مركز الرأي للدراسات
اعداد : د. خالد الشقران
3/2010
بهدف تطوير مجتمعاتها من الحالة التي هي عليها إلى وضع اكثر تقدما تجتهد الدول النامية ومنها الدول العربية عبر استخدام مختلف السبل والوسائل لتنمية مجتمعاتها في اطار الامكانات والقدرات البشرية والمادية والموارد الاخرى المتاحة.
على انه ليس ثمة شك في أن ذلك لم يكن ليتم في معزل عن ضرورة وجود مجموعة من الأبنية المترابطة والمتوازنة للقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي ينبغي أن يحكمها تخطيط علمي شامل ومتكامل، لتطوير المستوى الاجتماعي والتعليمي وزيادة نواتج الدخل الوطني، ورفع المستوى الثقافي والصحي والإسكاني والبيئي، وقبل كل هذا وبعده المحافظة على الموروث الحضاري والقيمي الذي يقوم عليه المجتمع.
ولأن عملية التنمية هي عملية ضخمة ومعقدة ومتشعبة ذات ابعاد وتداعيات مختلفة، فقد غدت الحاجة ماسة إلى وجود وسائل إعلام فاعلة ومؤثرة داعمة لعملية التنمية ودافعة لمسيرتها قدما عبر اعمال اعلامية مدروسة ومبرمجة تهدف الى احداث تأثير ايجابي على أفكار وآراء ومعلومات وسلوكيات المجتمع، بما يتفق وخطط التنمية، أي بمعنى ان تقوم وسائل الاعلام بممارسة ما اصبح يطلق عليه "الدور التنموي الحقيقي والفاعل لوسائل الاعلام"، هذا الدور الذي تقوم فيه وسائل الاعلام على تنوعها باستهداف الانسان في المقام الأول باعتباره المحرك لكل عناصر التنمية بهدف إعادة صياغة وتشكيل كثير من الأنماط السلوكية لدى الافراد المكونين للمجتمعات.
لكن الواقع يشير الى ان قضايا التنمية كالنمو الاقتصادي ورفع مستوى الدخل والسكان والصحة الانجابية والعنف الأسري وحقوق الإنسان والجوع والبيئة والفقر والتخلف والتصحر والصحة والبطالة وتحسين بيئة الاعمال وزيادة الانتاجية وعمالة الأطفال، وتحرّكات الجمعيات الأهلية ومنظّمات المجتمع المدني والتي تعتبر كلها حلقات ضمن المشهد العام للعمل التنموي لا تتجلّى تماماً في الإعلام، لكون وسائله التقليدية تلفزيون واذاعة وصحف تهتمّ بالاحداث والحالات الساخنة والكوارث، أو النزاعات النازفة وآثارها الفورية.
وهذا الواقع انما يوحي بأن معالجات شؤون اجتماعية ومحاولات تنفيذ مشاريع وبرامج تنمية بشرية (معيشية وثقافية) محلية، لا زالت تأتي من تضافر جهود يبذلها أطراف داخليون معنيون مباشرة، كالجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، وجهود وبرامج مختلفة من أطراف من داخل وخارج البلد الذي تدور فيه مجريات قضية إنسانية ما، كمنظمات الأمم المتحدة أو المنظمات العربية او الاتحاد الأوروبي أو المنظمات الحكومية وغير الحكومية العالمية، والمسوح والدراسات في الدول ونتائجها وأرقامها، التي تساعد على استشراف الواقع، وتمهّد الطريق إلى معالجة علمية ومنهجية مديدة، لا تظهر في الإعلام ولا يستفاد منها، حتى الآن، إلاّ عند نشر تقارير سنوية، أو إجراء مسح أو دراسة ما، أو حصول كارثة أو الاضطرار إلى توضيح حالة معيّنة
وفي ضوء الدلالات السابقة التي تؤكد ان الاعلام لا زال بعيدا الى حد كبير عن مواكبة وتتبع عمليات التنمية المختلفة التي تشهدها المجتمعات، ناهيك عن عدم قدرة هذا الاعلام على تبني ودفع مسيرة التنمية واخذ دوره الحقيقي الفاعل والمؤثر في هذا المجال، فقد حاولت هذه الدراسة بيان مفهوم وماهية وطبيعة عملية التنمية وحقيقة وطبيعة ومحددات الدور التنموي للمؤسسات الاعلامية مع بيان السبل التي يمكن ان تساعد هذه الوسائل على القيام بدورها الحقيقي والفاعل في مجالات التنمية المختلفة.
وفي اطار تناولها للموضوع فقد اهتمت الدراسة بالاجابة عن عدد من التساؤلات المهمة ومنها :ما هي التنمية؟ وما هي المداخل الممكنة للاقتراب من التنمية كمفهوم وكممارسة أيضا؟ وما أنواعها في ضوء التحولات والانفتاحات المستمرة التي يشهدها هذا المفهوم؟ وهل هناك نموذج مثالي أو وصفة جاهزة لإعمال مقتضيات التغيير التنموي؟ وهل ثمة علاقة بين الاعلام والتنمية؟ وما هو الدور الذي ينبغي على المؤسسات الاعلامية ان تقوم به في اطار عملية التنمية؟.
مفهوم وطبيعة التنمية.
تُعرّف التنمية بأنها عملية تستند إلى الاستغلال الرشيد للموارد بهدف إقامة مجتمع حديث، وعرّفت الأمم المتحدة التنمية بأنها " تدعيم المجهودات ذات الأهمية للمجتمع المحلي بالمجهودات الحكومية، وذلك لتحسين الحالة الاقتصادية والاجتماعية والحضارية لهذا المجتمع على أن تكون خطط الإصلاح العامة للدولة"، فيما يشير المعنى الحديث لمفهوم التنمية الى العملية التي يتم عبرها تفجير كل الطاقات الكامنة داخل مجتمع معين، وتعبئتها وتأطيرها واستغلالها أفضل استغلال، من أجل البلورة الكاملة للفرد والمجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا، إنها عملية تحويل وتغيير مستمرين ضمن مسلسل يهدف الى ضمان وتحصين الكرامة الفردية والجماعية في المجتمع، واستثمار كل طاقاته إلى أقصى حدودها الممكنة دون هيمنة أو استغلال طبقي داخليا كان أو خارجيا".
اما الإعلان العالمي لحق التنمية فقد اعتبر أن التنمية هي : "عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفي التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها".، في حين يشير اخرون لعملية التنمية على انها عملية واعية، طويلة الأمد، شاملة ومتكاملة في أبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والتكنولوجية، والثقافية، والإعلامية، والبيئية… والتنمية بالإضافة إلى كونها عملية مرسومة لتقدم المجتمع في مختلف المجالات، فهي تعتمد اعتمادا كبيرا على مشاركة جميع أفراد المجتمع فيها"، وتعرف التنمية ايضا بأنها تشكل فعلا اجتماعا ديناميكيا يساعد المجتمع ككل بمعطياته ومؤسساته على اكتساب قدرات معرفية جديدة تيسر له قدرات إنتاجية متزايدة تمكن كل المواطنين من تحسين مستواهم المعيشي وشروط حياتهم بصفة عامة".
ورغم ان مفهوم التنمية حاضرا في أذهان كثير من الإداريين والباحثين المهتمين بالنواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية… لكن إذا كان هؤلاء قد اختلفوا في إعطاء تعريف موحد لهذا الموضوع، فإن اهتمامهم بعملية التنمية لم يخرج عن إطار التفكير في قضايا تهم: الإنسان، والاقتصاد، والمجتمع، والبيئة، فالتنمية عملية مركبة ومتداخلة، يصعب الفصل بين مكوناتها المتفاعلة التي تسهم مجتمعة وبنسب متفاوتة في تحقيق وإنجاح البرامج المسطرة في عملية التنمية. فهذه الأخيرة، هي مجموع العمليات التي يمكن بمقتضاها توجيه جهود أفراد المجتمع، لخلق ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية ملائمة للانتقال بالمجتمع إلى وضع أفضل على جميع الأصعدة.
وللوصول الى نتائج حقيقية وفاعلة من عملية التنمية فيجب ان تكون:
1 ـ تنمية شاملة : بحيث تشمل كل مناحي الحياة في البلد النامي سواء السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتشمل جميع المؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية الموجودة فيه، وتشمل كذلك جميع السكان مهما اختلف جنسهم أو لونهم أو معتقدهم، وتشمل أيضاً كل فرد بذاته جسدياً ونفسياً وروحياً. فهي لا تترك أي ناحية إلا وتعمل على تطويرها وتحسينها.
2 ـ تنمية متكاملة : تهتم بجميع الأفراد والجماعات والتجمعات والمجالات المختلفة والمؤسسات الحكومية والأهلية من ناحية تفاعلها مع بعضها، بحيث تكون غير متنافرة ولا متناقضة، ولا يمنع نمو أحدها نمو الآخر أو يعرقله.
3 ـ تنمية مستدامة : تسعى دائماً للأفضل، وتكون قابلة للاستمرار من وجهة نظر اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية وثقافية. ومفهوم التنمية البشرية المستدامة يعتبر الإنسان فاعلاً أساسياً في عملية التنمية وليس مجرد مستفيد من منتجات التنمية دون مشاركة نشيطة فاعلة.
وللتنمية مجموعة من المؤشرات التي يمكن من خلالها قياس مدى تحقيق التقدم في العمليات المرتبطة بها ومدى مقاربتها للهدف النهائي لعملية التنمية، وقد تناول الباحثون عدداً من النماذج التي تحدثت عن هذه المؤشرات ومن بين النماذج المنتشرة في الدول النامية ومنها الدول العربية:
نموذج كيندلبرجر: الذي يرى أن التنمية تتبدى في صورة مؤشرات كمية عديدة مثل: متوسط الدخل الفردي، ونسبة السكان الذين يعملون في الزراعة، ودرجة التعليم، والنسبة المئوية للسكان الحضريين، ومعدل أو نسبة توزيع الصحف، وعدد أجهزة التلفاز والراديو والسيارات بالنسبة لكل شخص.
