اعداد - محمد داودية
تموز 2012
تعريف:
حركة الإصلاح في أندونيسيا عام 1998 عبارة عن قمة حركة طلابية ــ شعبية مشتركة مؤيدة للديمقراطية تمكنت من إرغام الرئيس سوهارتو، الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود، على التخلي عن منصبه في 21/5/1998 ليسلم زمام الحكم إلى نائبه البروفيسور الدكتور بحر الدين يوسف حبيبي.
المقدمات والاسباب:
وجدت هذه الحركة توقيتاً مناسباً لتزامنها مع الأزمة النقدية الآسيوية المتفاقمة التي اجتاحت اندونيسيا منذ منتصف عام 1997، حيث شهد سعر صرف الروبية هبوطاً حاداً من (3,035) روبية للدولار في شهر آب 1997 ليصبح 17,000 روبية في 22/1/1998، (الدولار اليوم = 9000 روبية) مما ادى الى ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل حاد وهبوط القدرة الشرائية للمواطنين.
في هذه الحالة، جعل الطلبة من جميع المشارب الأيديولوجية والانتماءات السياسية، موضوع استقالة الرئيس سوهارتو أجندة وطنية، كما حصلت هذه المطالبة على تعاطف وتأييد الشعب الإندونيسي قاطبة.
في شهر أيار 1998، زادت بشكل كبير المظاهرات الطلابية المطالبة بـ (الإصلاح)، بمعناه المحدد وهو استقالة الرئيس سوهارتو، خاصة بعد أن أعلنت الحكومة في 4/5/1998 زيادة في أسعار الوقود ورسوم النقل.
في هذه الفترة أصبحت مطالبات الحركة الطلابية أكثر وضوحاً وكانت تتمثل في:
1 ) محاكمة الرئيس سوهارتو وأعوانه بسبب الفساد والانتهازية والمحسوبية.
2) تعديل دستور الدولة عام 1945.
3) وقف الوظائف المدنية لأفراد الجيش الذين كانوا في عهد الرئيس سوهارتو، يشغلون مناصب مدنية مثل رئيس بلدية وإقليم ومقاطعة أو محافظة بالإضافة إلى شغل مناصب عسكرية.
4) منح الحكم الذاتي لجميع الأقاليم في البلاد والحكم الذاتي الموسع لمحافظات أتشيه وبابوا.
5) احترام سيادة القانون.
6) تشكيل الحكومة الأندونيسية الخالية من الفساد والانتهازية والمحسوبية.
وقد جعل الطلبة المتظاهرون مباني البرلمان في جاكرتا ومباني البرلمانات الإقليمية في محافظات البلاد واقاليمها أهدافاً لمظاهراتهم، كما أجمع الطلبة - بغض النظرعن توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية (الإسلاميين والمسيحيين والوطنيين والاشتراكيين وغيرهم) - على مطالبة واحدة وهي استقالة الرئيس سوهارتو.
وعلى الرغم من تحقق بعض أجندة حركة الإصلاح، مثل استقالة الرئيس سوهارتو وإزالة ازدواجية الجيش وتعديل الدستور والحكم الذاتي، إلا أن باقي أجندة الإصلاح لم يتحقق وبالاخص مكافحة الفساد.
وقد فتحت الحركة الطلابية جولة جديدة للتاريخ الإندونيسي تسمى الآن بعصر الإصلاح، الذي انطلق منذ استقالة الرئيس سوهارتو في 21/5/1998.
أحداث الشغب في العاصمة جاكرتا وبعض ألأقاليم في 13ــ 14/5/1998:
وقعت أحداث شغب ذات طابع عرقي وديني واسعة النطاق في العاصمة جاكرتا وبعض المدن الأندونيسية مثل مدينة سولو في 13 - ـ14/5/1998 بسبب مقتل (4) طلبة من جامعة (تري ساكتي) أثناء مشاركتهم في المظاهرة الطلابية.
وقعت تلك الأحداث بغياب سوهارتو لمشاركته في قمة الــ 15 المنعقدة في القاهرة في الفترة ما بين 9 ــ 13أيار.
