مركز الرأي للدراسات
اعداد : أحمد ذيبان
تشرين الثاني 2011
حيثما واجهنا حالة نهوض خارجة عن السائد ،في العالمين العربي والاسلامي تداهمنا نظرية المؤامرة ، ففي بيئة يطغى عليها الفشل والاحباط والعجز عن احداث التغيير على مختلف الاصعدة يبدو كل نجاح غريبا ، فنحن امة تستمتع بأكل لحم بعضها بعضا» جماعات وافرادا»،نمضي وقتا في الثرثرة والنميمة اكثر مما نخصصه للتعلم والقراءة والعمل والانتاج،حتى ثورات وانتفاضات الربيع العربي، يوجد الكثير بين صفوفنا يعتقدون بان ثمة مؤامرة تقف خلفها ،مستكثرين على شعوب فاض بها الكيل،جراء تراكم الظلم والقهر بفعل الاستبداد والفساد، ان ينفجر غضبها بوجه الطغاة !.
منظومة مشروعات متكاملة
هذا مدخل للتأمل في ما حققته حركة الخدمة الايمانية القرانية في تركيا، حالة تبدو فريدة في تقديم الوجه الوسطي المشرق للاسلام من خلال انجازات على الارض ،بدأت في تركيا وهي تعبر الحدود بهدوء ونعومة ، الى مختلف انحاء العالم، ليس وفق اساليب تبشيرية ،ولكنها تضع بصماتها اينما وجدت بيئة مناسبة ،بفعل نظرية صاغها مؤسسها الاستاذ» فتح الله كولن» ،الداعية والمفكر التركي صاحب عشرات المؤلفات ،الذي اختارته مجلة تايم في طليعة قائمتها للمئة شخصية ،الاكثر تأثيرا في العالم لعام 2010.
الشك من طبيعة البشر، وهو مشروع للوصول الى الحقيقة ،الاسئلة والشكوك تحاصر من يطلع للوهلة الاولى على منظومة متكاملة من المشروعات تابعة للحركة ، تشمل مختلف جوانب الحياة التعليمية والثقافية والتربوية والاعلامية والاقتصادية والخيرية والخدمية، تدار باساليب حضارية متقنة ،وتبدو أشبه بدولة لكن بدون جيش او استخبارات ، تسعى لهدف واضح هو صناعة «جيل جديد « يتسلح باخلاق عالية ،يحمل لواء الاسلام المتصالح المتسامح ،ولا بد ان يخطر في البال سؤال بشأن «الخلطة السرية» لهذا النجاح المدهش ؟ ،من يقف خلف هذه الحركة وماذا يريد ؟ .
ولان مركز الحركة في تركيا ،يذهب بك الشك الى علاقة مفترضة تربط هذه الحركة، بحكومة حزب» العدالة والتنمية» برئاسة رجب طيب اردوغان، الذي يحكم تركيا منذ عام 2002 ، وهو حزب غير وجه تركيا، بتحقيق نهضة اقتصادية نقلتها الى المرتبة 17 بين اكبر الاقتصادات العالمية ،والاهم من ذلك ان «العدالة والتنمية» ، الذي اتقن اللعبة الديمقراطية، وفاز في الانتخابات ثلاث مرات متتالية ،نجح بذكاء لافت بتحرير الحياة السياسة والسلطة القضائية من هيمنة العسكر، وعلى صعيد السياسة الخارجية كرس استقلالية قرار تركيا ،واتخذت مواقف مناصرة للقضايا العربية أدهشت الراي العام العربي، وحدث تحول غير مسبوق في علاقات تركيا باسرائيل، بسبب عدوانها على غزة ،حيث جمدت انقرة تعاونها العسكري والتجاري وعلاقاتها الدبلوماسية مع تل ابيب ، وفي خضم هذه التحولات ، اصبح يتردد في الاعلام اصطلاح «العثمانيون الجدد» .
ولكون خلفية» العدالة والتنمية» اسلامية ،تسأل هل «الحركة الايمانية» هي التي تقف خلف الحزب ،فيأتيك الجواب بالنفي على لسان احد كوادر الحركة «نوزات صواش» شاب مفوه يتكلم العربية بطلاقة ،يشرف على اصدار مجلة «حراء» باللغة العربية ،بل يذهب الى ابعد من ذلك، بانتقاد سياسة التقارب التي تنتهجها حكومة اردوغان مع ايران، والتصعيد مع اسرائيل ، ويرى ان ذلك يقدم ذريعة لاسرائيل واللوبي اليهودي، خاصة في الولات المتحدة للتحريض على تركيا في المحافل الدولية ،لكنه يستدرك بذكاء ،ان الحركة الايمانية ومؤيدوها يصوتون لحزب العدالة والتنمية ،لعدم وجود بديل أفضل في الخارطة الحزبية ،ويضيف في كلمات تطلق لك حرية الخيال بالتكهن «ان العدالة والتنمية ،هو ثمرة للتحولات الايجابية التي احدثتها الحركة خلال العقود الثلاثة الماضية» .وعندما تسأله الا تخشون ان يشكل هذا التوسع الهائل في انشطة الحركة ، عائقا امام رغبة تركيا في الانضمام للاتحاد الاوروبي ،يجيبك بثقة «نحن نريد العالم وليس اوروبا فقط»!.
