مركز الرأي للدراسات
د.صالح لافي المعايطة
8/2008
مقدمة
1. تقع تركيا في منطقة تربط آسيا مع أوروبا وفي منطقة تعاقبت عليها العديد من الحضارات المختلفة، كما سيطرت تركيا على اكثر مناطق البلقان وآسيا خلال فترة الإمبراطورية العثمانية، واليوم نجد ان اكثر من 26 دولة من دول العالم كانت تحت سيطرت الإمبراطورية العثمانية.
2. تركيا محاطة بـ 12 دولة منها 8 دول تربطها حدود بحرية وهذه دلالة مهمة من حيث الموقع والأهمية الاستراتيجية وحجم التحدي والتهديدات التي تواجه وستواجه تركيا، مما انعكس هذا على حجم وتنظيم وتدريب ودور القوات المسلحة، كما ان له اثر كبير على منظومة الأمن الوطني التركي من حيث المستوى والنوع والحجم.
3. الجمهورية التركية الحالية هي الوريثة الشرعية لحركة الاتحاد والترقي التي تأسست عام 1889 والتي عملت على إنهاء دولة الخلافة العثمانية، وانتسب إليها مصطفى كمال اتاتورك عام 1906 وبدأ حرب التحرير الشعبية منذ سنة 1919 بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. بعد سنة واحدة من تفكك الدولة العثمانية ظهر للوجود أول حزب سياسي باسم حزب "الشعب الجمهوري" الذي حمل المبادئ العلمانية "الكمالية" باسم الجمهورية الشعبية القومية العلمانية الثورية واشتراكية الدولة. حكم هذا الحزب منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 حتى الحرب العالمية الثانية، التي لعب فيها الجيش التركي دوراً بارزاً في تكوين الشكل الجديد لتلك الجمهورية ونال الجيش فيها مركز الصدارة. كما استمر التحالف والتنسيق بين الجيش والإدارة المدنية أثناء سنوات سلطة الحزب الواحد وحتى عام 1950 وتطور الفكر السياسي للفترة من (1923-1950) تبلور من جانب الجيش ونتج عنه تداخل في الفكر السياسي بين الإدارة المدنية والجيش.
4. اكثر ما يميز تاريخ تركيا السياسي هو الانقلابات التي حصلت في الأعوام "1960، 1970، 1980، 1997" التي رسخت تأثير الجيش في النظام السياسي، وكلما حاولت أية جهة إضعاف الجيش كان هذا الاخير يتحرك من منطلق ان الجيش هو حامي العلمانية والمبادئ الكمالية "نسبة الى مصطفى كمال اتاتورك" وكانت جميع الأولويات توضع طبقاً لمعايير الجيش في مراقبة النظام والجهاز الحكومي، حيث لا يقتصر دور المؤسسة العسكرية على الدفاع عن الوطن بل المحافظة على النظام السياسي وفقاً لاعتبارات معينة يحددها الجيش وليس الحكومات المنتخبة. هذا ما يفسر تعرض تركيا لانقلابات متكررة. لكن الأمور تغيرت بعد وصول حزب "العدالة" الى الحكم برئاسة رجب طيب اردوغان الذي استطاع وبشكل تدريجي ان يقلص من صلاحيات الجيش والقيام بالعديد من الإصلاحات من أجل نيل بطاقة عضوية الاتحاد الأوروبي.
5. ما يحدث الآن في تركيا شيء في غاية الأهمية، انه بمثابة ثورة كبيرة بيضاء إيجابية لم يحدث لها مثيل طوال عمر الجمهورية التركية البالغ 84 عاماً وأثارت هذه التغييرات الكبيرة انعكاسات واسعة وكبيرة، ليس داخل تركيا، بل في الشرق الأوسط، وفي العالمين العربي والإسلامي وفي الاتحاد الأوروبي والعالم اجمع. وستتحول تركيا بعد استقرار وثبات هذه التغييرات وقطف ثمارها نموذجاً لدولة ديمقراطية يقودها حزب محافظ ذو جذور إسلامية، يضع مصالح تركيا القومية على قائمة أولوياته، واستطاع نقل تركيا من دولة نصف ديمقراطية ـ تتدخل المؤسسة العسكرية في الأمور السياسية وتضع أمام الحكومة المنتخبة خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها ـ الى دولة استكملت فيها جميع أدوات الديمقراطية ومؤسساتها. ويصبح الحكم في تركيا نموذجا واضحا، ورداً على كل من يزعم ان الإسلام لا يتلائم إلا مع الحكم الاستبدادي البعيد عن مصالح الشعب.
6. تمتلك تركيا جميع عناصر القوة الوطنية التي تؤهلها بان تلعب دوراً إقليمياً مؤثراً في المنطقة وبخاصة بعد حرب العراق ودخولها الاتحاد الأوروبي مستقبلاً حيث تمتلك القدرات الهائلة التالية:
أ. مساحة واسعة تصل إلى 780580 كم2 معظمها أراضٍ صالحة للزراعة، ويبلغ مساحة المسطح المائي 9820 كم2 مع تعدد المناخات واستمرار هطول الأمطار.
ب. قوى بشرية هائلة مؤهلة حيث يصل عدد سكان تركيا الى 72 مليون نسمة، 99% مسلمون، ولا تعاني تركيا من تعدد الأيديولوجيات والمذاهب.
جـ. قوات مسلحة محترفة يصل تعدادها الى مليون جندي من مختلف الصنوف، ويصل معدل الإنفاق العسكري الى 8.500 مليون دولار سنوياً.
عوامل الضغط على السياسة التركية
7. يملي الموقع الجغرافي لتركيا دوراً استراتيجياً مهماً عليها، لكن التحديات والمشاكل التي تواجهها تركيا كثيرة منها:
أ. التحديات المحلية: تتمثل بالتزايد السكاني الضاغط على الموارد الاقتصادية، ومشاكل البطالة والفقر، وارتفاع معدل النمو السكاني، ونقص الموارد الطبيعية والغاز والنفط.
ب. تحديات إقليمية: تواجه تركيا أيضاً تحديات إقليمية بسبب عدم الاستقرار في معظم دول الجوار، مثل الوضع في العراق وبعض دول البلقان، نتيجة لتعدد المذاهب والأيديولوجيات، والوضع في إيران نتيجة لـ "الملف النووي"، والأوضاع في الشيشان وأفغانستان، ومشكلة قبرص، والفدرالية الكردية القادمة، والصراع من اجل نيل بطاقة الاتحاد الأوروبي. لهذا نجد أن تركيا تأخذ جميع هذه المعطيات والمتغيرات باهتمام وقلق شديدين والسبب هو ان قيام دولة كردية يهدد الأمن الوطني التركي، وعدم حل قضية قبرص قد يؤثر على دخول تركيا للاتحاد الأوروبي. ومن المنظور التاريخي نجد أن لا أحد من جيران تركيا يرغب أن يراها قوية، ذو ثقل استراتيجي وهذا اكبر تحدي "لحزب العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا.
8. بعد انتهاء الحرب الباردة تغيرت التهديدات التقليدية للدول، ومنها تركيا، حيث أصبحت تأخذ أشكالا متعددة منها:
أ. الإرهاب والحركات الأصولية الانفصالية والجماعات الدينية المتطرفة.