وإلى جانب ذلك النموذج ظهر نموذج "الاتجاه التطوري المحدث" ثم نموذج "الاتجاه الانتشاري" وهو الاتجاه الذي يذهب إلى أن عناصر التنمية المادية والثقافية التي تسود في الدول المتقدمة إذا انتقلت إلى الدول النامية فإن انتقالها كفيل بتحقيق التنمية.
وثمة نماذج أخرى مثل: "نموذج اتجاه المكانة الدولية"، و"النموذج السيكولوجي" أو "السلوكي"، و"نموذج التنمية المزدوجة.
ومع أننا لا يمكن أن نستبعد أثر وتأثير تلك النماذج، إلا أن النموذج السائد هو نموذج (دانيل ليرنر) الذي ظهر عام 1958 م، والذي يرى فيه "أن الدول المتخلفة يمكن أن تنتقل إلى مصاف الدول المتقدمة إذا استطاعت أن تكتسب خصائص سلوكية وسيكولوجية معينة".
نادي (ليرنر) بأربع متغيرات أساسية للتنمية هي: التحضر، والتعليم، والمشاركة في وسائل الاتصال، والمشاركة السياسية.
الاعلام والتنمية.
قبل الدخول في تفاصيل العمل الاعلامي المرتبط بعمليات التنمية على تنوعها لابد من التعرض لبعض المفاهيم المتعلقة بالاتصال والاعلام مع الاشارة الى وظائف الاعلام وادواره التي ينبغي عليه القيام بها فيما يتعلق بالحراك المجتمعي.
يشير تعريف الاتصال الى الطريقة أو العملية التي تنتقل بها الأفكار أو المعلومات بين الناس داخل نسق إجتماعي معين، كما يُعرّف بأنه إنتقال المعلومات والأفكار والإتجاهات من شخص إلى شخص آخر، ومن جماعة إلى جماعة أخرى من خلال الرموز ويقصد أن المرسِل هو الذي بالفعل يصل إلى المستقبِل، ويعرف ايضا على انه إنتقال للمعلومات أو للأفكار أو للإتجاهات أو العواطف من شخص إلى شخص آخر أو من جماعة إلى جماعة أخرى ويقصد أن المرسل هو الذي يصل بالفعل إلى المستقبل ويكون الإتصال هو أساس لكل تفاعل إجتماعي لنقل المعارف ويحدث التفاهم بين الأفراد.
في حين عيرف الاعلام بأنه :هو الذي يقوم بتزويد الجماهير بكافة الحقائق والأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة عن القضايا والموضوعات والمشكلات ومجريات الأمور بطريقة موضوعية بدون تحريف وأنها وسيلة تنوير الرأي العام وتكوين رأي صائب صحيح للجمهور في كافة جوانب الموضوعات والمشكلات على ان عملية الاتصال ترتبط بمجموعة من المحددات التي تؤثر بشكل او بآخر على عملية الاتصال برمتها، ويمكن رصد محددات الإتصال الأساسية في كل من المرسل ومضمون وظروف إرسال الرسالة والهدف من الرسالة والمنفذ والوسيلة المستخدمة في تنفيذ الرسالة والمستقبل وكيفية استقبال الرسالة وظروف ارسال واستقبال الرسالة ودرجة تأثير الرسالة.
فيما يتمحور دور الاعلام في خدمة الدولة والمجتمع عبر مجموعة من الوظائف المهمة التي يقوم بممارستها ومن اهم هذه الوظائف : وظيفة الاعلام والاخبار ووظيفة التوجيه والارشاد ووظيفة التعليم والتثقيف ووظيفة التسلية والترفيه.
ولمقتضيات الدراسة يمكن تعريف الإعلام التنموي: بأنه فن وعلم الاتصال الإنساني الذي يستهدف الإسراع في تحول بلد من الفقر إلى حالة ديناميكية من النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والذي يوفر إمكانية أعظم للمساواة الاقتصادية والاجتماعية، وإنجازا أعظم للإمكانيات البشرية.
متطلبات الإعلام التنموي.
وللوقوف على طبيعة حدود العلاقة بين الإعلام والتنمية، فلا بد بداية من:
1. فهم طبيعة عملية الاتصال، والذي يؤدي إلى إدراك أنها عملية مشاركة يكون فيها الاهتمام بجمهور المتلقين ورجع صداهم أمرا هاما في نجاحها وخاصة في البرامج ذات الصبغة التنموية.
2. فهم وظائف الاتصال، إن للاتصال مجموعة وظائف وهي: وظيفة الإعلام، وظيفة التعليم، وظيفة تغيير السلوك والمواقف، وظيفة الترفيه ووظيفة الرقابة، وإدراك هذه الوظائف مهم في عملية التنمية إذ تسهم في الشعور بالانتماء للدولة، وتهيئة الناس ليؤدوا مهام جديدة وليلعبوا دورهم كأمة بين الأمم فضلا عن تزويد المجتمع بمعلومات حول القضايا المحلية والوطنية والقومية والدولية.
3. فهم نظريات التأثير لوسائل الاتصال على المستوى الفردي والجماعي والمجتمعي، وما تقدمه من فهم لطبيعة وميزات كل وسيلة من وسائل الاتصال، وما تقدمه من فهم للمتغيرات التي تؤثر على عملية الاتصال ومن أهمية للتخطيط الاتصالي القائم على البحوث التجريبية والميدانية والمسحية وتحليل المضمون للوسائل الإعلامية
على انه من الاهمية بمكان في هذا الاطار ذكر بعض الخصائص العامة او الخصائص المشتركة للإعلام في الدول النامية ومنها الدول العربية بصرف النظر عن نظام الحكم فيها وهي :
1- ضآلة انتشار وسائل الإعلام في الدول النامية، وكذلك نجد إن الخدمة الإعلامية تغطي نسبة ضئيلة من السكان، كما يتركز معظم سكان الدول النامية في الريف فتصلهم نسبة ضئيلة جدا من الخدمة الإعلامية.
2- تحتل الكلمة المكتوبة في الدول المتقدمة المرتبة الأولى بينما تمثل هذه المرتبة في الدول النامية الكلمة المسموعة (الراديو).
3- الطابع الحضري هو عادة الطابع المسيطر على المادة الإعلامية، فهي لا تلقى اهتماما من جانب قطاع كبير من جمهور الدول النامية وهم سكان الريف، حيث لا تمس حياتهم أو مشكلاتهم أو اهتماماتهم، وذلك يرجع للتوجه الحضري لمعديها والمسؤولين عنها.
4- تفتقر الدول النامية إلى المعرفة العلمية التي تلقي الضوء على الاتصال الجمعي سواء بالنسبة لأساليب الاتصال التقليدية أو بالنسبة للإعلام ووسائله ومدى فاعليتها والاستجابة لرسائلها.
وترتبط وتتوافق السياسة الاتصالية للمؤسسات الاعلامية مع مجموعة من العوامل من اهمها :
- طبيعة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم في المجتمع.
- بنية النظام وسياساته والتشريعات والقوانين والأنظمة.
- الواقع الطبقي والاقتصادي.
- التقاليد والعادات وسلم القيم في المجتمع
- المرحلة التي قطعتها عملية التنمية.
- التعددية والاعتراف المتبادل في المجتمع المدني.
- العلاقة بين الاعلام والتنمية
على ان النقطة الاساسية التي ينبغي التركيز عليها في هذا المجال بحسب ما يشير البعض هي انه تتشابه المسؤوليات الأساسية للإعلام مع أهداف التنمية حيث تنقسم إلى قسمين:
- أهداف عامة تستهدف تطوير المجتمع ورفع المستوى العام للجمهور وصنع المواطن الصالح ودعم الديمقراطية وزيادة الدخل.
- وأهدافاً خاصة تتصل بالجوانب الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية لأفراد المجتمع، حيث تهدف التنمية إلى تزويد أفراد المجتمع بالمعرفة وتقديم المساعدات التي تمكنهم من زيادة دخولهم والارتفاع بمستوى هذه الدخول، بالإضافة إلى تثقيف الأفراد وتوعيتهم بما يدور حولهم من أحداث وظواهر وأفكار مستحدثة على الصعيدين المحلي والدولي، وتنمية الإمكانيات الاقتصادية، وتوسيع مجال الترويج، وإتاحة الفرصة لأفراد المجتمع لاكتشاف مواهبهم واستغلالها للمصلحة العامة والاهتمام بتحسين الأحوال الصحية العامة.
ولما كانت عملية التنمية الشاملة تمثل أهم التحديات التي تواجه عالمنا العربي في هذه الآونة خاصة وانه من شأنها أن تسير بالركب العربي نحو المزيد من التقدم والازدهار في شتى نواحي الحياة، فإن الاعلام بكل وسائله يعد واحدا من أهم السبل التي تساعد علي تحقيق التنمية الشاملة من خلال أدائه للدور المنوط به في خدمة المجتمعات وإعدادها إعدادا سليما لتحقيق أكبر قدر ممكن من مكتسبات التنمية، خاصة وان العلاقة بين الإعلام والتنمية علاقة أزلية وقديمة وترتبط بالفطرة البشرية كنشاط طبيعي في الحياة اليومية.
فالتنمية قبل كل شيء تنمية بشرية وثقافية تستلزم إحداث تغييرات جوهرية في الفعل والسلوك في الآراء والاتجاهات والمعتقدات والقيم وطرق التفكير، وتلعب وسائل الإعلام الجماهيري دورا هاما في تنمية المجتمعات وإحداث التغييرات في السلوك والأنشطة، ورصد الأداء التنموي ومتابعته لتحقيق قدر أكبر من المساءلة المجتمعية، والتقييم الموضوعي لجهود التنمية، بالاضافة إلى القدرة على تعديل المسارات، وتقليل الهدر وسوء التخطيط والفساد، والترويج لنماذج النجاح.
ولإيجاد الوعي بالحاجة إلى التنمية والتغيير، فإن هناك إجماعاً على إن وسائل الإعلام بما تقدمه من معلومات تتيح الانفتاح على الدول المتقدمة وتهيء على الأقل المناخ الصالح للتنمية والتغيير، ويرى علماء الاتصال انه بدون استثارة طموح الأفراد وحثهم على الكفاح من اجل حياة أفضل فان التنمية تصبح مستحيلة، وكذلك تنجح وسائل الإعلام في إثارة الاهتمام وتركيز الانتباه على عادات وممارسات تقنية جديدة تساعد على إدراك الأفراد بالحاجة إلى تغيير بعض عاداتهم وأنماط سلوكهم.
