الإسلاميون في سدة الحكم

27/12/2011

مركز الرأي للدراسات

اعداد : أ.د. بسام العموش

كانون الاول 2011

جلب الربيع العربي حركات الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في عدة أقطار على غرار وصول الإسلاميين الإيرانيين عام 1979م والأتراك في بداية التسعينات، وصل الخميني ولا تزال مجموعته هي المسيطرة على إيران بل وتحاول التمدد، واستطاعت بناء دولة إقليمية محورية لا يستطيع أن يتجاهلها محبوها أو مبغضوها من الشرق أو الغرب على حد سواء.

ويُحكم اليوم حزبُ العدالة والتنمية ( الإسلامي ) قبضته على تركيا بعد كفاح طويل ومرير للعلمانية والعسكر حيث تمكن رجب طيب أردوغان تلميذ المرحوم نجم الدين أربكان من السيطرة على البرلمان والحكومة ورئاسة الدولة التركية وراح يمارس دوراً إقليمياً بارزاً ظهر في الموضوع الفلسطيني والقضية السورية الأخيرة مع احتفاظه بعلاقات قوية بالدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة باستثناء الكراهية الشخصية من رئيس فرنسا ساركوزي لشخص أردوغان.

لقد قَلَبَتْ عربةُ محمد البوعزيزي الطاولةَ على رؤوس قادة حاكمين في عمل دراماتيكي مفاجئ للغرب والشرق والحكام والأحزاب وكافة المحللين والمراقبين السياسيين، وأشتعل الشارع العربي معبراً عن غضب دفين لعشرات السنين ملأ نفوسهم وكظم غيظهم فلما حانت لحظة الحرية وفرصة التعبير انفجر بركان هادر لا يبقى ولا يذر فأطاح برئيس تونس ومصر وليبيا واليمن وربما سوريا في وقت قريب.

والدول التي كانت محل حراك شعبي لم يصل إلى مرحلة الثورة كالأردن والمغرب والكويت حصلت فيها تغييرات تمثل ضربات استباقية في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي حيث راحت السلطة تقدم التنازلات استرضاءً للشارع الثائر فأعيدت صياغة الدساتير وشكل هذا أمراً إيجابياً بالرغم من عدم كفايته ووصوله إلى الحد المطلوب.

تونس والمغرب

جرت انتخابات في تونس والمغرب ففاز حزب النهضة التونسية بزعامة راشد الغنوشي ( إخوان مسلمون ) وفاز حزب العدالة والتنمية المغربي بزعامة عبدالإله بنكيران 0 (إسلاميون لا ينتمون للإخوان المسلمين لكن فكرهم متقارب معهم ) شكل حزب النهضة الحكومة وضرب راشد الغنوشي مثالاً فريداً في عدم زحفه شخصياً نحو السلطة بل أسند المهمة لنائبه ، والأهم من هذا أنه أعلن عن نهج ديمقراطي حضاري في التعاون مع الأحزاب الأخرى ودعوتهم لمشاركة النهضة سلطة الحكم كما كانوا شركاء في الزنازين على حد تعبيره وأجاب على الأسئلة التي يطرحها الناس والمراقبون على الإسلاميين: ما هو نهجهم تجاه الحريات والمرأة والعلاقات الدولية وصارت تونس (النهضة) معبرة عن أسلوب فريد مطمئن للداخل والخارج وأثنى الغرب ومنه فرنسا على توجه الإسلاميين.

ولا يختلف كثيراً على ما طرحه الغنوشي عما يؤمن به الإسلاميون في المغرب حيث مهّدوا لعملهم بالتحالف والتعاون مع الآخر، وشرح صورتهم وتصورهم للدول الأوروبية وللولايات المتحدة مؤكدين على ديمقراطية النهج وأسلوب الحكم الإصلاحي الذي سيسيرون، فيه لقد أكدوا بهذا على نجاح ( الفكر الإصلاحي ) بخلاف ( الفكر الغاضب المفاصل الذي تتبناه جماعة العدل والإحسان التي يقودها الشيخ عبد السلام ياسين). وبعث جوبيه وزير خارجية فرنسا رسالة تهنئة لعبدالله بنكيران بمناسبة تكليف الملك له بتشكيل الحكومة .

والسؤال الذي نطرحه في هذا المجال يبحث في انطباق الحالة في الشمال الإفريقي مع حالة الإسلاميين في المشرق أم أن الأمر مختلف؟ فقد سمعنا صوت الإسلاميين في ليبيا يتحدث بأسلوب حضاري يخدم الدول الغربية ويؤكد على الإصلاح بالرغم من دموية المشهد الليبي، وهي دموية فرضها نظام القذافي على الشعب الطيب المسالم الذي لم يجد بداً من حمل السلاح لنيل حرياته وكرامته من ذاك الطاغوت المتجبر، ودعمت الدول الغربية رأس الثورة الليبية الإسلامي مصطفى عبد الجليل واطمأنت على التوجهات التي ستنفذ في طرابلس وليبيا المستقبل.

