مركز الرأي للدراسات
اعداد : اللواء الركن المتقاعد أحمد المصاروة
ايلول 2011
كنت أحد المشاركين في الحوار الأطلسي – المتوسطي منذ انطلاقه عام 1994، وكان هدفه الاستراتيجي تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة من خلال التشاركية والفهم والتعاون المتبادل بين طرفي الحوار (دول الأطلسي و 5 دول في المنطقة في البداية هي (مصر، الأردن، المغرب، تونس وإسرائيل) ثم 5 + 1 موريتانيا ثم 5+ 2 الجزائر)، واليوم نقف بعد (16) عاماً من الحوار ولكل من طرفيه خلاصات واضحة حول مجرياته، وأحاول اليوم تقديم وجهة نظر من منطقة المتوسط حول هذا الحوار وما هي منجزاته وأين وصل وماذا نريد بعد (16) عاماً على انطلاقه؟
وبدأ المصاروة حديثه حول منجزات الحوار كما يلي:
انطلق الحوار على أساس أمني، وبني على افتراض من قبل الأطلسي أن الضفة الجنوبية للمتوسط أصبحت تهديداً لأمن أوروبا بعد انهيار الاتحاد السو?ييتي السابق.
الحوار منذ انطلاقه يجري بين دول ديمقراطية وأخرى أغلبها غير ديمقراطية ولا يوجد فيها أدنى مقومات المشاركة السياسية بمفهومها المعروف.
الحوار يجري بين دول غنية وأخرى أغلبها فقيرة، وترزح تحت الديون وتعاني من الفقر والبطالة والأمراض، (وتوصيف هذا الحال كمن يركب تراكتور زراعي ويريد أن يتسابق مع من يركب سيارة لكسس موديل 2011).
الحوار يجري بين دول مستقلة ودول لم تتذوق طعم الاستقلال بعد، (يا سادتي بعض دول المنطقة خرجت من استعماركم الى استعمار نفسها وها هي تعود طواعية الى استعماركم من جديد وبطرق ستعيدها الى الوراء أكثر وأكثر).
الحوار يجري بين دول بعضها تعج بالأزمات، ودول مرشحة لمثل هذه الأزمات وأخشى أن هذه الأزمات ستنتقل الى دولكم أيضاً، في ضوء التحديات الجديدة التي تشهدها المجتمعات الحديثة في ظل أزمة اقتصادية خانقة.
المنطقة التي يستهدفها الحوار تشكل بطن العالم وأكثر مناطقه حيوية، خطوط المواصلات، النفط، وتشكل حلقة وصل بين قارات العالم القديم، فيها مقدسات للأديان الرئيسة، فيها مصالح للجميع، فيها قيم ومثل وموروث استراتيجي خاص بها وفيها إسرائيل.
المنطقة التي يستهدفها الحوار تعج بالتحديات التي تواجه أطراف الحوار مثل الأمن والاستقرار، القضية الفلسطينية، العراق، الصومال، السودان، الاحتلال واللاجئين، التغير الحاصل في طبيعة الصراع، قضايا المياه والطاقة، انتشار أسلحة الدمار الشامل، المشاكل فوق القومية التي تزيدها تعقيداً، التحولات الجارية الآن في معظم دولها وغيرها.
الهدف الاستراتيجي للحوار هو تحقيق الأمن والاستقرار، وهذا يعتمد تحقيقه على التقدم في الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وليس فرض الأمن بالقوة العسكرية .
عند النظر الى قيم وتطلعات الحوار الجاري، نجد أن هناك فجوة كبيرة بين المتحاورين حول هذه القيم والتطلعات ومنها (الحرب على الإرهاب، الاحتلال، الديمقراطية، حقوق المرأة، حقوق الطفل، الهجرة (غير الشرعية)، الموروث الاستراتيجي، حقوق الإنسان، البيئة، الفقر والبطالة، المعايير المزدوجة وغيرها الكثير).
