مركز الرأي للدراسات
اعداد : د. خالد الشقران
12/2008
مقدمة:
منذ اطلاق كل من صموئيل هنتنجتون, لمقولة "صراع الحضارات" وفرانسيس فوكوياما "نهاية التاريخ" وما تبع اطلاق هذه المقولات من احداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الاميركية شهدت الساحة الدولية تواتراً في استقدام تعبيرات تشير في مجملها الى وجود الرغبة لدى بعض الدول الاكثر فاعلية في المجتمع الدولي لاحداث نظام دولي جديد, وعلى الرغم من رصد متغيرات كبيرة الاثر في مستقبل التفاعلات الدولية شملت التنظيم الدولي بصورته الراهنة في ظل اقتصاد التوازن وهيمنة القطب الواحد وتداعيات ذلك على العلاقات الدولية سياسياً واقتصادياً وثقافياً على الاقل الا ان هذا النظام لم يتبلور بالشكل الذي اراد له مطلقو هذه الفكرة ومنظروها من بعض الدول العظمى.
وبشكل متوازٍ مع هذا المسار, كانت هناك محاولات اخرى لرسم طريق جديد للتفاعلات الانسانية على الساحة الدولية تحاول قدر الامكان وأد فكرة صراع الحضارات من خلال استقدام الحوار الحضاري باعتباره وسيلة اساسية لتجنب الصراعات التي اصبحت تهدد مستقبل المجتمعات المعاصرة.
ويهدف حوار الحضارات الى تعزيز اطر التعارف والتواصل والتفاعل والاحتكاك الحضاري عبر التشاور والتفاعل الثقافي بين الشعوب والقدرة على التكيف مع الافكار المخالفة والتعامل مع مختلف الآراء الدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية, بشكل يسمح بوجود حوار وتفاعل بين الديانات ومختلف التيارات السياسية والنظم الاقتصادية في المجتمع الدولي يؤدي الى تعظيم الفائدة المرجوة من القواسم الايجايبية المشتركة بين هذه الحضارات.
ورغم تحقيق حوار الحضارات لبعض التقدم خاصة في المجال الاقصتادي والسياسي الا ان الجانب الأهم وهو الجانب الرئيسي ما زال يشهد كثيراً من القضايا العالقة خاص وان الحوار الديني لم ينفع معه على ما يبدو ما تم تجريبه في السياسة والاقتصاد من المضي قدما في تطوير التفاعل المتعلق بالنقاط الايجابية المشتركة والقفز عن النقاط المختلف حولها وهذا الواقع عائد الى طبيعة المسائل الدينية التي تتسم بالحساسية بالنسبة لجميع الاطراف المشتركة في الحوار.
وعلى الرغم من انه لا يمكن لأحد الإدعاء بأن حوار الحضارات قد وصل الى طريق مسدود الا ان الساحة الدولية باتت تشهد توتراً ملحوظاً بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر حيث اخذت مشاعر الحذر والريبة وعدم الثقة والاحكام المسبقة تسود العلاقات بين الغرب ودول العالم العربي والاسلامي, عما اخذت نظرية صاموئيل هنتنغتون حول حتمية صراع الحضارات بين الغرب والعالم الاسلامي بعداً جديداً يغذيه المزيد من المؤيدين لها من الذين انخرطوا وبشتى الطرق والوسائل للاساءة للاسلام والمسلمين وللعلاقات بين الغرب والعالمين العربي والاسلامي بشكل خاص والدفع باتجاه اختلاق صراع بين الحضارات وتأجيج نارها.
سوء الفهم
وامام هذه الاجواء غير المستقرة والمشحونة ظهرت عدة مبادرات دولية من اجل وضع حد لاجواء الريبة والحذر والشكوك التي بدأت تطغى على العلاقات بين الغرب والعالمين العربي والاسلامي كانت من ابرزها المبادرة التي طرحها جوسيه لويس رودريغ ثباتيرو رئيس وزراء اسبانيا امام الجمعية العامة للامم المتحدة في 22 سبتمبر عام 2004 بشأن تحالف الحضارات والتي قال فيها: "لقد سقط قبل عدة سنوات جدار برلين وعلينا اليوم ان نتجنب لأن تودي الكراهية ومشاعر سوء الفهم بين الغرب والعالم العربي والاسلامي الى اقامة حائط اخر يكون اكثر سوءاً من حائط برلين الذي سقط".