22/1/1998:
هوى سعر صرف الروبية ليصبح 17,000 للدولار الأمريكي بسبب رفض صندوق النقد الدولي المساعدة في حل الأزمة النقدية في أندونيسيا.
5/3/1998:
زار (20) طالباً من جامعة أندونيسيا الوطنية مبنى البرلمان للقاء كتلة الجيش في المجلس الاستشاري الشعبي، للتعبير عن رفضهم لخطاب مسؤولية الرئيس سوهارتو أمام الجلسة العامة للمجلس، كما سلموا لها أجندة الإصلاح.
10/3/1998:
اُنتخب الرئيس سوهارتو مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية للمرة السابعة على التوالي، كما انتخب حبيبي نائبا له.
14/3/1998:
أعلن سوهارتو حكومته الجديدة، الت أدخل فيها ابنته وزيرة للشؤون الاجتماعية.
15/4/1998:
طالب الرئيس سوهارتو الطلبة بإنهاء مظاهراتهم والعودة إلى الحرم الجامعي، علماً أن الطلبة كانوا يتظاهرون يومياً في الشوارع ومبنى البرلمانات الإقليمية مطالبين الحكومة بإجراء الإصلاحات السياسية.
18/4/2012:
عقد وزير الدفاع والأمن وقائد الجيش الجنرال (ويرانتو) و(14) وزيراً حواراً مع الطلبة الجامعيين في حي (كيمايوران) وسط العاصمة جاكرتا، بغياب العديد من ممثلي الطلبة.
1/5/1998:
قال الرئيس سوهارتو إن حركة الإصلاح لا يمكن إطلاقها إلا بعد عام 2003. ولاحقاً تراجع الرئيس عن الموعد أعلاه ليقول أن الإصلاح يمكن إطلاقه فورا.
واجه طلبة جامعيون في مدن ميدان وباندونغ وجوكجاكرتا خطة الحكومة لزيادة أسعار الوقود بالمظاهرات الاحتجاجية الضخمة فاتخذت قوات الشرطة والجيش إجراءات قمعية.
4/5/1998:
قررت الحكومة زيادة أسعار الوقود بنسبة 71 %، وواجه الطلبة القرار بالمظاهرات لمدة ثلاثة أيام أسفرت عن مصرع (6) طلبة في مدينة ميدان.
7/5/1998:
أصيب (52) طالباً بجروح اثر اصطدامهم مع أفراد الشرطة غرب جزيرة جاوا.
8/5/1998:
قتل طالب في جوكجاكرتا أثناء مشاركته في المظاهرة الطلابية.
9/5/1998:
غادر الرئيس سوهارتو إلى مصر للمشاركة في قمة دول المجموعة الـ 15 في القاهرة.
12/5/1998:
قتل (4) طلبة من جامعة (Trisakti) بالرصاص أثناء مشاركتهم في مظاهرة أمام الحرم الجامعي.
13/5/1998:
وقعت أحداث شغب واسعة النطاق في العاصمة جاكرتا وفي مدينة سولو وسط جزيرة جاوا، حيث قام المشاغبون بنهب وسلب وسرقة ممتلكات إندونيسيين من أصل صيني وإضرموا النار في معظم محالهم التجارية واغتصبوا نساءهم وبناتهم وقتلوهن، و تفيد تقارير غير رسمية بأن نحو 1000شخص قتلوا في تلك الأحداث، الأمر الذي دفع بالرئيس سوهارتو لقطع مشاركته في قمة القاهرة والعودة إلى جاكرتا في حين قرر آلاف الإندونيسيين من أصل صيني مغادرة أندونيسيا متوجهين إلى سنغافورة أو دول أخرى طلباً للنجاة.
14/5/1998:
زادت المظاهرات اتساعاً في جميع مدن البلاد وبدأ المتظاهرون باقتحام مباني البرلمانات الإقليمية في الأقاليم والمحافظات ومبنى البرلمان في العاصمة.
عبر سوهارتو أمام الجالية الأندونيسية في القاهرة عن استعداده للاستقالة إذا رغب الشعب في ذلك.
استمرت أحداث الشغب في جاكرتا وأسفرت عن مقتل المئات من المواطنين حرقا في بعض المحلات التجارية.