وفي هذا الاطار يقول ولبور شرام في كتابه
(Mass Communication and National Development)
إن دور الإعلام في عملية التنمية يتمحور في :
-دور الإعلام في توسيع آفاق الناس
-يمكن للاعلام أن يلعب دور الرقيب
-يمكن للاعلام أن يشد الانتباه إلى قضايا محددة
-يمكن أن يرفع طموحات الناس، وان يصنع مناخا ملائما للتنمية
-إضافة لما لوسائل الإعلام من وظائف ومهام تعليمية ودوراً في صناعة القرار.
كيف يكون الاعلام تنموياً؟.
يعبر الاعلام التنموي عن هموم الناس وتحدياتهم وهو بقدر ما يقترب من مشاكلهم بقدر ما يحظى بثقتهم وقبولهم. وبالتالي تقع على عاتق الاعلام التنموي مسؤولية المشاركة في انضاج مفاهيم تنموية نابعة من التحديات المرتبطة بالمواطنين والابتعاد قدر المستطاع عن المفاهيم المستوردة ونشرها كما هي من دون تطويرها واغنائها لتصبح ملائمة للواقع المحلي. وهو بذلك له وظائف متعددة، من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية تساهم في انفتاح المجتمع على افكار ومبادئ حديثة، كما تساهم في توعيته على مصالحه وحثه على الاجتهاد بحثا عن البدائل. وتساعد التقنيات الحديثة على تنمية وتطوير هذا الدور وتحسين أدائه.
إن الاعلام التنموي هو ذلك الذي يدعو الى التغيير من خلال التثقيف والتوعية، ومن خلال خطط وبرامج معدة بعناية وبتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، ويعتمد على نقل المعلومة والخبر ونشر الآراء بشكل موضوعي، واعداد التحاليل. باختصار انه اعلام مسؤول عن طرح القضايا وتوجيه الرسالة وتوضيح الاهداف، وهو مساءل من قبل المواطنين في آن واحد.
ويعتمد الاعلام التنموي على مهنية عالية تتوفر لديها رؤية واستراتيجية تنموية وتفكير علمي وقدرة على استخدام التقنيات الحديثة. الا ان الاعلام التنموي يحتاج الى الحرية والاستقلالية والتمتع بسلوكية مستقيمة تساهم في توعية المواطنين وتوفير المعلومات الموضوعية التي تساهم في تحديد الخيارات استنادا الى مصالحهم.
وعلى الرغم من اشكالية القيود القانونية التي تفرض لاسيما على الاعلام المرئي والمسموع، سواء من حيث شروط الترخيص او من حيث القيود على الممارسة التي تحد من حريته وتجعل منه عرضة للملاحقة وبالتالي تقلص دوره التنموي الفاعل، الا انه يمكن الحديث عن عدد من التصورات التي قد تساعد وسائل الاعلام على القيام بدور فاعل حيال عمليات التنمية ومن اهمها:
1- أن ترتبط خطة وسائل الإعلام ارتباطا عضويا بخطة التنمية إذ إن مقومات خطة التنمية هي نفسها مقومات خطة وسائل الإعلام،
2- السعي لتقسيم خطة وسائل الإعلام في التنمية إلى قسمين الأول ويسمى (بنائيا) والآخر ويسمى (دفاعيا) :
- يركز القسم الأول على بناء الإنسان والدعوة إلى قيم المجتمع الجديد.
- يتطلب القسم الثاني الدفاع ضد هجوم وسائل الإعلام المضادة لإبطال مفعوله وكشفه وفضح أساليبه أمام الناس.
3- التركيز على نشر والدفاع عن مبادئ (الانصاف والتنمية) واللذان يعتمدان على مبدأين أساسيين هما تكافؤ الفرص وتفادي مظاهر الحرمان.
4- تطوير آليات تنمية وسائل الإعلام ذاتها، والارتقاء بمستوى أدائها وأداء العاملين وتطويرها لتواكب الثورة التكنولوجية الكبيرة التي تسيطر علي العالم بما يخدم عملية التنمية وقضايا الإعلام العربي بوجه عام، وبما يتماشى مع قفزات الإعلام المستمرة.
5- مد جسور لبناء الثقة والشراكة بين المؤسسات الإعلامية والمؤسسات التنموية من أجل الاستثمار الأمثل للنشاط الصحفي والإعلامي في خدمة قضايا التنمية، وتطوير الجانب الإعلامي العربي بما فيه المنفعة العامة للمجتمعات العربية، وفتح الباب أمام جميع التيارات بلغة حوار راقية وأدوات تكنولوجية حديثة لرسم رؤية متطورة للإعلام العربي ليس باعتبارنا مستهلكين للمنتج الإعلامي فقط ولكن كمشاركين وفاعلين أيضا في الخريطة الإعلامية العربية والإقليمية.
6- الاجتهاد والتجديد في الاساليب الاعلامية التي تدفع بإتجاه تحقيق أهداف التنمية من خلال وسائل الإعلام باعتبارها شريكاً أساسياً في عملية التنمية.
7- ان يبقى الاعلام موضوعيا بالرغم من عدم استقلاليته من خلال اعتماد الطرح المسؤول والمحافظة على مستوى من المهنية واحترام الرأي الاخر وفسح المجال امام الحوار الهادف والبناء.
وحتى تتمكن وسائل الاعلام من ممارسة الدور المنوط بها تجاه عمليات التنمية المختلفة لابد لها بداية من امتلاك المعرفة الكاملة حول كل ما يتعلق بالبيئة الداخلية والخارجية للمؤسسات الاعلامية نفسها اضافة الى البيئة المرتبطة والمحيطة بعملية التنمية بدءا من الامكانيات المتاحة ومرورا بالانظمة والتشريعات الناظمة لعملية التنمية وانتهاء بالمشروعات والمبادرات التنموية والجهات القائمة على التنفيذ سواء كانت حكومية او منظمات غير حكومية او حتى قطاع خاص اضافة الى ضرورة معرفة العقبات او التحديات والاشكاليات التي تعترض عملية التنمية على مختلف المستويات وفي كل المناطق والمجالات التي تشهد عمليات تنمية، علاوة على ضرورة معرفة هذه الوسائل لنقاط القوة والفرص التي يمكن توظيفها من قبل وسائل الاعلام لخدمة الاهداف الكلية لعملية التنمية، وفي سبيل تحقيق ذلك يمكن لوسائل الاعلام استخدام مجموعة من ادوات التحليل العلمي المتبعة في كثير من مؤسسات ودول العالم لتحليل الاوضاع القائمة كأداة تحليل سواءً التي تساعد على بناء معرفة سليمة للعوامل والمؤثرات المختلفة في البيئة الداخلية والخارجية بما تتضمنه من نقاط وضعف وتحديات ورسم الخطط المختلفة لمواجهتها وكذلك نقاط قوة وفرصا يمكن استغلالها وتوظيفها لخدمة عملية التنمية، الامر الذي سيساعد وسائل الاعلام في النهاية على تطوير استراتيجية إعلامية للتنمية تعكس محاور وأهداف الاستراتيجية الوطنية للتنمية، اضافة الى تطوير خطط إعلامية تتضمن أنشطة وفعاليات تدعم وتساهم في تحقيق أهداف الإستراتيجية الوطنية للتنمية.
مهارات التغطية الاعلامية لقضايا التنمية.
يؤكد الخبراء على ان هناك علاقة وثيقة بين الإعلام والتنمية ويستند اصحاب هذا الرأي مجموعة من القواعد العامة التي ترى بأنه "لا يوجد إعلام بدون تنمية ولا يوجد تنمية بدون إعلام وكل تنمية متواصلة تحتاج الى إعلام متواصل".
وتعتبر المعلومات هي المادة الخام للإعلام ومجمل وحصيلة ما يعرفه شخص معين عن مواقف معينة كمجمل القضايا والحوادث والتحقيقات والمواضيع والأخبار، وتكتسب هذه المعرفة من خلال : الإتصال - البحث - التعليم - الملاحظة عن الناس والأماكن والأشياء من الموضوعات، كما وتعتبر المعلومات ظاهرة اجتماعية حضارية إرتبطت بحياة الإنسان منذ محاولاته المبكرة للتعرف على البيئة المحيطة به وامتدت إلى المجتمع الإنساني كله حيث أصبحت المعلومات بالنسبة لكل أفراد المجتمع الإنساني أمرا ضروريا.
وبإعتبار ان الإعلام جهاز يسعى إلى نقل الحقائق والمعلومات التي تهم أفراد المجتمع، فتكمن أهمية دور الاعلام في عمله على دفع مسار التنمية لإنجاز أهدافها بالشكل المطلوب وفق استراتيجية واضحة ومدروسة، تسعى إلى توسيع نطاق المشاركة الشعبية، والترويج لأهمية إنشاء وتحديث الأجهزة والمؤسسات التي تنهض بالدور الرئيسي في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية، وتدافع عن تحقيق العدالة في توزيع أعباء التنمية وعوائدها.
وتساهم التغطية الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية للشؤون الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية في التعريف بالنشاط التنموي عن طريق نشر الأخبار والآراء والتحليلات وتفسير المصطلحات التنموية المعقدة، ونشر المعلومات التي تشتمل على الحقائق والأرقام والإحصائيات والدراسات والأبحاث، كما تهدف التغطية الإعلامية إلى توثيق المعلومات والتحليل والتفسير المستند إلى استخدام أدوات البحث العلمي في العمل الصحافي، وإجراء استطلاعات الرأي لمعرفة اتجاهات الجمهور حول قضايا التنمية والاستثمار، والقاعدة الأساسية لوسائل الإعلام هي أنها مجرد قنوات توصيل كفؤة بين بيئة التنمية والجمهور الأوسع، وبالتالي فإن الأخبار والتحليلات التنموية التي تبثها أو تنشرها ليست إلا مؤشرات لا يجوز استخدامها كأساس لاتخاذ القرارات الاستثمارية أو لإجراء الصفقات الاقتصادية، وتنحصر مهمة الإعلام التنموي بتزويد المجتمع بأكبر قدر ممكن من الحقائق والمعلومات الدقيقة التي يمكن للمعنيين بالتنمية التحقق من صحتها.
