مركز الرأي للدراسات
اعداد : المحامي د.محمد ملحم
ايلول 2013
تكمن مصلحة الوطن في أن يكون الأردن سباقاً ورائداً في حماية أمنه القومي، وتكمن مصلحة المواطن أن يكون له الحق في الحرية وعدم المساس بكرامته وحمايته وصون ممتلكاته.
من هذا المنطلق تتضمن هذه الدراسة ثلاثة محاور:
1- المحكمة الدستورية
بعد إقرار قانون المحكمة الدستورية لعام 2012 وصدور الإرادة الملكية بذلك وفق أحكام المادة 31 من الدستور، طُبق القانون في مطلع تشرين الأول 2012.
وعلى ضوء ما بدأ يظهر عند تطبيق أحكام هذا القانون، إضافة إلى ما كان متوقعا، فإن هناك بعض الملاحظات، أولها حق الطعن في القوانين التي تخالف الدستور، والذي مُنح لمجالس الوزراء والأعيان والنواب، وحالة الدفع الفرعي في قضية منظورة أمام المحاكم (الدفع الجدي) والذي ورد في المواد 9 و10 و11 من قانون المحكمة الدستورية.
يكمن ذلك في صحة الطعن عندما يتم من قبل مجلس النواب أو مجلس الأعيان تحديداً، كيف سيتم الطعن؟ هل سيتم بقرار من رئيس المجلس مباشرة أو من المجلس بالتصويت؟ وإذا كان من الرئيس مباشرة فتلك مخالفة للدستور، وإذا كان بالرجوع إلى المجلس فهل يكون التصويت بالأغلبية المطلقة (50+1) أم بالأغلبيه التامة (ثلثا أعضاء المجلس من الحاضرين)، أم مجموع المجلس؟
أما السوابق في ذلك، فإن الطعن في دستورية القوانين في المحاكم الدستورية البلجيكية والهولندية والروسية والهندية يتم بالإحالة المباشرة إلى المحكمة الدستورية لإعطاء الرأي الاستشاري، ثم إذا ما تراءى لأحد المجلسين النواب/ الشيوخ، فإن الطرح يكون بالأغلبية التامة، أي بثلثي الأعضاء للمجلسين وليس الحاضرين، والسبب في هذا الرأي أن الطعن في الدستورية هو أساسا طعن دستوري وتعديل لقانون مهم أو إلغاء لمادة تخالف الدستور، لذا يميل المرء هنا إلى تطبيق نص المادة 126 من الدستور، والتي تمنح حق التعديل لثلثي أعضاء مجلس الأمة.
أما الأمر الآخر، فهو تعيين رئيس المحكمة الدستورية وأعضائها، إذ نصت المادة (6/أ) من القانون على أن يتم التعيين بإرادة ملكية، لكن كيف يتم الاختيار ما قبل الإرادة في ضوء أن المادة (61) من الدستور حددت الشروط بـ: ممن خدموا في محكمتَي التمييز والعدل العليا وأساتذة الجامعات ممن يحملون درجة الأستاذية في القانون والمحامين الذين لا تقل خبرتهم عن 15 سنة وأحد الأعضاء من أحد المختصين ممن تنطبق عليه شروط العضوية في مجلس الأعيان إضافة إلى ألا يقل العمر عن 50 سنة.
والاقتراح هنا أن يتم التنسيب للأعضاء القضاة من المجلس القضائي، ومن رؤساء الجامعات بالنسبة للأساتذة، ومن نقابة المحامين بالنسبة للمحامين، وأن يتم التنسيب من رئيس مجلس الأعيان بالنسبة للقاضي الآخر. فهذا سيحقق العدالة والكفاءة.
هناك بعض الدول أخذت بمبدأ الانتخاب لأعضاء المحكمة الدستورية من قبل مجلس النواب، لكن مراعاة للحس الوطني والقضائي فإن الاختيار و/ أو التنسيب لجلالة الملك من قبل المجلس القضائي ونقابة المحامين ورئاسة الجامعات ورئيس مجلس الأعيان، سيكون الاختيار للأفضل والأجدر والأكفأ.