هاهم إسلاميو مصر ( الإخوان والسلفيون ) يحصدون 65% من الأصوات مما يعني السيطرة على مقاليد الأمور فهل سيطرحون على الساحة المصرية ما طرحه إسلاميو المغرب وتونس وليبيا؟!.

هذا السؤال ستجيب عليه الأيام القادمة بالرغم من تأكيد بعض القيادات الإسلامية نهج المشاركة والتعاون بعيداً عن التفرد والإقصاء.

هذا التأكيد نظري لكنه سيكون على المحك خلال أسابيع، وفي ظني أن الإسلاميين لا يستطيعون التنكر لما قالوه قبل سنين عدة حيث صدر عن (التنظيم الدولي للإخوان المسلمين) وثيقتان هامتان واحدة حول الانتخابات والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والاحتكام لصناديق الاقتراع، والثانية حول موقف الإسلاميين من المرأة وهو موقف حضاري عصري ضمن ثوابت الالتزام الشرعي.

الإخوان والسلفيين

لكن المقلق في المشهد المصري هو (المجموعة السلفية) التي تأخذ على الإخوان مآخذ عدة وتراهم متنازلين وبراغماتيين أكثر من اللزوم!! فهل سيقع الخلاف بين الطرفين ؟ هذا أمر متوقع وهو ما قد تراهن على الأحزاب المنافسة الأخرى. لكننا لا نستطيع أن نجزم في مسألة الصراع بل لا بد من وضع احتمال بحث الطرفين (
الإخوان والسلفيين) عن القواسم المشتركة والعمل من خلالها، وترك المختلف فيه لمراحل لاحقة وهو نهج أكد عليه مؤسس جماعة الإخوان الشهيد حسن البنا حين قال (نعمل فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه).

والأخطر في كل المشاهد الإسلامية في الأقطار العربية هو التساؤل عن قدرة الإسلاميين على الحكم؟ هل ما كانوا يقولونه من مبادئ سيتبخر تحت مطارق الواقع؟ هل سيركنون إلى (فقه الواقع) و(فقه الاستطاعة) (وفن الممكن) لتبرير الأداء عن الطموح الفكري والمبادئ التي حملوها عشرات السنين؟

من المؤكد أن الأنظمة التي حكمت قبل الإسلاميين لم تقدم البلاد على طبق من ذهب، فقد أغرقت البلاد في المديونية العالية والبطالة والفساد والفقر، واعتاد الناس على مناهج تعليمية وقوانين وضعية مخالفة للإسلام، ناهيك عن إعلام مناقض للفكر الإسلامي والخلق التربوي فهل سيغير الإسلاميون هذا في يوم وليلة؟ أم سيبقون على ما وجدوه وبهذا يكون كل كلامهم مجرد خطابات وشعارات تصلح في التظاهرات والمسيرات والمهرجانات؟!.

إذا كان الإسلاميون يعتقدون أنهم أصحاب مشروع حضاري فعليهم أن لا يستعجلوا الأمور لأن الحمل ثقيل والتركة ضخمة والمسافة بين النظرية والواقع كبيرة، لكن الهدف غير مستحيل ويمكن تحقيقه عبر نفس طويل يراعي الإمكانات والعلاقات الداخلية والخارجية دون إغفال رغبة الجمهور الذي أوصلهم والذي ينتظر منهم الشيء الكثير.
لابد من لمسات ظاهرية يراها عوام الناس، ولكن العمل الاستراتيجي هو المهم. لابد من إرسال الرسائل للداخل السياسي بأن الإسلاميين لن يكونوا استئصاليين حتى مع الذين حالوا استئصالهم، فالإسلام يتحدث عن العفو والصفح وكظم الغيظ وثقافة الحركات الإسلامية عموماً عنوانها (اذهبوا فأنتم الطلقاء).

القوي الأمين

ولا بد من الانتباه إلى فكرة (القوي الأمين) وليس مجرد (الأمين) بل لابد من اعتماد الخبراء والفنيين وإشراكهم في المشروع الحضاري لكل قطر حتى تكون نهضة إسلامية شاملة في كل الأقطار لتكون لحظة البدء في بحث (الأمة) عن ذاتها وهيبتها وكرامتها بين الأمم.

إن العقل الحزبي جد خطير في هذه المسألة إذ التفكير في مرحلة (الدعوة) مختلف عن التفكير في مرحلة (الدولة)، فالإسلاميون اليوم مسؤولون عن كل الشعب: مسلمه وغير مسلمه، الموافق والمعارض، الرجل والمرأة، الخلوق والنمرود، ... وهنا نطلب من الإسلاميين تذكر قول الله تعالى (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) فالحكم للناس جميعاً وليس لأفراد حزب أو تيار.