أما في الحرب على الإرهاب، فأستطيع القول أنكم وضعتم ثقتكم ببعض الأنظمة السياسية في المنطقة على أنها شريك لكم في الحرب دون الشعوب، وعليه انظروا كيف أن إرهابهم تحوّل ضد شعوبهم، إذاً أين الحوار وماذا أنجز في هذا الجانب، الأمر الذي يتطلب عدم الاستمرار بالدوران في نفس الحلقة المفرغة والسماح لكل من شاء لركوب موجة الإرهاب دون وجه حق لقتل الأبرياء، ولا بد في هذا السياق من القول أن الأردن قام وما يزال يقوم بدور رئيس وفاعل في الحرب على الإرهاب لأننا اكتوينا بناره وتعرضنا كثيراً لأذاه ونرفض الإرهاب رفضاً قاطعاً، لكننا نؤكد على ضرورة البحث عن جذوره لاجتثاثه وليس القفز الى النتائج دون البحث عن الأسباب.
أما الموروث الاستراتيجي الإسلام، فالإسلام دين الرحمة والتسامح والتعاون واحترام الآخر وحب الخير للبشرية جمعاء بغض النظر عن اللون أو الدين أو العرق أو اللغة، لكنني أقول أن المفهوم السائد الذي يراه كثيرون في المنطقة أن الحرب على الإرهاب وفي ضوء تصرفاتكم إنما تستهدف الإسلام، الأمر الذي يتطلب تغيير الصورة السائدة تماماً، وذلك بإعادة تعريف الإرهاب وإعطاءه بعده الحقيقي تماماً وبالوقوف على نفس المسافة من الجميع وعلى كل من يمارسه.
أما الديمقراطية فحدّث ولا حرج، حيث أرى أن الديمقراطية التي نمارسها أحياناً قد لا تكون مقنعة للغرب إلا بقدر قربها من القيم الغربية في الشأن الديمقراطي وهذا أمر لا يمكن قبوله وهنا أسأل السؤال التالي: ما الذي ستصنعونه إذا فازت حكومات إسلامية في الدول العربية التي تشهد تحولات ويجري فيها التغيير الآن أو في غيرها؟
أما المعايير المزدوجة فحدث ولا حرج، وأستطيع القول أنها المقتل لكل سياساتكم واستراتيجياتكم في المنطقة لأنها تتم بصورة واضحة وعلنية.
البعد السياسي
أرى أن الحوار في البعد السياسي لم ينجز شيئاً، والمشهد السياسي القائم في بعض بلدان الحوار على الضفة الجنوبية للمتوسط وبقية دول المنطقة يؤكد ذلك، والسبب يعود الى أن الحوار يجري وفي تقديري مع بعض الأنظمة السياسية في الدول المنخرطة فيه، ولم يراعي الأساس وهي الشعوب ومتطلباتها وتطلعاتها، والعلاقة مع الأنظمة السياسية التي سقطت أكبر برهان على هذا القول، كما أن الحوار لم يحرز أي تقدم ديمقراطي، وأن ما حصل في بعض دول الحوار وغيرها من دول المنطقة لم يكن بفعل الحوار، بل هو نتاج تغييرات ومستجدات كان لها التأثير المباشر وعلى رأسها العولمة واقتصاد السوق والضغوط الاجتماعية وظروف الاحتلال والحرب على الإرهاب والتعامل بمعايير مزدوجة والأزمة الاقتصادية العالمية والأنظمة الشمولية (نظام الحزب الواحد).