ولا بد من تعديل النص الوارد في المادة (60) من الدستور، من حيث حالات الطعن ومن لهم الحق في ذلك، على أن يشمل: النقابات المهنية، الأحزاب السياسية، الهيئات المستقلة (ديوان المحاسبة، وهيئة مكافحة الفساد، وديوان المظالم... إلخ)، مؤسسات المجتمع المدني (القطاع النسائي)، أمانة عمان الكبرى والمركز الوطني لحقوق الإنسان.
ويمكن توسيع صلاحيات المحكمة الدستورية إضافة إلى صلاحيات الرقابة والتفسير، بأن يكون لها الحق في التصدي من تلقاء نفسها لأي قانون و/ أو مادة في قانون و/ أو نظام و/ أو مادة في نظام تخالف الدستور.
أما بشأن المحاكم، فيُقترَح أن يكون للقاضي حق التصدي من تلقاء نفسه وإحالة المواد في القانون مباشرة إلى المحكمة الدستورية.
ولا بد من إلغاء النص الخاص بالإحالة إلى محكمة التمييز، لأن ذلك -ابتداءً- يخالف الدستور، إضافة إلى إظهاره نتائج سلبية خلال التطبيق العملي. ومن الاقتراحات أيضاً: حق الطعن المباشر في الدعوى القائمة من دون أن يكون للقاضي الحق في قبول الطعن من عدمه، بل له فقط تكليف الطاعن بتقديم كفالة عدلية خلال مدة محددة، وهذا معمول به في كثير من المحاكم الدستورية مثل المحكمة الدستورية بمصر.
ومن حيث السن، يُقترح أن يتم تعديل القانون بحيث لا يقل عمر من يحق له ممارسة القضاء الدستوري عن (45) سنة بدلاً من (50) سنة.
2- ديوان المظالم
ديوان المظالم هو المكان الذي يقدم إليه صاحب المظلمة مظلمته ويناجي من خلالها ولي الأمر طلباً لإنصافه من ظلم يعتقد أنه أصابه أو وقع عليه أو على أحد أفراد أسرته. وكان أول من انتهجه الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي يقال إنه تولى هذا الأمر بنفسه، أما الخليفة هارون الرشيد فقد تولى ديوان المظالم في زمنه قاضي القضاة، في حين أن الخليفة في الأستانة زمن الدولة العثمانية، نظم أعمال الديوان من خلال نظام امتاز بالحداثة في أسلوب التطبيق، وأُخذ أساس النظام من الفقه الإسلامي، وطبقت الكثير من مواد مجلة "الأحكام العدلية"، وبقي هذا الأمر إلى عام 1892 في عهد السلطان سليم الثاني، وكان ذلك تحت الإشراف المباشر من قاضي القضاة في الدولة العثمانية.
أما في أوروبا، فلا يوجد بصريح النص قانون لديوان المظالم، ولكن هناك هيئات المجتمع المدني والنقابات ولجان حقوق الطفل والمرأة وقوانين حماية العمال ومجالس حقوق الإنسان التي تسعى لرفع الظلم. وهذا ما ينطبق على الكثير من دول العالم التي أخذ المجتمع فيها دورا في الدفاع عن الحقوق الأساسية والتبعية للإنسان والموظف والعامل.
ويشار هنا إلى أن دولة السويد طبقت نظام وقانون ديوان المظالم وأخذت بهذه الفكرة من خلال رد الجميل للدولة العثمانية التي استضافت الملك السويدي تشارلز الثاني عشر وإعادته إلى ملكه عام 1805.
ويخلص المرء من هذا الاستعراض التاريخي الى أن ديوان المظالم ليس من مستحدثات الفكر الغربي، ولكنه من ينبوع الفكر الإسلامي.
وفي الأردن، صدر قانون ديوان المظالم رقم 11 لسنة 2008 الذي أقره مجلسا الأعيان والنواب بمقتضى المادة 31 من الدستور وعُمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. يشتمل القانون على مواد تتعلق بـ: رئيس الديوان، وصلاحياته، وواجباته، وشروط تعيينه، ومساعديه، والموظفين العاملين في الديوان.
يتناول هذا القسم في بعده الأول: مهام الديوان وفق أحكام المادتين 12 و14 من القانون، مقارنة مهام الديوان مع صلاحيات محكمة العدل العليا، مقارنة مهام الديوان مع صلاحيات ديوان المحاسبة، مقارنة مهام الديوان مع مهام المركز الوطني لحقوق الإنسان، ومدى توافق مهام الديوان أو تعارضها مع الدستور.