وبقدر ما يقدم الإعلام من حقائق ومعلومات بقدر ما تحقق التنمية أهدافها؛ خاصة أن دور الإعلام ينصب على كيفية توجيه الأفراد لمساعدة أنفسهم؛ والإسهام بفاعلية في الجهود المبذولة لتحسين مستوى معيشتهم؛ وتشجيعهم على القيام بدور فعال في تنمية مجتمعهم وتوعيتهم ليكونوا على إدراك ووعي بمشكلات بيئتهم.
وتنبع أهمية الجهاز الإعلامي المرتبط بمسار التنمية من مساهمته في تحديد احتياجات المجتمع وترتيب أولوياته؛ وتحديد المشكلات التي تواجه المجتمع واختيار أنسب الطرائق لمعالجتها وتحديد مستويات الجهات المختلفة المسؤولة عن التنفيذ.
وهذا يعني أن دور الإعلام في مجال التنمية هو بمثابة نشاط شامل ومخطط ومتعدد الأبعاد يخاطب الرأي العام بهدف إقناعه بضرورة المشاركة الإيجابية في عملية التنمية وعمليات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، عبر تقديم صورة عن طبيعة التوجهات المستقبلية للدولة والمجتمع في هذا المجال والتعريف بالنشاطات والفعاليات التنموية والطاقات والموارد والفرص المتاحة.
وتشجيع حركة التبادل التنموي بشتى مجالاته وصوره من خلال ما يسمى بـ (الاتصال المعزز للتنمية)، الذي يهدف إلى نشر ثقافة التنمية بعرض وتبسيط وشرح وتفسير وتحليل المضامين التنموية في قوالب إعلامية مهنية جاذبة لخدمة أهداف التعليم والتثقيف ونشر المعلومات وتنشئة المجتمع على مفاهيم تنموية تخدم مصالحهم، وتمس حياتهم اليومية ومستقبل أجيالهم.
لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو كيف يمكن للمؤسسات الاعلامية والاعلاميين العاملين فيها الوصول الى تغطية اعلامية دقيقة ومؤثرة وشاملة للقضايا التنموية؟
حتى يتمكن الاعلامي من تغطية قضايا التنمية بشكل جيد لابد له بداية من الالمام الجيد بفنون الوصول الى مصادر المعلومات، والتحقق من مصداقيتها حيث تقول القاعدة الاساسية في هذا المجال "أن تتأخر عن منافسيك في إذاعة خبر صحيح خير من أن تسبقهم في إذاعة خبر غير صحيح".
في صباح ذات يوم استمع العاملون في مركز الرصد الخاص BBC الخبر تبثه إحدى الإذاعات الإيرانية باللغة الفارسية حول إلقاء القبض على زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
من هنا تعتبر مسألة اتقان فنون الوصول الى مصادر المعلومات والتحقق من صدقيتها من المسائل المفصلية في عمل الصحفي، اذ يربط الخبراء بشكل مباشر بين مدى صدقية الاخبار والمعلومات التي تقدمها الوسيلة الإعلامية ومدى اعتماد الجمهور عليها كمصدر للأخبار، حيث تلتصق الأخطاء بذاكرة الجمهور ويظل يتندر بها، وان تكررت أخطاء أي وسيلة للإعلام فإن الجمهور يتشكك عادة في كل ما تقدمه بعد ذلك حتى وان كان صحيحاً.
ويمكن تلخيص أهم مصادر الأخبار الصحفية بما يلي:وزارات ومسؤولون وهيئات محلية ودولية وأحزاب ومجتمع مدني....الخ، الاحداث والملاحظات اليومية في كل مرافق الدولة،الناس من خلال معلومة او شكوى او اقتراح، المشاهدات والملاحظات اليومية في الطريق والبيت، المقابلات والمصادر الاعلامية الاخرى بمختلف انواعها، السجلات والكتب ورسائل الماجستير والدكتوراه، مراكز البحث العلمي والإحصاء، المراصد الفلكية / الطقس، الاعياد، مطبوعات شركات الطيران ومواعيد السفر، الخطب الجماهيرية، الندوات والمؤتمرات، الوثائق والانترنت والرزنامة، والأجندات العامة والخاصة،الإشاعات والأخبار غير المؤكدة - نفيها يعد خبراً.
الأخطاء مكلفة.
فقدان المصداقية ليست هي الخسارة الوحيدة التي يمكن أن تنتج عن عدم التأكد من صدقية مصادر الأخبار، فعندما يتسبب الخطأ في الإساءة إلى شخص أو أشخاص أو مؤسسات أو حتى دول، فمن غير المستبعد أن يلجأ المتضررون إلى القضاء لطلب التعويض، وعادة لا تتسامح المحاكم مع مرتكبي مثل هذه الأخطاء فلن تقتنع هيئة المحكمة بأن السبب في الخطأ هو نقص خبرة الصحفيين أو ازدحام الأجندة الإخبارية أو أي أعذار أخرى قد تكون منطقية خارج نطاق الإجراءات القضائية، كما ان من اساسيات عمل الصحافة والاعلام بشكل عام قاعدة النسب الى المصدر اذ يتوجب على الصحفي تعريف الجمهور بمصدره كلما كان ذلك ممكناً، ولا يعيب ان كان المصدر منافساً طالما كان هو المصدر الوحيد لخبر لا يمكن تجاهله، وتضمن عملية النسب الى المصدر عدم الوقوع في خطأ نشر آراء او ترويج شائعات على انها حقائق.
وعلى الرغم من ان النسب الى المصدر غالبا ما يدفع المسؤولية الصحفية او القانونية عن كاهل الصحفي او المؤسسة، فإن المسؤولية الاخلاقية تظل موجودة على من قرر بث الخبر.
وهنا تقول القاعدة انه يتوجب على المسؤول التحريري الاعلى اتخاذ القرار ان تعلق الامر بخبر على درجة عالية من الاهمية ( التغيير- والتأثير – والتقارب) ولا يتوفر الا عبر مصدر واحد.
فالتلفزيون الاردني مثلا لا يمكنه الاعتماد على خبر ورد عبر وكالة الانباء الفرنسية مثلاً يتعلق بتطور كبير في الاردن كصدور الارادة الملكية بإجراء الانتخابات النيابية، ولن يُعفي نسب الخبر التلفزيون من المسؤولية لانه فور وروده على التلفزيون الاردني ستنقله وسائل اخرى عنه وليس عن مصدره الاصلي، وهذا يعني انه احياناً لا ينطبق في الصحافة القول المعروف " ناقل الكفر ليس بكافر" بل ان "ناقل الكفر في الصحافة قد يكون اشد كفراً وإفسادا من الكافر" ولكن في ظل هذه المحاذير كيف يمكن التعامل مع مصادر المعلومات وكيف يمكن التحقق من صدقيتها؟
من اهم الأساليب العملية التي يمكن ان تضمن الى حد كبير اذا ما تم التقيد بها اتقان فن الوصول الى المصدر الصحيح للمعلومة وإمكانية التأكد من مصداقية مصادر المعلومات والتحقق منها : حيث يمكن للاعلامي العمل على بناء مصادره والمحافظة عليها من خلال تطوير اتصالاته مع تشكيلة واسعة من المصادر التي لديها معلومات مفيدة، وربما يستغرق الامر وقتاً طويلاً قد يمتد لسنوات لتأسيس علاقة ثقة مع مصادر الاخبار، ورغم ان اسماء هؤلاء المصادر لن تنشر في الصحيفة، الا انه بإمكانهم تزويد معلومات قد تتحول الى اخبار، وربما يقومون بدور رجع الصدى حول القضايا التي تهم الناس، وقد تشمل هذه المصادر (موظفين في دوائر حكومية، ومسؤولين رسميين، ومحامين،وضباط شرطة، وممثلي شركات، ورجال الاطفاء، وأصدقاء).
كما ينبغي على الاعلامي الحد من استخدام المصادر السرية، لان الأصل في الصحفي وخاصة أولئك الذين يعملون في الصحافة الاستقصائية ان يعتمد بشكل اساسي على اقوال مقتبسة ومعلومات من مقابلات مباشرة يتم فيها تحديد هوية المصدر ومنصبه، ويجب التقليل من استخدام المصادر السرية والمصادر المجهولة، اذ إن الاستخدام المتكرر للمصادر المجهولة قد يؤثر سلباً على مصداقية الصحيفة لأن القراء ربما يشككون في أن هذه المصادر خيالية، كما إن في ذلك خطورة لأن العديد من الناس على استعداد لتقديم معلومات سلبية بطريقة مجهولة، ولكنهم غير مستعدين لتأكيدها لأنهم لا يستطيعون إثباتها.
ورغم ان اعتماد الصحفي على المصادر المجهولة يمكن ان يصبح عادة سيئة بالنسبة للصحفي والمصدر، حيث يحاول المسؤولون المخضرمون استخدام السرية من غير ان يكون لها ضرورة، ويقع الصحفيون المبتدئون بشكل خاص في هذه المصيدة، الا انه عندما يعد الصحفي بعدم الكشف عن المصدر فإن كلمته تكون بمثابة عقد مكتوب يجب التعامل معه بكل عناية، وكنوع من الالتزام بمسؤولياته الاخلاقية ينبغي على الصحفي الامتناع عن الإصغاء لأقوال شخص لا يرغب في الكشف عن هويته.
وربما من المفيد كذلك تطوير علاقات جيدة مع مراقبين مستقلين مثل اساتذة الجامعات والمؤلفين والأشخاص المسؤولين عن استطلاعات الرأي والباحثين في المؤسسات الخاصة والعامة، وهنا يتوجب على الصحفي ان يعمل باستمرار على تقييم مصداقية المصدر بالنسبة للمعلومات التي يقدمها وهل هي معلومات موثوقة من مصدر اصلي ام انها جاءت عن طريق القيل والقال مع طرف ثالث.
