثة التي جاءت حداثة أردنية بتوافق واتساق تام مع الأصالة والموروث الإسلامي الخالد.
ويقول جلالة الملك عبد الله الثاني « .. وقد التزمنا دوما في دعم الجهاز التعليمي إيمانا منا بأنه مصنع إعداد المواهب وصقل القدرات، خاصة وان العنصر البشري في الأردن هو مصدر ثروتنا وقوتنا الحقيقي « ويضيف جلالته في موضع آخر «.. نود أن نؤكد اعتزازنا بمؤسساتنا التعليمية، من مدارس وكليّات ومعاهد وجامعات، وأن نجدد حرصنا على أن تظل منبعا لتميزّنا، وحصناً لهويتنا وذاتنا. ونريد لها أن تكون الطريق والوسيلة للمضي قدماً، خاصّة وأن الأردن العربي الهاشمي قد تأسس ونشأ في مدرسة قيم العطاء والتضحية والإخلاص للدين والعروبة».

كما أولت جلالة الملكة رانيا التعليم في الأردن وبمختلف مراحله، اهتماما ملحوظا، وأطلقت مبادرات عديدة وجوائز متنوعة، وقامت ولا تزال بزيارات ميدانية للوقوف عن كثب على أوضاع الطلبة، واحتياجات المدارس في مناطق المملكة من صيانة وتطوير وأجهزة ومعدات وتحديثات في البنى التحتية لتتماشى مع الطموحات والتطلعات وذلك عبر إيجاد بيئة مدرسية آمنة وما لها من نتائج ايجابية على مستوى التحصيل العلمي والمهاري للطلبة وما يقتضيه ذلك من تطوير وإعادة تشكيل للبنية الفكرية لهم ابتداء من المرحلة التعليمية الابتدائية التي تكون القاعدة لإعداد الطلبة وتزويدهم بالمفاهيم والأفكار والاتجاهات السليمة جسميا وعقليا، وهي المرحلة المتممة لدور الأسرة في غرس مفهوم الدين والعقيدة وحب الوطن والانتماء إليه، كما تتسع هذه المرحلة إلى التعليم العالي بجميع مستوياته.

من هنا، فلم تعد وظيفة رئيس الجامعة، ومدير المدرسة وأستاذ الجامعة ومعلم المدرسة، وظيفة تقليدية تقتصر على ختم المنهاج في المدرسة وإعطاء المحاضرات في الجامعات، وأصبح في العهد الأردني الجديد، لكل من هذه العناصر أدوار حيوية هامة بالقدر الذي تأمله القيادة الهاشمية من كل عنصر، فرئيس الجامعة لم يعد المطلوب منه تسليم الشهادات لأفواج الخريجين مع نهاية كل فصل دراسي، بل بات علية الإسهام النوعي في تحقيق الأهداف التعليمية والتربوية الوطنية والتي من بعض جوانبها إعداد الطالب للمجتمع الأردني إعدادا متكاملا واحاطتة بمهارات تقنية يواجه بها تحديات عصره وتطوراته المتلاحقة، كما أصبح مدير المدرسة الناجح هو الذي يقوي شعور الانتماء للأردن ولقيادته الهاشمية في نفوس مرؤوسيه وأهمهم الطلبة والعمل على إذكاء الروح المعنوية فيهم بصورة مستمرة.

الدراسة التي بين أيدينا، هي محاولة تهدف إلى تكوين ورسم ملامح فكرة عامة، لما يمكن لمؤسسات التعليم « مدرسي، عالي « في الأردن إزاء مسألة تعزيز الانتماء الوطني، وتجسيده نظريا وعمليا في أذهان الطلبة الذين هم على مقاعد الدراسة في المدارس والكليات والجامعات.
ويقصد بالمؤسسات التعليمية هنا، هي جميع المؤسسات المسؤولة عن إدارة دفة النظام التعليمي في المملكة الأردنية الهاشمية، حكومية كانت أو خاصة، فهي تشمل وزارة التعليم العالي والجامعات الرسمية وغير الرسمية وكليات المجتمع، بالإضافة إلى وزارة التربية والتعليم وما تحتويه من جميع مدارس المملكة من المرحلة الأساسية إلى المرحلة الثانوية.