ب. بؤر الصراع الملتهبة وغير المستقرة في دول الإقليم والعالم مثل "العراق، أفغانستان، الشيشان، فلسطين، جنوب السودان، دارفور، لبنان".
جـ. الجرائم المنظمة وتهريب وتعاطي المخدرات وتصنيع وامتلاك أسلحة الدمار الشامل ودخول مفهوم جديد "خصخصة الحروب"، أي مشاركة شركات خاصة وجنود مستأجرون للحرب نيابة عن الجيوش النظامية.
9. من هنا نجد أن تركيا كانت ولا تزال تحتل موقعاً استراتيجياً هاماً في منطقة من اكثر المناطق عرضة للتفجير وعدم الاستقرار.
10. الدول المجاورة لتركيا كانت يوم ما من المقاطعات الواقعة تحت السيطرة العثمانية مما جعل هذه الدول تعيد حساباتها في المعطيات التاريخية التالية:
أ. اعتمدت بعض الحركات القومية في دول الجوار التركي الى إذكاء وإحياء الروح القومية مما ولد مزيج من الخوف والكراهية لتركيا أو الحساسية منها.
ب. ازدياد قوة تركيا الاقتصادية والسياسية يعيد إحياء شعور الخوف والحساسية من تركيا، يمكن ان يؤدي الى اتحاد جيران تركيا ضدها. لكن هذا مستبعد في الوقت الحاضر بسبب تقاطع المصالح وتباعد الاهداف بين هذه الدول في ظل سيطرة الولايات المتحدة وممارستها للنفوذ وإدارة معظم مناطق الصراع في العالم، بخاصة مناطق النفط والطاقة.
جـ. هناك 5 دول من اصل 6 دول آسيا الوسطى التي ظهرت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تتحدث اللغة التركية، مضافاً إليها المجتمعات الاسلامية الأوروبية. ومن المحتمل انه لا يوجد أحد يُسر، بما فيه الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا برؤية تركيا قوية، هذا واضح من مماطلة الاتحاد الأوروبي في تحديد موعد لمناقشة موضوع دخول تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي.
11. هناك صراع دائر بين عقيدتين: الأولى قومية النظرة، وترى تركيا جزء عضوي من العالم الغربي. والثانية تؤمن بأهمية عودة تركيا لجذورها الاسلامية. ولعل اكبر نقطة ضعف في الدولة التركية، بعد مضي 84 عاماً على قيام الجمهورية التركية، انه لا زال التياران الإسلامي والعلماني "العسكري والمدني" متناحران، وان الجهود لم تنجح في خلق نظام ديمقراطي، لا مجال فيه لتدخل المؤسسة العسكرية في سير النظام السياسي.
خصوصية العسكر في تركيا
12. كان للمؤسسات العسكرية دور بارز على الدوام في جميع الدول التي شكلّها الأتراك في التاريخ كالدولة السلجوقية والدولة العثمانية، ولعب الجيش التركي دوراً كبيراً في بناء الدولة العثمانية لتكون امبراطورية تمتد فوق ثلاث قارات، ولكن ما ان دخلت المؤسسة العسكرية المعترك السياسي حتى واصلت وظيفتها الأساسية وبدأت تشارك في تغيير الأنظمة، حتى تحولت الى مشكلة كبيرة أدت الى تأخر وانهيار الدولة العثمانية، إلى أن استطاع السلطان محمود الثاني إلغاء هذه المؤسسة، وشكل بدلاً منها مؤسسة عسكرية أخرى لا تتدخل في الشؤون السياسية.
13. عادت المؤسسة العسكرية في العهد الجمهوري لتتدخل في الحياة السياسية، وسجل التاريخ المعاصر 3 انقلابات عسكرية في (1960، 1972، 1980) ونصف حركة انقلابية عام 1997 عندما تدخلت المؤسسة وأسقطت حكومة السيد نجم الدين أربكان.
14. تتمتع المؤسسة العسكرية في تركيا بوضع خاص، ففي جميع دول العالم تكون رئاسة أركان الجيش مرتبطة بوزارة الدفاع، إلا المؤسسة العسكرية التركية فهي مؤسسة مستقلة وقائمة بذاتها، لا ترتبط بوزارة الدفاع بل برئيس الوزراء من الناحية الشكلية والنظرية فقط.
15. وضع الدستور التركي الحالي من قبل رجال الجيش، الذين قاموا بانقلاب عام 1980. وقد أعطى الدستور الجيش "حق" التدخل في الحياة السياسية من خلال وجود قادة الجيش في لجنة الأمن القومي، رغم معارضة جميع الأحزاب السياسية في تركيا لهذا التدخل. ومن المنتظر ان يطرأ تغيير على دور وصلاحيات الجيش من خلال الخطوات التي يقوم بها حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، وأعتقد أن الإصلاحات التي يطلبها الإتحاد الأوروبي تتطلب الحد من صلاحيات الجيش.
هل يستطيع حزب العدالة التقليل من صلاحيات الجيش ؟
16. عندما جاء حزب "العدالة والتنمية" إلى الحكم، تصرف بعقلانية ومرونة كبيرة فلم يدخل في معارك جانبية، ولم يصطدم مع المؤسسة العلمانية الداعمة للجيش مثل "المحكمة الدستورية، وسائل الإعلام القوية، مجلس التعليم العالي، والقصر الجمهور"، لم يركز على قضية الحجاب كثيراً لانه يخطط لأهداف استراتيجية عليا كدخوله إلى الاتحاد الأوروبي، والارتقاء بالاقتصاد الوطني. وأعتقد أنه حقق نجاحات ملموسة حيث تحسن الإقتصاد التركي، وأجرى العديد من الإصلاحات وعلى رأسها قضية الحجاب، ومعالجة قضية الأكراد بعقلانية، وتنمية المناطق التركية والتواصل مع دول الإقليم والمشاركة بفعالية معالجهود الإقليمية والدولية لمحاربة الإرهاب والتطرف والإبقاء على علاقات متوازنة مع إٍسرائيل والدول العربية.
17. أقدم الحزب على إصلاحات قانونية وحقوقية كثيرة، تهدف إلى توسيع نطاق الحرية الفردية وتتلائم مع الكرامة الإنسانية، حيث سن قانون حق الاقليات العرقية في التعليم بلغاتها، وأصدر قانون العفو عن الأكراد التائبين من أعضاء "حزب العمال الكردستاني".
18. أنعش الحزب الاقتصاد التركي على الرغم من الحرب الدائرة في العراق، حيث قام بتقليص أعضاء الجيش في "مجلس الأمن القومي" و" السكرتاريا". وأخضع الميزانية العسكرية لرقابة مجلس النواب. لم يقدم على الاصطدام بالجيش إطلاقا، بخاصة في مواضيع القضايا الحساسة كقضية قبرص والمشاركة في الحرب على العراق.