على انه من القواعد الاساسية للتحقق من صدقية مصادر المعلومات إتباع قاعدة الاعتماد على مصدرين خاصة فيما يتعلق بالمعلومات التي قد تكون مثيرة للجدل، وينطبق هذا بشكل خاص عند استخدام المصادر المجهولة، ورغم ان الخبر المستند الى مصدرين من غير المرجح ان يثبت عدم دقته لاحقا، لكن على الصحفي التمييز بين المصدر الاصلي والمصدر الناقل، حيث قد يقع في فخ الاعتماد على مصدرين كلاهما يستند الى مصدر واحد. فعلى سبيل المثال وللمحافظة على سمعتها فقد قررت صحف عديدة الا تنشر قطعياً وابداً أي شيء الا اذا تم تأكيده من مصدر ثانٍ.
ان اكثر المعلومات دقة هي تلك التي يحصل الاعلامي عليها من زملائه الذين كانوا في موقع الحدث، اذ انهم ينقلون ما شاهدوا وسمعوا بأنفسهم، لكن بالطبع لن يكون ذلك ممكنا في كل الحالات، وبالتالي فإننا غالباً ما نُعدّ التقارير بناءً على معلومات يتم الحصول عليها من آخرين، وهنا يفضل ان الاعتماد على من نسميهم المصدر الأول مثل شهود العيان،لان التغطية الحية من موقع الحدث توفر تفاصيل غنية ونكهة تجعل القصة الاخبارية اكثر حيوية، حيث ان مراقبة الامور مباشرة هي واحدة من اجدى الوسائل التي يملكها الاعلاميون ولكنهم لا يستغلونها بالدرجة الكافية، علما بأن المراقبة الشخصية لحدث ما لها العديد من الفوائد من اهمها انه يمكن جمع كمية كبيرة من المعلومات وبسرعة في مكان الحادث بينما تكون الذاكرة حية والناس متجمعين، اضافة الى انه مع وجود معلومات اصلية من شهود العيان لا يحتاج الصحفي الى الاعتماد على التقارير الثانوية، كذلك فإن الملاحظة المباشرة يمكن استخدامها لتأكيد معلومات اخرى والتوسع في تفاصيلها، وهي غالباً ما تكون ضرورية لفهم القصة الإخبارية. اضافة الى ان الملاحظة المباشرة لا يمكن نفيها او التعتيم عليها بسهولة لأن الاعلامي يكون قد شاهد ذلك بنفسه.
على ان من اهم الامور التي ينبغي على الاعلامي الاهتمام بها هي التحدث إلى مصادر أخرى معتمدة، خاصة تلك المصادر التي قد تكون أكثر صدقية أو على الأقل على درجة أعلى من المسؤولية، مثل الشرطة، الإسعاف، المطافىء، المستشفيات، المصادر القضائية مثل المحاكم ومسؤولي الحكومة، حيث يمكن في كثير من الحالات اعتبار أي من هذه المصادر معتمدة بما يكفي لان يتم نقل الخبر عنها بدون إضاعة مزيد من الوقت في التأكد من المصادر الأخرى، ولكن ذلك لا يعفي الاعلامي من متابعة البحث فور نشر الصيغة الأولية للخبر – منسوبة إلى المصدر- لانه ربما يحصل على معلومات أخرى أكثر دقة أو أكثر تفصيلا تؤكد أو تنفي أو تصحح الصيغة الأولية للخبر.
اضافة لما سبق يمكن للاعلامي اجراء بحث عن وثائق ومستندات قد تكون متوفرة اكثر مما يظن حيث ان الوثائق والمستندات الأصلية توفر أفضل الدلائل وأكثرها ثقة، حيث بإمكان الاعلامي الاقتباس منها مباشرة بشرط نسبتها إلى مصدرها الأصلي، ولا يشترط في المستندات القيمة أن تكون سرية او تكون تقارير مسربة، ومن أمثله هذه المستندات : وثائق تسجيل الشركات التي تبين تاريخ التسجيل والتقارير المالية وأسماء وعناوين المدراء وتاريخ الشركة، التقارير التي ترفعها الشركات التي يتم تداول اسهمها في الاسواق الى سلطات تنظيم السندات التجارية،التقارير السنوية، مشاريع القوانين، ارقام احصائيات السكان وغيرها، السجلات الطبية، سجلات المحاكم والشرطة، المراسلات والمخاطبات الرسمية وغير الرسمية، السجلات والوثائق الشخصية مثل بطاقة الهوية، شهادات الميلاد والوفاة، المذكرات والرسائل والصور... الخ، وهنا لابد من الإشارة إلى انه حتى في البلاد التي وجد فيها قوانين تسهل للصحفيين عملية الحصول على معلومات من الحكومة، يكتشف العديد من الصحفيين ان الحصول على مستندات حكومية يمكن أن يكون عملاً شاقاً يمكن تسهيله بشكل كبير مع وجود علاقة مع مصدر على استعداد للتجاوب، علما بأن على الاعلاميين الانتباه إلى حقيقة أن المستندات بحد ذاتها نادراً ما تخلق خبراً، لأنها بحاجة الى بث الحياة فيها بواسطة المقابلات والتحليل والمراقبة المباشرة.
ولكن هل تعلم أنّ فنون الوصول الى مصادر المعلومات يعد امرا كافيا لضمان تغطية جيدة لقضايا وموضوعات التنمية؟ واذا كان الجواب لا فكيف يمكن للصحفي والمؤسسة الاعلامية ان تقوم بتغطية متوازنة وجيدة لقضايا التنمية؟.
التفاعل المهني مع موضوعات التنمية.
في الواقع ان التغطية الجيدة لموضوعات التنمية تعتمد على امرين هامين هما:
ان يقوم الاعلام في مرحلة البناء التنموي (بناء المجتمع والدولة) بالتركيز على ابراز الانجازات المتحققة من عملية البناء والتنمية. وان ينتقل الاعلام بعد انتهاء عملية البناء من مرحلة التركيز على الانجاز الى مرحلة النقد والرقابة والمساءلة والمحاسبة وابراز قصص النجاح التنموية والمبادرات الفردية والجماعية في مجالات التنمية المختلفة.
كما يمكن في هذا الاطار الحديث عن عدد من النظريات العلمية التي يرى الخبراء أنّ لها مداخلها في التغطية الاعلامية لقضايا التنمية ومن اهمها:
أولا:الاعلام وادماج المجتمع في عملية التنمية.
تعددت المداخل التنموية التي اهتمت بإدماج المجتمع بمختلف افراده وفئاته بعملية التنمية ومن بينها المداخل التالية:
1-مدخل الرفاهية الاجتماعية.
تسليط الاعلام الضوء على الاثار الايجابية لانخراط مختلف افراد المجتمع في التنمية مركزا علي ايضاح العلاقة الطردية بين عملية الانخراط هذه وتحقيق الرفاه الاجتماعي.
2-مدخل مكافحة الفقر.
ابراز النماذج التي تؤكد مقولة ان ادماج افراد المجتمع في التنمية سيؤدي الى زيادة الانتاجية التي تقود بدورها الى التقليل من حدة الفقر.
3-مدخل العدالة .
وفي هذا المدخل تركز التغطية الاعلامية على ترسيخ فكرة ان اشتراك الجميع في عمليات التنمية عبر تساوي الفرص في المشاركة وانصافهم تؤدي الى تعزيز الانتماء وقيام جميع افراد المجتمع بتأدية أدوارهم بنجاح.
4-مدخل الكفاءة.
وتأخذ وسائل الاعلام على عاتقها في هذا المدخل الوصول الى الكفاءات حيثما كانت ونشر قصص نجاحها ودعمها حتى مكانها الصحيح في منظومة العمل التنموي لتكون انموذجا يحتذي به بقية افراد المجتمع.
5-مدخل المشاركة
ويُعنى هذا المدخل بالتركيز على حث افراد المجتمع على المشاركة في تحمل العملية التنموية.
ثانيا :نظرية "المسؤولية الإجتماعية"
تؤكد هذه النظرية على أن وسائل الإعلام تمارس دوراً في المجتمع، ومن ثم لابد أن تلتزم أخلاقياً بطرح ومناقشة القضايا المهمة كقضايا التنمية وعملياتها.
ثالثا :نظرية التعلم الاجتماعي.
تبنى هذه النظرية على فرضية أن وسائل الإعلام تستطيع أن تقدم نماذج للإتجاهات والسلوكيات التي يمكن أن يتعلمها جمهور هذه الوسائل، ويمكن تقديم نماذج إيجابية في كيفية انخراط افراد المجتمع ومؤسساته وبقية مكوناته في عملية التنمية.
رابعا : نظرية الاعتماد على وسائل الاعلام.
وتؤكد هذه النظرية على أهمية التليفزيون وتفوقه على غيره من الوسائل لما يتيحه من امكانية رؤية تلك النماذج السلوكية وملاحظاتها والتفاعل معها.
خامسا : نظرية ترتيب الأولويات.
تنطلق هذه النظرية من فرضية أن لوسائل الاعلام تأثير كبير في تركيز انتباه الجمهور نحو الاهتمام بموضوعات وأحداث وقضايا معينة كالمتعلقة بعملية التنمية،وطرح رؤى تراعي الاولويات التنموية وحث مكونات المجتمع على الاهتمام بها.
اعداد وتنفيذ حملات كسب التأييد لقضايا التنمية.
تضطلع وسائل الإعلام المختلفة، بدور بالغ الخطورة في تشكيل القيم واتجاهات الأفراد والجماعات. كما تسهم في توجيه الرأي العام تجاه القضايا المختلفة من خلال رصد وتسليط الأضواء عليها وتحليلها.