وبناء على تقديره لخطوة المشهد على الساحة الدولية فقد اقترح رئيس وزراء اسبانيا على الجمعية العامة للامم المتحدة اقامة تحالف حضارات بين الغرب والعالم العربي والاسلامي يقوم على المرتكزات التالية:.
1- الرفض القاطع للنظرية التي اصبحت سائدة في الغرب والتي تدعو للخلط بين الاسلام والارهاب مع التأكيد على ان الارهاب قد استخدم زيفاً اسماء ايديولوجيات ومعتقدات دينية مختلفة وعليه فهو ليس جزءاً خاصاً بأي منها ولا يجوز ان يتم اقرانه بأي حضارة او ثقافة او تقاليد على وجه الخصوص.
2- ان الاسلام عنصر هوية مسالم متسامح للعديد من الدول ولكثير من الشعوب والنظرة الاختزالية التي تقدم الارهاب على انه يرجح النظرة الراديكالية والمتعصبة للاسلام انما تمثل خطراً جسيماً يعرض ظلماً مجتمعات وجماعات بشرية بأكملها لشبهة التواطؤ ويؤدي الى انعدام التفاهم بين الثقافات.
3- ضرورة التوصل لنظام عالمي جديد اكثر عدالة واكثر تضامناً واكثر حرصاً على ازالة التوترات في العالم بصنع السلام وايجاد حلول عادلة ودائمة للقضايا الشائكة في منطقة الشرق الاوسط وفي مقدمتها النزاع العربي الاسرائيلي وقضية العراق.
وبعد دعم وتأييد مجموعة من الدول العربية والاسلامية والاوروبية للفكرة من حيث المبدأ وبمبادرة من حكومتي اسبانيا وتركيا شهد العام 2005 اعلان الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان تبني المنظمة رسمياً لمبادرة تحالف الحضارات باعتبار انها تهدف الى التصدي للانقسامات والاحكام المسبقة وسوء الفهم والخلافات بين الثقافات وعلى وجه الخصوص بين الثقافة الاسلامية والثقافة الغربية التي يمكن لها ان تهدد وبشكل مؤثر مسيرة السلام في العالم.
وبهدف استكشاف جذور الاستقطاب بين المجتمعات والثقافات والتوصية ببرنامج عمل فعال للتعامل مع هذه المشكلة اعلنت الامم المتحدة في نفس العام 2005 عن تشكيل لجنة حكماء من اجل تحالف الحضارات برئاسة فيدركو ماريو المدير العام السابق لمنظمة اليونسكو ومحمد ايدين وزير الدولة في الحكومة التركية وبعضوية (19) من كبار الشخصيات من عدة دول من بينها مصر وتونس والجزائر والمغرب والسنغال وقطر وايران وجنوب افريقيا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأميركية والاورغواي والبرازيل وباكستان والهند واندونيسيا والصين، وقد قامت هذه اللجنة في تشرين الثاني من عام 2006 بتقديم تقرير تحليلي اشتمل على مجموعة من التوصيات العملية التي تشكل اساس مرحلة التنفيذ لتحالف الحضارات، والذي على اثره قامت الامم المتحدة بتعيين رئيس البرتغال الاسبق جورج سامبايو كممثل سامي للتحالف.
وبحسب ما هو معلن تكمن مهمة تحالف الحضارات بتحسين التفاهم والعلاقات التعاونية بين الامم والشعوب عبر الثقافات والاديان والمساعدة في مواجهة القوى التي تغذي الاستقطاب والتطرف, وبرغم ان لدى تحالف الحضارات نطاق عمل عالمي مدعم بمنظور شامل الا ان اولوية العمل على ما يبدو بالنسبة له هي التعامل مع العلاقات بين المجتمعات الغربية والاسلامية باعتبار ان الاستقطاب والمخاوف المشتركة بين الثقافات تصل الى اقصى درجة داخل هذه المجتمعات وبينها وانها تمثل تهديداً للاستقراء والأمن الدوليين.
اهداف تحالف الحضارات:.
