الاشكناز والسفارديم .. من هو اليهودي ؟

01/11/2011

مركز الرأي للدراسات

إعداد – حنين الجعفري

تشرين ثاني 2011

-في عام 1948 اقامت اسرائيل دولتها على الاراضي الفلسطينية ، هذا التاريخ الذي يمثل ذكرى النكبة بالنسبة للفلسطنيين اصحاب الارض الحقيقيين وهو بالنسبة للصهاينة ذكرى اقامة مايزعمون انه « وطن قومي للشعب اليهودي» على الاراضي الفلسطينية .
منذ ان قامت الدولة الاسرائيلية عملت على استقطاب اليهود من جميع دول العالم لدعوتهم للاقامة في وطنهم الجديد ارض الميعاد كما يزعمون ، وعزز ذلك اصدار الكنيست قانون ينص على الحق لكل يهودي بالهجرة الى اسرائيل ومن هنا بدأ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وعملت اسرائيل على استقطاب اكبر عدد من يهود العالم وبالمقابل طردت الفلسطينيين اصحاب الارض الحقيقيين حتى يزيد عدد اليهود مقابل الفلسطينيين .

بدأ يهود العالم بالاستعداد للذهاب الى اسرائيل هاربين من واقعهم ومن الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي كانوا يعيشون فيها .
و بالتالي اصبح يعيش في اسرائيل ثلاث مجموعات او اعراق يهودية بالاضافة الى الفلسطنيين اصحاب الارض الحقيقيين ، هذه هي الهوية اليهودية ، هوية ناتجة عن خليط من الاقليات العرقية والقومية وعناصر دينية.
اسرائيل التي تطرح نفسها نموذجا للتقدم هي في الواقع دولة عنصرية مجتمعها لا يمثل وحدة متماسكة فهي تعاني من انقسامات اشبه بشرخ عميق في بنيانها سواء على مستوى الدين او اللغة او الطقوس
الحركة الصهيونية نجحت في الاستيطان وطرد اصحاب الارض الحقيقيين من بلادهم الا انها فشلت في اهم ركن من اركان الدولة وهو جعل اسرائيل دولة واحدة تنصهر فيها جميع الاقليات العرقية والقومية والطقوس الدينية تحت هوية يهودية واحدة ولكننا لا ننكر انها نجحت في تجميع واستقطاب اليهود من جميع انحاء العالم لتقديم فلسطين لهم على طبق من ذهب بحجة انها ارض الميعاد كما يزعمون، وفي نفس الوقت فشلت فشلا ذريعا في الاتفاق على الاجابة عن السؤال المتكرر من هو اليهودي ؟

الأعراق اليهودية

من هنا يأتي الحديث عن الاعراق اليهودية التي تندرج تحت عنوانها ثلاثة اعراق كل منها يتمتع بطقوسه وعاداته، اولها واهمها العرق المهيمن داخل المجتمع الاسرائيلي وهو الاشكناز (الاشكنازيين ) الذين يمثلون اليهود المهاجرين من الامريكتين والدول الاوروبية واستراليا وجنوب افريقيا، وثانيها السفارديم الذين يتبعون التلمود البابلي وهم اليهود الشرقيين و اليهود من اصول شرقية واسيوية وافريقية و مجموعات من المهاجرين من اقطار شرقية كالمغرب والعراق ويهود قادمون من سوريا ايران واليمن ، واليهود الروس الذين انخرطوا في المجتمع الاسرائيلي وكان لهم ثقل واثر في الدولة الاسرائيلية .
كل عرق من هذه الاعراق له عاداته وطقوسه وحتى لهجته الخاصة به مما ادى الى احداث خلافات داخل المجتمع الاسرائيلي لاختلاف البيئات الحضارية ويمكن رصد الاختلافات بينهم من خلال ما يلي :
الاشكناز وهم ذرية يعقوب عليه السلام ويتبع الاشكنازيين التلمود الاورشليمي , والاشكناز اسم يذكر في التوراة ويستخدم عن الادباء اليهود اشارة الى المانيا لذا اطلق على يهود المانيا اسم الاشكنازيين .
وللاشكنازيين ذوي البشرة البيضاء لغة خاصة بهم وهي «ييديش « وهي مزيج من لغة المانية قديمة تأثرت بلغة عبرية ولغات سلافية» .
وتقلص عدد المتحدثين بها بعد الحرب العالمية الثانية فأصبح يهود اسرائيل يتحدثون العبرية واللغات المعاصرة المحلية كالإنجليزية والروسية .