الانتماء كمفهوم عام، يعبر عن صلة الإنسان بالوطن والأرض، وهو ليس فقط مجرد إطار قانوني بالتزامات وواجبات تحكمها علاقة الفرد بالدولة، بل هو علاقة شبة مقدسة تعكس الارتباط بالأرض ووحدة الأهداف والمصلحة والاعتزاز بمجموعة القيم والمبادئ والمفاهيم والمثل التي يؤمن بها الأفراد وتجسدها الرسالة الأخلاقية للأمة والمشروع الوطني للدولة.وكرأي خاص فان الانتماء للوطن هو حالة شعورية، يعيشها المواطن ويترجمها إلى أفعال على ارض الواقع، ويحضرني القول الشهير للرئيس الأمريكي جون كينيدي « لا تقل ماذا قدم لي الوطن بل اسأل نفسك دائما ماذا قدمت أنت للوطن»

ما هو المطلوب من العناصر الرئيسية في المؤسسات التعليمية الأردنية؟

المدرسة : إن الحديث عن المدرسة لا يمكن فصله عن الحديث عن المجتمع، إذ أن المجتمع يتكون من مجموعة أفراد لهم عادات وتقاليد وقيم مشتركة، والمدرسة تتلقى أبناء هذا المجتمع وتهيئهم لأن يحتلوا مكانتهم في المجتمع كأعضاء ومواطنين صالحين لأن يعيشوا مع غيرهم. ولهذا تنظر التربية الحديثة إلى المدرسة باعتبارها مجتمعا صغيرا شبيها بالمجتمع الكبير الذي تقوم فيه .وعليه فان المدرسة تقوم بإعداد الطفل وتنمية قواه ومواهبه، وتتيح له الفرص للنمو الكامل والتحسن الجيد كما يجب أن تراعي المدرسة تغيرات المجتمع و التطورات التي صاحبت تطور التكنولوجيا الحديثة بظهور وسائل علمية متطورة تتطلب المزيد من التقدم في العلم والتطور في الفكر. وإلا فإنها تصطدم مع الواقع ولا يمكن حينها التوافق بينهما، فتكون قد قصرت في وظيفتها، إذ ليس من المعقول أن تكون خبرات وتجارب المتعلم ومعارفه وأخلاقه ومبادئه تمثل عصرا مضى وانقضى، فمثل هذا المتعلم حينما يخرج للحياة العملية يشعر بالنقص وعدم القدرة على تكييف سلوكه وتفكيره مع العالم الذي يعيش فيه .فإصلاح المجتمع يتوقف إذا على إصلاح المدرس والمدرسة أولا فإذا أولينا العناية والاهتمام بهما، فان الإنتاج يكون وافرا وهذا ما يزيد من تطور البلاد وازدهارها ونموها إلى الرقي ومسايرة موكب الحضارة المتطورة.

مدير المدرسة :إن مدير المدرسة هو القائد التربوي الذي يشرف على أعمال جميع من فيها من تلاميذ ومعلمين وطلبة، ولعل الدور الأهم للمدير هو الإسهام المباشر في إعداد معلميه وتنميتهم وتقديم النصح والإرشاد لهم في مجال الإدارة الصفية وإعداد الدروس ومتابعة الطلبة وإذكاء مهاراتهم على الصعيدين العلمي والتربوي، وبعبارة أخرى فان مدير المدرسة يعمل في المتابعة والإشراف ضمن مجالات رئيسية ثلاثة هي المجال الفني، المجال الإداري، المجال الاجتماعي، ويعتمد انجاز العمل في هذه المجالات على مدى التعاون بين العاملين في المدرسة والمجتمع.