ويتشكل عمل تحالف الحضارات من الأهداف الثلاثة التالية:.
1- تطوير شبكة من الشراكات مع الدول والمنظمات الدولية وجماعات المجتمع المدني وكيانات القطاع الخاص التي تشارك تحالف الحضارات في الاهداف من اجل تعزيز تفاعلها وتنسيقها مع منظومة الامم المتحدة.
2- تطوير ودعم وابراز المشروعات التي تساعد على التفاهم والتوفيق فيما بين الثقافات على المستوى العالمي وعلى وجه التحديد بين المجتمعات الاسلامية والمجتمعات الغربية على ان ترتبط هذه المشروعات بمجالات العمل الخمسة الرئيسية للتحالف وهي السياسة والشباب والاعلام والتعليم والهجرة.
3- اقامة العلاقات وتسهيل الحوار بين الجماعات التي يمكنها ان تعمل كقوة للوساطة والتفاهم خلال فترات التوترات القوية بين الثقافات في حين تقتصر وظائف "تحالف الحضارات" سواء على المستوى العالمي او داخل منظومة الامم المتحدة على ما يلي:.
1- ربط الاشخاص والمنظمات المخصصة لتشجيع وتعزيز الثقة والتفاهم بين المجتمعات المختلفة, وعلى وجه الخصوص بين المجتمعات الاسلامية والمجتمعات الغربية.
2- عامل تحفيز وتسهيل حيث يساعد على اعطاء قوة دافعة للمشروعات الابداعية التي تهدف الى تقليل الاستقطاب بين الأمم والثقافات عبر المساعي المشتركة والشراكات ذات الفائدة المتبادلة.
3- مؤيد لبناء الاحترام والتفاهم فيما بين الثقافات وتقوية الاصوات المنادية بالاعتدال والتوفيق التي تساعد على التهدئة من حدة التوترات الثقافية والدينية بين الامم والشعوب.
4- منصة لزيادة الوضوح, وتحسين عمل المبادرات المخصصة لبناء الجسور بين الثقافات وابراز صورتها ومواصفاتها.
5- مورد لتوفير الوصول الى المعلومات والمواد المشتقة من المبادرات التعاونية الناجحة التي يمكن استخدامها، بدورها, بواسطة الدول الاعضاء او المؤسسات او المنظمات، او الافراد الذين يسعون للبدء في عمليات او مشروعات مماثلة.
عوامل اساسية:.
المجالات ذات الاولوية:.
وفي تركيزه المبدئي على العلاقة بين الدول الغربية والشعوب ذات الاغلبية المسلمة وضع التحالف مجموعة من مجالات العمل ذات الاولوية بالنسبة لبرامجه تشتمل العوامل السياسية التي تؤدي الى التطرف وآثار الاعلام والتعليم على التفاهم المتبادل والقطاعات السكانية الرئيسية من الشباب والجاليات المهاجرة.
ففي مجال الهجرة ينظر التحالف الى الاندماج الناجح للمهاجرين باعتباره هدفاً هاماً في حد ذاته وكذلك هدف رئيسي في تحسين العلاقات بين الثقافات والانسجام بين الطوائف على المستوى العالمي, ويسعى التحالف في هذا المجال الى اشراك صناع السياسة وقادة المجتمع المدني والمؤيدين بما في ذلك شبكات المهاجرين بهدف تحديد المناهج التي تسهم في الاندماج الناجح للمهاجرين المسلمين في اوروبا الغربية.
وفيما يتعلق بالشباب يعتزم التحالف اشراك الشباب كقادة محتملين ليتم الاستماع اليهم ودعمهم من اجل الاشتراك في الانشطة البنّاءة، اذ وعلى مدار التاريخ كان الشباب في مقدمة التطورات الاجتماعية والسياسية الرئيسية والحركات التي لا تنادي بالعنف, ويعتبر قطاع الشباب من اكثر القطاعات عرضة للخطر من حين زيادة احتمالية ارتباطهم بشكل او بآخر بجماعات التطرف والعنف خاصة في البيشات التي تنقصها الخدمات العامة والتوظيف والفرص التعليمية.