19. نجح الحزب في تحسين علاقة تركيا مع دول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة على خلاف جميع التوقعات الخارجية. واثبت أن تركيا ليست تابعة أو ذيلاً للولايات المتحدة، بخاصة عندما رفض البرلمان التركي، الذي يملك فيه حزب العدالة والتنمية، اكثر من 375 نائباً من أصل 550 نائبا، دخول 60 ألف جندي أمريكي إلى شمال العراق، مضحياً بـ 26 مليار دولار كانت الحكومة الامريكية قد وعدت بتقديمها لتركيا من خلال الموافقة على الطلب. وبالرغم من تأييد الجيش لدخول القوات الأمريكية، إلا أن البرلمان التركي رفض ذلك.
20. لقد نجح حزب العدالة والتنمية في عدم معاداة الولايات المتحدة رغم وقوفه أمام المؤسسة العسكرية لإنهاء هيمنتها غير الشرعية على سياسة الدول الخارجية والداخلية، لان الولايات المتحدة كانت تلعب دوراً مسانداً ومؤيداً لجميع الانقلابات العسكرية التي قام بها الجيش في السابق. أي ان حزب العدالة كان يخطط للحصول على تأييد الإدارة الأمريكية أو تحييدها على الأقل عند المواجهة مع المؤسسة العسكرية وهذا ما حصل لغاية الآن.
21. لم يواجه حزب العدالة المؤسسة العسكرية، إلا بعد أن نجح على الصعيد الإقليمي والدولي والعربي، وحصل على المزيد من التأييد الشعبي في الشارع التركي. وعلى ضوء ذلك فان الحزب في طريقه لإزالة الهيمنة العسكرية على السياسات الخارجية والداخلية لتركيا من خلال إحداث تغيير جذري في "لجنة الأمن القومي" من حيث عدد الأعضاء العسكريين في هذه اللجنة، ومن حيث الصلاحيات التي يتمتع بها هؤلاء الأعضاء وألغى الحزب صلاحيات المراقبة التابعة لمجلس الأمن القومي ومنحه صلاحيات استشارية فقط. وسحب من رئيس الأركان صلاحية تعيين السكرتير العام لمجلس الأمن القومي وتم نقلها لرئيس الوزراء ورئيس الجمهورية من خلال الترشيح للانتخاب.
22. هذه التغييرات والإصلاحات الجذرية التي أقدمت عليها الحكومة التركية أثارت إعجاب العالم، لا سيما دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
الأكراد وتهديدهم للأمن الوطني التركي
23. ينحدر الأكراد من سلالة قبائل الهندوأوروبية التي سكنت جبال كردستان منذ الألف الثاني قبل الميلاد حيث انخرطت معهم القبائل العربية والأرمنية والآشورية والفارسية والتركمانية فأصبحت كردية بالثقافة واللغة، وبذلك فان الأكراد لا ينضوون تحت أصل عرقي واحد.
24. أما ديانة الأكراد فهي الإسلام منهم 70% ُسنة و22% شيعة، واقليات أخرى من نصارى ويهود 8%. ويبلغ تعداد الأكراد في العالم حوالي 26 مليون نسمة موزعين على الدول التالية:
أ. تركيا 13 مليون نسمة وهناك إحصائية تقول أنهم 15 مليون نسمة
ب. إيران 6.6 مليون نسمة
جـ. العراق 4.4 مليون نسمة
د. سوريا 1.5 مليون نسمة
هـ. دول الاتحاد السوفياتي (سابقا) 0.5 مليون أي حوالي 500 ألف
و. باقي دول العالم 700 ألف نسمة
25. يعاني الأكراد من تهميش جغرافي ناتج عن بُعد المناطق الكردية عن المراكز في الدول التي يتواجدون فيها. وتهميش تنموي ناتج عن استمرار البنية التحتية ذات الاقتصاد الرعوي والزراعي البدائي. ولكن الوضع الآن إختلف حيث قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بزيارة المناطق الكردية والعمل جاري على تطويرها.
26. اتسمت السياسة التركية تجاه الأكراد ومنذ نشوء الجمهورية "بإنكار" الهوية الكردية وعدم التعامل معهم كأقلية لها خصوصية وحقوق. وظهر العناد الكردي في شخصية الزعيم "عبد الله أوجلان" خلال فترة دراسته في أنقرة، عندما اجبر على ترك لغته والتعامل باللغة التركية، حيث جمع حوله الأنصار وشكل حزب العمال الكردستاني PKK عام 1978. وطالب الحزب بدولة كردية مستقلة على مبادئ وأفكار ماركسية شيوعية. وتمتد هذه الدولة على أراضي الأناضول الشرقية والجنوبية الشرقية، وفي عام 1998 تم التوصل مع سوريا إلى اتفاق أوقف بموجبه كافة نشاطات الحزب العمال الكردستاني داخل الأراضي السورية، وتم إخراج عبد الله اوجلان منها، وفي نهاية المطاف تم اعتقال عبد الله اوجلان، وما زال قيد الاعتقال.
27. قامت الحكومة التركية الحالية، في سياق الإصلاحات السياسية وفقا لمعايير "كوبنهاجن" بإصدار قوانين عديدة تمنح الاقليات حقوقاً كانوا محرومين منها، لكن هذه القوانين تواجه مصاعب في التنفيذ لغاية الآن. هذا بحد ذاته تحدي للحكومة قد يرتقي الى مستوى تهديد الأمن الوطني عندما تختلط الأوراق في العراق أو إيران. مقابل ذلك فان معظم دول أوروبا والولايات المتحدة تدعم حقوق الأكراد، وما تخشاه تركيا أن تقوم الولايات المتحدة بتأسيس دولة كردية في شمال العراق وهذا اكبر خطر يهدد الشريك والحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة. بالمقابل فمن المحتمل أن تقوم إيران بدعم الشيعة في العراق لبناء دولة خاصة لهم في الجنوب، هذا ما يقلق الولايات المتحدة وتركيا ودول الجوار العراقي أيضاً. ولكن ما تقدمه الولايات المتحدة لتركيا من معلومات إستخبارية في عملياتها في شمال العراق دليل أن مصالح الطرفين تلتقي عند نقطة واحدة.
28. تعتبر كركوك مدينة استراتيجية تبعد عن بغداد 270 كم تسكنها ثلاث قوميات "العربية، الكردية، التركمانية"، يحتدم فيها الآن جدل الهويات، وبدأت الصراعات المسلحة تعلو لغة العقل، فالأكراد يعتبرونها قدسهم، والعرب يعتبرونها مورد حياتهم، والتركمان يعتبرونها تاريخهم". من هنا فان تركيا قلقة جداً على الوضع في العراق وخصوصاً في الشمال فهي تراقب الأوضاع عن كثب وأي تغيير في الأيديولوجيات سيؤثر وبشكل مباشر على الأمن الوطني التركي بسبب تواجد اكثر من 15 مليون كردي على الأراضي التركية، فهم يشكلون 25% من سكان تركيا.
مرتكزات الأمن القومي التركي
29. تأخذ تركيا بعين الاعتبار كل المتغيرات والتحولات الاستراتيجية التي اجتاحت المنطقة بعد الحرب الباردة، مضافاً إليها عناصر العولمة والتقلبات الإقليمية (حرب العراق، الملف النووي الايراني)، ولكن الأهم من هذا كله هو هيمنة الولايات المتحدة على العالم والقوى الموجهة لسياستها في الشرق الأوسط، والاختناقات في العلاقات التركيةـ الاتحاد الأوروبي، والتناقض في استراتيجية آسيا ـ أوروبا، وموقف الولايات المتحدة وسياستها مع الأكراد تعتبر عناصر ضاغطة على تركيا ودورها القادم.