15/5/1998:
عاد سوهارتو الى جاكرتا وعقد فور وصوله اجتماعاً وزارياً.
17/5/1998:
قدم وزير السياحة والآثار والثقافة استقالته.
18/5/1998:
طالبت رئاسة المجلس الاستشاري الشعبي (أعلى سلطات تشريعية) الرئيس سوهارتو بالاستقالة من منصبه حفاظاً على وحدة الشعب وتم بث هذا الطلب على الهواء مباشرة من مبنى البرلمان كما تم وسط الضغوط القوية من آلاف الطلبة والناشطين الديمقراطيين الذين اقتحموا مبنى البرلمان واحتلوه.
عقد الرئيس سوهارتو اجتماعاً مع الوزراء المنسقين لبحث مستجدات الأوضاع وخاصة مطالبة الطلبة باستقالته.
اعتبر الجنرال ويرانتو، مطالبة رئاسة المجلس الاستشاري الشعبي بأنها رأي الرئاسة ولا تعبر عن رأي المجلس، وطرح فكرة تشكيل مجلس ثورة.
19/5/1998:
عقد الرئيس سوهارتو لقاءً مع العلماء وقادة الرأي مثل عبد الرحمن واحد، رئيس جمعية نهضة العلماء، والأديب الشهير إيمها عين النجيب، ورئيس جامعة بارامادينا نور خالص ماجد، والشيخ الحاج علي يافي رئيس مجلس العلماء ، والبروفيسو عبد الملك فجر من رئاسة المحمدية، ويوسريل إهزا ماهيندرا أستاذ كلية الحقوق في جامعة أندونيسيا الوطنية، والشيخ الحاج خليل بيضاوي من جمعية المسلمين الإندونيسيين وغيرهم، حيث أوضح هؤلاء للرئيس سوهارتو المستجدات الأخيرة في البلاد وفي مقدمتها مطالبة الطلبة والمنظمات الاجتماعية باستقالته، فيما اقترح الرئيس سوهارتو تشكيل لجنة الإصلاح.
نصح بعض الوزراء الرئيس سوهارتو بالتراجع عن خطة تشكيل لجنة الإصلاح لأن ذلك "إضاعة للوقت". واستمر الآلاف من الطلبة في احتلال مبنى البرلمان في العاصمة، كما اقتحم الطلبة مباني بعض البرلمانات الإقليمية.
طالب أمين رئيس، أحد قادة حركة الإصلاح الأربعة (إلى جانب السيدة ميغاواتي وعبد الرحمن واحد والسلطان العاشر محافظ جوكجاكرتا) الجماهير بالتوجه إلى نصب (Monas) التذكاري الذي يقع أمام القصر الجمهوري.
وقعت في اليوم ذاته اشتباكات بين أفراد الشرطة والطلبة في جامعة (أيرلانغا) في مدينة سوربايا.
20/5/1998:
ألغى أمين رئيس خطة حشد الجماهير أمام القصر الجمهوري لقيام الجيش بنشر نحو (80) ألف جندي أمام القصر.
وفي جوكجاكرتا شارك 500ألف في المظاهرة، بمن فيهم السلطان العاشر، وأقيمت مظاهرات مماثلة في مدينة سورا كارتا ومدينة ميدان ومدينة باندونغ.
طالب رئيس المجلس الاستشاري الشعبي ورئيس حزب الجولكار الحاكم، الرئيس سوهارتو بتقديم الاستقالة في موعد أقصاه يوم الجمعة (22/5/1998)، وإلا فإن المجلس سينتخب رئيساً آخر.
في الوقت ذاته قدم (14) وزيراً استقالتهم.
عقد الرئيس سوهارتو في المساء اجتماعاً مع نواب الرئيس السابقين، ودعا يوسريل إهزا ماهيندرا (خبير قانون نظام الدولة) ووزير سكرتارية الدولة وقائد القوات المسلحة لترتيب خطة استقالة الرئيس وتسليم سلطته لنائبه حبيبي.