أما البعد الثاني الدولي فيستعرض قانون ديوان المظالم في السعودية:
- مهام الديوان
تنص المادة 12 من قانون ديوان المظالم رقم 11 لسنة 82 على ما يلي:
"يتولى الديوان المهام والصلاحيات التالية:
أ- النظر في الشكاوى المتعلقة بأي من القرارات أو الإجراءات أو الممارسات أو أفعال الامتناع عن أي منها الصادرة عن الإدارة العامة أو موظفيها ولا تقبل أي شكوى ضد الإدارة العامة إذا كان مجال الطعن بها قائماً قانوناً، أمام أي جهة ادارية أو قضائية أو إذا كان موضوعها منظوراً أمام أي جهة قضائية أو تم صدور حكم قضائي فيها.
ب- التوصية بتبسيط الإجراءات الإدارية لغايات تمكين المواطنين من الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الإدارة العامة بفاعلية ويسر وذلك من خلال ما يقدم إليه من شكاوى بهذا الخصوص".
بالتدقيق في هذا النص وفق الفقرة (أ) فإن اختصاص ديوان المظالم ومهامه تنحصر في النظر في الشكاوى المتعلقة بأي من القرارات أو الإجراءات أو الممارسات أو أفعال الامتناع عن أي منها الصادرة عن الإدارة العامة أو موظفيها.
بمعنى أن الشق الأول يتعلق في قرارات وإجراءات وممارسات وحالات الامتناع، فيما يتضمن الشق الثاني أن تلك الأفعال يُشترط أن تصدر من أشخاص الإدارة العامة أو موظفيها.
أما القيد المهم في هذا النص فجاء: "ولا تقبل أي شكوى ضد الإدارة العامة إذا كان مجال الطعن بها قائماً قانوناً أمام أي جهة إدارية أو قضائية أو إذا كان موضوعها منظوراً أمام أي جهة قضائية أو تم صدور حكم قضائي فيها".
هنا القيد جاء بصريح النص من أنه لا يمكن إعماله إذا كان الأمر يمكن الطعن فيه أمام القضاء أو الإدارة. بمعنى أن التظلم لا يمكن تقديمه إلى القضاء إذا كانت هناك فرصة للطعن أمام القضاء المدني والجزائي والإداري على حد سواء، وكذلك التظلم لدى الإدارة إذا كان قانون الإدارة العامة ونظام العمل فيها يسمح، وعلى سبيل المثال الاعتراض على القرارات الإدارية التمهيدية أو حالات الاعتراض على التقارير السنوية أو ما شابه، فإنه لا يمكن للموظف أن يتقدم بتظلمه إلى ديوان المظالم إذا كانت مظلمته ضمن الحدود التي رسمها القانون وأشير إليها أعلاه.
أما موضوع أن يكون الأمر منظوراً أمام القضاء فهذا تحصيل حاصل، لا يصح الطعن في أمر معروض على القضاء، وهذا الأمر مستقر قضاءً وإدارةً.
أما الفقرة (ب) من المادة 12 التي تتضمن التوصية بتبسيط الإجراءات الإدارية لغايات تمكين المواطنين من الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الإدارة بيسر وفاعلية، فهي فكرة جيدة من أجل الخروج من الروتين القاتل لبعض الإدارات، إلا أن النص جاء عاجزاً عن حالة إجبار الإدارة للتسهيل على المواطنين، لذلك فهو بحاجة إلى تفعيل من خلال الأنظمة بحيث تكون قرارات الديوان ملزمة للإدارة مع أن الفقرة (د) من المادة 15 أعطت الحق لرئيس ديوان المظالم مخاطبة رئيس الوزراء ووضعه بصورة عدم تعاون الدائرة معه في موضوع البيانات والمعلومات التي يرغب الاطلاع عليها والسؤال هنا: ما الإجراءات اللازمة التي سيقوم بها رئيس الوزراء مع ملاحظة عبء المسؤولية الملقاة على عاتقه بوصفه رئيس السلطة التنفيذية؟
وجاء في المادة 14:
"أ- يحق لأي متضرر من أي من قرارات الإدارة العامة أو الإجراءات أو الممارسات أو أفعال الامتناع عن أي منها أن يتقدم بالشكوى في مواجهة الإدارة العامة أمام الديوان وفق الأحوال والإجراءات المبينة في هذا القانون.