30. لقد طورت تركيا سياستها واستراتيجيتها الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية، حتى انتهاء الحرب الباردة على أساس عدم التدخل في المنطقة، والاعتماد على التقارب مع القوى الخارجية مثل الاتحاد الأوروبي ـ حلف الأطلسي، لكن الأمور تغيرت بعد الحرب العراقية الإيرانية، حيث زاد التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل، إضافة إلى بروز بعض حالات التوتر مع سوريا أحيانا والتدخل في شمال العراق. مما دفع بتركيا إلى الإعلان ان هذه السياسة نابعة من خطة استراتيجية دولية إقليمية مع التركيز على العوامل المؤثرة التالية:
أ. حزب العمال الكردستاني PKK والقلق المتزايد من قيام دولة كردية.
ب. المصادر المائية والنفط والغاز "حرب الموارد والجغرافيا الجديدة للنزاعات.
جـ. الإرهاب المتزايد في منطقة جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط.
د. تقاطع المصالح وتباعد الاهداف بين دول الجوار "المصالح فوق المبادئ".
31. يقول خبراء الإستراتيجية في تركيا انه من الآن فصاعداً كل خطوة سيتم القيام بها في المنطقة ستؤدي الى فتح الطريق إلى إقامة جبهة توازن في المقابل، لذا يجب على تركيا مراقبة ومتابعة الأوضاع، ولا بد من التدخل الفعّال أحياناً بدلاً من اتباع سياسة التوازن والتحالفات. واحتمال نشوب حرب بين سوريا وتركيا حول موضوع المياه الذي يتم طرحه أحيانا، هو احتمال ضعيف للغاية، ذلك لان سوريا على معرفة تامة انه لن يكون بمقدورها حل الخلاف في موضوع المياه عن طريق الحرب، إضافة الى أن ميزان القوى العسكرية والجغرافية والسياسية والاقتصادية هو في صالح تركيا، وان أي حرب لن يكون من نتائجها سوى سيطرة تركيا على منابع دجلة والفرات، لهذا لجأت سوريا إلى التقارب مع تركيا في كل المجالات، وما الوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل في موضوع الجولان والسلام إلا دليل على الحضور التركي المقنع والمؤثر في المنطقة.
العلاقات التركية - الإسرائيلية وأبعادها الإقليمية
32. شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية تطوراً متدرجاً وملحوظاً بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث اتخذت بعدين أحدهما عالمي والآخر إقليمي:
أ. البعد العالمي: التخوف التركي من تهديد الاتحاد السوفياتي (سابقاً) دفع بهذا البلد إلى السعي للتحالف مع القوى الكبرى التي خرجت منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية، مثل بريطانيا والولايات المتحدة، اللتان ضمنتا قيام دولة إسرائيل. هذا ما دفع تركيا للتقرب الى هذه القوى الداعمة لإسرائيل، ولمعرفتها مدى تأثير إسرائيل على الولايات المتحدة عن طريق تأثير اللوبي اليهودي، لذا نجد ان العلاقات التركية ـ الإسرائيلية، هي عبارة عن ممر متبادل لعلاقات تركيا مع الولايات المتحدة على الرغم من وصول حزب من جذور إسلامية الى سدة الحكم.
ب. البعد الإقليمي: من المعروف ان سياسة اسرائيل منذ قيامها تعتمد على إقامة علاقة قوية وتعاون استراتيجي مع الدول المحيطة بالدول العربية، مثل تركيا والحبشة ومعظم دول القرن الأفريقي والهند. وكان من المفترض أن تفتح العلاقات التركية الإسرائيلية المجال أمام تركيا لاتباع دبلوماسية نشطة في المنطقة، إلا أن هذا لم يتحقق. الدليل على ذلك ان تركيا لم يكن لها أي دور في عملية السلام في الشرق الأوسط، ولا حتى في رسم خارطة الطريق، لكن هذا الدور بدأت تظهر ملامحه في موضوع الوساطة بين سوريا وإسرائيل والمشاركة في قوات حفظ سلام في لبنان والتعاون الإقتصادي مع دول الجوار.
العلاقات التركية - الإيرانية وأبعادها الإقليمية
33. إيران وتركيا دولتان لا يمكن تحديدهما في منطقة ولا في جغرافيا سياسية معينة، بسبب تواجدهما على الخط الرئيسي الذي يربط جنوب أوروبا وآسيا. ويوجد لكلا الدولتين حدود مع القوقاز الغنية بالنفط والغاز، إضافة إلى وجود 4 بحار ترتبط بهاتين الدولتين فتركيا مرتبطة بالبحر الأسود والمتوسط وإيران مرتبطة ببحر قزوين وخليج البصرة.
34. أدى تطور العلاقات التركية - الإسرائيلية في التسعينات إلى توتر في العلاقات الإيرانية - التركية، لكن نجاح خاتمي في الانتخابات الإيرانية وبرامجه الإصلاحية واتباع إيران سياسة جديدة تعتمد على الانفتاح والعلاقات الثنائية المتبادلة، خففت حالة التوتر بين البلدين، وأبقى على استقرار الأوضاع بين البلدين ضمن هذا السقف. حيث أبقى الرئيس الإيراني الحالي أحمد نجادا على هذا التوازن والتواصل مع تركيا، في حين تقوم تركيا بمراقبة حذرة للسيناريو الأمريكي المتعلق بتجزئة أذربيجان الإيرانية، لأن انهيار الاتحاد السوفياتي أدى إلى خلل في التوازن الاستراتيجي والإقليمي، وإلى التنافس بدلا من الاستقرار، مما زاد من الحاجة إلى التقارب الإيراني ـ التركي لسد الفراغ في آسيا، إلا أنه زاد في نفس الوقت من عملية التنافس بينهما.
35. في هذه المرحلة أيضاً نجد أن تركيا مرشحة وبقوة لدخول الاتحاد الأوروبي، هذا يتطلب من تركيا تعزيز علاقاتها الإقليمية والأوروبية، مع الأخذ بعين الاعتبار سياسة روسيا الجديدة بعد وصول الرئيس الروسي الجديد مدفيك إلى الحكم واتباعه سياسة منفتحة مع أوروبا وآسيا، وإقامة علاقات قوية مع إيران والهند والصين واليابان. هذه الأمور تؤثر على السياسات والاستراتيجيات التركية إقليمياً ودولياً، خصوصاً أن الرئيس الروسي السابق بوتين يشغل حالياً منصب رئيس الوزراء وهذا يعني لا تغيير في الثوابت والإستراتيجيات.
36. في الختام أستطيع القول أن العلاقات الإيرانية التركية ترتكز على ثلاثة ثوابت رئيسة هي: "الشرق الأوسط، القوقاز، آسيا الوسطى". ضمن هذا الإطار فان تركيا مجبرة على أخذ هذه الأمور بعين الاعتبار، فالتاريخ والجغرافيا يفرضان هذه المعطيات. من خلال المقارنة البسيطة فان الحدود الإيرانية التركية الحالية تم ترسيمها عام 1639 فهي اقدم من تاريخ استقلال الولايات المتحدة عام 1774.