وباعتبار ان الشباب - الذين يمثلون في اغلبية السكان في الكثير من البلدان النامية – اصلاً ضرورياً لوضع خطة عمل ملموسة للتغلب على تحديات الاستقرار العالمي والمحلي، يعتزم التحالف انشاء شبكة محددة بين الجماعات تقوم باستخدام اساليب ابداعية لمنع التطرف وتشجيع الحوار والعمل الفعال بين الشباب.
وفي المجال السياسي, انطلق التحالف على اساس فكرة مفادها الى أي جهد لمحاربة التطرف يجب ان يرسي اولاً وقبل أي شيء فهماً للقضايا السياسية التي تؤدي الى هذا التطرف, وينطبق ذلك تحديداً على العلاقات القائمة بين البلدان الغربية والشعوب ذات الاغلبية المسلمة، حين يُفترض – بشكل خاطئ – في احيان كثيرة ان تكون اسباب التوتر والعنف ذات طبيعة ثقافية او دينية في المقام الاول.
وبشكل رئيسي يعمل تحالف الحضارات في هذا المجال على جذب الانتباه الى المظالم السياسية والاقتصادية المسؤولة عن السخط والراديكالية المتزايد في العالم بصورة عامة, وفي العلاقات بين البلدان الغربية والشعوب ذات الاغلبية المسلمة بشكل خاص.
ورغم وجود احتمالية ان تفوق المظالم السياسية قدرة التحالف على حلها الا ان التحالف يدرك تماماً ان توليد القوة الدافعة الشعبية والارادة السياسية اللازمتين لتحقيق تحسين حقيقي ودائم في العلاقات بين الشعوب ذات الاغلبية المسلمة يتطلب ضم لاعبين رئيسيين عبر كافة قطاعات المجتمع للاسهام في تحليل العوامل السياسية التي تغذي التطرف ومعالجتها.
وفي مجال الاعلام، يسعى التحالف الى استخدام الاعلام لتشجيع التفاهم المتبادل وارساء اساس العمل الجماعي عبر الشعوب والثقافات المتنوعة, خاصة وان الاعلام يعتبر من اقوى العوامل المؤثرة في تشكيل الفهم الصحيح لللأحداث والشعوب في العالم, وقد ادى نمو الانترنت وانتشار القنوات الاعلامية على مدار العقدين الماضيين الى اتصال اجزاء مختلفة من العالم مع بعضها البعث بشكل لم يسبق له مثيل, كما ان هذا التطور يصل بين جنباته الوعد بالدخول في عصر الاتصال والتفاهم المتبادل غير المسبوقين بين الثقافات, وفي الوقت ذاته, يمكن للاعلام ان يحدث التأثير المعاكس عبر تقوية الانحيازات الجماعية والاشكال النمطية السلبية وتعميق الانقسامات بين المجتمعات ويتضح هذا الاثر الاستقطابي بشكل واضح فيما يتعلق بالعلاقات بين الدول الغربية والشعوب ذات الاغلبية المسلمة، من هنا, يقوم التحالف بالعمل مع الاخصائيين الاعلاميين لاعادة وضع اطار للصور والمفاهيم كي تعكس التنوع الموجود داخل المجتمعات على نحو افضل وتزيد من احتمالات التعاون والانسجام بينها.
ويصل التحالف في مجال التعليم على وضع مفهوم تحالف الحضارات موضع التطبيق العملي عبر تناول التعليم في مستويات عديدة, مع التركيز على الجهود التي تستبدل معرفة الآخر بجهل الآخر مع تحسين الفهم والتسامح بدلا من سوء الفهم والتعصب، لا سيما وان التعليم يعد عنصرا اساسيا في العديد من الموضوعات التي يسعى التحالف الى تحسينها بما في ذلك مشاركة الشباب الايجابية وتطوير الاعلام المسؤول والبناء واندماج الشعوب المختلفة والتفاعل الفعال للمجتمعات المعاصرة.
تساوي الفرص.
وبحسب رؤية تحالف الحضارات يتطلب تعقد الحياة الحديثة وترابطها موقفا كليا نحو المعرفة والوعي باهمية وكرامة كل فرد في السياق العام للانسانية، مثلما يتطلب امنا تعليميا يصبح فيه تساوي الفرص التعليمية من حيث المنطقة والطبقة والنوع والعمر اهدافا حيوية لتعزيز المشاركة الاجتماعية البناءة وتشجيعها للابتعاد عن العنف، ولا يمكن تحقيق ذلك الا من خلال توفير التعليم للجميع ليس باعتباره هدفا حيويا فقط وانما ينبغي ان يكون هذا الهدف ايضا في المتناول.
