الساعة

جهود الباحثين واهتمامهم بمعاهد العلم في بيت المقدس «كامل العسلي أنموذجاً»

20/04/2013

مركز الرأي للدراسات

اعداد : د.محمود الجبارات

نيسان 2013

في ظل الجهود المميزة التي قام ويقوم بها الباحثون لتوثيق كل ما يجري من إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب؛ تهدف إلى نقل وتغيير ملكية الأراضي والأوقاف الإسلامية والمسيحية، في الضفة الغربية بشكل عام، وبيت المقدس بشكل خاص لطمس معالمها العربية الإسلامية؛ فإننا نجد أنه من الضرورة بمكان أن يجري التركيز، ليس فقط، على متابعة التوثيق وإنما متابعة كل ما يتعلق بالإجراءات الإسرائيلية، وتأصيل المعرفة العلمية عن الأراضي والأوقاف المستهدفة باعتبار إجراءات إسرائيل لا تستند إلى أي أساس في القانون الدولي وبموجب ميثاق الأمم المتحدة؛ وأن هذه المنطقة كانت وستبقى عربية الوجه إسلامية القسمات؛ ولذلك فإننا سنعرض اليوم لجهود أحد الباحثين المميزين في عنايته بمعاهد العلم في بيت المقدس آملين أن تسهم جهوده في حث الباحثين والأهالي والصحافة لرصد التغيرات التي تحدثها إسرائيل على الأرض.

إن المتتبع لما كتب المرحوم كمال جميل العسلي عن معاهد العلم في بيت المقدس؛ يلحظ بصورة واضحة أن الكتابة عن هذا الموضوع بالنسبة إليه ليست فقط، هاجساً دائماً يتابع ما يستجد على كل الصعد، ويقرأ الدراسات، ويتابع المجريات؛ ثم يكتب ما يتحقَّق منه، أو ما يعرفه عن هذا الموضوع، وإنما يُشكِّل الاعتناء بالكتابة عن معاهد العلم في بيت المقدس فلسفة خاصة للعسلي، لها بُعد حضاري فبيت المقدس، بالنسبة له، مركز تحدٍ حضاري، وهذه الفلسفة يصعب على القارئ لكتاباته أن يجمع خيوطها، فضلاً عن أن يُقدِّمها في ملخصة في هذه الدراسة؛ ولكننا سنحاول ذلك في مقاربة أولية.

ولعّل التركيز على معاهد العلم، بالنسبة إلى العسلي، في بيت المقدس، لم يكن وليس مرتبطاً بالهروب من الإحباط واليأس، الذي يكتنف فرص تحرير بيت المقدس، أو الحلول السياسية لهذه القضية المستعصية على الحل؛ ولكنه كان يعتقد؛ بصورة لا تقبل الشك أو النقاش أن «الإنقاذ السياسي يحتاج إلى وقت، والانتظار حتى التحرير؛ ربما يؤدي إلى زوال المعالم الثقافية الإسلامية من المدينة، وهذه كارثة حضارية؛ ولذلك فإنه لا مجال أبداً للانتظار، ولا بد أن تتضافر جهود رجال المال والثقافة والحكم لعمل أي شيء ممكن الآن». بحسب العسلي.

كما أن العسلي في متابعته لمعاهد العلم في بيت المقدس لم يستثنِ أي مكان فيها كان يؤدي دوراً تعليمياً مهما كان هذا الدور: فالمدارس، وحلقات المسجد الأقصى وقبة الصخرة، الزوايا والأربطة، الخانقاوات والكتاتيب، كتاتيب التُرَبْ، ومع ذلك كله المكتبات العامة والخاصة التي رفدت دور العلم هذه، وكانت جميعها محط عنايته ومتابعته، مهما اختلفت مذاهب منشئي هذه المعاهد أو مُدرسِّيها أو واقفيها أو القائمين عليها؛ فنظرته لمعاهد العلم شمولية محايدة معنية بمتابعة التطورات التي حدثت وتحدث لهذه المعاهد.