المسيرة التركية باتجاه الإتحاد الأوروبي
37. سعت الحكومة التركية في عام 1959 ولأول مرة للارتباط بالمجموعة الاقتصادية الأوروبية أو السوق الأوروبية المشتركة ـ "الاتحاد الأوروبي حالياً". وقد أعلنت المفوضية الأوروبية ان تركيا قد أوفت بالمتطلبات السياسية التي تمكنها من بدء محادثات دخولها رسمياً إلى الاتحاد، ولكن الأمر يعود لزعماء الاتحاد الأوروبي للمصادقة على ما توصلت إليه اللجنة.
38. لم يكن دور تركيا في يوم من الأيام اكثر أهمية من اليوم في تقرير مصير أوروبا، باعتبارها عضواً في حلف الأطلسي منذ عام 1952، حيث وفرت تركيا حماية أساسية للجناح الشرقي لأوروبا طيلة الحرب الباردة. بعد الحرب البادرة تكونت لدى أوروبا صورة ولو مؤقتة بأنها تستطيع أن تسير نحو المستقبل كونفدرالية ضخمة من عدد من الدول الأوروبية.
39. وفي عصر الإرهاب الدولي الجديد، بقيادة إرهابيين متطرفين، تعتبر تركيا وهي دولة ذات أغلبية مسلمة ولديها ديمقراطية علمانية، مؤهلة في صورة لا مثيل لها لمواجهة هذا التحدي، بخاصة وأن تركيا تعتبر جسراً يربط آسيا بأوروبا، وتشكل حاجزاً ضد أي تهديدات إرهابية قادمة من الشرق، إضافة إلى تمتعها بخبرة دبلوماسية عالية، ولها صلات دينية وعرقية مع أوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
40. هناك مخاطر كبيرة تخشاها أوروبا من انضمام تركيا، حيث يعتقدوا أن تركيا بلد فقير وعدد سكانه يصل الى 72 مليون نسمة، ويتوقعوا هجرة تركية واسعة عبر القارة. إضافة إلى إعتقادهم أن لتركيا سجل حافل بالانقلابات العسكرية، وانتهاكات حقوق الإنسان والأزمات الاقتصادية، رغم الإصلاحات التي قامت بها. مضافاً إلى ذلك معارضة اليمين الفرنسي، حيث اظهر استطلاع أجراه معهد فرنسي عام 2003 ان 61% من الفرنسيين يعارضون انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولكنني كباحث ومتابع أختلف مع هذا لأن الوضع الآن إختلف وهناك قبول جيد لتركيا في أوروبا وهذا واضح من الإصلاحات التركية خصوصاً في المجال الإقتصادي.
41. اعتقد ان كلفة عضوية تركيا يصعب على عدد من دول الاتحاد الأوروبي قبولها، حيث تشير الدراسات الدولية أن تركيا قد تتلقى ما بين 16-28 مليار يورو كمعونات سنوية في عام 2025، إذا ما انضمت إلى الاتحاد الأوروبي. وأن انضمام تركيا سوف يقدم للعالم الإسلامي دليلاً واضحا على ان معتقداته الدينية منسجمة مع قيم الاتحاد الأوروبي، من بينها الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
42. يعتبر اليمين الفرنسي المعارض لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ان العلمانية التركية ليست كاملة ولا مضمونة، ولولا ان الجيش يحميها بقوة السلاح حفاظاً على ارث أتاتورك لانهارت منذ زمن بعيد. فالشعب التركي في أغلبيته لم يهضم الفكر العلماني بعد، وإنما هو شيء مفروض عليه من الخارج أو من فوق.
43. أما التيار المعتدل في فرنسا "اليسار" فيقول يجب أن نقبل تركيا لأنها وحدها القادرة على مواجهة المد الأصولي الذي يجتاح العالم الإسلامي حاليا، فهي وريثة الإمبراطورية العثمانية، ولها تاريخ طويل وبإمكانها حماية أوروبا من جماعات التطرف والتعصب. وأنها قادرة على توليد قراءة عقلانية للتراث الإسلامي، أي قراءة مضادة لتلك التي يتبناها المتزمتون والمتطرفون، الذين يكرهون الحضارة الغربية، ويضيف هذا التيار محذراً، إذا ما رفضنا تركيا فان ذلك سيؤدي إلى مفعول عكسي، وسوف تلقي نفسها في أحضان الأصولية المتشددة وتدير ظهرها لنا.
44. هكذا نلاحظ ان الأوروبيون منقسمون على أنفسهم فيما يخص المسألة التركية. ولأول تنتصر الاعتبارات الثقافية والدينية على الاعتبارات الاقتصادية، أو حتى السياسية. فالخوف من تركيا ناتج عن الخوف من الإسلام، والبعض يسأل لماذا تدخل تركيا ولا تدخل المغرب؟ وهي الأقرب الى إسبانيا. ولماذا لا تدخل سوريا أو العراق أو إيران؟ وهي دول مجاورة لتركيا. عندئذ لن تتوقف حدود الاتحاد الأوروبي عند حد معين.
45. في الختام أستطيع القول ان هناك رأياً وسطا في أوروباً ينادي بعدم دخول أي عضو جديد، وان يتم الاكتفاء بإعطاء تركيا شراكة أكثر تميزاً على سوريا أو إيران لربما كان هذا هو الحل الذي سيتم الاتفاق عليه نهاية المطاف. ولكنني لا اعتقد ذلك، لأنه إذا لم تتمكن تركيا من دخول الاتحاد الأوروبي لسبب أو لآخر، فان مصطلح "التعددية الثقافية" الذي كثيرا ما يفاخر به الغرب يصبح مفهوماً فارغاً من أي محتوى. مع ذلك تبقى المساحة الزمنية بين اللحظة الراهنة ونجاح تركيا في دخول الاتحاد الأوروبي فعلياً واسعة وشاسعة.
46. الآن يتضح ان الاتجاه الغالب في تركيا رسمياً وشعبياً هو الانضمام الى الاتحاد الأوروبي مع معارضة بسيطة لا تزيد عن 20%، وتتمثل هذه المعارضة بالقوميين المتشددين ونخب عسكرية وبعض البيروقراطيين. أما المفارقة الإيجابية فهي ازدياد التوجه نحو أوروبا في عهد أغلبية حزبية إسلامية، بما يدلل على أن الاتجاهات الاسلامية المتطرفة تمثل أقلية الأقلية. وان أوروبا بدورها لا تأخذ بمنطق تصادم الحضارات والثقافات وحتى الأديان، وهو المنطق الذي يعتمده المحافظون الجدد "الجمهوريون في واشنطن" وبعض قوى اليمين المتطرف.
التوجهات التركية والدور القادم
47. تركيا الحديثة معنية بالخروج من عقدة المرحلة العثمانية وترى في الأسواق والتواصل الثقافي والإنساني والاقتصادي عناصر قوة لتركيا يتفوق في قيمته على التكنولوجيا والصواريخ والخدمات العسكرية التي تقدمها اسرائيل لتركيا. لهذا اختارت تركيا اعادة تنظيم علاقاتها مع جوارها العربي وجوارها المسلم فتحركت باتجاه سوريا، مصر، ولبنان، وشمال أفريقيا والسعودية لتعظيم المصالح الاقتصادية والتعاون الأمني والثقافي.