وعلى الإسلاميين أن يرسلوا رسائل للخارج فالعلاقات الدولية ليست رغبة إرادية بل هي ضرورة حياتية سياسية واقتصادية.

وأغبى الناس هو من يضرب على نفسه الحصار من تلقاء نفسه. إن العلاقات الدولية تقوم على التعاون والمصالح، ولا تستقيم أوضاع الدول التي تقفل على نفسها فلم يعد اليوم مجال للستار الحديدي وإغلاق الأجواء بل صار العالم قرية مشرعة الأبواب والجميع يعلم أن (الفيس بوك) هو الذي أشعل الثورات وأن كاميرات الأجهزة الخلوية صارت سلطة إعلامية لا تستطيع الأنظمة البوليسية السيطرة عليها (مثال ذلك سوريا).

المطلوب من الإسلاميين التعامل بواقعية فحرق الأعلام الأمريكية في مرحلة التظاهر شيء، واحترامها في مرحلة الدولة شيء آخرى.

لابد أن تبحث الدول عن مصالحها وتدرس قوتها وتقرأ قراءة واعية مجريات العلاقات الدولية وأن تقابل المكر بمكر مثله وأن تجابه التخطيط بتخطيط وليس بالسباب والشتائم.

إن تحديد مشكلات الدولة هو الأساس في رحلة الإصلاح فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا تصور الإسلاميون الوضع على حقيقته باشروا في وضع العلاج وسيجدون أن من الأمراض ما يحتاج إلى علاج طويل وربما هناك أمراض مزمنة.

إن الرهان الأول هو إقناع الناس بهم في الداخل والخارج وبعدها سيتم الانطلاق نحو الأهداف في معالجة المديونية والفقر والبطالة والتعليم والإعلام وغير ذلك.

أما القوى المنافسة فالمطلوب منها أن تشارك أو تعارض وبخاصة تلك الاتجاهات التي حكمت ومارست السلطة حيث تقوم بترسيخ مبدأ تداول السلطة وأن التنافس السياسي لا يكون عبر انقلابات إذا أردنا أن نلحق بركب الأمم المتحضرة حيث يقلب الشارع الانتخابي عبر الصناديق سلطة الحكم بين الجمهوريين والديمقراطيين أو بين العمال والمحافظين على سبيل المثال. لم يعد مقبولاً إقصاء أي اتجاه بل يجب إعطاء الفرصة لمن يبني فإذا فشل فالصناديق هي التي ستحكم وتقرر وهذا ما نأمله.

إن المرحلة الأولى لنهضة الأمة تتمثل في اعتراف الجميع بالجميع. فالإسلاميون رقم صعب وهام ولا يمكن تجاهله، ولا يمكن لسنين خلت من الاضطهاد أن تعود، ولو اعترف نظام حسني مبارك بالإخوان لكان وضع مصر غير ما هي عليه.

فكيف يغلق نظام عينيه ويصر على عدم ترخيص الإسلاميين بينما لهم ما يقرب من تسعين نائباً رغم التزوير الذي كان يتم؟!.

إن أنظمة الحكم مدعوة للاعتراف بالإسلاميين كقوة شعبية وفكرية وسياسية، وعلى الإسلاميين أن يعترفوا بحجم المشكلات وأن لا ينفردوا بالسلطة فهم لم يمارسوها سابقاً ولا شك أنهم بحاجة إلى فترة من الزمن يتعرفون فيها على حكم الشعوب الذي هو أمر مختلف عن الخطابة في الشعوب.

وإن الغرب قد بدأ رحلة مبكرة في الاعتراف بالإسلاميين، وصار الإسلام السياسي أمراً مقبولاً عندهم بعد أن ميزوا بين هذا النوع من الإسلاميين والأنواع الأخرى التكفيرية والدموية كتنظيم القاعدة مثلاً، وقد رأينا رؤساء أمريكيين يقيمون افطارات رمضان ويستقبلون قيادات في العمل الإسلامي.

لقد ذهب الذين اضطهدوا الإسلاميين في تونس ومصر وليبيا وبقي الإسلاميون وصار لهم مدٌ أكبر وأعرض، وكانت أمتنا بخير لو وفّرت الدماء والأشلاء وعمرت المدارس بدل السجون واعتمدت الحوار بدل المشانق والسجون.

إننا أمام مرحلة جديدة تتطلب منا إعادة النظر فيما فعلناه سابقاً لعلنا نستشرف مستقبلاً أفضل لشعوبنا وأمتنا لنكون شيئاً مهماً مؤثراً بين الأمم.