21/5/1998:
أعلن الرئيس سوهارتو صباح يوم 21/5/1998 استقالته من منصبه وتسليم سلطته لنائبه حبيبي. في حين أكد الجنرال ويرانتو بأن القوات المسلحة الأندونيسية ملتزمة بالحفاظ على سلامة وشرف رئيس الجمهورية والرؤساء السابقين ونوابهم بمن فيهم الرئيس المستقيل سوهارتو.
22/5/1998:
أعلن الرئيس حبيبي تشكيل "حكومة الإصلاح"
قادة حركة الإصلاح الأربعة في أندونيسيا عام 2008:
1- عبد الرحمن واحد (رئيس الجمهورية السابق، والرئيس السابق لجمعية نهضة العلماء ومؤسس حزب النهضة الشعبي)
2- السيدة ميغاواتي سوكارنو بوتري (رئيسة الجمهورية السابقة، كريمة الرئيس الراحل سوكارنو، ورئيسة الحزب الديمقراطي الإندونيسي للنضال)
3- أمين رئيس (رئيس المجلس الاستشاري الشعبي السابق، والرئيس السابق لجمعية المحمدية، ومؤسس حزب الأمانة الوطني)
4- السلطان العاشر ومحافظ جوكجاكرتا (نجل السلطان التاسع ومحافظ محافظة جوكجاكرتا)
اجتماع قادة الإصلاح الأربعة
في 10/11/2008، عقد القادة الأربعة اجتماعاً لصياغة أهداف حركة الإصلاح، وذلك بمبادرة من اتحاد طلبة جاكرتا وباندونغ، وانتهى الاجتماع باتفاق على سبع نقاط حول أهداف حركة الإصلاح في البلاد وهي:
1- المحافظة على الوحدة الوطنية.
2- إعادة السيادة الوطنية للشعب.
3- اللامركزية في إدارة الحكم طبقاً لنظام الحكم الذاتي للأقاليم.
4- إجراء الانتخابات العامة النزيهة.
5- إلغاء الوظائف المدنية للقوات المسلحة بصورة تدريجية.
6- محاكمة مرتكبي الفساد في البلاد ابتداءً من الرئيس الراحل سوهارتو.
7- حل جميع الميليشيات الأمنية غير الرسمية.
أبرز النتائج الإيجابية لحركة الإصلاح
- تعديل دستور الدولة عام1945.
- انتخاب رئيس الجمهورية ونائبه بشكل مباشر من قبل المواطنين بدلاً من قبل المجلس الاستشاري الشعبي.
- أصبحت فترة رئاسة رئيس الجمهورية ونائبه فترتين رئاسيتين كحد أعلى.
- انتخاب جميع أعضاء مجلس النواب الشعبي بشكل مباشر من قبل الناخبين.
- تشكيل مجلس النواب الإقليمي/ مجلس الشيوخ وانتخاب جميع أعضائه بشكل مباشر من قبل الناخبين.
- يتم انتخاب جميع أعضاء المجلس الاستشاري الشعبي المكون من جميع أعضاء مجلس النواب وجميع أعضاء مجلس النواب الإقليمي بشكل مباشر من قبل الناخبين، ولم يعد هناك تعيين لأعضاء مجلس النواب مثلما كان في عهد الرئيس سوهارتو، الذي خصص بعض المقاعد لأعضاء الشرطة والجيش بالتعيين.
- قيام التعددية الحزبية بمعناها الحقيقي، لأن الأحزاب السياسية في عهد الرئيس سوهارتو، كانت لا تزيد على ثلاثة أحزاب فقط وهي: حزب الجولكار الحاكم وحزب التنمية الموحد والحزب الديمقراطي الإندونيسي، إلا أن الحزبين الثاني والثالث كانا ديكوراً.
- فصل الشرطة عن القوات المسلحة.
- إلغاء الوظائف المدنية لأفراد القوات المسلحة.
- حرية الصحافة.
- حرية التعبير دون الحصول مسبقاً على ترخيص لإقامة مظاهرة مثلاً، والاكتفاء بإعلام الشرطة.
- انتخاب رؤساء المحافظات والأقاليم والبلديات من قبل المواطنين مباشرة عبر الانتخابات الإقليمية بدلاً من تعيينهم.
- تشكيل ديوان المظالم.
- تشكيل لجنة مكافحة الفساد.
- تشكيل المحكمة الدستورية.