ولكي أكون أكثر وضوحاً، اسمحوا لي أن أقول لقد بنيتم علاقاتكم مع بعض الأنظمة السياسية في المنطقة وخاصة الجمهورية وتركتم الشعوب وراء ظهوركم وهي الأساس، وأنا هنا لا أقصد أن تكون العلاقة السياسية مع الشعوب مباشرة، لا بل أقصد أن تكون علاقاتكم مع هذه الأنظمة الجمهورية في ضوء أنها يجب أن تستمد شرعيتها من الشعوب، لأن الشعب هو مصدر السلطات، وأنها – أي هذه الأنظمة الجمهورية - يجب أن تكون قوى سياسية منتخبة وتمارس إداراتها من خلال مؤسسات مجتمع مدني حقيقية تتمتع بالشفافية والوضوح والمصارحة والمصداقية والمساءلة، وعليه انظروا ما يدور الآن بعد (16) عاماً من الحوار وما الذي تم إنجازه سياسياً.. لا شيء.
لم نرى للناتو أي دور يذكر في حل القضايا المحورية في المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث نجد أن الدور متردد وخجول وفيه ازدواجية واضحة فلم نرى تطبيقاً لأياً من مفاهيمكم بعدالة في المنطقة لذلك لم يحصل تقدم على الإطلاق يرضي الشعوب، وهذا مأخذ كبير على الحوار حتى الآن، وعليه نريد أن نرى تعويضاً للشعب الفلسطيني عن معاناته بإقامة دولته على أرضه وعاصمتها القدس الشريف وأود هنا أن أشير الى الدور الفاعل الذي يقوم به الأردن في هذا الاتجاه حيث «أكد جلالة الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة أن جوهر السلام في المنطقة يرتكز على حل القضية الفلسطينية وإقامة دولتهم على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس الشريف».
من أهم ما يلاحظ ولا بد من ذكره هو أنكم تتعاملون مع القضايا السياسية للمنطقة ومع صراعاتها مستخدمين سياسات واستراتيجيات قديمة جداً في مواجهة صراعات من نوع جديد (العراق، السودان، ليبيا، اليمن، سوريا, الصومال وغيرها). واسمحوا لي أن أتحدث لكم قليلاً عن مفهوم السلامة الوطنية وأثره في الأمن والاستقرار في هذه البلدان وأهم مثال على ذلك ما يجري في ليبيا (نيتو + ليبيون) يقاتلون ليبيين وقد يتكرر المشهد في دول أخرى وكما جرى في العراق، وعليه لن يحصل أمن واستقرار على الإطلاق إلا إذا تغيرت هذه السياسات التى تستهدف تشظية المجتمعات وتجزئتها على أسس سياسية وعرقية ودينية وطائفية.
خلاصة القول في البعد السياسي أرى أنكم تصّرون على أن لا تتطور المنطقة بالمفاهيم الحقيقية سياسياً إلا بالشكل الذي يخدم مصالحكم فقط، الأمر الذي لن يغيّر من الحال القائم شيئاً في ضوء أن المطلوب أن نكون شركاء وليس تابعين، وتأكيداً لهذه الحقيقة أود أن أسأل السؤال التالي، لماذا عندما اتهمت بعض الدول في المنطقة بالإرهاب أنتم الذين قُدتم الحرب باسم الإرهاب عليها، والآن تسعى بعض شعوب المنطقة الى الحرية والديمقراطية وأنتم تقودون الحرب باسم الحرية والديمقراطية..! وأتساءل أيضاً أين كنتم منذ الستينيات وحتى وقت قريب عن المنطقة ونحن بلا ديمقراطية؟
البعد الاقتصادي
اقتصادياً نجد أن الحوار أيضاً لم يقدّم شيئاً في المجال الاقتصادي، لأن بعض دول الحوار على الضفة الجنوبية للمتوسط وغيرها من دول المنطقة ما تزال ترزح تحت الديون وأن الفقر والبطالة أهم سماتها الاقتصادية، وهذه المجتمعات مهددة بالانفجار السكاني في ضوء عدم تحقيق متطلبات الأمن الناعم فيها (التعليم، الصحة، الإسكان، العمل، الحرية، العدالة والمساواة.. وغيرها)، كما أنكم تريدون من المنطقة أن تكون سوقاً لسلعكم وتأخذون مواردها دون تبادلية حقيقية بيننا وبينكم أي أنكم تريدوننا تابعين اقتصادياً أيضاً وليس شركاء وهذا الأمر يعطل الحوار ويجعله غير ذي جدوى.