48. أما موقفها من الحرب الدائرة في العراق، لم تسمح تركيا بمرور القوات الأمريكية واستخدام أراضيها ولم تشارك في الحرب على العراق، واتخذت موقفا من تزايد النفوذ الإسرائيلي في شمال العراق، وطالبت بوحدة أراضي وشعب العراق، وفتحت باب التعاون الاقتصادي معه رغم أنها لم تخفِ مصالحها الحيوية في الشمال العراقي، ومتابعة التحركات الكردية في إقليم كردستان، والمحافظة على حقوق الأقلية التركمانية في كركوك. لأنها المستفيدة من إستقرار العراق وإستمرار مرور النفط العراقي إلى جيهان.
49. أما على الجانب الغربي من حدودها فقد أعادت تركيا تنظيم علاقاتها مع اليونان، وفتحت آفاقاً للتفاهم معها، بعيدا عن الخوف والصراع. وأيدت موقفاً مرناً من قضية وحدة شقي قبرص مما أدى إلى كشف المواقف المتشددة للقبارصة اليونانيين وتخفيف الضغط الدولي عن الموقف التركي.
50. لقد سعت تركيا الى رئاسة المؤتمر الإسلامي، وحصلت على هذا الموقع الرفيع، وذلك تقديراً لتوجهها الإيجابي تجاه جوارها المسلم وتجربتها السياسية. وهذا يقودنا الى حقيقة هامة، انه ليس ضرورياً خروج الإسلام عن ثوابته ليكون ديمقراطياً. فثوابت الإيمان والعقيدة لا خلاف حولها، ولكن هناك كثير من الأمور الفرعية المتصلة بإدارة الحياة ومتغيرات العصر يمكن التكيف معها.
51. هناك إجماع لدى جميع المؤسسات والرأي العام التركي في حال تحرك الأكراد اتجاه كركوك، فسوف تكون هذه الخطوة الأخيرة قبل إعلان استقلالهم!، وهذا هو خط أحمر تركي. لذا فإن الحكومة التركية تراقب الوضع في شمال العراق وتنسق مع الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية في تعاملها مع الأكراد.
52. أما المسألة الكردية من ناحية الجغرافيا الثقافية العرقية تكمن في ان الأكراد منتشرين في منطقة تسيطر عليها 3 عناصر سكانية رئيسية هي "العرب، الأتراك والفرس"، لذا نجد ان كل قوة إقليمية ودولية مؤثرة تعمل على التدخل في المنطقة باستخدام العنصر الكردي في معادلاتها الاستراتيجية وهذا ما تدركه تركيا جيداً، حيث تستند السياسة الخارجية التركية تجاه العراق على المعطيات التالية:
أ. المحافظة على وحدة الأراضي العراقية مع نظام ديمقراطي حديث.
ب. الشعب العراقي يجب ان يتولى الإدارة والسيطرة على موارده وثرواته الطبيعية.
جـ. يجب ان يشارك التركمان في صياغة مستقبل العراق وعلى قدم المساواة مع باقي القوميات.
د. يجب عدم السماح لحزب العمال الكردستاني PKK بالمشاركة في الحكم ويجب تصفيته وحل جميع عناصره.
هـ. يجب كسب ثقة الشعب العراقي والابتعاد عن خلق أنظمة إسلامية متطرفة راديكالية، وتحاول تركيا ان تجعل من العراق نظاماً مستقراً ليساعد على تحقيق السلام في الشرق الأوسط.
هل تغير دور تركيا الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط
53. أدت مجموعة من العوامل والمؤثرات الى تغيير الدور التركي في الشرق الأوسط ومن ابرز تلك العوامل توتر العلاقات التركية مع الولايات المتحدة عندما رفض البرلمان مرور 60 ألف جندي أمريكي واستخدام الأراضي التركية، وما تبع ذلك من تداعيات وارتباكات في الموقف التركي تجاه الحرب على العراق، إضافة إلى الهاجس الكردي الذي يقلق الأكراد دوماً.
54. بعد احتلال العراق تحاول تركيا ضبط الأمور وبلورة مواقف إستراتيجية تتناسب مع طرح مشروع الشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط الجديد ودول الإعتدال وغيرها من التغيرات التي فرضت على تركيا التكيف مع البيئة الإستراتيجية.
55. تحتاج الولايات المتحدة إلى تركيا اكثر من أي وقت مضى لكي تلعب دوراً ضمن سلسلة من الأدوار في كل من أوروبا، الشرق الأوسط، أفغانستان والعراق. في حين أن تركيا راغبة في لعب هذا الدور، فهي تبذل جهوداً كبيرة لتطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة، ومع دول المنطقة.
56. تنطلق الشراكة الاستراتيجية الجديدة المرشحة بين الولايات المتحدة وتركيا أو ما يسمى "الرؤية الاستراتيجية"، لتركيا دورها المهم القادم لقربها من المثلث الاستراتيجي أي التقارب "الروسي ـ الصيني ـ الهندي"، التي تتضمن نظاماً عالمياً يتشكل من جديد وفق "تعددية قطبية"، وليس وفق القطب الواحد، حيث نلاحظ وجود مؤثرات على هذا التقارب وازدياده مثل قيام روسيا مؤخراً بإجراء مناورات بحرية مع الهند، وزيارة رئيس وزراء الهند للصين، حيث وصلت العلاقات التجارية بين البلدين الى اكثر من 7 مليارات دولار لعام 2003.
57. أيضا هناك دور حيوي واستراتيجي لتركيا في آسيا والبلقان والمشاريع الخاصة بنقل النفط والغاز من أذربيجان في بحر قزوين عبر جورجيا الى ميناء جيهان التركي بطول 1750كم، وذلك بدعم أمريكي مباشر لحرمان روسيا وإيران من المرور بأراضيهما.
الدور التركي في إدارة المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل
58. أدركت تركيا مبكراً أن هيكل النظام العالمي يتحدد بنمط توزيع القوة بين الدول الكبرى، فهناك دولاً تجمع بين القوة العسكرية والإقتصادية والسكانية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك دولاً تجمع بين القوة التكنولوجية والإقتصادية ولكنها ليست قوة عسكرية مثل اليابان، وكذلك الإتحاد الأوروبي القوي إقتصادياً وتكنولوجياً ولكنه لا يملك القوة السياسية والعسكرية. ومن هنا جاءت تركيا التي تمتلك المساحة والسكان والموارد الطبيعية بإستثناء النفط بدأت ومنذ بداية هذا القرن وبعد إختلال التوازن الإقليمي بإنهيار الإتحاد السوفياتي وسقوط العراق وأفغانستان ومحاصرة إيران تقود بكفاءة وصبر المفاوضات الصعبة والبطيئة للإنضمام للإتحاد الأوروبي، حيث فتحت لنفسها ساحات وميادين ووفرت مجالات حيوية جديدة لإقتصادها وسياستها الخارجية ودورها الإقليمي، فهي باتت اليوم لاعباً رئيسياً ومهماً في قضايا الشرق الأوسط على إتساعها، وهي مرشحة أكثر من غيرها للقيام بدور "المعادل الوازن والمعتدل" للدور الإيراني في هذه المنطقة وفي جنوب غرب ووسط آسيا وفي القوقاز إمتداداً للبلقان وإفريقيا.