ولما كان الاعلام يعتبر أحد وسائل التنشئة الاجتماعية _إيجاباً وسلباً فإن خطورته لا تكمن خطورته فقط فيما يعرض آنياً، ولكن فيما يمكن ان يمتد ليصل إلى الأجيال القادمة من خلال عمليتي المشاهدة والاستماع، وأحياناً المشاركة الحرة أو المضبوطة، وهو ما يمنح الاعلام خطورة أكبر مما هو متصور أو متوقع، كما أن القيم التي يتلقاها المجتمع عبر شاشات التلفاز او يسمعها عبر الاذاعة – على سبيل المثال – غالباً ما تحمل مقومات نموها واستمرارها – بغض النظر عن جودتها أو رداءتها – في ظل تدني الحصول على المعلومات من وسائل المعرفة الأخرى كالقراءة والبحث، خاصة واننا ما زلنا نعيش في مجتمعات شفاهية ذات طابع نمطي في تصرفاتها وسلوكياتها اليومية، وهو ما يشي بالفجوة الحاصلة بين المأمول والواقع الفعلي. وهو ما يجعلنا نقع في فخ الثقافة التقليدية السائدة، التي تعززها وسائل الإعلام وتكرس لها، باعتبارها انعكاساً للمجتمع الذي نشأت وترعرعت فيه، فيما لا تحظى المحاولات التنويرية في وسائل الإعلام بالكثير من الاعتناء والرعاية.
وانطلاقا مما سبق فإنّ قضية على درجة عالية من الخطورة كعملية التنمية بمجالاتها المختلفة، تحتاج إلى مساندة واسعة من قبل الاعلاميين والمؤسسات الاعلامية، وأنّ اي خلل في فهم الاعلاميين ودرجة دافعيتهم الذاتية لدعم قضايا التنمية بشكل عام من شأنه أن يزيد من التبعات السلبية لهذه العملية.
النقطة الاكثر خطورة في الموضوع هي أنه حتى الآن لا تزال وسائل الإعلام تنحاز للثقافة التقليدية السائدة تجاه كثير من قضايا التنمية اذ انه رغم وجود عدد من الاعلاميين الداعمين او المتحمسين للدفاع عن القضايا والمشروعات التنموية الا انهم لا يعكسون هذه القناعات باستمرار في المواد والبرامج الاعلامية التي يعملون عليها ولا ربما حتى يحاولون تمرير رسائل قد تساعد على دفع مسيرة التنمية قدما، بدليل ان الصورة النمطية لكثير من القضايا المرتبطة بالتنمية والمتدوالة في وسائل الإعلام لا زالت تعلي من القيم والأعراف والقوانين والانظمة السائدة التي تعيق حركة التنمية، وتمنع بشكل أو بآخر من تمرير الكثير من القضايا الجوهرية المتعلقة بالتنمية بل وتتبع وسائل الإعلام الطريقة الأكثر أمناً بالنسبة لها، وهي عدم الولوج في المناطق الأكثر حساسية في قضايا التنمية كالعنف ضد المرأة والطفل وحقوق الانسان وغياب الديمقراطية وعدم احترام الحريات وقضايا البيئة والحرية الاعلامية ومحاربة الفساد واساءة استخدام السلطة..الخ.
وهذه القضايا في الواقع لا تحظى في اغلب الاحيان بعناية من وسائل الإعلام والاعلاميين تتناسب وحجم خطورتها على المجتمع، وفي حال تناولها، فتستخدم المسالك الفكرية والثقافية ذاتها، التي تتعامل مع مكافحة الفساد في الاعلام باعتبارها تطاولا على الشخصيات العامة وطعناً وتشكيكاً بالانجازات الوطنية، فيما لا ينتبه الإعلام لتسليط الضوء على الشخص الفاسد الذي يمكن بفساده ان يعيق حركة التنمية في قطاع او اكثر من القطاعات التنموية.
على ان المجال الاهم في التناول الاعلامي لقضايا التنمية لا يكمن في الاطار الخبري التقليدي لمسيرة التنمية ومنجزاتها وانما بكيفية خلق اعلاميين محصنين بالوعي والقناعة الكافية لجعلهم يهجرون المنهج الاعلامي القائم على التعامل الموسمي مع قضايا التنمية وكذلك التعامل بصورة مقتضبة تخلّ بمضمون وأهداف الخبر، وقيامهم بالمقابل في العمل الفعلي من اجل ان تحظى قضايا التنمية بالمساحة والتقدير المهني اللائق والابتعاد عن التعاطي النمطي الذي يختزل مضامين ودلالات التطور التنموي بطريقة غير مباشرة من خلال الصياغة اللغوية المستخدمة في التحرير والتي في الغالب تعمل على ربط الانجاز التنموي بشخص المسؤول، فيما لا يتم التطرق الى مفاصل مهمة في العملية التنموية كالمعيقات التي اعترضت عملية تحقيق هذا الانجاز او كلفة غياب الرقابة على المشروعات التنموية على المجتمع والدولة،ولا تنحو معظم وسائل الإعلام العربية منحى مغايراً للوجهة السائدة، بل على العكس من ذلك في كثير من الأحيان تعزز من هذا التوجه ولا تبذل أدنى جهد لتغير الوضع القائم، فتصبح وسائل نقل غير آمن للواقع، وليس وسائل تنوير وتغيير اجتماعي.
وعليه فأن السؤال المطروح هنا هو: "كيف يمكن للاعلاميين والمؤسسات الاعلامية الاسهام في دفع عملية التنمية قدما وتبني الدعوة وحشد التأييد لها"؟.
يمكن للاعلاميين ان يسهموا وبشكل فعال عن طريق الترويج للرسائل التي تخدم عملية التنمية في وسائل الإعلام في تغيير العادات والتقاليد والاتجاهات والقيم الاجتماعية والسلوك المتعلقة جميعها بهذه العملية، كما يمكن أن يؤدي ترويج هذه الرسائل في وسائل الإعلام إلى المساعدة على حشد وكسب تأييد المجتمع للقضايا التي تندرج تحت عملية التنمية ولتحقيق ذلك يمكن للاعلاميين القيام بدور ذا بعدين مهمين في هذا المجال هما :
- نشر المعرفة حول كل ما يتعلق بالتنمية وتوجيه سلوك الافراد في المجتمع بما يخدمها.
- مراقبة الاداء التنموي على المستوى الكلي والنقد البناء والمساءلة وطرح الرأي والرأي الآخر وتقديم مقترحات الحلول للمشكلات المختلفة التي تعترض مسيرة التنمية.
لكن السؤال كيف يمكن للاعلاميين والمؤسسات الاعلامية تحقيق ذلك؟.
وقبل الدخول في شرح كيفية رسم خريطة كسب التأييد لا بد من معرفة نقطتين اساسيتين هما:
- كيفية تخطيط وتصميم رسائل التوعية.
- كيفية حدوث عملية التأثير.
اولاً: تخطيط وتصميم رسائل التوعية من خلال المواد الاعلامية المختلفة:
ترمى التوعية في قضايا التنمية إلى تمكين الأفراد والمجتمع من امتلاك المعرفة والمهارات المنظمة والمصممة لتسهيل عملية اختيارهم للسلوك المتلائم مع اهداف البرامج الخاصة بمشروعات وعمليات وقضايا التنمية.
ولا يمكن لعمليات التوعية هذه ان تكون فعالة الا اذا اخذ في الاعتبار أن إعطاء المعلومة الصحيحة بحد ذاته لا يكفي للتأثير في السلوك وإنما يجب أن تتعدى التوعية إعطاء المعلومات إلى استثارة الدوافع لدى الافراد في المجتمع...
ومساعدتهم في استعراض المشكلة ومعرفة أسبابها وطرح الحلول والبدائل، واستنتاج القرار المناسب عن قناعة، وامتلاك الرغبة في التغيير والاستمرار على السلوك الجديد، وذلك باستخدام آليات التوعية المتعددة.
أولويات التوعية في مجال التنمية.
كثيرًا ما تفرض بعض الاهتمامات نفسها على العاملين في مجال التنمية مع أنها قد لا تكون هي بالضرورة أهم ما ينبغي التوعية به، لذلك ينبغي على الاعلامي معرفة هذه الاولويات والتعديلات التي تطرأ عليها من خلال التواصل المستمر مع العاملين في هذا المجال وخاصة المؤسسات والجهات المعنية مباشرة والعاملة في مجالات التنمية المختلفة، وذلك لضمان قدرته بإستمرار على معرفة هذه الاولويات، ولتحديد هذه الأولويات تؤخذ بعين الاعتبار عدة مؤشرات تساعد في وضوح الرؤية منها:
- حجم المشكلة في المجتمع.
- خطورة المشكلة على الفرد والمجتمع.
- تأثير المشكلة على الناحية الاجتماعية لأفراد المجتمع.
- تأثير المشكلة على المستوى الوطني على المدى البعيد اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
إعداد وصياغة رسالة التوعية في مجال التنمية
1 - ما هي رسالة التوعية؟
الرسالة هي عبارة موجزة للتعريف بقضية التوعية وهدفها العام كما أنها تتضمن ما نسعى إلى تحقيقه والطريقة التي نتبعها لتحقيق أهداف التوعية في مجال التنمية وحيث أن الغرض من توجيه هذه الرسائل هو حث متلقيها على المشاركة بدور إيجابي في مساندة قضية التوعية المطروحة، فإنه يجب أن تحتوي على الدور الذي تود منهم القيام به وما تتوقعه منهم تحديدًا في هذا الإطار.
الرسالة هي المدخل الرئيسي للاتصال والإعلام في عمليات التوعية، ولا تتحقق فعالية عملية التوعية ولا تصل إلى أهدافها إلا باكتمال حلقة الوصل بين القائمين بعملية التوعية وبين الجمهور المستهدف، والرسالة هي مجموع الرموز المكتوبة أو المنطوقة أو المرسومة بهدف تعديل اتجاه أو تمرير قرار أو كسب تأييد الآخرين لقضية ما وإحداث التغيير المرغوب فيه لصالح الفئة المتأثرة/المهتمة بقضية التوعية.
يختلف محتوى الرسالة وهيكلها باختلاف الفئة المستهدف الوصول إليها وباختلاف الهدف المصممة من أجله والمدخل المستخدم لنقل الرسالة، وتتطلب كتابة الرسالة حنكة إبداعية ومهارة تعبير عن القضية محل التوعية بشكل مقنع ومؤثر يحدث التفاعل بين القائمين بعملية التوعية والجمهور المستهدف.
ما هي أهمية رسالة التوعية؟
- تساعد الرسالة على التعبير اللفظي للقضية موضع البحث إذ أنه يمكن اعتبارها أداة التوعية الناطقة بالهدف الأساسي المراد الوصول إليه.