وفي سبيل تحقيق اهدافه في مختلف مجالات العمل سابقة الذكر فقد عمل تحالف الحضارات الى تسهيل اقامة الاتصالات والحوارات مع الشخصيات السياسية والدينية والاعلامية وشخصيات المجتمع المدني ودفعها لممارسة تأثيرها في النهوض باهداف التحالف، على ان النقطة الجديرة بالذكر هنا بحسب اهداف التحالف هي ان تحالف الحضارات لا يهدف الى ايجاد طريق ثالث او طريق مختصر نحو عمليات التفاوض المستمرة في عدد من الساحات السياسية او الى مضاعفة او مقارنة القنوات السياسية أي بمعنى ان التحالف لا يعمل على مستوى عمليات صنع القرارات بل انه يعمل في كل المستويات للمساعدة في تحسين الظروف من اجل معرفة وفهم اكبر بين صانعي القرار الوافدين من خلفيات ثقافية ودينية مختلفة وفي تهيئة الجماعات التي تعمل كقوى وساطة مع تقديم مبادرات سياسية معينة قد تقتضي الظروف وجودها بين فترة واخرى.
وفي هذا الاطار وبهدف تعزيز ودعم وتقوية العلاقات التعاونية ومشاركة المعلومات من خلال المبادرات ذات الصلة وخاصة تلك الموجودة في منظومة الامم المتحدة فقد اولى التحالف اهمية خاصة لتعزيز التشبيك والتعاون مع وكالات الامم المتحدة التي يرتبط عملها بالتحالف كمنظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) وبرنامج الامم المتحدة الانمائي (WNDP) علاوة على منظمات دولية وهيئات اقليمية اخرى تضم الاتحاد الاوروبي (UE)، ومنظمة الامن والتعاون في اوروبا (OSCE) ومجلس اوروبا (COE) ومنظمة المؤتمر الاسلامي (OIC) وجامعة الدول العربية، والمنظمة الاسلامية للتربية والعلم والثقافة (ISESCO) ومنظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة (UCLG) ومنظمة السياحة العالمة (UVTWO).
وفي الجانب الاجرائي بدأ تحالف الحضارات بتنفيذ نوعين من الانشطة والمشروعات هي مشروعات تحالف الحضارات والمشروعات التعريبية التعاونية وتتضمن الاولى انشاء مركز لتبادل المعلومات لكي يصبح قاعدة بيانات مهمة لافضل الممارسات والمواد والموارد عن مشروعات الحوار والتعاون بين الثقافات المرتبطة بالمجالات الاربعة الرئيسة (الشباب والتعليم والاعلام والهجرة) وتجميع كل المعلومات المرتبطة بالحوار والتعاون بين الثقافات والاديان والمنتدى الاقليمي للحوار والتعاون بين الاديان والثقافات وبرامج محو الامية عبر وسائل الاعلام، وبرامج تدريب الصحفيين في التغطية الاخبارية بين الثقافات، وبرامج الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والمبادرات الاكاديمية التي تساعد على تعليم وتمكين الماهجرين المسلمين في اوروبا والولايات المتحدة، ومنهج تدريس الاديان في المدارس من خلال عمليات اجماع الاراء وبرامج تعليم حقوق الانسان التي تعبر عن السمة العالمية لحقوق الانسان داخل مختلف الثقافات.
وكذلك التأسيس لآلية اعلامية سريعة الاستجابة للتعامل مع التوترات الموجودة بين الثقافات من خلال تكوين شبكة دولية من الشخصيات البارزة والمؤثرة التي ستقوم عند وقوع أي حدث من شأنه التهديد باستقطاب المجتمعات دينيا وثقافيا بكتابة المقالات وتقديم الآراء التي تساعد على التخفيف من حدة التوتر والاستقطاب.