ب- يباشر الديوان التحقق من الشكاوى والتظلمات المقدمة إليه بموجب نموذج معتمد لهذة الغاية يشتمل على موجز عن وقائعها وأسبابها والجهة التي أصدرتها معززا بالوثائق والمستندات المؤيدة لها إن وجدت، على أن يكون هذا النموذج موقّعا من مقدم الشكوى أو ممثله القانوني.
ج- يصدر رئيس الديوان قراره بقبول الشكوى المقدمة إليه أو رفضها على أن يكون قراره معللا ومسبباً في أي من الحالتين".
هذه المادة رسمت طريق التظلم من حيث الحق في تقديم الشكوى وفق النموذج المعتمد ومباشرة الديوان للتحقيق بالشكوى والبينة التي يجب أن تقدَّم معززة بالوثائق والمستندات المؤيدة والجهة التي أصدرتها وأن يكون موقّعاً من المشتكي أو من يمثله قانوناً.
- محكمة العدل العليا
ورد في المادة 100 من الدستور: "تُعَين أنواع المحاكم ودرجاتها وأقسامها واختصاصاتها وكيفية إدارتها بقانون خاص، على أن ينص هذا القانون على إنشاء محكمة عدل عليا". وبالرجوع إلى قانون محكمة العدل العليا رقم 12 لسنة 1992 وتعديلاته رقم 2 لسنة 2000 وتحديداً المادة 9 التي جاء فيها: "تختص المحكمة دون غيرها في الطعون المقدمة من ذوي المصلحة" والمتعلقه بما يلي:
"1- الطعون بنتائج انتخابات مجالس الهيئات التالية: البلديات، غرف الصناعة والتجارة والنقابات، والجمعيات والنوادي المسجلة في المملكة، وفي سائر الطعون الانتخابية التي تجري وفق القوانين والأنظمة النافذة المفعول.
2- الطعون التي يقدمها ذوو الشأن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو المتعلقة بالزيادة السنوية، أو بالترفيع أو بالنقل أو الانتداب أو الإعارة.
3- طلبات الموظفين العموميين بإلغاء القرارات النهائية الصادرة بإحالتهم على التقاعد أو الاستيداع أو بفصلهم من وظائفهم أو فقدانهم لها أو إيقافهم عن العمل بغير الطريق القانوني.
4- طلبات الموظفين العموميين بإلغاء القرارات النهائية الصادرة بحقهم من قبل السلطات التأديبية.
5- المنازعات الخاصة بالرواتب والعلاوات والحقوق التقاعدية المستحقة للموظفين العموميين أو للمتقاعدين منهم أو لورثتهم.
6- الطعون التي يقدمها أي متضرر بطلب إلغاء أي قرار أو إجراء بموجب أي قانون يخالف الدستور أو أي نظام يخالف الدستور أو القانون.
7- الطعون التي يقدمها أي متضرر بطلب وقف العمل بأحكام أي قانون مؤقت مخالف للدستور أو نظام مخالف للقانون أو الدستور.
8- الطعون والمنازعات والمسائل التي تعدّ من اختصاص المحكمة بموجب أي قانون آخر.
9- الدعاوى التي يقدمها الأفراد والهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية.
10- الطعن في أي قرار إداري نهائي حتى لو كان محصّنا بالقانون الصادر بمقتضاه.
11- الطعن في أي قرارات نهائية صادرة عن جهات إدارية ذات اختصاص قضائي في ما عدا القرارات الصادرة عن هيئات التوفيق والتحكيم في منازعات العمل.
- تختص المحكمة في طلبات التعويض عن القرارات والإجراءات المنصوص عليها في الفقرة (أ) السابقة سواء رفعت إليها بصفة أصلية أو تبعية".
وبالتدقيق في النص أعلاه ومقارنته بنص المادتين 12 و14 من قانون ديوان المظالم، فإن محكمة العدل العليا تختص اختصاصاً محدداً بالطعن من ذوي المصلحة في أمور محددة حصراً، أما قانون ديوان المظالم فإن النصوص جاءت فيه فضفاضة، وبالتالي فإن مسألة التمييز ما بين عدم جواز الطعن أو التظلم إذا كان مرده القضاء أو معروض على القضاء فيها لبس وغموض يجب إزالته.
