مسؤولية السلطة التنفيذية في تنفيذ القوانين

01/11/2011

مركز الرأي للدراسات

اعداد : أ.د. نفيس المدانات

تشرين ثاني 2011

الماده (31) من الدستور الاردني .. لعام 1952

تنص الماده (31) من الدستور الاردني لعام 1952 على مايلي : « الملك يصدق على القوانين ويصدرها ويأمر بوضع الانظمة اللازمه لتنفيذها بشرط ان لا تتضمن ما يخالف احكامها « والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : ما هو مضمون تنفيذ القوانين هذا ؟
ان تنفيذ القوانين يتضمن مايلي :


اولاً : نشر القوانين والتذكير بنصوصها 0
ان نشر القوانين هو شكل من اشكال تنفيذها لانه اذا كان اصدارها يجعلها نافذه من حيث المبدأ فان النشر يجعلها قابله للتنفيذ في مواجهه المواطنين 0

ثانياً : استخدام القسر من اجل ضمان التنفيذ 0
في بعض الحالات يتطلب تنفيذ القوانين والوسائل المتخذه من اجل تطبيقها استخدام القسر والاكراه والقوه الذي تختص به السلطه التنفيذيه ، ان اللجؤ الى التنفيذ الجبري عاده يكون بناءاً على حكم او في بعض الحالات تلقائياً بدون حكم سابق عندما ترى ذلك الهيئات التابعه للسلطه التنفيذيه 0

ثالثاً : تنفيذ القوانين من خلال اعمال توكلها هذه القوانين صراحه للحكومه 0
ان تنفيذ القوانين يتضمن اعمالاً اكثر تعقيداً بكثير من النشر او استخدام القسر فالشرع نفسه قد يوكل للسلطه التنفيذيه مهمات خاصه من خلال تنفيذ القوانين
ومن اجل فهم ذلك جيداً نضرب المثال التالي : كان قد صدر في فرنسا بتاريخ (11) تشرين الاول عام 1945 لائحة وهي نص تشريعي كان لها كهدف معالجة ازمه السكن وان قراءه هذا النص تظهر الدور الفعال الذي يتوجب على الحكومه والسلطات التابعه لها القيام به ، اذ يتوجب على الحكومه إكمال هذا النص بنظام أي اصدار وسيله عامه وغير شخصية وهذا المرسوم يتوجب عليه تعريف المقصود « بالمساكن الخاليه « او « غير المسكونه « او « المسكونه بصوره اقل مما يتوجب « 0
ومن ناحية ثانيه فان المحافظين كانوا مسؤولين عن اتخاذ بعض الوسائل الفرديه لتطبيق القانون كمصادرة المساكن ، واخيراً فقد كان يتوجب على بعض البلديات انشاء مرافق بلدية للسكن 0
وفي الاردن كان وزير الداخلية قد حصل على تفويض تشريعي من البرلمان بتنظيم انطلاق السيارات واستقبالها بالماده (79/ 7) من قانون السير رقم 14 لسنة 1984 وذلك لمعالجة ازمة السير فقام باصدار تعليمات وهي نص عام وغير شخصي وكذلك منح تراخيص والغاء تراخيص ، وهي وسائل فرديه تطبيقاً لتعليماته الصادره بناءً على القانون 0
ان هذه الامثله التي أوردناها توضح الدور الفعال غير الالي الذي تلعبه السلطه التنفيذيه في مجال تنفيذ القوانين بإصدار انظمه او من خلال القرارات الفرديه او انشاء وتسيير المرافق العامه 0

رابعا: ان تنفيذ القوانين بالمعنى الواسع للاصطلاح هو صيانه النظام العام وتسيير المرافق العامه 0
في الفرضيات الثلاثه المتقدم ذكرها نلاحظ ان تنفيذ القوانين يجد اساسه في نصوص تشريعه صريحه وشكليه فاذا قصرنا دور السلطه التنفيذيه على ذلك فان الحكومه تصبح مسؤوله عن تنفيذ كل قانون ماده ماده وفقره فقره وان التنفيذ لا يصبــــح الا عباره عن مجموع الاعمال الضروريه لتنفيذ كل قانون لكن « تنفيذ القوانين « له معنى اوسع من ذلك فهو يتضمن عملا اكثر عموميه وهو ضمان الحد الادنى من الشروط الضروريه لاستمرار الحياه اليوميه أي صيانه النظام العام وسير المرافق العامه وذلك حتى بدون الاوامر الشكليه للمشرع وللتدليل على ذلك نذكر قرارين صدرا عن مجلس الدوله الفرنسي 0