59. أما الدور التركي في الوساطة بين إسرائيل وسورية فسوف أتوقف عنده من خلال الحقائق والمعطيات التالية:
أ. تمتلك تركيا القدرة على الإقناع والتأثير على كل من إسرائيل وسورية بسبب علاقتها الإستراتيجية المتينة مع إسرائيل منذ نشأة إسرائيل، فهناك تعاون إستراتيجي وعسكري وإقتصادي وأمني ومعلوماتي مع إسرائيل منذ بداية الخمسينات رغم تولي حكومات لها جذور وإمتدادات إسلامية في تركيا لأن هذه الحكومات ملتزمة بالعلمانية ومبادئها.
ب. تحاول تركيا من خلال لعب هذا الدور التقرب إلى الولايات المتحدة من خلال إسرائيل وتقديم الخدمات التي تحتاجها إسرائيل على أمل بيع الفائض من المياه التركية إلى إسرائيل مقابل شراء الخبرات التكنولوجية العسكرية الإسرائيلية.
جـ. تحاول تركيا أن تثبت للدول العربية ودول الإقليم أنها دولة محورية ومركزية في حل القضايا الخلافية، وتحاول أن تثبت لسورية حسن النوايا والجوار وتجعلها تنسى لواء الإسكندرونة المسلوخ عن سورية منذ عشرات السنين وتجعل سورية تركز على إستعادة الجولان عبر المفاوضات وليس الحرب التي أثبتت عدم جدواها في حل الصراعات.
د. كما تحاول تركيا التقرب أكثر إلى الولايات المتحدة عبر إسرائيل فإن سورية تحاول التقرب إلى الولايات المتحدة عبر تركيا، وأعتقد أن سوريا تحاول إيجاد حليف إستراتيجي بديل عن إيران في حال قامت الولايات المتحدة وإسرائيل بإسقاط النظام الإيراني من خلال ضربة عسكرية نوعية مشتركة. وأعتقد أن تركيا ستكون حليف قوي لسوريا إذا نجحت المفاوضات.
هـ. أعتقد أن سوريا متخوفة على سير المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل بعد إستقالة أولمرت من رئاسة الحكومة، إضافة إلى الشروط التي تضعها إسرائيل للإنسحاب من الجولان وهي:
(1) يجب أن يخضع قرار الإنسحاب إلى موافقة وتأييد 80 نائباً في الكنيست من أصل 120 نائباً وهذا صعب الآن، حيث كان في السابق يكفي موافقة 61 نائباً.
(2) يجب تعويض سكان المستوطنات الإسرائيلية في الجولان والبالغ عددهم 20 ألف مستوطن، وتصل المطالبات الإسرائيلية إلى أكثر من 50 مليون دولار لكل مستوطن وهذا يشكل عامل ضغط على الحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل مالياً وعسكرياً.
(3) تطالب إسرائيل سورية بإنهاء حالة الحرب وتبادل السفراء وإقامة علاقات دبلوماسية وترتيبات أمنية مشتركة، مقابل ذلك تطالب سوريا بإنسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من الجولان وتفكيك القواعد العسكرية في المنطقة، كما ينص الإتفاق على تخفيض عدد الجيش السوري المتمركز بين الجولان ودمشق وإنشاء محطة إنذار تديرها قوات دولية في جبل حرمون على غرار ما هو معمول به في سيناء.
(4) لا مانع من إقامة علاقات سورية إيرانية، إلا أن إسرائيل تشترط على سورية إيقاف تصدير الإسلحة إلى الدول أو المنظمات التي تهدد إٍسرائيل أو إيواء منظمات إرهابية.
60. أما المراحل التي قطعتها هذه المفاوضات فأستطيع تلخيصها بما يلي:
أ. الشارع الإسرائيلي مؤيد لهذه المفاوضات بنسبة 52%، وأهم من ذلك هو إعلان موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي السابق وقوله إن على إٍسرائيل أن تبدأ المفاوضات مع سورية بدون شروط مسبقة بعد أن سقطت نظرية القلعة الحصينة التي كانت تتبناها إسرائيل، وتداعيات حرب تموز 2006 على لبنان.
ب. أنهت سوريا وإسرائيل الجولة الرابعة من المفاوضات غير المباشرة وأشارت التقارير أن النتائج لغاية الآن إيجابية وقد تبدأ الجولة الخامسة خلال الشهر القادم.
61. أعتقد ومن خلال متابعتي لمجريات البيئة السائدة وما يدور في الذهنية الإسرائيلية أن الجولان ستعود إلى سورية بشروط صعبة على الطرفين وأقرب ما تكون منزوعة السلاح على غرار إتفاقية كامب ديفيد.
62. لن يكون هناك تواجد عسكري سوري قوي ومؤثر في الجولان بسبب الموقع الجيوستراتيجي للهضبة المطلة على طبريا والمسيطرة على كل المدن والمواقع الإسرائيلية، كما أن الجولان غنية بالمياه وهذا أحد أهم الأسباب التي تتمسك بها سورية. بالمقابل تقول إسرائيل أنه يمكن تعويض سورية بالمياه عن طريق تركيا وهذا ما ترفضه سورية رفضاً قطعياً.
63. أما بالنسبة لموقف الولايات المتحدة فهي لم تكن متحمسة منذ البداية لهذه المفاوضات حول الجولان، ولكن إذا كانت المفاوضات تخدم الأهداف والمصالح الإسرائيلية فقد تؤيدها في المراحل النهائية ولكن هذا لا يمنع الولايات المتحدة من إستمرار الضغط والمحاصرة لسورية لفك الإرتباط الإستراتيجي مع إيران وحزب الله وقد تكون هذه أحد الشروط الإسرائيلية لإعادة الجولان إلى سورية. كما أن هناك عدداً كبيراً من المستعمرات الإسرائيلية في هضبة الجولان ويمتلكون أراضٍ ومزارع كبيرة وهل يطبق عليهم نظام إتفاقية وادي عربة من حيث الإستئجار لمدة 25 سنة وهذا ما ترفضه سورية، كما أن هناك خلافاً أيضاً على نوع العلاقات بين سورية وإسرائيل هل هو تطبيع كامل أم هو علاقات طبيعية عادية وهذا ما أشار إليه الرئيس بشار الأسد خلال تواجده في فرنسا في شهر تموز 2008.
64. أعتقد أن تركيا تحاول حالياً إقناع الطرفين الإسرائيلي والسوري الإنتقال من المفاوضات غير المباشرة إلى المفاوضات المباشرة وبرعاية أمريكية وتحاول إقناع إٍسرائيل عدم اللجوء إلى الإستفتاء الشعبي قبل الإنسحاب الإسرائيلي من الجولان وذلك لمعارضة 70% من الشعب الإسرائيلي ذلك الإنسحاب.
65. معظم المحللون والمتابعون يقولون أن الإدارة الأمريكية قادرة على التأثير أكثر في سير المفاوضات إذا أرادت لأنها تملك أوراق ضغط على الطرفين وهذا ما أشار إليه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع عندما قال: "إن ما يجري بين سورية وإسرائيل هو مفاوضات إستطلاعية" وهذه إشارة إلى إمكانية الدخول في مفاوضات مباشرة قريباً.