- المركز الوطني لحقوق الإنسان
صدر قانون المركز الوطني لحقوق الإنسان في عام 2002 بموجب القانون المؤقت رقم 75 لسنة 2002، وتم إقراره عام 2003 ضمن مجموعة قوانين بعد إجراء بعض التعديلات. ومن أهم ما جاء فيه من حيث الأهداف والواجبات، تلك الواردة في المادتين 4 و5 من القانون من مثل: تعزيز مبادئ حقوق الإنسان باستلهامها رسالة الإسلام رسالة التسامح، وترسيخ هذه المبادئ وتعزيز النهج الديمقراطي والتحقق من مراعاة حقوق الإنسان وتدريسها وعقد المحاضرات والندوات وتبادل المعلومات والخبرات ووضع التوصيات والاقتراحات.
وقد نهض المركز وبمنتهى المسؤولية بواجباته، وهو يقدم تقاريره بشكل منتظم.
وكما يتبين للقارئ، فإن البعد الإنساني هو طابع المركز الوطني، والبعد الإداري والقانوني هو طابع ديوان المظالم. وقد يكون هناك بعض التقاطعات في الواجبات لكل منهما، لكنهما في النتيجة مختلفان في المهام، وقد لا يوصف بأنهما مكملان لبعضهما بعضا.
- ديوان المحاسبة
لأهمية ديوان المحاسبة، فقد نُصّ على إنشائه في المادة 119/1 و2 من الدستور، والتي جاء فيها: "يشكل قانون ديوان المحاسبة لمراقبة إيراد الدولة ونفقاتها وطرق صرفها:
1. يقدم ديوان المحاسبة إلى مجلس النواب تقريراً عاماً يتضمن آراءه وملحوظاته وبيان المخالفات المرتكبة والمسؤولية المترتبة عليها وذلك في بدء كل دورة عادية أو كلما طلب مجلس النواب منه ذلك.
2. ينص القانون على حصانة رئيس ديوان المحاسبة".
وبالرجوع إلى القانون رقم 28 لسنة 52 والمؤقت رقم 3 لسنة 2000 وتعديلاته بعد إقراره عام 2002 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 1105 في 16/4/52 والجريدة الرسمية عدد 4533 في 17/2/2002، جاء في مهام الديوان وفق المواد 2 و3 و4: إنه دائرة مستقلة وظيفته مراقبة واردات الدولة ونفقاتها وحساب الأمانات والسلفات والقروض والمستودعات وتقديم المشورة في المجالات المحاسبية والرقابة على الأموال العامة.
وتشمل الرقابةُ الوزاراتِ والدوائر والمؤسسات العامة والبلديات وأي جهة يقرر مجلس الوزراء رقابة الديوان عليها، حيث جاء في المادة الخامسة من قانون ديوان المحاسبة ما يلي:
"أ- يعين رئيس ديوان المحاسبة براتب الوزير العامل وعلاواته، ويمارس صلاحيات الوزير في تنظيم الديوان وإدارة أعماله ومراقبة إنفاق مخصصاته وفي تعيين الموظفين وترفيعهم ونقلهم ومنحهم الإجازات وفي ما يتعلق بتطبيق نظام الانتقال والسفر عليهم وإحالتهم على التقاعد واتخاذ الإجراءات التأديبية بحقهم.
ب- عند تغيب رئيس ديوان المحاسبة ينوب عنه في ممارسة صلاحياته وكيل ديوان المحاسبة".
بالتدقيق في هذا نص المادة 5 من قانون ديوان المحاسبة، فإن حصانة رئيس ديوان المحاسبة جاءت بشكل مباشر، وهي عدم جواز عزله أو نقله أو إحالته على التقاعد أو فرض عقوبات مسلكية عليه إلا بموافقة مجلس النواب إذا كان المجلس مجتمعاً أو بموافقة الملك بناء على تنسيب مجلس الوزراء إذا كان المجلس غير مجتمع.
إن رقابة ديوان المحاسبة هي رقابة مالية محضة وتندرج تحت مظلة المحافظة على المال العام، وإن الأهمية القصوى للديوان هي تلك الحصانة الممنوحة لرئيسه، أما من حيث الواجبات والمهام فهي مالية بحتة، في حين أن مهام ديوان المظالم إدارية وقانونية إلى حد ما.