الاول : القرار ( لابون ) ( Labonne) الصادر بتاريخ 8/ آب/1919 وخلاصته ان رئيس الجمهوريه الذي كانت له السلطه التنفيذيه قد اتخذ بمرسوم صــادر بتاريــخ ( 10/ آذار /1899) نظاماً سابقاً عل قانون السير على الطرق ويتعلق بسير الحافلات على الطرق العامه 0 وبمناسبة سحب رخصه سواقه كانت قد اوقعت كعقوبه على السيد (لابون ) طعن امام مجلس الدوله بمشروعيه هذا المرسوم الصادر في عام (1899) مدعيا انه اذا كانت القوانين الخاصه تسمح للمحافظ او لرئيس البلدية كل في دائرة عمله ان ينظم السير، فانه ليس هناك نصاً يسمح لرئيس الجمهوريه ان ينظم السير على المستوى القومي كله 0 لكن مجلس الدوله الفرنسي رفض هذا الادعاء قائلا: « يعود لرئيس الدوله بالرغم من عدم وجود أي تفويض تشريعي بناء على السلطات الخاصه به ان يتخذ من وسائل الضابطه ما يتوجب تطبيقه على كل اقليم الدوله « ويمكننا ان نتساءل عن مصدر هذه السلطات التي لرئيس الجمهوريه ما دام انه ليس هناك قانون خاص يمنحها له 0
والجواب على ذلك نجده في القرار نفسه حيث جاء فيه « بالنظر الى دستور عام 1875» وفي هذا الدستور نجد ان هناك ماده واحده فقط تتعلق بالموضوع وهي الماده الثالثه التي تنص على ان رئيس الجمهوريه يشرف على ويضمن تنفيذ القوانين « ينتج عن ذلك ان مهمه تنفيذ القوانين لاتقتصر على تنفيذ كل قانون ولكنها تتضمن مهمه عامه هي صيانه النظام العام وهذه المهمه قد اعطيت للسلطه التنفيذيه دفعه واحده في كل الدساتير لا حاجه لاعادة ذكرها في القوانين الخاصة.

وفي المملكه الاردنية الهاشميه نرى احد الفقهاء يقول: وفيما يتعلق بالاردن فالملاحظ ان الدستور الاردني اغفل النص على انظمة الضبط الاداري في الاحوال العاديه « الخ1» ثم يستدرك هذا الزميل الفاضل على الصفحه 634 ويقول «ومهما يكن من امر فان الجاري في الاردن هو انه يحق للسلطه التنفيذيه اصدار انظمه الضبط -البوليس- في الاحوال العادية» لكنه لم يبين لنا الاساس الذي استند اليه او تستند اليه السلطه التنفيذيه في ذلك».

ان الاساس الذي تستند اليه السلطه التنفيذيه وبالذات جلالة الملك في اصدار انظمة الضبط الاداري يوجد بدون جدال في نص الماده (31) في الدستور الأردني أي أن تنفيذ القوانين يتضمن إصدار أنظمة ضبط اداري لصيانة النظام العام بغض النظر عن كل تفويض تشريعي.
انظر الدكتور عادل الحياري: «القانون الدستوري والنظام الدستوري الأردني» دراسة مقارنه الطبعه الأولى 1972 ص633.