وتشمل المشروعات التجريبية التعاونية: اقامة الصندوق الاعلامي لتحالف الحضارات، والمركز الاقليمي لتوظيف الشباب في الشرق الاوسط ومبادرة طريق ابراهيم وتوسيع برامج تبادل الطلاب وترجمة ونشر سلسلة "تاريخ البشرية" لليونسكو.
الفرص والتحديات.
وفي كل الاحوال وايا كانت دوافع مشروع تحالف الحضارات فان الطرح العقلاني والمتوازن الذي يبدو بشكل واضح في كل ما يحمله هذا المشروع من افكار هو امرا مقبولا ومن الطبيعي ان تتبنى الكثير من الدوائر المهمة عبر العالم هذه الطروحات والافكار ولو مبدئيا على المستوى النظري او الفكري باعتبار خاصة انه يشكل فرصة لزيادة اواصر التعاون والتفاعل الحضاري بين الامم وان تحالف الحضارات لا يقدم نفسه من الجانب النظري على الاقل على انه بديلا لاي مشروعات قائمة وانما هو حسب ما يعبر عنه المعنيين بالشأن جاء مكملا لكل ما سبقه من مشروعات كحوار الحضارات وغيرها من المشروعات الهادفة الى تعميق التواصل والتفاعل الحضاري والديني مع الاخر ايا كان هذا الاخر، وفي نفس الوقت فان هذا المشروع يمثل خطوة الى الامام في مواجهة الافكار المتطرفة التي تروج لحتمية التصادم او الصراع الحضاري بين الشرق والغرب او تلك التي استشرفت نهاية التاريخ بحضارة معينة بعد ان نظرت الى كل هذه الحضارة الانسانية بعين واحدة او من زاوية واحدة، او الجماعات والافكار الاخرى التي تدعو الى انهاء الاخر والقضاء حتى على آثاره اينما وجدت حتى لو كان هذا الآخر ممن ينتمون الى نفس الدائرة او المحيط الحضاري.
على ان النقطة الاهم التي تشكل فرصة اضافية يمكن للتحالف الاستفادة من وجودها هي ما احدثته العولمة من الانفتاح وسهولة الاتصال والتواصل وسرعة انتشار المعلومات والاخبار على المستوى العالمي والذي اسهم بمجمله في بروز نوع من الوعي والادراك العالمي المتزايد لقضايا ومشكلات انسانية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ذات طابع مشترك اصبحت تحظى باهتمام اكبر من قبل المجتمع الدولي، وذلك انطلاقا من اقتناع مؤداه ان العالم بات يواجه مشكلات وازمات اكبر من ان تدعي حضارة ما انها تملك العصا السحرية لحلها او تدعي ايديولوجية او اتجاه حضاري او سياسي او اقتصادي او ثقافي معين احتكار الحقيقة بصددها، الامر الذي نتج عنه سيادة توده عام لدى المجتمع الدولي يتمحور حول مفهوم المسؤولية الدولية تجاه هذه المشكلات، استوجبت اقرار معظم مكونات المجتمع الدولي بامكانية امتلاك كل طرف لجزء من الحقيقة التي يمكن ان تسهم او تساعد في التوصل الى حل لهذه المشكلات وعدم انكار ذلك على الاطراف الاخرى، مضافا اليه الاعتراف ايضا بقدرة الجميع على الاسهام بشكل او باخر في تقديم الحلول لتلك المشكلات من اجل المساعدة في ضمان توازن تقدم مسيرة الحضارة الانسانية والاتحاد في مواجهة كل ما من شأنه الاخلال باحد مكوناتها والذي ربما قد يؤدي في حال حدوثه الى حالة من عدم التوازن تدخل الحضارة الانسانية ومعها البشرية بمختلف انشاءاتها الحضارية في مرحلة جديدة من الاضطرابات وعدم الاستقرار وربما الفوضى والحروب العرقية والقومية والدينية وحتى الحضارية.