لقد خطا الأردن خطوات واسعة في مجال الرقابة العامة، مثل إنشاء هيئة مكافحة الفساد التي سبقها ديوان الرقابة والتفتيش الذي حُلّ في عام 2002، وكذلك إنشاء وزارة تطوير القطاع العام ومركز المظالم التابع لمديرية الامن العام. كل هذه الأمور تجعل التوجهات سليمة من الناحيتين القانونية والدستورية، ورغم كثرة التشعبات وتداخل الاختصاصات وعدم وضوح الرؤية أحيانا إلا أنها تصب بالنتيجة في مصلحة الدولة والمواطن.
- السند الدستوري لإنشاء ديوان المظالم
رغم عدم وجود نص صريح في الدستور لإنشاء ديوان للمظالم، إلا أن الدستور أشار إلى حق المواطن في التظلم ومخاطبة السلطات في ما ينوبه، حيث جاء في المادة 17: "للأردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة في ما ينوبهم من أمور شخصية أو في ما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون". وعليه، فإن قانون ديوان المظالم وبقية المراكز المشار إليها سابقا تستمد قانونيتها من هذا النص الدستوري.
أما البعد الثاني (الدولي)، فيتضمن إجراء مقارنة ما بين ديواني المظالم في الأردن والسعودية، حيث هنالك بعض الفروقات في الاختصاصات ومدى قدرة ديوان المظالم على تحقيق الأهداف المرجوة.
فقد صدر نظام ديوان المظالم في المملكة العربية السعودية، بالمرسوم الملكي رقم م/51 بتاريخ 17/7/1402 هـ ونُشر بالجريده الرسمية (أم القرى) في العدد 2918 بتاريخ 28/7/1402 هـ. ويمكن نقل المواد التالية منه لصلتها المباشرة بهذه الدراسة:
"المادة الأولى: ديوان المظالم هيئة قضاء إداري مستقلة، يرتبط مباشرة بالملك، يتألف من رئيس بمرتبة وزير، ونائب رئيس أو أكثر، وعدد من النواب المساعدين".
"المادة الثالثة: يعين رئيس الديوان وتنتهي خدماته بأمر ملكي، وهو مسؤول مباشر أمام الملك (خادم الحرمين)".
"المادة الثامنة: يختص ديوان المظالم بالفصل بما يلي:
أ. الدعاوى المتعلقة بالحقوق المقررة في نظم الخدمة المدنية والتقاعد لموظفي ومستخدمي الحكومة والأجهزة ذوات الشخصية المعنوية العامة المستقلة أو ورثتهم والمستحقين عنهم.
ب. الدعاوى المقدمة من ذوي الشأن بالطعن في القرارات الإدارية متى كان مرجع الطعن عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة النظم واللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة. ويعدّ في حكم القرار الإداري رفض السلطة الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه طبقاً للأنظمة واللوائح.
ت. دعاوى التعويض الموجهة من ذوي الشأن إلى الحكومة والأشخاص ذوي الشخصية العامة المستقلة بسبب أعمالها.
ث. الدعاوى المقدمة من ذوي الشأن في المنازعات المتعلقة بالعقود التي تكون الحكومة أو أحد الأشخاص المعنوية طرفاً فيها.
ج. الدعاوى التأديبية التي ترفع من هيئة الرقابة والتحقيق.
ح. الدعاوى الجزائية الموجهة ضد المتهمين بارتكاب جرائم التزوير المنصوص عليها نظاماً، والجرائم المنصوص عليها في نظام مكافحة الرشوة، والجرائم المنصوص عليها في المرسوم الملكي رقم 43 وتاريخ 29/11/1377هـ، والجرائم المنصوص عليها في نظام مباشرة الأموال العامة الصادر بالمرسوم الملكي رقم 77 وتاريخ 23/10/1395هـ، وكذلك الدعاوى الجزائية الموجهة ضد المتهمين بارتكاب الجرائم والمخالفات المنصوص عليها في الأنظمة إذا صدر أمر من رئيس مجلس الوزراء إلى الديوان بنظرها.
خ. طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية.
د. الدعاوى التي من اختصاص الديوان بموجب نصوص نظامية خاصة.