- تشكيل اللجنة القضائية.
- منح الحكم الذاتي الموسع لمحافظتي أتشيه وبابوا.
- منح الحكم الذاتي لجميع الأقاليم.
أبرز النتائج السلبية لحركة الإصلاح في أندونيسيا:
1- انتشار جرائم الفساد نتيجة تطبيق نظام اللامركزية والحكم الذاتي للأقاليم. فساد العملية الانتخابية فقد أنفق رؤساء المحافظات والأقاليم أو البلديات مبالغ هائلة لكسب أصوات الناخبين خلال الانتخابات الإقليمية، وكذلك أعضاء البرلمانات الإقليمية وأعضاء مجلس النواب الشعبي ومجلس النواب الإقليمي. ويذكر أن الأموال التي يصرفها أي مرشح لرئيس الإقليم بحدود ثلاثة ملايين دولار، ورئيس المحافظة أكثر من 10 ملايين دولار، وقد عمل الفائزون على استرداد أموالهم بمختلف الوسائل.
2- المبالغة في ممارسة حرية التعبير وحرية الصحافة
3- تضارب بعض القوانين الإقليمية مع بعض القوانين المركزية بسبب تطبيق الحكم الذاتي للأقاليم.
4- انتشار ظاهرة العنف والبلطجة والاشتباكات بين أفراد المجتمع بسبب فقدان المثل العليا في البلاد.
5- انتشار ظاهرة العنف والاشتباكات ذات الطابع الديني مثل العنف في جزيرة مالوكو/ أمبون بين المسلمين والمسيحيين، وفي وسط كاليمنتان بين السكان الأصليين من قبيلة (داياك) ويبن الوافدين من قبيلة (مادورا) في شرق جزيرة جاوا، وكذلك بين المسلمين والمسيحيين في إقليم بوسو.
6- ظهور النزاعات الحدودية بين الأقاليم.
7- ظهور الخلافات بين الأقاليم والحكومة المركزية على أحقية الاستغلال للمناجم والثروة المعدنية والطبيعية.
8- انتشار ظاهرة الإرهاب لسهولة دخول الإيديولوجيات المتطرفة إلى البلاد وضعف المراقبة على المطبوعة والمواد الإعلامية.
أندونيسيا ثالث أكبر ديمقراطية وأكبر تجمع إسلامي في العالم.
تفتخر أندونيسيا، بفضل حركة الإصلاح، بمكانتها كأكبر تجمع إسلامي وثالث أكبر ديمقراطية في العالم بعد الهند والولايات المتحدة، وهي المكانة التي تحاول أندونيسيا الاستفادة منها في تعاملها مع الأسرة الدولية، حيث تؤكد أندونيسيا في كثير من المناسبات بأن الإسلام لا يتعارض مع الديمقراطية، وإنما يتمكن كل منهما أن يتعايشا جنباً إلى جنب، كما أن طبيعة الإسلام المعتدلة في أندونيسيا مختلفة عنها في باقي العالم الإسلامي.
كما حاولت أندونيسيا ترويج المبادئ الديمقراطية ونقل تجارب وخبرات التحول السلمي من النظام الدكتاتوري إلى النظام الديمقراطي إلى دول أخرى تنظيم بعض المناسبات الدولية مثل استضافة (منتدى بالي للديمقراطية) الذي يعقد سنوياً في جزيرة بالي بهدف تطوير الحوار والتعاون الإقليمي والدولي في المجال الديمقراطي.
محاولة أندونيسيا نقل خبرة التحول الديمقراطي السلمي إلى مصر وتونس:
بعث رئيس الجمهورية سوسيلو بامبانغ يودويونو برسالة إلى الحكومة المصرية، في 7/2/2011، أي قبل (4) أيام فقط من استقالة الرئيس مبارك، تتضمن نقل خبرة التحول الديمقراطي السلمي الإندونيسي إلى الحكومة المصرية.
ففي مؤتمر صحفي عقد يوم 7/2/2011، قال يودويونو أن الرسالة سيتم تسليمها مباشرة من قبل المبعوث الخاص الإندونيسي والوزير السابق للشؤون الخارجية والسفير السابق في القاهرة، حسن ويرايودا إلى الحكومة المصرية.
