الساعة

الامن الفكري .. خط الدفاع الاول

07/06/2011


مركز الرأي للدراسات
اعداد : الدكتور صالح لافي المعايطة
حزيران 2011

الأمن قضية كبرى وهاجس بات يشغل المجتمع الإنساني المعاصر ويطغى على اهتماماته ، فالدول اليوم تتخذ لتأمينه ترتيبات وإجراءات ظاهرة وخفية وتخصص من أجل ذلك موارد ضخمة وجهود وطاقات هائلة ، حيث نجد كثيرا من المشاكل الإقليمية والاضطرابات الداخلية ذات الطابع الأمني تقع دون مبرر حقيقي فاستغراق الدولة في الهاجس الأمني قد ينتج عنه سياسات متصلبة تؤدي إلى الانخراط في ممارسات جافة وانفعالية تجاه الرأي الآخر .
عموماً لا تكاد نجد اليوم من أقطار العالم من يزعم الاطمئنان التام على أمنه الوطني مهما بلغت قوته المادية والمعنوية ، إما لعوامل تتصل بيئته الداخلية أو لعوامل تتصل بالبيئة الدولية أو لعوامل تتصل بالبيئتين معاً .
ولعل أكبر دلالة على مفهوم الأمن ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى «فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف « فالأمن هنا مواجهة الخوف والمقصود به ما يهدد المجتمع «اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وأمنياً وفكرياً »
وكما جاء في الحديث الشريف «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أصبح معافى في بدنه آمناً في سربه ، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا «
الأمن هو قدرة الدولة على البقاء والمحافظة على قيمتها مع استمرار النمو والتقدم « فالدول غير الآمنة لا تنمو» والأمن الحقيقي للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التي تهدد مختلف قد راتها حيث نجد أن معظم شعوب العالم تلتقي عند مطلب واحد نسميه المطلب الوطني ويتمثل «بالأمن والحرية والحياة الفضلى» .
وظهر مصطلح الأمن الوطني الشامل جلياً في أعقاب الحرب العالمية الثانية وأصبحنا اليوم نسمع بمصطلح الأمن الاقتصادي ، المائي ، الغذائي ، الإنساني ، السياسي ، الاجتماعي ، الحدودي ، النفسي والأمن الفكري وهذا ما سأتحدث عنه بالتفصيل .