ذ. طلب المحاكم الأجنبية إيقاع الحجز التحفظي على ممتلكات أو أموال داخل المملكة".
"المادة التاسعة: لا يجوز لديوان المظالم النظر في الدعاوى المتعلقة بأعمال السيادة، أو الاعتراض على ما يصدر عن المحاكم".
وبذلك، فإن ديوان المظالم في السعودية جهة قضائية إدارية على درجة واحدة، وتتشابه اختصاصته في أمور كثيرة مع قانون محكمة العدل العليا في الأردن.
أما ديوان المظالم في الأردن فهو حديث النشأة ويحتاج إلى وقت كافٍ حتى تستقر صلاحياته وتوجهاته وتوصياته، إذ إن هذا الديوان لا يملك أي صلاحيات تنفيذية ولا يستطيع أن يصدر أحكاما، فهو ليس جهة قضائية ولا جهة إدارة تنفيذية، وكل ما في الأمر أنه يصدر التوصيات ويباشر التحقيقات، ووفق أحكام المواد 18 و 19 و20 فإن الرئيس وبعد استكمال إجراءاته وإذا تضمنت مخالفة القانون أو الاهمال أو عدم الانصاف أو عدم تحقيق المساواة أو غير قانونية أو إهمال أو تقصير أو الخطأ فإنه يقوم بكتابة تقرير مفصل إلى الإدارة المشكو منها، وله الحق في تقديم التوصيات، إضافة إلى أن الرئيس له الحق في تضمين ما ورد من مخالفات ضمن التقرير السنوي بنتائج أعماله.
وبالتالي، فإن ديوان المظالم في ظل قانونه الحالي والأنظمة المعمول بها، لا يمكن أن يساهم في التخفيف من حجم القضايا والشكاوى الإدارية التي يتم تقديمها إلى جهات قضائية سواء كانت إدارية أو غيرها، وإن محكمة العدل العليا خطت خطوات واسعة وأصبحت بصماتها واضحة في استقرار القواعد القانونية الإدارية.
لذلك فإن قانون ديوان المظالم يحتاج إلى التعديلات المشار إليها آنفاً.
3- هيئة مكافحة الفساد
في نظرة قانونية متفحصة وبالاستدلال والمراجعة والتقييم لقانون هيئة مكافحة الفساد رقم 62 لعام 2006، وكذلك لمشروع القانون الموجود في ديوان التشريع وما تم إقراره من قبل مجلس الوزراء حول الأسباب الموجبة وبعض المقالات في الصحف اليومية أو الإلكترونية المنشورة أو غير المنشورة أو التعليقات أو الندوات، فإن القارئ القانوني الجيد الحافظ لحدود القانون والدستور يرى الكثير من المخالفات الدستورية في قانون مكافحة الفساد، وفي الوقت نفسه يلحظ أن هناك إيجابيات كثيرة في القانون. كما يرى تناقضا في النصوص القانونية، إضافة إلى توسيع في الصلاحيات على حساب صلاحيات أخرى وتداخُل في الأحكام والصلاحيات، فقانون هيئة مكافحة الفساد لا يمنحها سلطة قضائية أو صلاحيات الضابطة العدلية كاملة، أو يتيح لها عملاً منظماً لا يسوده التشويش.
ويمكن إبداء الملاحظات التالية على القانون:
بشأن المادة (3/1)، إن ارتباط الهيئة برئيس الوزراء مع الاستقلال المالي والإداري للهيئة لا يستقيمان دستورياً ولا قانونياً، إذ إن الهيئة ستبقى تحت "رحمة" رئيس الوزارء.
أما المادة (4)، الفقرة (د)، والمتعلقة بمكافحة اغتيال الشخصية، فهذا النص يشكل وصاية على الأشخاص مع أن القانون الأردني بشقيه الجزائي والمدني حدد بوضوح حالات الطعن والتقاضي لدى أي متضرر سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا، والنصوص كثيرة جداً في القانون المدني وقانون العقوبات وفق مبدأ التعويض و/ أو العقوبات و/ أو مجتمعين.
وحول المادة (5)، يمكن التوصية بشطب الفقرات (أ وب وج)، لأن قانون العقوبات هو صاحب الحق في ذلك (وليس هيئة مكافحة الفساد).
هذه المادة والفقرات فيها غير دستورية لتناقضها مع حق التقاضي ومبدأ علنية المحاكمات ومبدأ سيادة القانون ومبدأ فصل السلطات.