- تعتبر الوسيلة الاهم للتأثير في الجمهور المستهدف سواء بالإعلام أو الإقناع أو الضغط.
- تساعد على بلورة موضوع القضية بشكل واضح ومحدد مما يشجع على التوالي على تحديد الهدف المطلوب من عملية التوعية.
- تساعد على بناء جسر تواصل أو حوار بين القائمين بعملية التوعية والجمهور المستهدف من جهة، وبين القائمين بعملية التوعية وبين القاعدة الشعبية من جهة أخرى.
- تساعد على حشد الجماهير وبناء قاعدة شعبية واسعة تسعى لتنظيم المجتمع حول موضوع القضية والبدء في رسم استراتيجية منهجية لعملية التوعية.
عوامل نجاح إعداد رسالة التوعية.
- دراسة جيدة لقضية التوعية واستخراج الهدف المراد الوصول إليه في شكل فكرة أو فكرتين على الأكثر حتى لا تتزاحم الأفكار ويضل الهدف من الرسالة.
- دراسة جيدة للجمهور المستهدف ومعرفة اتجاهاته وخبراته ومعلوماته لصياغة رسالة تتناسب مع ما تم ذكره ورسم استراتيجية تواصل تؤتي بثمارها، كما ينتظر أن تعبر الرسالة عما هو منتظر من الجمهور المستهدف بالتحديد حتى يستطيع تخيل الدور المتوقع منه.
- أن تحتوي الرسالة على حقائق منطقية وبيانات موثقة كميا وكيفيا مما يزيد من ثقة الجمهور المستهدف، وفي نفس الوقت تحتوي الرسالة أيضاً على إستمالات عاطفية مما يزيد من فرص التحريك العاطفي والتأثير المتكامل في الجمهور المستهدف.
- أن يشارك في إعداد الرسالة أكثر من طرف معني إذ أن ذلك يساعد على الشعور بالولاء للقضية موضع التوعية كما أنه يضمن تعبيرها عن الحاجات الحقيقية لأصحاب القضية وصياغتها بطريقة متسقة مع الهدف منها.
- أن تستخدم القيم المقبولة من ناحية العادات والتقاليد لدى الجمهور المستهدف، فعلى سبيل المثال يميل الناس في مجتمعنا إلى الاستجابة لقيم الدين والنظام الاجتماعي والعدالة.
عناصر رسالة التوعية:.
تتكون الرسالة من خمسة عناصر رئيسية:.
أ- المحتوى والافكار:.
وهي الأفكار التي تود نقلها والمبررات الرئيسية لقضية التوعية، والحجج والبراهين التي سوف تستخدمها لإقناع الجمهور المستهدف بالقضية، والدور الذي تود منهم القيام به تحديدا، والأطراف الأخرى المؤيدة لقضيتك.
يجب أن يجيب محتوى الرسالة على الأسئلة الآتية: ماذا ترغب في تحقيقه؟ والسبب وراء السعي لتحقيق أهداف الرسالة مع بيان الآثار الإيجابية للمشاركة في تلك التوعية والآثار السلبية للإحجام عن المشاركة، وكيف تعتزم تحقيق هذه الأهداف؟ وما الدور الذي يريد متلقي الرسالة القيام به في جهود التوعية؟.
عناصر رسالة التوعية.
ب- أسلوب الرسالة:
ما هي العبارات أو المفردات التي سوف تستعين بها لنقل رسالتك بصورة واضحة وفعالة؟.
يفضل استخدام عبارات بسيطة وموجزة وواضحة، كما يجب أن يراعى الأسلوب ثقافة الفئات المستهدفة.
ينصح بأن يتم تفادي استخدام المصطلحات الغربية والمركبة حتى لا يصعب على الجمهور المستهدف فهمها ويسهل الاتصال معه، ويمكن ايجاز مواصفات رسالة التوعية الناجحة بما يلي:
1- صدق الرسالة ودقة المعلومات الواردة فيها:
ويتم ذلك من خلال عرض الجوانب الإيجابية والسلبية للموضوع دون القصور على الجوانب الإيجابية فقط إذ أن المتلقي سيقوم بنفسه بعمل المقارنة المطلوبة ويصل للنتيجة بنفسه.
لا تعطيه المعلومة المباشرة بل ادفعه إلى التعرف عليها.
كما يجب أن تكون هناك مرجعية للمعلومة بحيث إذا أراد أحد المستهدفين الرجوع إليها للتأكد يجد المعلومة صحيحة وخاصة إذا كانت مجربة من قبل ولها نتائج ثابتة وناجحة مثل الفرق بين استخدام اسلوب العنف كلغة للتفاهم واسلوب الحوار مع النساء من مختلف الاعمار.
عناصر رسالة التوعية.
2- وضوح محتوى الرسالة وبساطتها:.
إتاحة الفرصة للمستفيد لاستيضاح ما خفي منها، فكلما كان محتوى الرسالة بسيطا وواضحا ويستخدم لغة المستهدفين كلما كان وصول الرسالة أسرع. مثل استخدام الصور المعبرة عن الواقع، الصورة الواحدة تنقل رسالة واحدة أو معلومة واحدة فقط، صياغة جملة واحدة فقط لا تزيد عن عشر كلمات باللغة المناسبة للمستهدف كي يمكنه تذكرها دائماً لتعبر عن الرسالة.
3- أن تكون ذات معنى وملائمة للمستفيدين:
يفضل عند عرض معلومة ما أو رسالة ما أن تكون ذات معنى وأن تقدم في سياق شرعي ولغوي واجتماعي مقبول، وهنا يجب ذكر أهمية عرض المعلومة من الناحية الدينية حيث يجب ألا يتعارض ذلك مع الدين.
4- أن تستخدم أداة توعوية فاعلة ومؤثرة مقبولة:.
وتختلف الأدوات التوعوية بإختلاف الموضوع :مثل استخدام الافلام والصور المؤثرة او عرض تجربة فعلية أو الكتابة حول مثال إيجابي على أن يكون كل ذلك من نفس المجتمع أو مشابه له حيث ان استخدام النماذج الإيجابية من داخل المجتمع نفسه التي تعيش نفس الظروف وتواجه نفس التحديات وخاصة يمكن ان يؤدي الى تسهيل حدوث عملية التأثير.
كما يجب عدم اغفال دور بعض القيادات الطبيعية أو رجال الدين حيث أنهم يعتبرون من الأدوات الفاعلة داخل المجتمع ولها أهمية كبرى في التأثير على المجتمع وبالتالي وصول المعلومة بشكل فاعل ومؤثر.
عناصر رسالة التوعية.
ج- طريقة نقل الرسالة:
وهي الطريقة التي ستقوم من خلاها بنقل تلك الرسالة وتوجيهها إلي الجمهور المستهدف ليكون لها التأثير الإيجابي الذي تأمله. تتعدد طرق نقل رسالة التوعية وبناء قاعدة الدعم اللازمة لها
د- الزمان والمكان:
ما هو الوقت المناسب لتوجيه الرسالة؟ ينبغي أن يكون المكان والزمان مناسبين لنقل الرسالة بحيث يدعم مصداقية الرسالة ويعظم من تأثيرها الإيجابي ويوفر فرص كسبها، مثال ذلك لا يمكن نشر المعلومات المتعلقة بالعنف ضد النساء والهادفة الى احداث التأثير الايجابي في كل الاوقات اذ يجب مراعاة ان لكل حدث او مناسبة تتعلق بالموضوع نوعا معينا من الرسائل تكون متلائمة مع ذلك الحدث او تلك المناسبة.
هـ- قائمة مراجعة يسترشد بها عند إعداد رسالة التوعية:
- هل قمت بدراسة جيدة لقضية التوعية التي تنشد صياغة رسالتها وكسب التأييد لها؟
- هل وثقت معرفتك بهذه القضية بإحصاءات وبيانات كمية وكيفية وحقائق منطقية تساعد على الإقناع برسالة التوعية وزيادة نسبة مصداقيتها؟
- هل قمت بدراسة الجمهور المستهدف ومعرفة خبراته وثقافته واتجاهاته لصياغة رسالة مناسبة له؟
- هل تبنيت أسلوب المشاركة للإتفاق حول محتوى الرسالة وأسلوبها؟
هل خططت من الذي تبغي توصيل الرسالة إليه؟ وكيف سيتم نقلها؟
- ما هو الزمان والمكان الأنسب لنقل رسالة التوعية؟
- هل قمت بعمل إختبار أولي لنقل الرسالة؟ وهل أجريت التعديل المطلوب إذا تطلب الأمر ذلك؟
ثانيا: أهداف التوعية وكيفية حدوث عملية التأثير
تهدف التوعية في هذا المجال إلى تغيير ثلاثة جوانب لدى المستهدفين؛ هي المعلومة والتوجه والممارسة:
المعلومة :هي المعارف المتعلقة بالتنمية ذات الأولوية للمستهدفين، والمبنية على أساس علمي وواقعي، والتي يجب ان يكون لها ارتباط بما لدى المستهدف من خلفية عن الموضوع حيث تبنى على ما قبلها.
التوجه :وهو وجود الاقتناع بتطبيق ما يترتب على المعلومة المتعلقة بعملية التنمية والرغبة في ممارسة السلوك.
الممارسة – السلوك: وهو التطبيق العملي والمستمر للمعلومة، وذلك من خلال العمل على تقوية وتأصيل السلوك لضمان استمراره، حتى مع وجود ضغوط سلبية تدعو الفرد إلى احداث تغيير سلبي أو إيقاف السلوك.
مثال
المعلومة التي ينبغي أن يعرفها المجتمع او الجمهور المستهدف: انه من الناحية النفسية المتعطل عن العمل من الاكتئاب والقلق ومشكلات اخرى منها صعوبات تكوين العلاقات مع الآخرين وضعف الشخصية والانطواء والشعور بالدونية والشعور بعدم المحبة من الوالدين واظهار سلوكيات غير اجتماعية كالعدوان وربما الانحراف، ومدى التأثير السلبي لظهور مثل هذه الاعراض عند الشباب الذين هم عماد المجتمع على ذلك المجتمع.