التعليم رافعة التغيير
«الاستاذ «كما يلقبه انصاره ومحبوه،ادرك ان التركيز على التعليم يشكل نقطة البدء في التغيير ،والرافعة لكل الانجازات في مختلف المجالات ،لكنه قبل ان يؤسس الحركة درس النظريات الغربية الحديثة كالماركسية والرأسمالية ، وحركات التجديد في العالم الاسلامي، التي قادها مفكرون مثل « محمد اقبال – باكستان ،»سيد قطب وحسن البنا –مصر،» الامام مالك –الجزائر»، «بديع الزمان- تركيا..وغيرهم» هؤلاء قاموا بدورهم، لكنهم لم يأتوا بنظرية عملية تخرج الامة والانسانية من ازماتها ، كانوا متفوقين في دائرتهم الصغيرة .
يرى» الاستاذ»: ان ما يسميه التيارات الفكرية» الالحادية» في الغرب ، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين استطاعت ان تكون نموذجها .. كانت» فردية وعرقية ،ونفعية في العلاقات الاجتماعية « انسان اناني في اخلاقه ،هذا الانسان هو الذي قام باستعمار العالم وشن الحربين العالميتن، هذه التيارات افلست كما يرى «الاستاذ «، انهار الاتحاد السوفييتي والانظمة الشيوعية ودول البلقان» نظام تيتيو»، 7 مليارات انسان يبحثون عن انسان نموذجي.
تملك الحركة 15 جامعة واكثر من الفي مدرسة في تركيا منتشرة في 81 مدينة وفي كل عام يتم انشاء 200 مدرسة جديدة ، يوجد نحو الفي مدرسة في خارج تركيا منتشرة في 165 دولة بينها مدرسة في الاردن وثمة مشروع لانشاء جامعة ، وهدف التوسع «تأكيد عالمية الاسلام « ،وكانت بداية حملة فتح المدارس في الخارج،في اسيا الوسطى والبلقان بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ونظام تيتو في يوغسلافيا ،وفي ذلك دلالات ، حيث اوصى فتح الله باستثمار الحركة للواقع الجديد ، لازالة الاثار» الاحادية» التي خلفتها الشيوعية ، في حياة وثقافة مسلمي تلك المناطق،فكانت بداية الحملة في قازخستان ، حيث تم فتح 28 مدرسة حتى الان ثم امتد هجوم الحركة الناعم الى بقية دول اسيا الوسطى فبقية القارات .
مجموعة إعلامية وثقافية ضخمة
وانطلاقا من ادراك فتح الله لاهمية الثقافة والاعلام في العصر الحديث ، اقامت الحركة منظومة اعلامية ثقافية متكاملة، بهدف تربية جيل على اساس علمي ايماني،باسلوب يحترم عقل المتلقي ،دون التورط باساليب الوعظ الجامدة والمنفرة .
مجموعة «درب التبانة»الفضائة تتكون من عشر قنوات تلفزيونية بين اخبارية وثقافية –دينية ،ودرامية ووثائقية واجتماعية واطفال ،و3 اذاعات و30 موقعا الكترونيا،اسست عام 1993يعمل فيها 600 شخص،و400 في الخارج ،وللمجموعة مراكز في اوروبا و اميركا و افريقيا . وهناك «اخوة» تخرجوا منها ويعملون في مؤسسات اخرى .
فلسفة المجموعة كما يقول احد مسؤوليها تركز على الانسان من الطفولة الى كافة مراحل الحياة، ويوجد هيئة استشارية لكل المواضيع، اي عمل يتم بثه بقرار من الهيئة .
القاعدة الاساسية «نحب ما خلقه الله» والنهي عن المنكر، التركيز على3 اشياء:» ما هو الخطأ ،وكيف يدخل في الخطأ، وكيف يخرج من الخطأ»، 90 % من المسلسلات والبرامج التي تبثها المجموعة بلغات متعددة انتاج ذاتي.ويتم تسويقها في العالم ، والمجموعة تنتهج فلسفة خاصة تقوم على مراعاة الاديان والافكار لمختلف الشعوب، نقبلهم كما هم .
اسست المجموعة بتمويل محبي فتح الله،وعندما مرت تركيا بأزمة اقتصادية عام 200 التي هددت المشروع بالاغلاق، تدافع الناس من ابناء تيار الخدمة الايمانية للتبرع، بما يملكون للمحافظة على» المشروع الرسالي» حتى ان النساء تبرعن بمصاغهن والاطفال تبرعوا باشيائهم الصغيرة ،وكانهم يتبرعون بروح فدائية لمجهود حربي.
من بين الافلام التي انتجتها المجموعة حديثا ، فيلم عن حياة» بديع الزمان» لمدة 108 دقائق،والهدف ايصال الفيلم الى خمسة ملايين مشاهد. البث التلفزيوني للمجموعة يغطي نصف اميركا،ونصف افريقيا، وقريبا سيتم تدشين قناة باللغة العربية بمستوى عال .