وكتاباته عن معاهد العلم متابعة للتطورات التي حدثت على المباني، والأماكن التي كانت تضمها المعاهد، وهو مسكون هنا بشغف مقدسي وروح مخلص للمكان، وأثر التقلبات السياسية على هذا المكان؛ فالكتابة عن بيت المقدس، بالنسبة إليه، ليست فقط للتعريف به في أيام محنته، ولكن ذلك نابع من محبته للوطن كاملاً، وعبّر عن ذلك بقوله: «ولا يمكن أن تكون محبة الوطن كاملة إلا إذا عرفناه ودرسناه من مختلف النواحي». مؤكداً على نفاسة التراث في هذه المدينة، وضرورة المبادرة لإنقاذه ورعايته؛ ولهذه الغاية فهو يستخدم جميع حواسه لرصد كل ما يتعلق بموضوعه؛ ولذلك فهو يكثر من الإتكاء على كلمات مثل: «أطلعني، أخبرني، علمتُ، أشار، كتب، قال لي، رأيتُ، ذكر لي، لم أتحقَّق»؛ ومع ذلك كله فالعسلي لا يكرر ما يكتبه، وإنما يُقِّدم كل ما هو جديد، أو ما اكتشفه أو عرفه، أو ما يعتقد أنه غير معروف نسبياً.

ولبيان بعض ما توصلنا إليه؛ فإننا سنتناوله من خلال دراستيه الهامتين وهما «معاهد العلم في بيت المقدس» وهو بحث قُدِّم للمؤتمر الدولي الثالث لتاريخ بلاد الشام- فلسطين، 19_24 نيسان 1980م، الجامعة الأردنية؛ وسيشار إليه لاحقاً بـ «معاهد».

والثانية بعنوان: «معلومات جديدة عن مدارس القدس الإسلامية مُستخلصةٌ من سجلات المحكمة الشرعية في القدس» بحث مقدم إلى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم: الندوة العالمية الأولى للآثار الفلسطينية، جامعة حلب، 19_ 24 أيلول 1981م، وسيشار إليه لاحقاً بـ «مدارس».

وهو يؤكد أن الموضوع، كان وما زال، في حاجة إلى «درس مستفيض، وما كتب إن هو إلا مقدمة لهذا الدرس، فهناك ثغرات لم تملأ، وهناك نقاط ما زالت في حاجة إلى المزيد من التحقيق، وإذا صلحت هذه الدراسة لأن تكون منطلقاً لمزيد من البحث فهذا ما ابتغيه» والكلام للعسلي: مدارس، ص2. ولذلك فهو يحاول «إثارة الاهتمام ولفت الأنظار إلى التراث العربي الإسلامي البالغ العراقة؛ والمهدد أكثر من أي وقت مضى في بيت المقدس». مدارس، ص2.

ما الذي يريد العسلي أن يقوله لنا عن معاهد العلم؟

إن العسلي يؤكد باستمرار على استمرارية وديمومة بعض المعاهد العلمية على مدى قرون، وأن المسجد الأقصى عاش حياة علمية حافلة، وكان مركزاً من مراكز تدريس العلوم الدينية في العالم الإسلامي، وأن استمرارية بعض المعاهد بلغت ثمانية قرون، وبعضها أكثر من ذلك أو أقل. وأن معاهد العلم استمرت في مواجهة التحدي الحضاري، باعتبار أن المدارس ومعاهد العلم كانت قد: «غالبت عوادي الزمن أكثر من سواها» مدارس، ص43.

وأن الأساتذة في المدرسة الصلاحية مثلاً عمدوا «إلى تغذية الطلاب بروح اليقظة العربية، ولذلك فإن كثيراً من الشباب، الذين درسوا في الصلاحية، أصبحوا من دعاة الحركة العربية فيما بعد؛ بعكس ما أراد لهم الأتراك (يقصد حزب الاتحاد والترقي) أن يكونوا» مدارس، ص43.

ومعاهد العلم كان فيها نماذج معمارية متميِّزة، منها التخطيط المتعامد (Cruciform) وفي مدينة القدس، كما أنها مثلت أنماط بناء ونقوش وثقافة وعلم مختلفة باختلاف العصور؛ ولذلك فقد وصف العسلي أماكن بناء المدارس ومبانيها، وطرز بنائها، ومواد البناء، وخطة المباني من الداخل والخارج، وعُنٍيَ بإبراز النقوش الموجودة فيها أو حولها وتصويرها تصويراً شمسياً أو رسمها أو نقلها، وعمد إلى تصحيح بعض العبارات في النقوش أو المخطوطات والمصادر.