والثاني : القرار اريس ( Heyries) الصادر بتاريخ 28/ حزيران /1918 وخلاصته أن المادة (65) من القانون الصادر بتاريخ 24/ نيسان /1905 قد وضعت ضمانه للموظفين العموميين ضد إجراءات التأديب بان منحتهم الحق بالاطلاع على ملفاتهم قبل اتخاذ أيه وسيله تأديبيه بحقهم.
وفي بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914 كانت الحكومة قد رأت ان احترام هذه الضمانه من شانه ان يؤدي الى تعطيل الردع التأديبي فعلقت بمرسوم بسيط تطبيق الماده 65 من قانون عام 1905 حتى نهاية الحرب لكن السيــــــد ( اريس ) ( Heyries) أحد الموظفين العموميين كان قد تلقى عقوبة تأديبيه طلب إلى مجلس الدولة الفرنسي ( القاضي الاداري ) إلغائها لتجاوز السلطة حيث انه لم يطلع على ملفه في حين ان هذا الحق مضمون له بموجب نص تشريعي لايجوز لمرسوم بسيط صادر عن السلطة التنفيذية أن يعلق تطبيقيه 0
لكن القاضي الإداري ( مجلس الدولة الفرنسي ) رد دعواه مبرراً عمل السلطة التنفيذية بأنه كان بناءً على نظريه الظروف الاستثنائيه « التي تجعل المرسوم مشروعاً : « حيث انه بناءً على المادة (3) من القانون الدستوري الصادر بتاريــخ ( 25/ شباط /1875) فان رئيس الجمهورية هو راس الاداره الفرنسيه ومسؤول عن « ضمان تنفيذ القوانين « وبالتالي فانه يقع على عاتقه السهر على سير المرافق العامة المنشأه بالقوانين و الأنظمة كي لاتعيقه صعوبات الحرب «
وعلى هذا فان « تنفيذ القوانين « لا يتضمن فقط صيانة النظام العام بل أيضا المسؤولية الدستورية عن سير المرافق العامة وهذا الالتزام الواقع على عاتقه السلطة التنفيذية بتسيير المرافق العامة لا يسمح لها في الظروف العادية باستبعاد تطبيق نص تشريعي وانما يكون لها ذلك الظروف الاستثنائية « ظروف الحرب حيث انه يصبح مشروعاً في الظروف الاستثنائية ما كان غير مشروع في الظروف العادية « حيث أن المرسوم ادنى من القانون فلا يجوز له تعطيل القانون في الظروف العادية لكن له ذلك في الظروف الاستثنائية 0
وفي الأردن نجد أن المادة ( 20) من تعليمات الاداره العرفيه 1967 قد نصت على إيقاف العمل بأحكام المادة (10) فقره (3) من قانون تشكيل المحاكم النظامية باستثناء البند (أ) و (ب)0
وقد كتب المرحوم الأستاذ المحامي الدكتور حنا نده في كتابه « القضاء الاداري « في الأردن على صفحه 83 :» واثيرت نقطه مؤداها أن هذه الفقرة مخالفه لاحكام الدستور 00000 «

خامساً :- ويكمل قائلا « وبعد أن قررت محكمة العدل العليا ان لها صلاحيه التعرض لدستوريه القوانين « قررت : أن المادة 125 من الدستور قد اعطت الصلاحية لجلاله الملك عند إعلان لاحكام العرفية أن يصدر بمقتضى اراده ملكية أيه تعليمات تقضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة بقطع النظر عن أحكام أي قانون معمول به 0000 «
أن قول محكمة العدل العليا بقطع النظر عن أحكام أي قانون معمول به هو قول حسن ، وهو نفس ما جاء به مجلس الدولة الفرنسي في قراراته اذ أن تعليق تطبيق المادة (10) فقره 3 من قانون تشكيل المحاكم النظامية ما عدا البنــد (أ) و ( ب) كان آنذاك مشروعاً ودستورياً تماماً وهو تطبيق لنظرية الظروف الاستثنائية التي أساسها ليس في حالة الضرورة وإنما تجد هذه النظرية أساسها في الالتزامات الواقعة على عاتقه السلطة الإدارية بصيانة النظام العام وتيسير المرافق العامة ولكي لا يكون هناك أعاقه لعمل هذه السلطة بالدعاوي التي تقام أمام محكمة العدل العليا طعنا في قراراتها الإدارية تم هذا التعليق لتطبيق القانون وهو في الظروف العادية غير مشروع لكن في الظروف الاستثنائية يكون مشروعا وذلك لتسيير المرافق العامه بانتظام وذلك استناداً للمادة 31 من الدستور لان هذه المادة تشكل الأساس الدستوري لمبدأ استمرارية سير المرفق العام بانتظام