اما الفرصة الاخرى التي لا تقل اهمية عن سابقاتها والتي يمكن ان تسهم في نجاح مهمة التحالف فهي الدروس المستفادة من الاخطاء التي صاحبت التفاعلات السياسية والعسكرية التي شهدتها الساحة الدولية في مرحلة ما بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، خاصة الاخطاء الجسيمة التي ارتكبتها الولايات المتحدة وحلفاؤها ابان ما سمي "بالحرب العالمية على الارهاب" وكان نتيجتها احتلال كل من العراق وافغانستان وتدمير بنى الدولة والنسيج الوطني في كل منهما اضافة الى تعثر عملية السلام العربية الاسرائيلية كنتيجة طبيعية للتحيز الاميركي للجانب الاسرائيلي والتعنت الاسرائيلي المدعوم بقوة من قبل الولايات المتحدة الضامنة حتى للوقوف في وجه أي محاولة من قبل المجتمع الدولي لمعاقبة او محاسبة اسرائيل.
الاستقطاب.
وما تبع ذلك من عدم استقرار انعكست نتائجه على المستويين الاقليمي والدولي، هذه المعالجة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها والتي لم تجعل العالم باي شكل من الاشكال اكثر امنا واستقرارا وانما على العكس زادت من حدة الاستقطاب بين الشرق والغرب خلقت الى حد ما اصوات عديدة.
على المستوى الدولي ولو انها ما زالت متفرقة تؤمن بانه لا يمكن ايجاد بيئة دولية معافاة او سليمة ومستقرة خالية من الاستقطاب والاستقطاب المضاد، بيئة تتفاعل عناصرها مع بعضها تفاعلا ايجابيا الا من خلال وجود حد ادنى من الاحترام المتبادل والمساواة في الحقوق والواجبات والمسؤوليات بين مختلف الثقافات والحضارات وعدم ازدراء الاخر او الاقلال من شأنه اضافة الى ضرورة الاعتراف بوجود تباينات واختلافات فيما بين الحضارات والثقافات.
كما يمكن لتحالف الحضارات طالما انه يتطلع الى الاستفادة منه والبناء على ما سبقه من تجارب في هذا الشأن ان يستفيد من تجربة حوار الحضارات وما تم التوصل اليه في هذا الشأن من حقائق تتعلق بخصوصية ظروف وتطور كل حضارة وبان كل حضارة تحمل في طياتها انساقا حضارية وثقافية مختلفة تتباين وتتقاطع فيما بينها وما تبع ذلك من اتفاق حول القيم والسلوكيات التي تشترك فيها مختلف الحضارات والثقافات، مع اعطاء اولوية قصوى للابتعاد عن ازدواجية المعايير عند الحديث عن قياس قيم الحرية والعدل والمساواة لدى أي من هذه الحضارات والثقافات الانسانية.
اضافة لما سبق يعتبر انفتاح تحالف الحضارات من حين التفاعل مع مختلف الاطراف والفاعلين على الساحة الدولية ميزة اضافية يمكن ان تشكل فرصة اخرى تدفع قدما في تحقيق اهدافه السامية المعلن عنها, حين تشير الاديان الصادرة عن التحالف الى ايلاء القائمين عليه اهمية قصوى وانفتاح غير مسبوق لبناء الشراكات مع مختلف الدول والمنظمات الدولية والاقليمية وجماعات المجتمع المدني وهيئات القطاع الخاص وغيرها من الهيئات والمنظمات من اجل الوصول الى افضل الصيغ التي يمكن من خلالها لجميع القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية على المستوى العالمي التعاون والتحالف والعمل معا من اجل التصدي والاجراءات التي يمكن ان تؤدي الى عزل الثقافات الحضارات وكذلك المجتمعات عن بعضها البعض والسعي بالمقابل كل في مجال اقتصاصه للتقريب بين هذه الثقافات والحضارات وتعزيز فرص التقائها وتعارفها وتفاعلها وصولا الى مرحلة التفاهم والتعايش والتعاون بينهما.
التحديات:
ورغم تميز تحالف الحضارات عما سبقه من مبادرات من حين اطر العمل بوجود استراتيجية واضحة واسس توجه وعمل براغماتي يهجف الى ارساء قواعد تحالف حقيقية بين الاديان والثقافات والحضارات الا ان الواقع يثير الى وجود مجموعة من التحديات التي يمكن ان تشكل عائقا امام تحقيق الاهداف المعلنة للتحالف, وخاصة عند الانتقال من مستوى الفكر الى مضار الحركة اذ لا يمكن تخطي التعدي المتعلق بتحقيق العدل والمساواة على صعيد التفاعل الدولي دون معالجة التحديات الاكثر اهمية التي تواجه الانسانية على المستوى الملكي بدءا من التحدي المتعلق بمبدأ التدخل في شؤون الدول ومرورا باودواجية المعايير في التعامل مع الثقافات والحضارات الانسانية اضافة الى التحدي المتعلق باحترام الاخر وغيره من التحديات المختلفة.