ولاحظ العسلي أن المدرسة مؤسسة سُنِّية نشأت لتدعيم المذهب السني والدولة السنية في خضم نزاعاتها مع الشيعة، ودولها سواءً البويهيون في الشرق أو الفاطميون في الغرب، وأن الحكام السُنِّيين كانوا يراقبون التعليم في المدارس. كما لاحظ أن الأوقاف على مدينة القدس ومعاهد العلم فيها كانت منتشرة، لا في فلسطين وحدها؛ بل في أنحاء أخرى من بلاد الشام، وخاصة سوريا وصفد وغزة ثم في مصر وبلاد الروم أيضاً.

وأن المدارس حافظت على اللغة العربية وعلوم الشريعة الإسلامية، وإن لم تكن أضافت إليها إضافات أصلية أو هامة خاصة في فترة تاريخية تعرَّض فيها بيت المقدس لهجمات الفرنجة (الصليبيين)، والمغول والكوارث الطبيعية. وأن هذه المدارس كانت مفتوحة الأبواب لجميع الناس مجاناً، ودون أيّما تمييز بين الطبقات، وأنه بعد زوال المدارس من بيت المقدس في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي «ساد الجهل التام ووقعت العقول فريسة لكل أنواع الخرافات والأوهام والأباطيل المستحيلة».

كما لاحظ أنه كان للطلبة حرية في اختيار المواد التي يدرسونها، والمُدُّرس الذي يتّولى تدريسهم، وأن التعليم كان دينياً ولغوياً، وتضمن بعد الفتح الصلاحي بخاصة مواضيع عن فضائل بيت المقدس، كما تضمن مواضيع في الرياضيات والمنطق. وأن استرداد القدس في عهد صلاح الدين الأيوبي ساهم في ازدهار الحركة العلمية، وأيقظ شعوراً دينياً عميقاً بأهمية القدس والمسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين؛ فوضعت كتب في فضائل بيت المقدس، ومنذ الفتح الصلاحي أصبح للمدرسين وجميع العاملين في المسجد رواتب محددة تصرف إليهم، إضافة إلى الهبات.

وأن التدريس لم ينقطع في المسجد الأقصى، عبر القرون، سوى في فترة الاحتلال الفرنجي (492هـ/ 1098م_ 583هـ/ 1187م) فيما نشأت في بيت المقدس (62) مدرسة بعد الفتح واستمرت حتى أواسط القرن العاشر للهجرة، أي نحو ثلاثة قرون ونصف. وأن 80 % من هذه المدارس أُنشأت في عصر المماليك، وأن المدارس تنشأ بوقفيات شخصية أو سلطانية، أو وقفيات أمراء وأميرات وحكام، أو من خلال هبات. كما أنشأ هذه الوقفيات نساء ثريات وتجار، ووجهاء ورجال دين.

وكان من الوظائف الموجودة في المدرسة «معمار» بمعنى مهندس خاص بها، يتولى إنشاء وترميم وصيانة مباني المدرسة أو الإضافة عليها. وكانت المدارس على سوية عالية إذا كان ينزل فيها بعض ضيوف القدس البارزين.

وأشار العسلي لما أسماه «الطابع الدولي للمدرسين والدارسين في المسجد الأقصى» فكان منهم من بلاد الأفغان وفارس والعراق وسوريا ومصر وهراة والمغرب الأقصى والأندلس، ووصف ذلك بأنه مثال على «التبادل الثقافي الواسع النطاق في بلدان العالم الإسلامي، الذي هو سمة من سمات الدراسة والعلم في الإسلام بوجه عام». معاهد، ص39. كما أن المدارس كانت تشترك في الأسماء مع مدارس دمشق والقاهرة وهو ما يشير إلى الوحدة الثقافية.

وذكر العسلي أن بريطانيا، كدولة محتلة لفلسطين، وقفت ضد مشروع جامعة الأقصى، وعرقلت إنشاءها، وكان من المؤمل أن «ينبعث منها تيار تعليم عصري وثيق الصلة بكل ما هو إيجابي في تراث السلف». معاهد، ص25.