أود أن أسأل أين هي الاستثمارات والمشاريع التي أقمتموها في المنطقة لتحسين أحوالها لتستقر أمنياً؟ لا يوجد، لأن البعد الاقتصادي يا سادتي له آثاره وانعكاساته الإيجابية في التنمية الاجتماعية، وبالتالي ينعكس إيجابياً على تحقيق الأمن في المنطقة، (يقول جلالة الملك عبد الله الثاني في رده على سؤال حول الحراك الشبابي العربي أن الشباب العربي يواجه تحديات اقتصادية كبيرة ويحتاج الى تحقيق متطلباته وآماله وطموحاته لكي يعيش حياة كريمة).
البعد الاجتماعي
اجتماعياً لا بد أن يدرك طرفي الحوار أن لكل منهما منظومة من القيم والمثل والموروث الاستراتيجي والعقيدة، ولكل من طرفيه شخصيته الوطنية، وهناك قيم ومثل جمعية نلتقي عليها في الضمير الجمعي العالمي مثل (التصدي للإرهاب، القرصنة، العبودية، الإبادة، الجوع، الحرية وحقوق الإنسان وغيرها..) وعليه، لا بد لكل من طرفي الحوار من الاعتراف بالآخر ومراعاة طريقة عيشه وقيمه ومثله وموروثه الاستراتيجي، لا بد من الحديث بصراحة وشفافية أٍننا أصبحنا نشهد انهياراً أخلاقياً في بعض دول الحوار من الطرفين وخاصة الأوروبية منها وهذا عائد إلى عدم قبول الآخر الأمر الذي أصبح يعيق الحوار تماماً (العراق، مصر، النرويج، ألمانيا وغيرها أمثلة على ذلك).
ندرك أن لكم أسلوب حياة وثقافة خاصة بكم ونطلب منكم أيضاً أن تدركوا أن لنا أسلوب حياتنا وثقافتنا الخاصة بنا لذلك لا يجوز أن تُقصي ثقافة طرف من أطراف الحوار ثقافة الطرف الآخر، نحن بحاجة الى حوار ثقافات وحضارات وتحالف حضارات لا كما نرى لأننا نشعر أن هناك سعي لإقصاء ثقافة قائمة في المنطقة وسعي لإحلال قيم ومثل وأخلاقيات وأسلوب حياة مكانها.
البعد الأمني
اسمحوا لي أن أسأل عن تعريفكم للأمن، وأستطيع القول وبصراحة أنني أجد أنه أحياناً يصل من حد تأمين انسياب الموارد الاقتصادية الى أسواقكم بسهولة وبأسعار اعتيادية الى حد يصل فيه الى القتل وحد الاحتلال وحد تفكيك الدول وحد إقصاء الآخر تماماً إذا تطلبت مصالحكم الحيوية ذلك.
يا سادتي الأمن لا تصنعه القوة العسكرية فقط، ولا تصنعه الفلوس ولا تصنعه التبادلات التجارية الزائفة، ولا تصنعه مشاريع الشراكة أو التشاركية الآنية، أو غير المبنية على أساس سليم، فالأمن يا سادتي يصنع من خلال بناء جدران الثقة (Trust) بين أطراف الحوار، وتصنعه كذلك الثقة المتبادلة (Confidence) بين أطراف الحوار والتعاون الحقيقي والتشاركية في جميع المجالات التي تفضي الى الرخاء والأمن لشعوب دول طرفي الحوار.