وبشأن إساءة استعمال السلطة الوارد في الفقرة (هـ)، فهذا من اختصاص محكمة العدل العليا. أما الفقرة (ز) المتعلقة بالأفعال الواردة في الاتفاقيات الدولية، فثمة سؤال بشأنها: هل جميع الاتفاقيات الدولة مصادق عليها من قبل البرلمان؟ وهل تحمّل الاتفاقيات الدولية خزينة الدولة أي أموال أو أنها تُضْعف الصفه السيادية؟ لذلك فإن هذه الفقرة تخالف الدستور.
ويُقترح شطب المادة (6)، فبعد التعديلات الجديدة على الدستور لم يعد أحد فوق القانون، ولم تعد هناك محاكمات استثنائية إلا في حالة انعقاد مجلس النواب من أجل محاكمة النواب في زمن معين، وحبذا لو يتم شطب النص الذي يوقف ملاحقة أعضاء السلطة التشريعية خلال انعقاد دورات المجلس التشريعي.
وتنطوي الفقرة (ب) من المادة (7) على مخالفة دستورية وقانونية لا يمكن تصورها، فمنح هيئة مكافحة الفساد سلطة منع السفر والحجز والتعقب وطلب كف اليد ووقف صرف الرواتب، لا يستقيم أمام دولة القانون، لأن صلاحيات منع السفر أو الحجز هي صلاحيات قانونية محددة في قانون أصول المحاكمات الجزائية في حالات المؤسسات العامة، وفي قانون أصول المحاكمات المدنية فإن الحجز ومنع السفر إلى غير ذلك منظم بقانون من دون المساس بحقوق البشر.
وبشأن الفقرة (د) من المادة (7)، ما القرارات التي ستصدرها الهيئة خلال ثلاثة شهور؟ حيث أن كلمة "قرارات" فضفاضة، ويا حبذا إلغاء النص. أما المادة (11) فيُقترَح إلغاء الفقرة (7) منها والتي جاء فيها: "اتخاذ القرارات اللازمة بخصوص قضايا الفساد بما في ذلك إحالتها للجهات القضائية"، فمن الأفضل لو أن الفقرة تضمنت فقط إحالة قضايا التحقيق في الفساد إلى الجهات القضائية، لأن القانون في المادة 16 يقول: "إن هيئة مكافحة الفساد هي ضابطة عدلية"، فلا يستقيم قرار يصدر من ضابطة عدلية.
كما يُقترَح أن يكون طلب البيانات أو المعلومات الوارد في الفقرة (أ) من المادة (17)، بموافقة المدعي العام. ويمكن شطب المادة الفقرة (ب) من المادة نفسها، لأن الهيئة ليست قضائية حتى تعاقب بالحبس أو الغرامة، ولا بد أن يطبق قانون العقوبات من قبل القضاء عند عدم التعاون.
ويُقترَح شطب الفقرة (ب) من المادة (19)، والمتعلقة بالمساعدات والهيئات والمنح، لأن ذلك يؤثر سلباً في وضع هيئة مكافحة الفساد.
وهناك في المادة (28/1)، تناقض مع مبدأ سقوط العقوبة، فإذا كان القانون قد أسقط العقوبات الجنائية في أفعال القتل بالتقادم فكيف يتم إنشاء استثناء على ذلك في "دولة القانون"، فالتقادم حق للجميع، وهذا النص مخالف للدستور.
اقتراحات
يقترح الباحث إنشاء محكمة خاصة بالفساد يصدر قانونها بتعديلات دستورية لأجل هذا الفساد، ويكون قانونها ضمن حدود الدستور، وأن تكون تحت مظلة السلطة القضائية، وأن يكون أعضاؤها ممن تنطبق عليهم شروط القاضي المدني أو الإداري أو الدستوري ووفق ما يتقرر.
وإلى أن يتم ذلك يُقترَح أن تكون هيئة مكافحة الفساد هيئة مستقلة مالياً وإدارياً غير مرتبطة برئيس الوزراء، وأن يكون ارتباطها مع المجلس القضائي كهيئة وسلطة وضابطة عدلية بقانون يمنحها سلطات واسعة كما هو وارد في قانونها بشرط ألاّ يخالف قانون الدستور.