النداءات التي حاول العسلي أن يبثُّها

أشار العسلي من خلال دراستيه إلى جملة من التحديات التي واجهت وتواجه معاهد العلم في بيت المقدس، وملحقاتها من مكتبات عامة وخاصة، وقد أدرجناها في التحديات التالية:

أولاً: الاعتداءات الإسرائيلية: وقد كانت ولا تزال مستمرة ومتصاعدة وهادفة إلى تهويد القدس. وقد أوردها العسلي على شكل هدم أو استملاك مدارس أو العبث بها بشكل أو بآخر، أو أنها تعرضت للانهيار جراء الحفريات التي أجرتها أو تجريها إسرائيل حول الحرم، منذ الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967م ومن ذلك ما يلي:

- المدارس الفخرية (الخانقاه الفخرية): وفيها مسجد وأماكن لإقامة الأذكار، وأماكن أخرى خاصة بتهُّجد الصوفية «معاهد، ص169، وأضاف: «ولم يَُعد لأكثر هذه الأبنية من أثر اليوم؛ فقد هدمت سلطات الاحتلال الجزء الأكبر من الخانقاه المذكورة وهي من معالم المدينة التاريخية وتُشِّكل جزءاً من المسجد الأقصى حتى 15/6/1969م، ولم يبق من الخانقاه سوى ثلاث غرف ومسجد فيه الآن قسم الآثار التابع لإدارة الأوقاف الإسلامية في القدس». معاهد، ص63.

- المدرسة الأفضلية (حول 590هـ/ 1193م)، «أما اليوم فلم يعد لها وجود بعد أن أزالتها الجرافات الإسرائيلية سنة 1967م». معاهد/ ص65.

- المدرسة التنكزية (729هـ/ 1328م) عام 1969م احتلتها القوات الإسرائيلية ورابطت فيها «بحجة أن نوافذها تُطِّل على البراق وحارة اليهود، وقد قامت السلطات الإسرائيلية بأعمال حفر وتفريغ وتنقيب تحت الطابق الأرضي للمدرسة، وكثير من المباني المجاورة مما جعلها مهددة بالانهيار، وقد استعملت المنطقة الواقعة تحت التنكزية والعمارات المجاورة كنيساً لليهود». معاهد، ص70.

- دار القرآن الإسلامية (761هـ/ 1359م)، وهذه الدار من أوقاف الخالدي. وقد وضعت السلطات الإسرائيلية يدها عليها في 18/ 4 /1968م، ويحتلها الآن الجيش الإسرائيلي». معاهد، ص71.

- المدرسة الجالقية (707هـ/ 1307م)، «والمدرسة تعرف في القدس الآن باسم دار الباشكاتب كما تُدعى دار الخالدي. وقد باع آل الخالدي الجزء الخلفي منها (الواقع على طريق حمام العين) إلى عائلة غيث. وهذا الجزء تحتله القوات الإسرائيلية في الوقت الحاضر». معاهد، ص80.

- المدرسة العثمانية (840هـ/ 1436م)، وهي «اليوم دار سكن ويسكنها جماعة من آل الفتياني، وقد أدت الحفريات الإسرائيلية تحت المدرسة إلى تصدُّعات في مبنى المدرسة والمسجد الذي يشكل جزءاً منها، واستولت سلطات الاحتلال على المسجد، وبعد أن تم حفر فجوة في أرض المسجد، وصعد إليه الجنود الإسرائيليون من الخندق الذي حفر تحت المدرسة» معاهد، ص96.

- المدرسة الأرغونية (759هـ/ 1357م)، يعرف مبنى المدرسة، في الوقت الحاضر، باسم (دار العفيفي)، وهم يسكنون في جزء منه، أما إيوان المدرسة الشرقي فيضم ضريح المغفور له الحسين بن علي، ويمكن رؤية الضريح من نافذة تطل عليه من رواق الحرم... ومما هو جدير بالذكر أن بناء المدرسة قد أُصيب بتصدعات من جراء الحفريات الإسرائيلية تحت السور الغربي للحرم. كما تأثرت بذلك كثير من المباني المجاورة، ومنها رباط الكرد المقابل للمدرسة الأرغونية. وفي هذا الصدد كتب الأستاذ رفيق وفا الدجاني يقول: شاهدت أقواس الأبواب مُتصدِّعة تدعمها الركائز الخشبية القوية... كما علمت بأن السلطات الإسرائيلية طلبت من المجاورين وبعض السكان بوجوب إخلاء منازلهم لئلا يتعرضوا للخطر». معاهد، ص100.