صحيفة زمان
وصحيفة زمان اليومية التي تحتفل بيوبيلها الفضي هذه الايام، حيث انطلقت بتاريخ 3 تشرين الثاني عام 1986 ، ذات اخراج راقي ، وتعتبر اكبر صحيفة يومية في تركيا كما يقولون ، تمتلك مبنى جميلا يتكون من سبعة طوابق ومطبعة عملاقة ،يعمل في المؤسسة نحو اربعة الاف موظف، منهم 600 في المركز الرئيس باسطنبول ، توفر لهم المؤسسة ظروف عمل مريحة ،حيث يقدم لهم وجبتي طعام يوميا داخل مطعم انيق في الدور الارضي وكافتيريا تقدم المشروبات الباردة والساخنة ،الطبعة الرئيسة باللغة التركية، توزع 930 الف نسخة يوميا، 95 بالمئة منها اشتراكات ،بالاضافة الى اصدار عدد اخر من المطبوعات الصحفية ، بينها شقيقة يومية باللغة الانجليزية « Today’s Zaman» ، يقبل على قراءتها الدبلوماسيون والجاليات الاجنبية ،يؤكد احد مدراء التحرير فيها الذي التقى الوفد ان السياسة التحريرية للصحيفة تركز على المصداقية ونقل الخبر كما هو وفصله عن التعليق، واحترام حرية التعبير ، وتقديم مواد صحفية تتضمن حلولا لمشاكل المجتمع برؤية اسلامية ،وتصدر الصحيفة ملاحق للاسرة والطفل وملاحق دراسية موجهة للطلبة ، وعددا ضخما وشاملا يوم الاحد وهو العطلة الرسمية الاسبوعية في تركيا ،كما تصدر عن مجموعة زمان مجلة اكاديمية اسمها» زمان تركيا»وهي اكبر مجلة اخبارية في تركيا توزع نحو 55 الف نسخة، ومجلة الاكسيون» كما وكالة انباء جيهان ،التي تعتبر اكبر وكالة اخبارية في تركيا لها مكاتب في 39 دولة ومراسلين في اكثر من 60 دولة، وتبث اخبارها باللغات التركية والعربية والانجليزية والروسية ،وتعتمد زمان بشكل اساسي في الخدمة الاخبارية على وكالة» جيهان» ،التي تقيم علاقات تعاون مع وكالات انباء وطنية في كثير من الدول ، وهي تسعى لتحطيم احتكار وكالات الانباء العالمية .
ومن بين المؤسسات الاخرى التابعة للحركة»مجموعة قينق» للنشر الثقافي،مضى عليها 30 عاما نشرت الاف الكتب بمختلف اللغات، تصدر سلسلة مجلات ثقافية دورية بدات ب»الرشحة» والان اصبح عددها نحو 30 مجلة بينها مجلات متخصصة للطفل ، باللغات التركية والروسية الانجليزية و»حراء « بالعربية التي بدأت عام 2005. ارقام التوزيع التي يتحدثون عنها ضخمة وتعتمد على الاشتراكات بصورة اساسية . «امنية جديدة» مجلة شهرية متخصصة في العلوم الاسلامية تبيع 250 الف نسخة . ومجموعة قينق تمتلك 30 دار نشر، وهي تصدر شهريا ستين كتابا ثقافيا وادبيا وعلميا بلغات متعددة ، بالاضافة الى كتب مدرسية متطورة .
اما اتحاد للكتاب والصحفيين التابع للحركة ،فهو حسب نائب الرئيس سيماك اوساك يتولى تنظيم الفعاليات والانشطة الثقافية والفكرية ، التي تسهم في تعزيز الحوار بين الثقافات والاديان ، من خلال اقامة الندوات والمؤتمرات واصدار الكتب باللغة التركية ولغات اخرى ، وانتاج الافلام الوثائقية،التي تخدم رسالة الحركة ، وتعزيز علاقات التعاون مع الاتحادات والمنظمات المشابهة في الدول االخرى .
« بنك آسيا» واتحاد رجال الأعمال
« بنك اسيا «الذي يعتمد المنهج الاسلامي ، وهو احد اهم البنوك في تركيا أسس عام 1996 له 195 فرعا ،ويشغل 4300 موظف،يقول المشرفون عليه انه يحتل المرتبة 8 في تمويل العقارات داخل تركيا،و المرتبة 13 في تمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة ، واصدر 1،8 مليون بطاقة بنكية ويستحوذ على 1،5% من العمل المصرفي في السوق التركي ،و52 من اسهمه يتم تداولها في بورصة اسطنبول ،وغالبية المساهمين من اميركا واوروبا،كما اسس البنك شركة تامين اجتماعي،وله انشطة خارج تركيا.