66. أعتقد أن هناك توجهاً إسرائيلياً أمريكياً للضغط على لبنان للدخول في مفاوضات سلام مع إسرائيل تحت عباءة المفاوضات السورية الإسرائيلية غير المباشرة وهذا ما تقوم به تركيا حالياً، وبهذا تستطيع إٍسرائيل والولايات المتحدة إحتواء سورية ولبنان وعزل حزب الله، وفي نفس الوقت التعامل مع إيران من خلال الإحتواء المزدوج أو الضربة العسكرية أو قلب نظام الحكم من الداخل وهذا صعب، مما دفع الولايات المتحدة في هذه الإيام إلى التوجه لخيار التسوية السياسية مع إيران وهذا الذي أغضب إسرائيل.
67. وأخيراً وبعد أن تجاوز رجب طيب أردوغان الأزمة الداخلية وخرج سالماً هو وحزبه من قرار المحكمة الدستورية القاضي بإقصاء حزب العدالة عن الساحة السياسية في تركيا، فمن المتوقع ان يقوم رئيس الوزراء التركي أردوغان بالإتصال خلال الأيام القادمة مع كل من الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت، وإحتمال إرسال مستشاره السياسي أحمد داوود أوغلو إلى إٍسرائيل وسورية وبعض الدول العربية لحشد الجهود الإقليمية لإنجاح الوساطة التركية وإقناع إسرائيل بالتخلي عن عقلية ومنطق القوة الذاتية.
الخلاصة والاستنتاجات
68. لا شك ان تركيا التي تواجه تحديات إقليمية ودولية، قد نجحت إلى حد بعيد في تحقيق المزيد من متطلبات الإصلاح والتحديث لنيل بطاقة الدخول الى الاتحاد الأوروبي. إضافة الى الموقف المتوازن مع دول الجوار، واستثمار علاقاتها وشركاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة لخدمة المصالح الوطنية التركية العليا. وبالفعل استطاعت الحكومة التركية الحالية، حكومة "حزب العدالة والتنمية" ذات القاعدة الشعبية، بعكس كافة الحكومات السابقة في تاريخ تركيا الحديثة، التي اتصفت بأنها حكومات علمانية، قومية مدعومة من القوى العلمانية المؤثرة في الدولة وخاصة القوات المسلحة.
69. من المنتظر ان تلعب تركيا دوراً إقليمياً قادماً في معظم قضايا الصراع في الشرق الأوسط والبلقان واسيا الوسطى، بسبب امتلاكها عناصر القوة الوطنية "مساحة، سكان، قوات مسلحة، موارد، تكنولوجيا"!، يضاف إلى ذلك السعي الأمريكي إلى تحويل هذه الشراكة الاستراتيجية من المجال العسكري الى شراكة استراتيجية سياسية، أفردت فيها الإدارة الأمريكية لتركيا دوراً رئيسياً، لإحداث تغيير في ثقافة الأيديولوجيات المتصارعة في معظم دول الشرق الأوسط الى ثقافة ديمقراطية منسجمة مع الثقافة الغربية "مشروع الشرق الأوسط الكبير". لذا أدركت الحكومة التركية الحالية من جانبها أن الشراكة مع الولايات المتحدة لا تكتمل إلاّ بدعم الكونغرس والجاليات اليهودية في الولايات المتحدة. وتجاوباً مع هذه السياسة بدأت الحكومة التركية بالتقرب لهذه المجموعات المؤثرة على صانعي القرار في الإدارة الأمريكية، وإلى تقوية علاقاتها مع اسرائيل.
70. أما بالنسبة للوضع في العراق فإن الحكومة التركية تدرك إن إقامة دولة كردية في شمال العراق سيؤدي في السياق التاريخي المستقبلي إلى تقسيم تركيا، وانضمام الأكراد في شرق البلاد "منطقة الأناضول" إلى الدولة الكردية. لهذا يسعى الأتراك للتقارب مع دول الجوار بهدف تشكيل جبهة موحدة لرفض تقسيم العراق والمحافظة على وحدة أراضيه.
71. عدم نجاح الأميركيين في العراق أو انسحابهم المفاجئ سيفرض على "الأتراك والحكومة التركية" إدامة الاستعداد السياسي والعسكري للتدخل بالوسائل المناسبة، إذا ما ساءت الأحوال أو اختلطت الأوراق قبل وبعد الانتخابات.
72. استطاعت الحكومة التركية اتخاذ مبادرات شجاعة باتجاه حل القضية القبرصية، فوافقت على خطة عنان، ودعمت خطة التفاوض، على الرغم من موقف المؤسسة العسكرية التركية المعارض لسحب القوات التركية من الجزيرة التي تمتاز بموقعها الاستراتيجي ومخزونها المائي الكبير.
73. إن السبب الرئيسي في ابتعاد تركيا عن الشرق الأوسط في الخمسينات والستينات هو تعاظم التيار القومي في البلاد العربية. لهذا نجد أن تركيا لا تسعى إلى بناء تحالفات مع الدول العربية وإنما تركز على التعاون الإقليمي من خلال قنوات الاتصال الدبلوماسية وبشكل أفقي وليس عمودي، مع التركيز على التعاون الاقتصادي، علماً أن جميع المراقبين والمحللين يدركون أن هناك تنافس خفي على دور قيادي في الشرق الأوسط بين تركيا وبعض الدول العربية مثل مصر والسعودية وهذا ما ظهر خلال اجتماعات منظمة المؤتمر الإسلامي.
74. بالرغم من تداعيات حرب الخليج إلاّ أن الحكومة التركية عملت على اتخاذ قرارات اقتصادية هامة انعكست إيجاباً على الاقتصاد التركي من حيث نسبة التضخم وارتفاع أسهم الشركات وارتفاع سعر العملة وارتفاع حجم الصادرات وزيادة حجم التبادل التجاري مع دول الجوار ومعالجة قضايا الفقر والبطالة.
75. وفي الختام أقول أن تركيا استفادت من ظروف عملية السلام في الشرق الأوسط المتعثرة، ومن تداعيات أحداث 11 ايلول، ومن سياسات أمريكية تجاه المنطقة لتحقيق التوازن في علاقاتها مع اسرائيل ودول المنطقة العربية، والنظر الى ثروات بحر قزوين والتطلع إلى التحكم في مصادر المياه، انطلاقا من مقولة الرئيس التركي السابق سليمان ديميريل "لكم نفطكم ولنا مياهنا"!. تسعى تركيا للاستفادة من التعاون والتقارب مع اسرائيل لتسوية المسألة الكردية وقد يكون على حساب سوريا والعراق، ومن الملفت للنظر أن التعاون العسكري التركي الإسرائيلي لم يتأثر على الإطلاق بوصول أحزاب إسلامية إلى السلطة، حيث قدمت هذه الأحزاب المصلحة القومية العليا لتركيا على الاعتبارات المذهبية والعقائدية "المصالح فوق المبادئ".
إعداد وتحضير
اللواء الركن المتقاعد الدكتور صالح لافي المعايطة
باحث ومحلل إستراتجي
s.maaytah@sunyjordan.org