لاحظوا أن الأمن الذي تم صنعه في المنطقة هو أمن هش سيسقط سريعاً لماذا..!؟ لأن الحوار انطلق الى مرحلة بناء السلام دون المرور بمرحلة صنع السلام أو خلق السلام في المنطقة، حيث تم بناء سلاماً مجزأً وليس سلاماً شاملاً وسلاماً جائراً ومؤقتاً وليس سلاماً عادلاً ودائماً، فأنا لا أرى أمناً حقيقياً في المنطقة على الإطلاق، وعليه يا سادتي فالمطلوب: أن نعيد النظر في السياسات والاستراتيجيات الأمنية ونعيد بناءها على أسس من أطر الثقة المتبادلة وعلى أساس متين من الثقة بالنفس بين أطراف الصراع وليس كما هو الحال الآن، وإليكم المثال البسيط التالي، بعد (16) عاماً من الحوار نرى أعداداً كبيرة من المصريين تقتحم سفارة إسرائيل في القاهرة، والسبب أنه لم يحصل تطبيع حقيقي بين الشعوب لأنه لا يوجد أمن حقيقي، بل هو تطبيع بين الأنظمة السياسية فقط، إذاً سيستمر الأمن في المنطقة على أنه الاستثناء.
كما أن بناء الأمن على جانب كبير من الأهمية ويحتاج من طرفي الحوار الى عمل كبير من خلال سياسات واستراتيجيات جديدة تقوم على مفهوم الأمن الإقليمي الشامل الذي يراعي جميع الجوانب الأمنية لطرفي الحوار ولضفتي المتوسط وليس كما نراه الآن خاصة (في تبادل المعلومات، ضباط الارتباط، التدخل في الشؤون الأمنية)، وحيث أنكم ما زلتم تريدون أن تظل المنطقة عازلاً لتحقيق أمنكم فقط، أو منطقة حيوية أو مجالاً حيوياً لمصالحكم.
الأمن مطلب للجميع لكن أرجو أن أقول أن منطقتنا ساخنة جداً ولا نشعر بالأمن فيها وهذا أمر سيؤثر على أمنكم أيضاً إذا استمر الحال على ما هو عليه، حتى أن سياسات الحلف الجديدة أصبحت مثار جدل في منطقتنا من قبل الجميع لأنها لا تراعي سيادة الآخرين خاصة في مفاهيم إدارة الأزمات والتعاون الأمني وتطبق بأسلوب انتقائي واضح.
ما زلت أرى أنكم تبحثون عن أمنكم دون وجود إرادة سياسية حقيقية لديكم لصنع السلام في منطقتنا، فالأمر يحتاج الى مراجعة حقيقية لأن أمنكم مرتبط بتحقيق الأمن في منطقتنا، وأود هنا أن أستشهد «بقول جلالة الملك عبد الله الثاني أن عدم حل القضية الفلسطينية وتحقيق الأمن في المنطقة سيهدد أمن الجميع دون استثناءً».
ماذا وما الذي نريد..؟
ماذا.. ؟ مضى على الحوار (16) عاماً وأستطيع القول أننا لم نحرز أي تقدم في جميع الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وأرى أن أحوالنا في المنطقة تتراجع من عام الى عام حيث كان الحديث عن دول فاشلة حتى عام 2008 وكنت أقول آنذاك أخشى أن تصبح المنطقة كلها فاشلة وهذا ما حصل، وعليه نحن بحاجة الى وقفة صادقة نراجع من خلالها الماضي ونقوم بإعادة بناء الحوار على أسس جديدة وسياسات واستراتيجيات تحقق مصالح الجميع مع مراعاة ما يلي:
إن منطقتنا تمر بأزمة حقيقية لا يمكن إدراك مدى تداعياتها واتجاهاتها وتأثيراتها السلبية، الأمر الذي يجعل أمنها واستقرارها مطلباً ليس فقط لشعوبها بل ولكم وللعالم أجمع لأنها أصبحت منطقة فاشلة تماماً.