من أين جاءت أهمية الأمن الفكري ... ؟
يعتبر الأمن الفكري هو خط الدفاع الأول لأنه يرتبط بعقل وتفكير الإنسان سواء كان هذا الإنسان سياسياً ، اقتصادياً ، عسكرياً ، مزارعاً ، معلماً ، أو طالب مدرسة ، فالإعداد الأولي للإنسان يبدأ من البيت ويبدأ بحماية فكر هذا الإنسان من الاختراق أو التخريب أو الاستقطاب من الآخرين ، فالأمن الفكري هو عصب كل الأبعاد الأمنية التي ذكرت وهو صمام الأمان ضد الغزو الفكري بكل صوره وأشكاله .
وجميع أنواع الأمن مرهونة الحصول والتحقيق بالأمن الفكري فالإنسان إذا عاش آمناً استطاع أن يفكر بعمق لأن ميزة الأمن الفكري أن له جذورا لا تؤثر عليها لا العواطف ولا العواصف بخلاف غيره من محاور الأمن الأخرى التي نتأثر بالظروف ومتغيرات البيئة السائدة .
الأمن الفكري هو صمام الأمان لبقاء المجتمع والدولة ، فقد تتعرض البني التحتية للدمار والخراب والتلف فلا خطر في ذلك لأنه يمكن إعادة الاعمار والبناء ولكن الخطر والخوف إذا تعرضت الأفكار والعقول للغزو الفكري وخصوصاً عقول الشباب والقوى العاملة .
الأمن الفكري يعني بناء خطوط دفاع ثقافي ومعرفي من البيت مروراً بالروضة والمدرسة والمعهد والجامعة والمؤسسة والمسجد وصولاً إلى جميع مكونات الدولة ليكون الأمن الفكري ثمرة جهد جماعي لأبناء الوطن لتحقيق أهداف الدولة لتكون متماسكة وأمنه في الداخل والخارج حيث يهدف الأمن الفكري من خلال العمل الجماعي والمؤسسي «دولة مؤسسات مجتمع مدني ، قطاع خاص ، قادة رأي ، بيوت خبرة إلى تحقيق الأهداف التالية :
أ. التحذير من الشحن العاطفي في الخطاب الديني على حساب الجانب العلمي والموضوعي والانفتاح على الشباب لحمايتهم من الانحراف الفكري وأن لا يكون بوح وحديث الشباب مع أنفسهم فقط أي على جميع النخب وأصحاب الفكر أن يتحدثوا مع الشباب وليس الحديث على الشباب لأن الشباب هم «نصف الحاضر وكل المستقبل « وهم «ثروة الأمة» .
ب. إذكاء الشعور بالمسؤولية الجماعية عن الأمن الفكري والمحافظة على المعتقدات والقيم والتقاليد وعدم السماح للعدو باختراقها والوقوف في وجه الغزو الفكري والتطرف والإقصاء .
جـ. المحافظة على العقل من الاحتواء والاستقطاب الخارجي وصيانة كل مؤسسات الدولة وخصوصاً المؤسسات الثقافية وعدم السماح للأفكار والأجندة الخارجية من الدخول حيث يعتبر الأمن الفكري صمام آمان يحمي الأمن الوطني ويجعل المواطن يشعر بقوة الفكر وقوة المنطق لا منطق القوة ويكون قادراً على الإبداع والتجديد بدلاً من النمطية والتقليد . فالأمن الفكري لا يعني بناء حواجز بيننا وبين الحضارات والأفكار الإنسانية بل هو حوار الفكر بالفكر والتدرج بالإقناع والتأثير وممارسة الاحتواء وليس الاستقواء على الآخرين فالحوار المباشر يلغي المسافات فالخطر على المجتمع هو ازدياد الفجوات بين شرائح المجتمع .
ما نعنيه بالأمن الفكري ليس له صلة بالعزلة الفكرية أو الابتعاد عن جدل الحياة بل ما نعنيه هو كيفية صياغة حراك وتلاقح أفكار بناءة لأن الأمن الفكري يعني فهم الآخر واحترام رأيه حتى لا تظهر لدينا ظاهرة الإقصاء والتفكير والإحباط ولا يتم هذا إلا من خلال النخب الدينية والنفسية لتحويل الكلمات والأفكار – إلى برامج عمل ملموسة وإبراز دور وسائل الإعلام في مجالات التربية الوطنية وتنمية العلاقة بين رجل الأمن والمواطن ورصد بؤر إنتاج الأفكار المتطرفة والعمل على التدخل السلمي في تغيير قناعاتها من خلال سحبها إلى ساحة الحوار والنقاش والحراك الإنساني .
وإذا كانت الأمم تسعى إلى الإبداع والعبقرية فإن الأمن الفكري هو أعظم مناخ للإبداع والتبوغ والعبقرية والرقي والحضارة لأن الحضارات الراقية على مر التاريخ ما قامت إلا على فكر حر وبيئة آمنه وهذا ما نلمسه في الاردن الذي يتمتع بقيادة وإرادة وطموح لا حدود له .
وإن قواعد الإيمان الصحيح لا تقوم إلا على سلامة الاعتقاد والقول والعمل و لا يكون ذلك إلا بسلامة القلب الذي يعتبر بيت الفكر وسلطان الجوارح وبيت الإرادة «فالإرادة القوية تجعل للقدمين أجنحة» وقال تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مـن أتى الله بقلب سليم» وقال رســول الله صلى الله عليه وسلم « آلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب» .

كيف نعزز ونبني الأمن الفكري ؟
تعتبر الثقة من أقوى أنواع الأسلحة والتي تساعد على تماسك عناصر الجبهة الداخلية لأن بناء الثقة يستغرق وقتاً طويلاً بينما فقدانها لا يستغرق سوى دقائق والمحافظة على الثقة هو أهم الأهداف وأصعبها لأن بناء الثقة هو بناء جبهة داخلية قوية يصعب اختراقها .
ونحن بحاجة إلى الاستفادة من مخرجات مراكز الدراسات والأبحاث وخصوصاً الدراسات المتعلقة بالايدولوجيات والأفكار المتطرفة ومعرفة الذين يمارسون التحريض الابدولوجي والتخريب الفكري واعتماد مساقات أكاديمية للأمن الفكري من المدارس وحتى الجامعات مع الإكثار من الندوات والحوارات التي تساعد وتدعم عناصر القوة الوطنية للدولة .
وقضية الأمن الوطني وخصوصاً قضية الأمن الفكري يجب أن تكون خارج المساومات السياسية وخارج حدود المناورات وقضايا الأمن لا تتحمل المساومة والتوظيف السياسي كما يجب البناء والاستثمار في البيئية المحلية المتجانسة .
خلاصة القول أجد أن الاردن هي الدولة النموذج في الإدارة والتنظيم والحوار والانفتاح على الآخر وحماية الفكر الإنساني من خلال البناء السليم للعقل وحمايته من الأخطار الخارجية والمحافظة على بيئة متجانسة لغة وديناً وثقافة وقيادة قريبة من نبض الشارع وتحقيق العدالة في توزيع مكتسبات التنمية حيث استطاع جلالة الملك حفظه الله أن يجعل من الاردن علماً ومعلماً ورسماً وأسماً ورسالة مفتوحة للعالم .