وأوضح يودويونو أن الرسالة تتضمن الرغبة في تقاسم خبرة التحول الديمقراطي السلمي الذي شهدته بلاده قبل 12 سنة إلى الحكومة المصرية. وعبر عن أمله في أن تتمكن مصر من معالجة مشاكلها الداخلية بطريقة مناسبة وحكيمة وتجنب العنف وسقوط ضحايا في الأرواح. ويذكر ان مصر هي اول دولة اعترفت باستقلال أندونيسيا عام1945.
ومن أجل متابعة نجاح مصر في التحول الديمقراطي السلمي، فقد نظم معهد السلام والديمقراطية الإندونيسي، باعتباره وكالة منفذة لبرامج منتدى بالي للديمقراطية، ورشة العمل الرابعة في مدينة تانغيرانغ من 11 – 12/4/2012، بعنوان: (أندونيسيا ـ مصر: حول الانتقال الديمقراطي والإسلام والدولة والسياسة) بمشاركة 25 من ممثلي الهيئات التشريعية والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والأكاديميين ومعاهد البحوث في مصر وتونس. وركزت الورشة على الدولة والدستورية والأقليات والمجتمع المدني وترويج الديمقراطية في البلدان ذات الأغلبية المسلمة ما بعد الثورة مثل مصر وتونس وأندونيسيا.
ومن الجدير بالذكر أن ورشة العمل الأولى عقدت في جاكرتا في الفترة ما بين 25 ــ 27/5/2011 وركزت على المرحلة الانتقالية وتعزيز الديمقراطية، وعقدت ورشة العمل الثانية في القاهرة في الفترة ما بين 25 – 26/7/2011 تحت عنوان تنظيم انتخابات ديمقراطية، في حين عقدت ورشة العمل الثالثة في جاكرتا في الفترة من 20 ــ 22/10/2011 لبحث تنظيم المؤسسات الانتخابية والقواعد الانتخابية والصراعات في مرحلة ما بعد الانتخابات.
وقال حسن ويرايودا، وزير الخارجية السابق، أن أندونيسيا ومصر وتونس متشابهة في ثلاثة أوجه هي: ذات أغلبية مسلمة، ذات شعور قوي بالقومية، واستمرار الصراع بين القوى الإسلامية والعلمانية. ولكن على النقيض من مصر وتونس، فإن أندونيسيا قد أنهت جدالها حول الإسلام والدولة والسياسة، حيث أجمع الشعب الإندونيسي على تبنى (Pancasila) أو المبادئ الخمسة وهي الإلهية، الإنسانية، الوحدة الوطنية، الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية كأساس حياة الدولة والشعب الإندونيسي.
من جانب آخر قال الدكتور كتوت إيراوان، المدير التنفيذي للمعهد، أن الورشة تعتبر أداة لتقاسم التجارب بين أندونيسيا ومصر في مجال التحول الديمقراطي، مذكراً بوجود التشابه بين أندونيسيا ومصر في هذا المجال، وكذلك وجود التشابه بين الثورة التي حدثت في تونس(كانون الأول 2010) والثورة في مصر (كانون الثاني 2011) اللتين انتهتا بالإطاحة بالأنظمة الاستبدادية في كلا البلدين، وبين عملية الإصلاح في أندونيسيا عام 1998التي نجحت في إرغام الرئيس سوهارتو على التخلي عن سلطة الحكم.
كما نظمت السفارة الأندونيسية في تونس في 28/4/2012 حلقة دراسية بعنوان: "عملية التحول الديمقراطي في أندونيسيا: تقاسم الخبرة الأندونيسية مع تونس"، في العاصمة تونس. وقد عقدت هذه الحلقة كشكل من اهتمام الحكومة الأندونيسية بالتحول الجذري الذي حدث في شمال إفريقيا والشرق الأوسط الناجم عن الثورة التونسية.