المعلم في المدرسة
إن للمعلم دورا أساسيا في تحقيق أهداف التعليم في الأردن، من ناحية إيجاد الأجيال من أبناء المجتمع المؤهلة عقليا وأخلاقيا وجسديا، لكي يسهموا في خدمة المجتمع وبناء قوته وتثبيت دعائمه واغنائه بالعلم والثقافة والالتزام الوطني، وقد نال المعلم اهتماما حثيثا من لدن جلالة الملك الذي عهد إلى المعلمين بأبناء الأردن ليصنعوا منهم بالرعاية والاهتمام، مواطني المستقبل، إذا ما كان هؤلاء المعلمون متمكنين في حقولهم العلمية ومتسعين في إدراكهم ومؤمنين بوطنهم ومحترمين لعقولهم وضمائرهم . فالمعلم الذي يؤمن بهذه القيم والمثل والمبادئ ويقوم بنقلها إلى تلاميذه، فانه يتقدم في طليعة الجهات التي تترجم توجهات ورؤى الملك الرامية إلى مستقبل أردني مشرق ونهضة حقيقية إذا ما تم غرس روح العمل واحترام العقل والشجاعة الأدبية والتعاون والعمل الجماعي والاستعداد للتضحية في نفوس وفكر أبناءنا الطلبة.

وان كان على المعلم في المدرسة أن يتعامل مع الإنسان الأردني الجديد بتفهم وثقة متبادلة، فان هذا الدور يتعاظم أمام ما فرضه الواقع التقني العالمي الحديث وما يتعرض له الطالب في مدرسته وجامعته من احتكاكات ثقافية وفكرية متعددة تجعل من وظيفة المعلم أداة فاعلة لخلق الطالب القادر على مواجهة هذه التحديات من خلال تنمية الحس الاجتماعي والوطني لديه وتقوية الشعور بالانضباط وحب العمل والابتعاد عن الاتكالية والأنانية واللامبالاة.

وحتى يستطيع المعلم في المدرسة النهوض بدوره في تعزيز وترسيخ مفهوم الانتماء الوطني عند الطالب، فان علية إدراك مجموعة أمور منها:
- إن المعلم هو فرس الرهان والمطلوب منه كبير جدا، بحجم الدعم الكبير الذي قدمته له القيادة الهاشمية وبمستوى الثقة التي في عنقه، وعليه الإيمان بمسؤولياته وواجباته تجاه الأردن، والعمل على تطويرها وتجديدها بما يواكب روح وطبيعة العصر، وبالصورة التي تؤدي إلى تقدم الحياة الاجتماعية والثقافية.
- إن على المعلم أن يكون ملما بالقضايا التي تشغل بال مجتمعة وواعيا لأسباب الأحداث ودوافعها، وعالما بتفاعلاتها ومتفهما لأسئلة طلابه واستفساراتهم عنها ليتمكن من إزالة الكثير من علامات الاستفهام العالقة في أذهانهم حولها.
- على المعلم أن ينمي في الطالب الإحساس بالمسؤولية فيعلمه كيف يحافظ على ثروات الوطن وممتلكاته ومكتسباته، ويعلمه كذلك كيف يحترم القوانين والأنظمة والتعليمات الضابطة والمنظمة للحياة في المجتمع.
- أن تكون لدى المعلم المقدرة على توظيف المنهاج الدراسي في تعزيز الانتماء للوطن.
- إن المعلم يواجهه كل يوم من أيام عمله تحديا جديدا، يتمثل في سعة أفكار الطلبة، ما يتطلب منه أن يكون متجدد الحيوية والنشاط وان يكون حاضر الذهن وسريع البديهة ومستعد للمفاجئات وغير متحجر ولا جامد.
إن المعلم الذي يقوم بدوره التوعوي ويؤصل حب الوطن والانتماء إلية والولاء لقيادته الهاشمية، هو الذي يؤدي ما علية بمختلف الجوانب، فتربية الضمير الحي عند أبنائنا الطلبة من أهم الأدوار التي يقوم بها المعلم، فهو القادر على أن يغرس فيهم المسؤولية تجاه المجتمع وقيمة التي ارتضاها لنفسه بحيث يحاسب كل منهم نفسه بنفسه إن اخطأ أو احدث تجاوزا في تصرف أو سلوك ما.