وبالرغم من ان الاشكناز ليسوا بأغلبية عددية الا ان هيمنتهم واضحة في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اسرائيل واصبحوا من صانعي القرارات المركزية في السياسة والجيش بالاضافة الى ان نسبتهم في المؤسسات التعليمية من طلاب وكوادر تدريسية اعلى من السفارديم ، تمثلت هذه الهيمنة في احداث فجوة كبيرة بين الاشكناز والاعراف الاخرى «السفارديم « بسبب تقلد الاشكنازين مناصب مهمة في اسرائيل وبالمقابل اثرت هذه الفجوة على نظرة الاشكنازين للسفارديم حيث كانت نظرتهم سلبية واعتبروهم مجموعات متأخرة حضاريا وهذا بالتالي اثر على الاختلاط بهم وتقليص الفرص امامهم وجعلهم عرضه للاستغلال الاقتصادي والتلاعب السياسي من قبل النخب الغربية (الاشكناز ) وبالحديث عن السفارديم نرى انهم اكثر عداء للعرب الفلسطنيين مع انهم عاشوا مع العرب قرون طويلة ،

ويعاني اليهود الشرقيون كما ذكرنا من اضطهاد كبير فهم على هامش المجتمع الاسرائيلي ولعل الواقع الذي مر به اليهود الشرقيون ادى الى صعود حزب ساش وهو حزب ديني شرقي , يعبر عن اتجاهات دينية واثنية لليهود الشرقيين وعن استغلال اليهود الشرقيين والتلاعب السياسي والثقافي ويعلل شعورهم بالاغتراب والغضب لتخلي الاجهزة الاسرائيلية عنهم ومنعهم من ممارسة حياتهم السياسية والاقتصادية مع انهم تقدموا في المعترك السياسي أكثر من الاقتصادي والاجتماعي الا ان الهيمنة الاشكنازية بقيت في الصدارة .
وبالحديث ايضا عن الحياة السياسية نرى ان هناك انقساما واضحا فالشرقيون يصوتون لحزب حيروت ثم الليكود لنظرتهم السلبية لحزب العمل الذي يمثل برأيهم النخب واصحاب الطبقة الوسطى .

الاختلاف بين السفارديم والاشكناز

وقد اشار في كتاب «اليهود الشرقيون في اسرائيل «الى ابرز الاختلافات بين السفارديم والاشكناز كما يلي

1- لون البشرة، فالأشكناز بيض كالأوروبيين، والسفارديم تميل بشرتهم إلى اللون القمحي.
2- الزي: مازال الفرق في اللباس واضحا لدى كبار السن، أما الشباب فيرتدون اليوم جميعهم الزي الأوروبي، ولكن المتدينين من الطرفين يتخذ كل منهما لباسا خاصا به.
3- اللغة: تميل لهجة الشرقيين بعد تعلمهم العبرية إلى العربية، فيشددون على الأصوات الحلقية كالحاء والعين، ومازال بعضهم لا يتحدث إلا العربية، ويبتلع الأشكناز -مثل الغربيين- الحروف الحلقية، وبعضهم مازال لا يتحدث إلا اليديشية.
4- الفرائض الدينية: يتبع السفارديم التلمود البابلي، والأشكناز يتبعون التلمود الأورشليمي، وعلى هذا الأساس قامت كنس مختلفة بعضها عن بعض في الصلاة والتلاوة، فيدمج الأشكناز في صلواتهم أبياتا من الشعر تعود إلى القرن الثامن الميلادي، وأما السفارديم فيقتبسون أبياتا من تأليف شعراء اليهود في الأندلس مشبعة بالثقافة العربية، ويغلب اللحن الشرقي في تلاوة السفارديم للتوراة، ويحفظ الأشكناز التوراة في قماش عادي، بينما يحفظها السفارديم في صندوق خشبي مطلي بالفضة والذهب، ويوجد نص الخروج الذي يتلى في عيد الفصح باللغتين العربية والعبرية، ومازال كبار السن من السفارديم يتلونه بالعربية، ولا يحتفل السفارديم بليلة رأس السنة الميلادية، بعكس الأشكناز الذين يحيونها في الألعاب والتسلية كالغربيين.
5- المأكولات: يتناول الشرقيون الأطعمة الشرقية حسب بلدانهم، وتستخدم الأكلات العربية وبأسمائها العربية، الفلافل والحمص والفول والزعتر، ويحرم الأشكناز أكل الأرز في أيام عيد الفصح، بينما يسمح السفارديم بذلك.
6- الغناء والرقص: تسمع في تجمعات اليهود الشرقيين الأغاني العربية، أم كلثوم، وفريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ، والأغاني العراقية، ويعتز اليهود العراقيون بغنائهم العراقي، ولهم مدرسة عريقة في الغناء والطرب، ومنهم من يؤلف المقامات والأغاني الشعبية العراقية، وتطورت الأغنية الشرقية في الثمانينيات على يد مطربين يمنيين ومغربيين، وينتشر الرقص الشرقي أيضا، ويغني اليمنيون ويرقصون باللباس اليمني التقليدي.
7- الأعياد والمناسبات: بالإضافة إلى الأعياد المشتركة، وهي رأس السنة العبرية ويوم الغفران وعيد المظلة والأنوار والمساخر والفصح والعنصرة ويوم الاستقلال، يقيم اليهود الشرقيون احتفالات وأعيادا خاصة بهم، فيقيم المغاربة احتفالا خاصا بهم في آخر أيام عيد الفصح عند ضريح الصديق بار- كوخايا قرب صفد، وتعود هذه الاحتفالات إلى الحكيم اليهودي المغربي موشي عمار في القرن الثامن عشر وهو من شعراء العربية، ويفتح المغاربيون بيوتهم في هذه المناسبة لاستقبال الزوار والمهنئين من الطوائف الأخرى الذين ينظرون إلى المناسبة باعتبارها عيدا يهوديا مغاربيا. ولعل اهم نقطة من نقاط الاختلاف بين السفارد الاشكناز وهي الزواج اذ لا يزال يحرم على الاشكناز الزواج من السفارديم و كذلك العكس واذا تم الزواج بينهم فانه يتم بالوساطة .