ومن المؤسسات التابعة للحركة ايضا ، اتحاد رجال الاعمال «توسكون»، وهو اكبر اتحاد رحال عمال في تركيا،واهم اهدافه الهدف التجارة مع العالم تنظيم برنامج»الجسر التجاري»بين تركيا ودول العالم ،يضم 7 اتحادات نوعية صناعية وتجارية، وجمعيات فرعية ،ينتسب له 34 الف عضوبينهم 100 يملكون اكبر الشركات في تركيا،ويقول القائمون على الاتحاد ان الاستاذ فتح الله، يوصيهم التسلح باخلاق الاسلام في معاملاتهم التجارية وعدم الغش،وقد لفتنا خلال زيارة الى جمعية «مبيض»في اسطنبول وجود مرشد روحي للجمعية،وهو في نفس الوقت مسؤول التعليم في اسطنبول.
أهمية استثنائية لرجال الأعمال
ولرجال الاعمال اهمية استثنائية في نشاطات الحركة ،حيث يلحظ الزائر دورا محوريا لهم،في بناء مؤسسات الحركة وتوسيع رقعة تحركها في الداخل والخارج، ويستغرب المراقب اقبال رجال الاعمال على الايثار الى درجة مدهشة،في الوقت الذي نجد غالبية رجال الاعمال في بلادنا وفي دول العالم، يسعون لتحقيق ربح سريع يحركهم الجشع ، لكن رجال اعمال» توسكون» يقومون بتمويل مشروعات ضخمة ،بمليارات الدولارات ،بفعل ايمانهم العميق بفكرة اطلقها فتح الله،وعندما كنا في زيارة لجمعية رجال اعمال في مدينة بورصة الجميلة، التي لها اهمية تاريخية ، حيث كانت عاصمة الدولة العثمانية قبل فتح اسطنبول»القسطنطينية»،كان بعض رجال الاعمال يحضرون اللقاء، لكنهم كانوا يستعدون للسفر الى دول افريقية لمتابعة انشطة اقتصادية هناك، كلها تصب في دعم رسالة الحركة.وكما اشرت سابقا ثمة علاقة وثيقة بين التعليم والانشطة الاقتصادية للحركة،اذ ان اتحاد رجال الاعمال هو الذي يدعم انشاء المدارس في الخارج، والقائمون على ادارة تلك المدارس الذين يعرفون عادات وتقاليد وثقافات تلك الشعوب وهم الذين يسهلون العلاقات التجارية معها .وخريجو تلك المدارس في البدان الفقيرة يسهمون في بناء وتنمية بلدانهم.
جمعية «هل من أحد»
وفي اطار العلاقة التكاملية بين مؤسسات الحركة انشئت جمعية «هل من احد « الخيرية،التي تتولى تنظيم الانشطة الانسانية لمساعدة المحتاجين داخل تركيا وخارجها ،وكانت البداية عندما وقع زلزال مرمة عام 1999،حيث تم جمع التبرعات من خلال برنامج تيلثون نظمه تلفزيون الحركة،وهي تقدم اليوم مساعدات لنحو 80 الف شخص ولها 29 فرعا داخل تركيا،ولديها فعاليات خيرية في نحو 60 دولة ،حيث تشكل جسرا بين المتبرعين والمحتاجين.وبالاضافة الى تقديم مساعدات عينية فانها تقوم بدورات تدريبية مهنية للفقراء، وتمول مشاريع صغيرة مدرة للدخل لهم .وخلال عدة اشهر تم جمع نحو 40 مليون دولار في اطار برنامج دعم افرقيا .وقبيل عيد الاضحى سيسافر المتبرعون الى نحو 75 دولة لتوزيع الاضاحي على الفقراء.
التطوع والبعد عن السياسة
هذه منظومة متكاملة من المؤسسات والانشطة الناجحة في مختلف مجالات الحياة تعجز عنها الكثير من الدول،حتى ان « الاخوان»وهو الوصف الذي يطلقونه على مؤيدي الحركة يملكون فنادق ومطاعم وشركة سياحية وشركات حماية وتنظيفات ومحال تجارية ويقولون ان 30 بالمئة من المزارعين في تركيا هم اعضاء في الحركة ،بمعنى ان ثمة اكتفاء ذاتي بحيث اصبحت فعاليات الحركة تمول بعضها وتتوسع اكثر،فالى اين هم ذاهبون ؟.وكيف يطمئنون الى عدم استفزاز القوى والاحزاب القومية والعلمانية واليسارية في تركيا .فضلا عن القوى الدولية ،في حقبة سادت فيها «الاسلامفوبيا» بعد 11 سبتمبر،والحرب الاميركية على الارهاب التي وصمت مختلف الحركات الاسلامية بشبهة الارهاب.
يجيب احد المسؤولين عن التعليم على ذلك ،بان سر نجاح الحركة هو اعتمادها على التطوع و بعدها عن السياسة تماما، لدرء اي شبهات ولعدم استفزاز الاخرين ،ويوصي فتح الله انصاره بان تكون امورهم شفافة وان لا يقلقوا الحكومة والقوى الاخرى ولا يستفزوهم ، فكل شيء مكشوف للامن والمخابرات وغيرها،ليس لديهم مايخفونه .
كل من التقيناهم من قادة ونشطاء الحركة في مختلف مواقعهم يتحدثون برؤيا واحدة ومنهجية واضحة ،وسلاحهم الاساسي حسب ما علمهم» الاستاذ « ما يمكن وصفه «دبلوماسية التلطف» اي المعاملة بالحسنى والتسامح.