الجامعات الأردنية
إن الجامعات الأردنية، كمؤسسات علمية حضارية، تعمل في إطار السياسة العامة للدولة وتقوم بتنفيذ البرامج والسياسات العامة للمملكة، وفي طليعة مهامها إتمام مراحل التنشئة واستكمال تربية أبناء الوطن القادمين إلى رحابها من مجتمع المدرسة، فالجامعة بما استوثق لها من تجارب وبما تضمه من العلماء والعقول، قادرة على أن تعيش مشاكل التربية وتتلمس لها المعالجات والحلول ولا يتحقق ذلك إلا بتفاعل الجامعة مع أجهزة التربية والتعليم على كل صعيد للإسهام في خلق المواطن المتوازن روحا وخلقا وجسما وعقلا في إطار من القيم والأخلاق القويمة.
وحتى تمارس الجامعة المطلوب منها في تعزيز الانتماء الوطني فان عليها
رفع الوعي المجتمعي والثقافي والديني والاقتصادي عند طلبتها.
العمل على تنمية ودعم مواهب الشرائح المنتجة في المجتمع وتشجيع الاعتماد على الذات.
المساهمة في نشر ثقافة السلام وفق خطط مدروسة وإقامة المنتديات واللقاءات والحوارات والمسابقات التي تعزز هذه الثقافة.
المساهمة في معالجة مشكلات الأسرة والمجتمع، من التشرد والتفكك وما إلى ذلك.
خلق الأجواء السمحة والديمقراطية والمنابر التي تعزز في الناشئة حب الوطن وتغرس في نفوسهم قيمة الصحيحة.
التركيز على ترسيخ الأسلوب العلمي المنطقي الذي يثري العقل ويغذي روح التجديد والاستقلالية في التفكير واحترام الرأي الآخر.
إن الثقافة التي يجب أن تسود في مجتمع الجامعة هي الثقافة التي تصنع مواطنا مؤمنا بوطنه وبواجباته ومسؤولياته.

أما الأستاذ الجامعي فهو محور العملية الأكاديمية وعلى رأس اولوياتة، أن يقوم بإنتاج المعرفة من خلال الأبحاث التي يجريها، ونقل هذه المعرفة عن طريق التدريس للطلبة الذين هم أمانة في عنقه، وهو حجر الزاوية في العمل الأكاديمي الذي يرتكز أساسا على الرأسمال البشري، فجودة عضو هيئة التدريس عنوان بارز لجودة المؤسسات الأكاديمية وجودة مخرجاتها التي تتمثل في الطلبة الذين أعدتهم الجامعة وزجت بهم إلى مؤسسات الوطن لاعمارها وبنائها.وبالتالي فان أستاذ الجامعة الذي يقوم بواجبة على أتم وجه ويحافظ على أوقات الطلبة ويكون لهم الموجه والمرشد والناصح الأمين والمقوم لاعوجاج سلوكهم وتصرفهم، فانه يترجم انتماءه لوطنه وحبة لقيادته، و يسهم في تنمية المجتمع عن طريق إعداد هذا الجيل الواعي والمدرك لما يجري حوله من قضايا وكيفية التصرف إزاءها.

أن الانتماء للوطن من أهم الانتماءات في عالمنا المعاصر، وهذا الانتماء يعني حب الوطن والاستعداد للتضحية من أجله، كذلك المحافظة على كيانه الاجتماعي من خلال الالتزام بالقيم الوطنية السائدة في مجتمعه، وهو في الوقت ذاته من الفطرة التي فطرنا الله عليها، إلا أنها تحتاج بجانب ذلك إلى رعاية وتنمية، انطلاقا من أن تماسك المجتمع وتآلفه وقدرته على تحقيق التنمية، يتوقف على شعور أفراده بالانتماء الصادق لوطنهم، وهذا الانتماء هو ضمانة الحفاظ على الهوية، وهو الذي يضفي على نفس الفرد الإحساس بالأمن والأمان والاطمئنان.