اليهود الروس

وحول اليهود الروس المختلفين تماما عن الاشكناز والسفارديم ، يذكر الكتاب ان اليهود الروس قاموا بالهجرة من الاتحاد السوفيتي السابق في طي العقد (1990-2000) ويشكل اليهود الروس 17% من مجمل المواطنين في اسرائيل وعلل المجتمع الاسرائيلي سبب هجرة اليهود الروس بالهروب من الواقع الاقتصادي السيئ والمهاجرون الجدد كما يطلق عليهم الاسرائليون كانوا من خلفيات اجتماعية وثقافية مختلفة تميزوا بارتفاع عدد المهنيين و المتعلمين بنسبة 21 الف من حملة الشهادات العليا و من ابرز المشاكل التي واجهت اليهود الروس عند هجرتهم هي امكانية توافر فرص عمل ، كما عانى المهاجرون الروس من سياسة التمييز ضدهم في ما يتعلق بالرواتب والضمانات ورفض تعيينهم في المؤسسات الاسرائيلية ، وبالرغم من كل الممارسات العنصرية الا ان اليهود المهاجرين (الروس) اختلطوا وانخرطوا في المجتمع الاسرائيلي حيث تعلموا اللغة العبرية وخدموا في الجيش وشاركوا في الكنيست الاسرائيلي واقاموا صحفا واذاعات ومحطات تلفزيونية ناطقة باللغة الروسية كما اقاموا متاجر لبيع المأكولات والمشروبات المستوردة من روسيا التي لاقت معارضة شديدة لمخالفتها للشريعة اليهودية لانها تبيع اللحوم والاسماك التي لا يشرف عليها حاخام يهودي وبذلك فهي تعارض الاسس الشرعية ويعد الزواج والدفن عند اليهود الروس من المواضيع التي تتعارض ايضا مع الشريعة اليهودية فهي مخالفة لها لاختلاف الاجراءات بينهم ، وعلى الصعيد السياسي اقام اليهود الروس احزاباً خاصة بهم ذلك للاندماج والانخراط داخل المجتمع الاسرائيلي فأقام نتان شيرانسكي وهو من ابرز المهاجرين حزب «يسرائيل بعلياه - اسرائيل المهاجرة « وهو اول حزب سياسي للروس وعلل شارنسكي قيام الحزب بقوله « القادمون الجدد قرروا أن يكونوا جزءا من صنع القرار السياسي وأطلقنا شعار انه بدون مشاركة لا يوجد اتحاد للشعب وفهمنا ان الطريق هي أن يكون لنا حزب سياسي يستطيع فتح أبواب الغرف التي يتم صنع القرار بها لأننا لن نكون أقلية بل صناع قرار ونحن قادرون على ذلك « وفي ظل التأييد شكل حزب «يسرائيل بيتينو- اسرائيل بيتنا « بقيادة ليبرمان وهو حزب سياسي روسي ، بالإضافة إلى حزب العمل الذي تأسس عام 1930 من حركات عمالية شبابية صهيونية ذات جذور روسية ومن مؤسسيه ديفيد بن غوريون.

عاشت الجاليات اليهودية على مدى قرون ثقافات وأعراف متعددة انصبت جميعها داخل المجتمع الاسرائيلي وادى الاختلاف بينهم الى احداث جملة من التوتر وتصعيد النزاعات فيما بينهم وخلق سياسية التمييز كما ذكرنا ضد الشرقيين هذه السياسة باتت تنتقل من جيل الى جيل وخلقت صراعا طبقيا واضحا داخل الكيان الصهيوني وتؤدي الى زيادة درجة الحقد والكراهية بين الطوائف الاسرائيلية بسبب السياسات التي وضعتها الحكومة الاسرائيلية والتمييز الدائم بين فصائلها مما ادى الى التركيز على المعنى الحقيقي للدولة الاسرائيلية وهو الاسم المقترن بالفكر الصهيوني العنصري المرتبط بالفكر العنصري الأوروبي ، ولعل ما قاله السفير الاسرائيلي في نيويورك في حديث جرى بينه وبين مسؤول في وزارة الخارجية الامريكية « اعطيك عشرة يهود من اليهود العرب مقابل يهودي امريكي واحد « خير دليل على التوجه العنصري اليهودي .