- المدرسة الجوهرية (844هـ/ 1440م)، «أن الحفريات الإسرائيلية أدت إلى صدع في المدرسة الجوهرية عام 1974م، كما حصل في المدرسة الأرغونية وغيرها من المباني المجاورة» معاهد، ص104.

- رباط الكرد (693هـ/ 1293م)، وقد انهار جزئياً في شهر كانون الأول سنة 1971م من جراء الحفريات التي قامت بها وزارة الأديان الإسرائيلية تحت سور الحرم الغربي شمالي حائط البراق. وأرادت الوزارة أن تستغل الفرصة لهدم البناء كله لإنشاء ميدان ثان مثل ذاك الذي أنشأته عند حائط البراق، وفي منطقة إسلامية بحتة، لولا ما أثاره انهيار هذا الأثر الإسلامي من ضجة في الأوساط العلمية والأثرية العالمية، وهو الأمر الذي أدى إلى وقف أعمال الهدم والحفر تحت المبنى، وإلى وضع دعامات لمنع انهياره التام، إلى أن يتخذ قرار بهذا الشأن». معاهد، ص162.

- زاوية المغاربة: في حارة المغاربة، وقفت عام (703هـ/ 1303م)، «وقد استملكت سلطات الاحتلال الإسرائيلي هذه الزاوية وهدمتها». معاهد، ص173.

- زاوية أبي مدين الغوث؛ أنشأت في حي المغاربة عام (720هـ/ 1320م)، «ولما أنشئت الزاوية صارت عقارات الحي الموقوفة كلها تعرف بأوقاف أبي مدين. وقد هدمت سلطات الاحتلال (135) بيتاً من بيوت حي المغاربة الموقوفة في حزيران سنة 1967م، ... وقد رأيتُ في باحة الزاوية أحجاراً يقذفها عليها الإسرائيليون الذين بنوا مباني كثيرة خلفها مطلة عليها؛ بهدف إخراج سكانها منها». معاهد، ص173.

المكتبات

- خزائن المسجد الأقصى؛ خزائن المدارس منها مكتبة الخانقاه الفخرية: «عندما احتلت إسرائيل الجزء الشرقي من القدس فأخذ المحتلون قسماً من هذه الكتب». معاهد، ص180. وبعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس سنة 1967م تسرَّب الكثير من الكتب إلى مكتبة الجامعة العبرية وغيرها من مكتبات مراكز الأبحاث الإسرائيلية». معاهد، ص183.

- المكتبة الخالدية: ولها وقف «نقصت مجموعة المكتبة في الثلاثين سنة الماضية حوالي 50% وهو رقم مخيف؛ ولا بُدَّ من اتخاذ الإجراءات العاجلة لحماية ما تبقى من موجودات هذه المكتبة». معاهد، ص188. ويضيف: «ولا بد من الإشارة في ختام حديثنا عن المكتبة الخالدية إلى أن السلطات الإسرائيلية تطمع في الاستيلاء على المكتبة... وحاولت مصادر الدار... (وبعد تدخّل قيّم المكتبة) ألغي أمر المصادرة، ولكن لا أحد يدري مما يأتي به المستقبل إذا دامت الأوضاع في القدس على ما هي عليه». معاهد، ص190.

- مكتبة آل جار الله: «كانت المكتبة محفوظة في خزائن وسرقت سنة 1948م».

ثانياً: ما أحدثه الاحتلال العسكري ومن ثم الانتداب البريطاني في القدس حيث ورد:

- المدرسة الكيلانية: «وفي عام 1938م شب حريق متعمّد في المبنى المذكور، ألحق به أضراراً كثيرة، وقد سُدَّت نوافذه الأمامية بالحجارة منذ ذلك الحين، وقد أخبرني شاهد عيان أن الجنود البريطانيين قاموا بإشعال الحريق، كعمل انتقامي، في أثناء ثورة سنة 1936م في فلسطين، بسبب إلقاء قنبلة من أحد أسطحة المنازل المجاورة للتربة». معاهد، ص76.

- المدرسة الميمونية (593هـ/ 1196م) «ثم أصبحت المدرسة بعد الاحتلال الإنكليزي مدرسة للبنات باسم المدرسة المامونية أيضاً، وبقيت كذلك إلى أواخر زمن الانتداب البريطاني». معاهد، ص147.