عليكم أن تدركوا إننا في المنطقة أمة التحمل والنفس الطويل وأنكم تستطيعون أن تحدثوا تغييراً في طريقة اللباس وطريقة الأكل وبعض السلوكيات والأمور الحياتية العادية، لكن أقول لكم أن هناك صراعاً خفياً يدور بين مشروعين لا بد من مراعاتهما لأننا في المنطقة أمة لها قيم ومثل وموروث استراتيجي لن تستطيعوا تغييرها، وعليه تعالوا نحدد نقاط التقاء وآليات عمل جديدة تمكننا من التشاركية والتبادلية على أسس من الاعتراف والثقة المتبادلة في كل شيء وعكس ذلك سيستمر الحال، أؤكد على ما جاءت به رسالة عمان التي أطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني «تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم» أي أن يكون لنا مساحات مشتركة نقف عليها جميعاً نحن وأنتم).
إن ما يتم بذله من قبلكم لم يتجاوز النظر الى قضايا المنطقة بمجملها وأوضاعها إلا من زاوية ضيقة وهي كيف تحققون أمنكم وتضمنون وصول الإمدادات والموارد الى أسواقكم بشكل مريح، وأرى أن الوسائل والأساليب المستخدمة في الحوار لا تعدو كونها شكلية ولا تحاكي متطلبات تحقيق الأمن والاستقرار الحقيقي.
ما تزال هناك فجوة كبيرة بين طرفي الحوار خاصة فيما يتعلق بقيم وتطلعات الحوار الجاري، لذلك نحن نحتاج الى تحالف وحوار حضارات لا كما نراه الآن.
إن استمرار حال المنطقة على ما هو عليه كمنطقة فاشلة ينبئ بكوارث كبيرة قادمة، وأستطيع القول أن ما يجري غير مسيطر عليه وإن لم نبادر الى إيجاد الحلول فإن هذا سيجعل التحديات القادمة أكبر مما نراه الآن.
إن تحقيق الأمن والاستقرار الحقيقي في المنطقة سينعكس بالتالي على أمنكم وأمن شعوبكم والأمن والسلم الدوليين وهذا منوط بالإصلاح الشامل فيها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.
إن الحلول المبنية على القوة العسكرية من خلال ما نراه من استراتيجيات لحلف الأطلسي والمفهوم الجديد لعملياته (الدفاع الشامل، إدارة الأزمات، التعاون الأمني) لم ولن يجدي نفعاً، لأنني أرى أن ما يجري هو ترحيل لمشاكل المنطقة من سنة الى أخرى وهذا ليس الحل وأن ما يجري يتم بأسلوب ردود الأفعال الآنية وليس الردود المدبّرة وأكبر مثال ما يجري في المنطقة الآن.
ما الذي نريد..؟ في ضوء التحليل والتقييم السابق للمشهد القائم في منطقتنا وما أنجزه الحوار الأطلسي – المتوسطي حتى الآن أستطيع القول أننا نريد ما يلي:
تحتاج المنطقة الى إعادة بناء من جديد لإخراجها من أزمتها الكبيرة، أي أننا نحتاج الى ما يشبه مشروع مارشال سياسي اقتصادي أمني في المنطقة يسمح ببناء الأمن والاستقرار فيها على أسس متينة من الثقة والتعاون المتبادل بين طرفي الحوار، والأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني يبذل قصارى جهده لبناء هذه الأطر من الثقة في المنطقة وبين جميع الأطراف ويقود إصلاحاً حقيقياً في الأبعاد السياسة, والاقتصادية, والاجتماعية.
نحتاج الى سياسات واستراتيجيات أمنية واقعية وصادقة وحقيقية تنطلق من أن أمن واستقرار المنطقة مطلب أطلسي متوسطي وعالمي لأن استمرار فشلها وانهيارها سيؤثر عليها أولاً وعلى مصالحكم وعلى العالم أجمع (يقوم الأردن بدور رئيس في أمن المنطقة ويتعاون مع الجميع لتحقيق ذلك ولقد خاطبكم جلالة الملك عبدالله الثاني وخاطب العالم أجمع وفي أكثر من محفل وبكل شفافية ووضوح عن المنطقة وتحدياتها).