ومن اهم الصفات التي تميزهم «التواضع» الى درجة مدهشة، وعلى سبيل المثال كان احد قادة الحركة وهو رئيس مجلس ادارة احدى شركات التعليم «الاستاذ عزيز غالب كورجان»،يرافقنا في كل جولاتنا على مؤسسات الحركة،وكان يقوم بنفسه بترتيب احذيتنا عندما ننزعها ،حيثما تطلب ذلك سواء عند اداء الصلاة او في المؤسسات، التي يتطلب دخولها نزع الاحذية.
ان تشاهد وتطلع على النتائج عن قرب وبالعين المجردة ، ليس كمن يقرأ او يسمع عن انجازات الحركة ،وهو ما لمسه الوفد الاردني الذي استضافته الحركة بين 16- 22 تشرين الاول الماضي .وللاستاذ فتح الله» قيمة رمزية عليا لمحبيه وانصاره الى درجة تقترب من التقديس،حيث يلحظ الزائر الايمان الحقيقي بالفكرة ، وقوة الارادة والاستعداد للتضحية وابتداع اليات عمل محكمة ، الامر الذي ربما ازال بعض الشكوك التي كانت تراود بعض اعضاء الوفد، واجاب على سؤال الذي كان يدور في اذهان بعضهم «ماذا يريدون منا «؟.
الجهل الفقر والاختلاف
يستشهد الاستاذ فتح الله بقول اينشتاين « العلم من غير دين أعرج والدين من غير علم أعمى» ، كما يقول احد قادة ومنظري الحركة الدكتور مصطفى،الذي يدير احد المستشفيات التابعة للحركة رغم انه ليس طبيبا، التي تنافس اكثر المستشفيات العالمية تقدما ، والمستشفى الذي زرناه اقرب الى منتجع يطل على بحر مرمرة وجزر الاميرات، وعندما تستمع للاستاذ مصطفى تشعر بمتعة ، حيث ينقلك في سياحة فكرية عبر العصور ، منذ انطلاق الرسالة المحمدية، وفي تسلسل محكم لمختلف المراحل التي عاشتها الامة الاسلامية،الى نهاية الدولة العثمانية ،حيث التقط فتح الله الفرصة ،وبعد ان شخص العدو الاكبر للعالم الاسلامي بثلاث ازمات كبرى» الجهل، الفقرو الاختلاف» وادرك ان هذا التغيير لا يتم بالسياسة ولا بالانقلابات، وانما بالتربية والتعليم ولذلك ركز جهده على ادخال الايمان الحقيقي في قلوب الناس ،بدا بمؤلفاته «رسائل النور» ، وقد شجع اصدقائه من التجار على فتح» بيوت الطلبة» في الستينات، ثم تطورت الفكرة الى اقامة اسكانات طالبية يعيش في كل منها بين 100-200 طالب، مستفيدا من فكرة «دار الارقم» ،وكان يرصد الصراعات بين اليمين واليسار في تركيا بداية السبيعينات ،فيما الجيش يهيمن على الحياة السياسية ويقوم بالانقلابات،وكان المتدينون والطبقة الوسطى لا يرسلون بناتهم الى المدارس خشية تاثرهن بالايديولوجية الماركسية التي انتشرت في مؤسسات التعليم ،حسب ما يقول الدكتور مصطفى ، فكانت غاية فتح الله القصوى أخذ ابناء هؤلاء المتصارعين وتربيتهم داخل بيوت واسكانات الطلبة، بغض النظر عن انتماءات ابائهم .ولذلك بدا التنافس الايجابي في فتح الاسكانات ،ثم تطورت الفكرة في الثمانينات الى فتح المدارس والجامعات .
دمج العلوم الحديثة بالعلوم الإسلامية
فلسفة التعليم عندهم تقوم على دمج العلوم الحديثة بالعلوم الاسلامية، للوصول الى الحقيقة وهذا يشجع الناس على اختيار مدارسنا ،كما يقول مشرف التعليم في مدارس الفاتح .كل الموظفين والمعلمين لديهم وعي و ايمان بهذه الرسالة ، ولا بد ان نزود الطلاب بمعنوبات عالية مع العلوم الحديثة»الدمج الثقافي».
السياسيون اقتنعوا من خلال عمل خريجينا ،ان» اخواننا» ليس لهم طموح بالسياسة فاصبحت بيننا وبينهم ثقة كبيرة.ويضيف ان طلبتنا يتميزون بالاخلاق العالية لا يدخنون ولا يتعاطون المخدرات ولا يشربون الكحول ولا يرتكبون المعاصي والفساد الاخلاقي كالزنا ولعب القمار، وقد لاحظ رجال الاعمال ان خرجي مدارسنا وجامعاتنا يتميزون بالاخلاق العالية، عندما يعملون بشركاتهم ولذلك ازداد دعمهم للمدارس والجامعات للاستثمار في الانسان .كما ان ما يشجع الممولين الذين يسمونهم «المتولين» انهم يعرفون ان مؤسساتنا أشبه بالوقف، تدار بكفاءة عالية ولا يوجد فيها فساد ،واصبح لديها منهج مالي بحيث تمول نفسها وتفتح مدارس جديدة .