- مكتبة عبد الله مخلص: نقلت المكتبة إلى دير القربان قبل انتهاء الانتداب البريطاني سنة 1948م، ثم نسف الدير فضاعت الكتب تحت الأنقاض». معاهد، ص193.

- المدرسة الجاولية: «وفي أثناء ثورة 1936م اتخذها الإنجليز دار شرطة». معاهد، ص118.

ثالثاً: إجراءات ناتجة عن تداعيات القضية الفلسطينية.

_ زاوية الهنود: «تقع عند باب الساهرة داخل السور...» في الزاوية مسجد ولها وقف، وكان آخر شيوخها في أواسط القرن الحالي الشيخ ناظر حسن الأنصاري. وبعد كارثة فلسطين سنة 1948م، بقليل تحوَّلت مباني الزاوية إلى مكاتب لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة». معاهد، ص177.

إن بعض هذه المعاهد تحولت إلى خراب ومنها:

_ المدرسة الغادرية: «فهي اليوم شبه أنقاض». السجلات، ص9.

_ المدرسة المعظمية والأشرفية «وحلَّ محلَّها مبانٍ جديدة... وقد آلت إلى الخراب» معاهد، ص31.

_ المدرسة الأشرفية (887هـ/ 1482م) «لم يبق من الأشرفية إلا بقايا قليلة في هذه الأيام تُذكرِّ بماضيها المجيد. فقد هدمت أجزاء كثيرة منها بسبب طول العهد والزلازل والإهمال.. أما الطابق العلوي فكثير منه لا يزال خرباً، وقد تهدَّم سقف المدرسة ومعظم أواوينها». معاهد، ص90_ ص91.

_ المدرسة المزهرية (885هـ/ 1480م)، وهي الآن دار مسكن، وقسم منها خراب». معاهد، ص102.

_ المدرسة اللؤلؤية (781هـ/ 1379م) «وفيها أنقاض وغرف من مختلف الأشكال وهي آيلة للخراب». معاهد، ص107.

_ المدرسة المنجكية (762هـ/ 1360م)، منذ أواخر القرن التاسع الهجري رجح أنها «توقفَّت بعد ذلك التاريخ، وهُجِرَ مبناها وأصبح خراباً...، أما اليوم ففيها مقر دائرة الأوقاف العامة في القدس، ومقر لرئيس الهيئة العلمية الإسلامية، ومفتي القدس». معاهد، ص110.

_ المدرسة الطولونية (قبل سنة 800هـ/ 1397م)، «من المدارس الدارسة ولا اثر لها في الوقت الحاضر». معاهد، ص137.
_ المدرسة الفنارية حوالي (800هـ/ 1397م)، «ويتضح من تراجم المُدرِّسين أن المدرسة ظلّت قائمة ثلاثة قرون على الأقل، ولكنها مع الزمن دَرَسَتْ وهُدِمَ بناؤها». معاهد، ص139.

_ المدرسة المعظمية الحنفية (614هـ/ 1217م)، «هذه المدرسة كانت من المدارس الشهيرة ذات الأثر الكبير في حياة بيت المقدس الثقافية، وخاصة في القرنين الثامن والتاسع الهجريين... وتسمى اليوم مسجد المجاهدين... لا تزال جزءاً من مبنى المدرسة، وأهمها إيوان المدرسة الشمالي، قائمة حتى اليوم، وإن كان معظمها خراباً». معاهد، ص140.

_ الخانقاه المولوية (995هـ/ 1586م)، كان للخانقاه أملاك وأوقاف كثيرة فيما مضى... وقد بيعت الأملاك واندثرت الأوقاف وتوفي مؤخراً آخر شيخ من شيوخها». معاهد، ص170.

_ زاوية الدركاة (مدرسة الشافعية): «كانت تقع في مدرسة درست معالمها القديمة تماماً اليوم؛ وهي تعرف الآن بحي الدباغة». معاهد، ص171.

_ الزاوية المحمدية (وقفت سنة 751هـ/ 1350م)، «وهي الآن خراب». معاهد، ص174.

_ الزاوية القلندرية: «اختفت الزاوية تماماً ولا أثر لها في الوقت الحاضر. معاهد (ص176).