تحتاج مجتمعاتكم الى حوار حقيقي فيما بينكم يعيد تعريف علاقاتكم ونظرتكم الى الآخر بعيداً عن العنصرية أو الإقصائية، لأن هذا الأمر على جانب كبير من الأهمية لا سيما وأننا أصبحنا نرى أن هناك حراك في مجتمعاتكم وسعي من البعض لإقصاء الآخر.
ضرورة احترام التنوع السكاني والحضاري والثقافي بين أمم ودول الأطلسي والمتوسطي بغض النظر عن ما يعنيه اللون أو العرق أو الدين أو اللغة واحترام الرموز التي تهم كل جانب (الأردن من الأمثلة الحية على احترام الأعراق والثقافات).
تشجيع الحوار والعيش الديني على المستويات الوطنية والثنائية والإقليمية والعالم (الأردن من الأمثلة الحية على العيش الإسلامي المسيحي الناجح في المنطقة والعالم).
احترام مبدأ المساواة والعدالة بين الدول والمحافظة على سيادتها (الأردن دائماً يدعو الى تطبيق مبدأ العدالة والمساواة واحترام سيادة الدول وفقاً لمعاهدة وستفاليا 1648).
عدم توظيف الأيديولوجيا كأداة في إدارة السياسة الخارجية للدول المعنية مع أية دول أخرى (الأردن يدعو الى التسامح وأن تكون الأديان دافعاً الى مزيد من الالتقاء والتراحم والتواد وليس سبباً للتنافر والتناحر وسوء العلاقات والحروب).
استمرار الحرب على الإرهاب ومحاربة الغلو والتطرف والتعصب الديني بكل شفافية ووضوح واعتماد الوسطية في الفكر والمعتقد وبما لا يجحف بحقوق الآخرين ومعتقداتهم (الأردن يرفض الإرهاب وأطلق رسالة عمان ويسعى الى كلمة سواء بين أتباع الديانات الرئيسة الثلاث ويحارب الإرهاب لكنه يفرّق ما بين الإرهابيين ومقاتلي الحرية).
ط- تطبيق مبدأ الديمقراطية في العلاقات الدولية القائمة على المشاركة واحترام آراء الدول الأعضاء والنظر بواقعية الى مصالح وخصوصية كل دولة من هذه الدول (الأردن من أكثر الدول الداعية الى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين).
العدالة في استثمار الموارد وتوزيعها لا سيما تحديات المياه والطاقة وخاصة بين من لديهم (Haves) ومن ليس لديهم (Not haves) والعمل على دعم دول الجنوب التي ترزح تحت المديونية العالية والتضخم والبطالة وهذا سبب رئيس لزعزعة الأمن الشامل الذي يجب أن نسعى جميعاً لتحقيقة في المنطقة.
التعاون لمكافحة ظواهر المرض والبطالة والفقر والأمية والهجرة غير الشرعية وتحقيق مزيد من التقدم في إقرار حقوق المرأة وضمان مشاركتها في المجتمعات ودعمها ودعم حقوق الطفل.
دعم جهود التحول الجارية في المنطقة وجهود الإصلاح والتنمية وتحقيق الديمقراطية الحقيقية بعيداً عن المصالح أو الأهواء الدولية وأن لا يكون هناك سعي لتكييفها لخدمة مصالح الدول صاحبة النفوذ فقط.
الخلاصة
إن تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة مرتبط بشكل رئيس بحل القضايا المحورية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وبمدى النجاح في تحقيق إصلاح سياسي، اقتصادي، اجتماعي وأمني فيها من قبل طرفي الحوار.