وبسبب هذه الثوابت استمرت الحركة ،واصبح خريجو مدارسها وجامعاتها متميزون في المجتمع والمؤسسات التي يعملون بها،واستفاد الشعب والحكومة من هذه الكوادر .
صور اتاتورك
تستمع اليهم يشرحون بالتفصيل وبحماس منقطع النظير افكارهم ورؤيتهم ورسالتهم ، لكن ما يزيد قناعة واعجاب الزائر بيئة العمل الصحية والمميزة في مؤسساتهم، والانضباط العالي لكافة العاملين فيها، ورؤسائهم يمثلون قدوة في العلم والعطاء والتواضع ، ويلفت الزائر ان صورمصطفى كمال اتاتورك مؤسس الجمهورية التركية «العلمانية»التي جاءت على انقاض الامبراطورية العثمانية، معلقة في مؤسساتهم رغم التناقض الكبير بين رؤية الحركة ورسالتها الاسلامية،وبين علمانية اتاتورك التي قادت تركيا نحو التغريب وابعدها كثيرا عن جوهرها الاسلامي . واكثر من ذلك فقد شاهدنا خلال زيارتنا الى احدى مدارس الحركة، فيلما وثائقيا يعرض اساليب التعليم فيها، وعلامات الفرح بادية على وجوه الطلبة،ولاحظنا ان نص الفيلم يقتبس كلمات منسوبة الى اتاتورك تحث على التعليم ! وذلك ربما يعتبره البعض «باطنية»في التعاطي مع ارث اتاتورك السياسي والثقافي، الذي تكرس بعمق في البنية الاجتماعية والثقافية في تركيا، خلال ما يقارب ثمانية عقود ،لكن من زاوية نظر اخرى ربما يفسر بانه ذكاء سياسي ، عطفا على ما أشرت له سابقا من اعتماد الحركة دبلوماية التلطف ك» قاعدة ذهبية « في تعزيز الانجازات و تجنب استفزاز القوى العلمانية والقومية المتشددة ،فالمهم عندهم «العنب وليس مقاتلة الناطور «،وهم لا يفرضون لبس الحجاب في مدارسهم وجامعاتهم ومؤسساتهم .الغاية الاساسية كما يقول دكتور مصطفى، ان نرى العالم يتمسك بالقران والسنة ،ونقدم له نموذجنا».
«مدرستنا تخرج من الظلمات الى النور « هكذا يبدأ الطلبة نشيدهم الصباحي،واذ يفتخرون بالمستوى المتقدم الذي يتمتع به خريجو مدارسهم وجامعاتهم ،فان ذلك لا يات من فراغ،فثمة مدخلات للعملية التعليمية من الطبيعي ان تكون مخرجاتها هكذا .الحركة فكرية تغذي النشاط تركز على تربية العقول، وتصفية القلوب، وتزكية النفوس ،وزرع الاخلاق العالية.وبالتالي الوصول الى علاقة عميقة مع الله .
سر تميز مدارس الحركة
ولكن ما هي منهجية التعليم في مدارسهم وجامعاتهم وما سر تميزها؟ يقرون بان العديد من العائلات تتخوف من ارسال ابنائها الى مدارسهم ،ويطلبون عدم اشراك ابنائهم في دروس دينية حول الاسلام والشريعة،تأتي الاجابة من القائمين على المدارس: اننا لا ندرس الاسلام من خلال المنهاج ،لكننا نربي على الفضيلة فسلوكنا يشرح لهم الاسلام،وهذا الوضوح والشفافية خير وسيلة على كسب ثقة الطلبة واولياء امورهم على اختيار مدارسنا ، وقبول المدارس لا يقتصر على الطلبة المسلمين ،وعلى ما يقول احد المسؤولين عن التعليم ان للحركة 28 مدرسة في المانيا ، رغم انها متشددة في اعطاء تراخيص لمدارس اجنبية، لان الحكومة تدعمها ،لكن الكثير من النخب والسياسيين الالمان يختارون مدارسنا لتعليم ابنائهم ، بعد انتهاء ساعات الدوام الذي يستمر من الثامنة صباحا الى الرابعة بعد الظهر ،هناك محاضرات مسائية بين الرابعة والتاسعة مساء تركز على شرح الدين الاسلامي،وخاصة للطلبة الذين يقيمون في مساكن داخلية توفرها المدارس .فالهدف تكوين انسان مقتنع بالفكرة ويطبقها على ارض الواقع .جيل جديد يتسلح باخلاق عالية من الحضانة حتى الدكتوراة.ففي السكن الداخلي لا يضيع وقت بلا فائدة ،هناك برامج غير منهجية ثقافية وترفيهية ورياضية هادفة ورحلات خارج الدوام،تضاف الى برامج التعليم التي تقرها الحكومة . مشكلات الطلبة تناقش مع اسرهم، البنت مع امها والولد مع ابيه.