دور الكتب في بيت المقدس: اقتصر في حديثه على المكتبات الإسلامية؛ رغم أنه أشار إلى أهمية مكتبات الأديرة والكنائس وغيرها التي تخص الطوائف المسيحية. (ص179). أهمها:

_ خزائن المسجد الأقصى: منها مكتبة المدرسة (الخانقاه) الفخرية، كانت هذه المكتبة غنيَّة بمخطوطاتها الدينية والفلكية. كان عدد مجلداتها يقدر بنحو عشرة آلاف مجلد غير أن أفراد أسرة أبي السعود، أصحاب الخانقاه اقتسموا هذه المصنفات بينهم فبعثرت. وأخذ المحتلون الإسرائيليون قسماً من هذه الكتب...» ص180.

إن ما بقي من الكتب والمخطوطات، التي كانت في خزائن المسجد الأقصى وما حوله من مدارس، هو نزر يسير مما كان فيها أيام ازدهار المدارس والتدريس. وقصة هذه الكتب والمخطوطات قصة محزنة ومثيرة للأسى العميق فقد ضاع قسم كبير منها، وتلف قسم آخر، وسرق أيضاً قسم كبير، أو بيع بأبخس الأثمان. وقد تضافرت أسباب عديدة على صنع المأساة؛ فمدينة القدس، كانت على مدى تاريخها، من أكثر المدن معاناة وتعرضاً للنكبات من زلازل وحروب ومجاعات وما كان يرافق ذلك من نزوح وهجرة وتدمير وإهلاك للأرواح والممتلكات. وفي خضم ذلك ضاع من تراثنا فيها الشيء الكثير» ص182. «ومع النكبات تحالف الجهل في القرون المظلمة، التي كان للأمية فيها كل السلطان على النفوس»، «وبعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس سنة 1967م تسرَّب كثير من الكتب إلى مكتبة الجامعة العبرية، وغيرها من مراكز الأبحاث في إسرائيل» ص183.

_ دار كتب المسجد الأقصى تضم أربعة عشر ألف مجلد... كثير منها محفوظة في صناديق، وغير مفهرسة والواضح أن إمكانات المكتبة الحالية ضعيفة. ولذلك فإن كتبها تبقى معرضة للخطر، إلا إذا بذلت جهود جدية لصيانتها. وبالإضافة إلى الكتب والمخطوطات العربية تضم مكتبة المسجد الأقصى عدداً كبيراً من الكتب التركية.
وكذلك عدداً من الجرائد والمجلات». ص183. وفي المتحف الإسلامي الذي أسسه المجلس الإسلامي الأعلى عام 1923 مخطوطات نادرة بينها مجموعة لا تُثمَّن من المصاحف يقدر عددها بحوالي (600) مصحف مخطوط، كُتب معظمها بين القرن الثالث والقرن الثاني عشر للهجرة... ولا بد من توفير الإمكانيات المادية والبشرية والفنية للمكتبة والمتحف جميعاً حتى تتمكن هاتان المؤسستان من القيام بواجبهما الجليل في حفظ التراث» ص184.

مكتبات الأسر المقدسية

_ المكتبة الخالدية: لها وقف «بيد أن غلَّة الوقف هذه الأيام زهيدة جداً، ولا تكفي للإنفاق على المكتبة». ص185، «نقصت مجموعة المكتبة في الثلاثين سنة الماضية حوالي 50 % وهو رقم مخيف ولا بد من اتخاذ الإجراءات العاجلة لحماية ما تبقى من موجودات هذه المكتبة». ص188، و «أن السلطات الإسرائيلية تطمع في الاستيلاء لى المكتبة» ص190.

_ مكتبة الخليلي: (ت: 1147هـ/ 1734م) وقف منذ (1139هـ/ 1726م)» ورغم كل الشروط التي وضعها الشيخ الخليلي للمحافظة على كتبه فإن الزمان قد ذهب بأكثرها». ص192.

_ مكتبة البديري: المخطوطات الباقية من المكتبة في حالة يرثى لها من الإهمال يعلوها الغبار والأتربة. وهي في حاجة ماسة إلى إنقاذها قبل أن تتلف كلياً، وحبذا لو نقلت إلى مكتبة المسجد الأقصى». ص192.

_ مكتبة آل قطينة: «وقد بعثرت كتبها». ص192_ ص193.