ويبنى التوجه لدى الافراد في المجتمع بأن تتولد لديهم القناعة، أو الرغبة الجازمة في البحث عن عمل او مهنة منتجة مهما كان نوعه وعدم انتظار الوظيفة التي قد لا تأتي، وقد تعزز العوامل الدينية والمجتمعية كالعادات والقيم والقوانين...الخ هذا التوجه.
أما السلوك فهو محصلة التوعية المدروسة والمستمرة ويكون بتوقف الشباب المتعلم عن انتظار الوظائف المكتبية واستبدالها بالاعمال والمهن والحرف والمشروعات المنتجة، ورفض فكرة تعطل الشباب الآخرين في المجتمع، ويتأكد نجاح عملية التوعية إذا وصل التوجه إلى درجة أن يقوم الافراد المستفيدين من التوعية ليس فقط بالتوقف عن ممارسة التعطل عن العمل وانما ايضا تشجيع غيرهم على الامتناع عن القيام بذلك وعدم احترام من يقومون بذلك من الآخرين في المجتمع بل وحتى المشاركة في نشر ثقافة احترام العمل في المهن والمشروعات المنتجة في المجتمع.
- وحتى يتمكن الاعلامي والمؤسسة الاعلامية من تصميم رسائل توعية مؤثرة في مجال التنمية للمساعدة في اثارة السلوك الايجابي والتخلص من كل انواع السلوك غير المرغوب فيها في هذا المجال لابد من ان يتوفر لديه حد ادنى من المعلومات حول ما يلي:
لماذا لا تسير عملية التنمية بشكل جيد في بلده؟ وهذا يساعد على فهم :تفسير المشكلة وطبيعة السلوكيات المستهدفة ودوافع هذه السلوكيات وكيفية تغيير هذه السلوكيات.
- العوامل المؤثرة على السلوك: وهنا يؤكد الخبراء ان السلوك القائم يؤثر ويتأثر من خلال عدد من المستويات وبدرجات متفاوتة: عوامل شخصية داخل الشخص وحكمه وتقديره على الأمور وعوامل بين الأشخاص وعوامل بيئية وعوامل مجتمعية :أعراف - تقاليد – عادات – قيم وعوامل سياسية: القوانين – الأحكام.
كسب التأييد لقضايا التنمية.
يسعى كسب التأييد لقضايا التنمية الى ثلاثية (المعرفة – التوجيه – التأييد) وذلك من خلال:.
- التعريف بقضايا التنمية واحتياجاتها ومتطلباتها وعناصرها الاساسية ومشكلاتها وتعزيز الدعم والمساندة المجتمعية والإعلامية لها في ومن خلال الإعلام.
- نشر المعرفة وتقديم الحقائق واقتراح الحلول وتنوير وتثقيف المجتمع وتنمية إمكاناته الاقتصادية، اضافة الى طرح تصورات حلول للمشكلات التي يعاني منها الناس ومعالجة أمور حياتية وإنسانية ضاغطة مثل محاربة الفقر وتوفير فرص العمل ومحو الأمية وطرح قضايا السكان والبيئة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان الشفافية والحاكمية الرشيدة في التعامل مع الموارد والعدالة في توزيعها.
- نشر ثقافة احترام حقوق وانسانية الانسان وحقوق المرأة والطفل وقبول الرأي الآخر.
- ترسيخ مبادئ الانصاف والعدل وحرية التعبير عن الرأي والمشاركة المجتمعية في صنع القرار وتأمين وسائل تنفيذه ومتابعة كل ما يتعلق بعملية التنفيذ ومحاربة الفساد وتشجيع الشباب على مواجهة أعباء الحياة وإيجاد فرص عمل جديدة.
- تعزيز الاتجاه الى التعليم المهني والعلمي وتبني المشاريع الصغيرة المنتجة ودعوة رجال الأعمال الى الاستثمار في هذه المجالات وتبني طموحات الشباب وإقامة مشاريع في الدول العربية.
- نشر المعرفة حول موضوعات التصحر والجفاف والتنوع البيولوجي والمياه والبيئة البحرية والسياحة البيئية ودور المرأة والتنمية المستدامة بما يؤهل جيلاً جديداً ينشأ على تعاليم الثقافة البيئية.
- مراقبة الاداء الحكومي وتقييمه ونقد الاخطاء التي تتخلله وتكريس مبدأ المساءلة والمحاسبة ومحاربة الفساد والواسطة والمحسوبية وتقديم المصالح الخاصة على المصلحة العامة للمجتمع والدولة وتضمين الرسائل المرتبطة بكسب التأييد للقضايا التنموية في المواد الاعلامية.
هناك طرق وأساليب متعددة لتضمين رسائل التوعية المتعلقة بقضايا التنمية في المواد او البرامج الاعلامية كالاخبار والتقارير الاخبارية والمقالات والمقابلات والتحقيقات الصحفية والبرامج الاذاعية والتلفزيونية المختلفة، ويمكن كذلك الاشارة الى كثير من النقاط المحددة في هذا المجال بإسلوب يظهر وكأنه عفوي ولكنه قد يحدث مع التكرار تأثيرا كبيرا، يقود في النهاية الى احداث التغيير المطلوب في السلوك ومن ذلك :
- الاشارة الى القوانين السلبية التي تعيق مسيرة التنمية.
- الاشارة الى النقص في القوانين التي تدفع عملية التنمية قدما او تلك التي تحتاج الى تعديل.
- الدخول في تفاصيل العملية التنموية وعدم الاكتفاء بسرد تفاصيل الخبر او الحدث فقط.
- التركيز على تناول العادات والتقاليد والقيم المخالفة للدين والمعيقة لعملية التنمية واثارة النقاش العام حولها.
- التذكير بأهمية التنمية لاستمرار الاستقرار والتطور في المجتمع والدولة.
- مقابلة رجال الدين والعلماء حول القضايا والمشروعات التنموية المختلفة والقيادات المجتمعية المؤثرة والشخصيات العامة واخذ آرائهم عند كل خبر او برنامج او حدث يتعلق بعملية التنمية.
- مقابلة الاختصاصيين وآخذ آرائهم العلمية وتحليلاتهم فيما يتعلق بالسلوكات السلبية والايجابية حيال عملية التنمية.
- نشر المعلومات المتعلقة بالاثار الناجمة عن عدم المجتمعية في عملية التنمية وتأثيرها على الدولة والمجتمع.
-التذكير وباستمرار بعواقب تأخر الدولة والمجتمع عن ركب التنمية.
- التركيز على ضرورة تغيير الانماط السلوكية السلبية تجاه عملية التنمية
-الترويج لضرورة واهمية الفهم الصحيح للحقوق والواجبات تجاه عمليات التنمية المختلفة.
-التذكير بضرورة عمليات التنمية لتحسين الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي....الخ
-الترويج لمهارات حسم النزاعات بالحوار والطرق السلمية عبرنشر معلومات عن المهارات اللازمة للحوار وقبول الرأي الاخر والدفع بإتجاه جعلها ثقافة مجتمعية عامة.
- الاشارة الى اهمية وفوائد تغير الأعراف الاجتماعية السلبية وتحولها إلى أعراف إيجابية.
الاعلام والتشبيك.
الإعلام الهادف والمسؤول هو الذي يخدم عملية التنمية، ويقوم بدوره في إعداد وتهيئة وتوجيه المجتمعات نحو تنمية شاملة، وحتى تتمكن المؤسسات الاعلامية والاعلاميين ومؤسسات المجتمع المدني من الحديث عن تشبيك وبناء ثقة حقيقية لابد بداية من توقر شرطين اساسيين هما:
1- أن تتحلى منظمات المجتمع المدني، المحلية بخاصة، بطول النفس والمثابرة، لتتراكم لديها معلومات وأخبار وقصص واقعية، وتالياً الخبرات، فتتقاسمها مع الإعلام المحلي، وتفيد بها الباحثين، وتواجه بها السكان والسلطات، كإثبات لـ "الأزمة.
2- ثم على وسائل الاعلام حتى تتمكن من اقامة علاقات مثمرة مع الجميع ان تولي مزيدا من الاهتمام بمتابعة ما يمكن تسميته "بالأحداث الباردة" أي بمعنى مجاراة المستجدات التنموية، وعدم الاكتفاء بالجري خلف الاحداث الساخنة فقط.
مفهوم التشبيك:
في الربع الأخير من القرن العشرين بدأ ينتشر مفهوم الشبكات، نتيجة لعدد من المتغيرات المحلية والدولية لعل منها: الرؤية التنموية لدور منظمات المجتمع المدني وقدرتها على إدارة البرامج والمشروعات والمشاركة في عملية صنع السياسات، والقيام بأدوار الدفاع والمناصرة في القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. ومع زيادة التطور التكنولوجى في عصر المعلوماتية زادت الحاجة إلى التشبيك لتبادل المعلومات والمعارف لاقتسام الخبرات، بحيث أصبحت الحواجز الجغرافية قليلة الأهمية في بناء العلاقات والانضمام في الشبكات.
الشبكة هي تجمع من المنظمات والأفراد الذين قرروا العمل سويا بصورة طوعية لتحقيق أهداف مشتركة. ويتضمن هذا التحالف تعبئة الموارد والقدرات المشتركة لدعم موقف الشبكة وزيادة تأثيرها الخارجي بهدف تحقيق مصالح وأهداف مشتركة، مع الحفاظ على استقلالية كل عضو فيها. وتتمحور الشبكة حول مجال محدد كالتنمية أو البيئة أو التعليم أو الصحة أو قضايا المرأة.....الخ.
أهم ما يميز فكرة التشبيك هو اجتماع وتفاعل إمكانيات الموارد البشرية والفنية والمالية حول قضية أو أكثر بعد أن كانت مبعثرة بين جمعيات ومنظمات يملك بعضها التمويل والإدارة، بينما يملك الآخرون الخبرة الفنية أو قدرات بشرية تطوعية، الامر الذي سيؤدي بالتأكيد الى نجاح الشبكة في توحيد والاًستفادة من هذه الموارد، وقد تكون وسائل الاعلام هي الاقدر على احداث هذا التشبيك وتوظيفه في خدمة اهداف التنمية الشاملة اذا ما توافرت الارادة لدى هذه المؤسسات.