الأسباب الرئيسية للأزمة السياسية في كل من مصر وتونس وأندونيسيا :
يرى ويرايودا أن السبب الأساسي للأزمة السياسية في مصر وتونس وأندونيسيا يتمثل في عدم التوازن في التنمية الاقتصادية والسياسية، موضحاً أن التجارب الأندونيسية والمصرية والتونسية تظهر أنه على الرغم من أن التنمية الاقتصادية تمكنت من زيادة الدخل للفرد، إلا أنها لم تضمن الاستقرار السياسي والأمني بسبب غياب المجال السياسي (political space) وغياب الحرية، وبمعنى آخر أنه ليس هنالك تنمية اقتصادية مستدامة من دون الديمقراطية.
العودة إلى نقطة الصفر- المربع الاول
في تقييم على مرور 14 عاماً من إنطلاق حركة الإصلاح عام 1998، يرى بعض قادة الرأي والمفكرين والأكاديميين والمحللين السياسيين الإندونيسيين، وفي مقدمتهم أمين رئيس، أحد قادة الإصلاح الأربعة، والمستشار السابق لرئيس الجمهورية لشؤون القانون، المحامي عدنان بويونغ ناسوتيون، ورئيس جمعية نهضة العلماء، سعيد عقيل سراج، أن معظم أهداف حركة الإصلاح قد باءت بالفشل ما عدا هدفين فقط هما تعديل دستور الدولة عام 1945 مع إدخال مواد حقوق الإنسان مثل حرية التعبير وحرية الصحافة، والانتخابات المباشرة لرئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان والانتخابات الإقليمية، وذلك لأسباب أهمها:
1- التآمر بين رجال الأعمال والنظام الحاكم في الفساد.
2- وقوع بعض نشطاء الإصلاح، الذين كانوا يناهضون نظام الرئيس سوهارتو بسبب فساده، في نفس الجريمة ودخول بعضهم في العالم التجاري وترك المجال أمام أعداء الإصلاح في النظام السياسي.
3- قرصنة حركة الإصلاح من قبل أنصار نظام الرئيس سوهارتو، من خلال التغلغل في صفوف الإصلاحيين وإنشاء الأحزاب السياسية والترشح لمنصب رؤساء الأقاليم والمحافظات وشراء مناصب إستراتيجية في إدارة الحكم.
4- تفشي نظام حكم القلة Oligarchy، حيث تتنافس جميع الأحزاب السياسية من أجل الحفاظ على السلطة والمال.
5- إصرار الأصوليين على تحقيق أهدافهم من خلال قرصنة الإجراءات الديمقراطية واحتلال أجهزة الدولة واللجوء للعنف وعدم التسامح تجاه الأقليات، مما أدى إلى انتهاكات بحق المسيحيين والطائفة الأحمدية والشيعة.
6- الضعف في تنفيذ القانون والتمييز في حملة مكافحة الفساد وفشل الإصلاح البيروقراطي.
7- تجاهل إيديولوجيا الدولة وهي البانتشاسيلا أو المبادئ الخمسة.
وأخيراً ... تشير نتائج استطلاعات الرأي العام التي أجرتها مؤسسة (Indo-barometer) بأن معظم ابناء الشعب الإندونيسي يشعرون بشوق الى عودة نظام سوهارتو من جديد.
عن أندونيسيا
تتكون اندونيسيا من 17500 جزيرة نصفها غير مأهول * سكانها ال 250 مليون من عشرات المئات من الإثنيات من ابرزها الملاوي والصيني والعربي * يرفض الاندونيسيون وصف بلدهم بانها (دولة اسلامية) ويقولون انها دولة علمانية ذات اغلبية سكانية مسلمة- نحو 88% * تشكل اللغة العربية اكثر من 50% من مكونات اللغة الأندونيسية - البهاسا - * يسيطر الاندونيسيون من اصل صيني على معظم اقتصاد اندونيسيا * اندونيسيا دولة كبرى ذات موارد هائلة ويمكن ان تصبح دولة عظمى لو نجحت في الحد من وباء الفساد * يحمل الاندونيسيون، (الاسلام العربي الصحراوي) مسؤولية العنف والارهاب المرشح للتعاظم في اندونيسيا، ذات (الاسلام الاخضر المتسامح) * حزب الغولكار الذي اسسه الدكتاتور المخلوع سوهارتو هو اليوم في الرتبة الاولى في استطلاعات الرأي - نحو 16%.