الاهتمام الاستثنائي بالنظافة
منذ يضع الزائر قدمه على مدخل اي من مدارس الحركة يلحظ الاهتمام الاستثنائي بالنظافة ،وتدخل دورات المياه من قبيل الفضول والرغبة بالمقارنة مع مدارس خاصة عندنا، فتخال نفسك في فندق ،لا يجوز دخول المرحاض بالحذاء، يجب نزعه واستخدام « حفايات» خصصت لهذه الغاية ،وهذه سنة متبعة في جميع مؤسسات الحركة،جدران المدارس نظيفة الا من لوحات وصور ومعلومات وضعت لغايات تربوية وتعليمية ، لا تجد شخبطات بالحبر او الطباشير او اثار اياد واقدام ،في المدارس والجامعات مطاعم يتناول فيها الطلبة وجبتان مجانا ، طعام صحي ونظيف يعده طباخون مهرة . والشعار المرفوع في المطعم المطعم»اغسل يديك وكل حاجتك».
لا يقبل الطلبة في المدارس بصورة عشوائية لمن يدفع فقط،بل وفق امتحان سنوي لا يجتازه غير المتفوقين،الرسوم الدراسية لا شك انها مرتفعة بالنسبة للفقراء نحو» 4 الاف دينار» سنويا،لكن الطلبة الفقراء المتفوقون يحصلون على منح دراسية، بنسبة 40 % من عدد المقاعد،اما الاخرون الذين يدفعون فتقسط الرسوم على عشرة اقساط.
مدارس وفق أحدث التصاميم
المدراس بنيت وفق احدث التصاميم ، الغرف الصفية تتسع الى»20 - 25 طالبا « ،وسائل التعليم متقدمة تستخدم احدث منجزات التكنولوجيا،يقول المشرف على مدرسة «مشكور احمد» ، التي بنيت خلال 5 اشهر بكلفة 10 ملايين دولار بدعم من التجار «هناك 3 اعمدة للتعلم.. المدرسة اولياء الامور والبيئة، ويوجد في وسطها الطالب، ولا بد من ارتباط قوي بين هذه الاعمدة.
يضيف: نعين الكوادر التعليمية من خريجي مدارسنا،و اذا لم نجد كفايتنا نستقدم من خريجي جامعات اخرى ، يؤمنون ان هذا المشروع ليس من اجل الرواتب، بل في سبيل اعلاء كلمة الله في عالم انهارت فيه الاخلاق».
اما معدلات الرواتب فهي بمستوى السوق ،حيث تمكن المدرس وعائلته من العيش بكرامة،وهم يعتقدون انه « لا يوجد بين المدرسين متقاعد بل من وصل الى رحمة الله» ،ومما يثير الانتباه كما يقول احدهم ان النجاح من الله ولا بد من الدعاء القولي والفعلي»المدرسون يقيمون الليل ويدعون الله النجاح ،ويذكرون اسماء الطلبة المسؤولين عنهم بالدعوات»،فمن بين مقاييس التعليم المعتمدة تخصيص مدرس لكل 10 طلاب يقوم بدور الاب والام والمد رس، يتابع الطلاب ليلا ونهارا من الناحية التربوية والدراسية .
جامعة الفاتح
جامعة الفاتح احدى المؤسسات التي زرناها ،انشئت عام 1996 ، يدرس فيها الان 11 ألف طالب ،بينهم عدد كبير من عشرات الدول يقدم لهم خصم بنسبة 50% من النفقات ،وتحتل الجامعة المرتبة 12 بين 115 جامعة تركية والخامسة بين الجامعات الخاصة .
تضم 7 كليات هي:- الطب وتتبعها 3 مستشفيات كاملة التجهيز- الحقوق – الهندسة – الإقتصاد - الفنون والعلوم – دراسة اللغات – مدرسة عالية للتمريض وكلية التربية ولديهم مراكز بحثية متخصصة تقدم الخدمة للمجتمع مثل:- مركز النانو تكنولوجي – مركز التحكم الصناعي لتقديم أحدث التطورات في عالم التكنولوجيا – مركز التنمية التكنولوجية – مركز لدراسة إحتياجات السوق ويقدمون الخدمات للتجار ورجال الصناعة وهو مركز فريد من نوعه في تركيا
المدرسون في الجامعة يتميزون بقدرات عالية اكاديمية وتربوية ، منهجية الجامعة وشقيقاتها الاخريات مكملة لما تقوم به المدارس ، الهدف تخريج طالب جيد التعليم حسن الخلق يقوم بتصحيح صورة الإسلام والمسلمين حول العالم .
وتضم الجامعة داخل اسوارها سكنا للطلبة الذكور، اما سكن الطالبات فيقع خارج الجامعة ،وفي اطار النشاطات اللامنهجية يوجد في الجامعة العديد من الاندية الثقافية والاجتماعية والترفيهية والفنية والرياضية ، لا وجود لنشاط سياسي داخل البيئة التعليمية . لكن لان تركيا دولة تعتمد التعددية الحزبية ، فالطلبة احرار في انتماءاتهم الحزبية خارج الجامعة .