_ مكتبة الشيخ خليل الخالدي: (ت: 1360هـ/ 1941م) نقلت إلى المسجد الأقصى، بيد أن كثيراً من كتبها القيمة قد ضاع، ونهب قسماً منها الإسرائيليون عندما احتلوا القدس عام 1967م. ولا تزال معظم مخطوطاتها الباقية محفوظة في صناديق تنتظر الصيانة والفهرسة والبحث.

_ مكتبة عبد الله مخلص: نقلت لدير القربان ثم نسف الدير؛ فضاعت الكتب تحت الأنقاض». ص193.

_ مكتبة آل جار الله: «كانت المكتبة محفوظة في خزانتين وسرقت سنة 1984م».

كان العسلي مسكوناً بهاجس التحدي الحضاري القائم على العلم، ولذلك فإنه كان يأمل أن يتم الحفاظ على معاهد العلم في بيت المقدس من الاعتداءات الإسرائيلية، وأن توقف التغييرات التي أحدثتها وتحدثها سلطات الاحتلال على ملكية الأراضي في بيت المقدس؛ حفاظاً على التراث العربي الإسلامي الخالد، وأن تُرمَّم المدارس الأثرية وينبعث منها تيار تعليم عصري، كما أنه لاحظ أن معاهد العلم في بيت المقدس تتآكل في ظل الاحتلال الإسرائيلي، ولعّله كان يأمل في أن يخصص لمعاهد العلم أوقاف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وأن تُقدَّم تسهيلات لترميم وصيانة والحفاظ على هذه المدارس واستمراريتها، والمحافظة على المكتبات العامة والخاصة، وما تضم من مخطوطات وكتب.

والعسلي مهتم بأن تُدْرس سجلات القدس، وسجلات المحكمة الشرعية فيها، والتي يمكن الإفادة منها بحسب العسلي، فيما يلي: (ص6، السجلات).

- وصف لبعض مباني المدارس والخوانق والزوايا، وتاريخ تعمير وترميم عدد كبير من هذه المباني على مدى القرون.

- العقارات التي كانت موقوفة على المدارس وأنواعها وصفاتها، وربط ذلك بإجراءات الاحتلال الإسرائيلي.

- أسماء عدد كبير من المُدرسين الذين تولوا التدريس في المدارس، ممن لم يرد لهم ذكر في المصادر الأخرى، ثم معلومات مختلفة عن المُدرِّسين والطلبة والموظفين العاملين في المدارس، ومعلومات أخرى متنوعة.

- أسماء مدارس وربط وزوايا لم تكن معروفة من قبل، وأسماء مدارس كانت معروفة بغير أسمائها الصحيحة.

وهو يأمل أن تفيد هذه المعلومات، حول المدارس والمباني وجداول التعميرات التي أرفقها، في إفادة علماء الآثار والمهندسين الذين من المؤمل أن يعملوا في ترميم أبنية المدارس في بيت المقدس في وقت قريب». ص9، السجلات. أو في دراسة تاريخ القدس وفلسطين في جميع المجالات التي يتناولها علماء التاريخ والآثار.

وذلك كله في محاولة من العسلي لإبقاء الشاهد الحضاري المادي والعلمي حياً وقائماً في مواجهة ما تتعرض له فلسطين ودُرّتها بيت المقدس، وأن الحاجة، كانت ولا تزال، قائمة لمتابعة التغييرات التي تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجراءها على الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية وأوقافها في القدس، والتصدي بصورة علمية وحضارية لوقف هذه الإجراءات، التي كانت ولا تزال مستمرة؛ بهدف تهويد المدينة وتغيير طابعها العربي والإسلامي، وقد طالت الإجراءات الإسرائيلية أيضاً الممتلكات المسيحية وخاصة الكنيسة الأرثوذكسية، وإننا في الوقت الذي نستذكر فيه جهود العسلي في هذا المجال؛ لنرجو أن يرتفع المثقفون والأكاديميون لمستوى التحديات الحضارية التي تحيق بنا في بيت المقدس وفلسطين وسواهما.

وأن ندعو إلى توثيق كل ما يتعلق بالمدينة المقدسة، والحفاظ على موجودات المكتبات والمحاكم الشرعية والنظامية، وأن يصار إلى ترميم وصيانة الآثار الإسلامية والمسيحية في القدس، والحفاظ عليها من الحفريات الإسرائيلية القائمة حالياً في القدس.