هذه الاجيال التي تتخرج من مدارس وجامعات الحركة بهذه «المواصفات» ، تدخل بالضرورة الى المؤسسات الحكومية والشركات ومرافق العمل المختلفة والفاعليات المهنية والانسانية،وبالتأكيد فانها ستترجم ما تعلمته وما تربت عليه في الحياة العملية،هذا هو التغيير الذي تنشده الحركة. وضمن هذا المسار فانها تقوم بعملية احلال اجيال جديدة وثقافة جديدة ، وربما ترجيح اختيار من يحكم و كيف يحكم المجتمع عبر صناديق الاقتراع .
ضبابية الوضع التنظيمي
ويبدو ان من اسرار قوة الحركة ضبابية وضعها التنظيمي، و في حوار مع صحيفة نيويورك تايمز الاميركية نشر في 13حزيران 2010 يقول فتح الله «ان دوري في الحركة محدود للغاية،فليس فيها زعامة او مركزية او وسطية او تسلسل وظيفي».
ورغم زخم البرنامج الذي اعد للوفد الزائر، وكثافة الزيارات للمؤسسات على اختلاف انشطتها وكثرة الحوارات مع المسؤولين في الحركة في مختلف مواقعهم ظل السؤال معلقا، ما هو الاطار التنظيمي الذي يجمع كل هذه المؤسسات التي تستطيع ادارة دولة ،بقدرات مالية هائلة ،هم ينفون وجود اي تنظيم سري ،فكل شيء مكشوف امام الحكومات،ينتهجون سياسة التلطف بعيدا عن العنف او الاستفزاز او اقصاء الاخرين .يعتمدون في ادارة مؤسساتهم على اقامة شركات تدير نفسها، لكن كيف يتم التنسيق بين هذه المنظومة وكيف يتم توزيع الادوار؟ لم نجد اجابة ، لكن يمكن التقاط احد الخيوط في جزئية سمعناها من احد المسؤولين فيما يتعلق بالعملية التعليمية ،حيث يجتمع مدراء المدارس والمدراء العامين 5 مرات في السنة، ويقيمون دورات تدريبية ضمن التخصصات ،كل مدرس يقدم خبرته ، ويتم جمع الخبرات وتعميهما على المدارس.وذلك بما ينسحب على بقية المؤسسات.
هي تجربة فريدة من نوعها،ثمة تجارب صغيرة في عالمنا العربي والاسلامي مثل حزب الله الذي يشبه» دويلة صغيرة « بما يملكه من مؤسسات ومشروعات متنوعة في لبنان، لكنه يمتلك السلاح ومنخرط في العمل السياسي اليومي ، ولا يستطيع الانتشار خارج لبنان بسبب طبيعته المذهبية ،اما حركة الاخوان المسلمين، وما افرزته من تنظيمات وانشقاقات ، لا شك انها حققت بعض النجاحات ، من خلال اقامة مشروعات تعليمية وصحية وخيرية ،لكن الحركة التي أسسها حسن البنا تبدو قزما امام ما حققته حركة فتح الله ، من انجازات عابرة للقارات .والاسلام بطبيعته عابر للثقافات والاعراق .
وربما خطأ الاخوان المسلمين الاساسي، انهم استعجلوا دخول معترك السياسة وتفاصيلها اليومية وما يرافقها من بيئة فاسدة وصراع وتنافس مع القوى الاخرى ، وهو ما تجنبته حركة فتح الله كولن ، وهو نموذج نجاح يمكن ان يكون قدوة في الحياة ،عندما تتوفر الفكرة والرؤيا الواضحة والارادة القوية وثقافة التطوع بالعمل والمال ،في سبيل النهوض بالمجتمع .
هذه ليست دعاية ،فالمراقب المنصف عندما يلمس انجازات تتحدث عن نفسها ، مهما اختلف في الرأي مع الجهة صاحبة الانجاز، لا يملك الا ان تحترمها .
فتح الله في أميركا
لماذا يعيش فتح الله في بيت بسيط بولاية بنسلفانيا الاميركية، منذ تسعينيات القرن الماضي ، ذلك سؤال محير للكثيرين ؟ لكنهم لا يعدمون الاجابة ، يقولون انه يخضع للعلاج هناك ، وفي نفس الوقت يقدم دروسا دينية في حلقات صغيرة،وقد تعرض لمضايقات بينها دعوى قضائية رفعت ضده بتهمة التحريض على الارهاب و كسب القضية،لكن بعيدا عن تلقي العلاج فان تلاميذه ومحبيه يقومون بزيارته بصورة مستمرة ،ويبدو ان السر في بقائه هناك هو الاطمئنان الى دينامية الحركة ، وهو لا يريد ان يكون وجوده في تركيا عنصر استفزاز للاخرين ، وذريعة للقوى العلمانية والقومية المتشددة ،ومشجبا يعلقون عليه اي شيء قد يحدث .
وينقل عنه احد تلاميذه الذي زار ه مؤخرا ،عدم تحمسه للثورة المصرية التي اطاحت بنظام مبارك،وفي ذلك نختلف معه ،وهو يعتبر ما حدث مجرد تغيير قشور ! و ان الثورة الحقيقية كالامواج القوية تأتي من عمق البحر ، بمعنى ان الثورة يجب ان تكون ثمرة تغيير حقيقي في المجتمع، وهو ما لم يحدث في مصر حسب رأيه.