ففيما يتعلق بتحدي التدخل في الدول: فقد ترافق مع ظهور المشكلات الانسانية والسياسية ذات الطابع المشترك والتي اصبحت تحظى كما اشير سابقا باهتمام اكبر من قبل المجتمع الدولي اتجاه عالمي يدفع باتجاه تحويل هذه الاهتمامات الى تطبيق فعلي على ارض الواقع وعدم اقتصارها على مستوى الفكر والخطابة وهو ما ادى الى ايجاد ما يسمى بعمليات التدخل في الشؤون الداخلية للدول, والتي اخذت شكلين متشابهين في الاطار السببي العام المعلن ومختلفة في الاهداف الحقيقية والاستناد الى قاعدة الشرعية الدولية المتمثلة في الاجتماع الدولي, فاما التشابه فهو في الاسباب المعلنة للتدخل والذي يكون غالبا اما يسبب كوارث طبيعية او من صنع الانسان, او بسبب تعرض حياة مجموعة كبيرة من الناس للخطر او لوقف حروب او نزاعات او صراعات دولية او مجازر عرفية او اثنية او عمليات ابادة او هجرة جماعية (احتواء عمليات نزوح سكاني) او بسبب وقف انتهاكات لحقوق الانسان او لحماية موظفين دوليين او اقليات معينة او لمكافحة ارهاب او جراثيم معينة او لمنع انتشار اسلحة غير تقليدية او لحماية البيئة, والتدخل كذلك من اجل الديمقراطية والحرية او التنمية او غيرها من الاسباب الكثيرة المختلفة ذات الطابع الانساني, واما الاختلاف وهنا مكمن المشكلة او التحدي الذي يمكن ان يواجه عمل تحالف الحضارات فهو استناد احد هذين الشكلين من التدخل في الدول الى شرعية تزكيها موافقة الدول والمنظمات الدولية والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والجماعات عبر الدولية - برضاها ودون ممارسة اية ضغوط عليها - على ضرورة احداث هذا التدخل لتحقيق هدف او اكثر من الاهداف الانسانية المذكورة اعلاه واستناد الشكل الاخر الى قوة دولة او مجموعة دول لتحقيق اهداف خاصة تتعلق بمصالح هذه الدولة او مجموعة الدول ذات القوة والسطوة.
اسباب معلنة واخرى غير متطابقة.
وبالتالي فان اختلاف شكلي التدخل في الدول يتمثل في تطابق الاسباب المعلنة للشكل الاول من التدخل مع اهدافه الحقيقية الى شرعية دولية واضحة وطبيعية وعدم تطابق الاسباب المعلنة للشكل الثاني من التدخل مع اهدافه الحقيقية وكذلك عدم استناده الى شرعية دولية واضحة وطبيعية او حقيقية, ولعل هذا الاختلاف هو السبب في تسمية الشكل الاول بالتدخل الانساني لمصلحة البشرية ووصف الشكل الثاني بالاعتداء على سيادة الدولة.
وانطلاقا مما سبق ولما لعملية التدخل في شؤون الدول من تأثير على مجمل التفاعلات على الساحة الدولية وحتى على شكل العلاقات لدولية وما ينبثق عن هذه التفاعلات والعلاقات من مبادرات قد تكون تهدف الى تحقيق المصالح المشتركة للبشرية جمعاء, فان التساؤلات التي يمكن طرحها وتشكل تحديا امام تحالف الحضارات هي: ما هو التأثير الذي تتركه مسألة التدخل غير النزيه في الدول على مستقبل التفاعلات الدولية؟ وهل ثمة ضوابط او مؤشرات تم الاتفاق عليها دوليا لتكون قاعدة عامة يقاس عليها في هذا المجال؟ وهل تم تحديد الاسباب الموجبه للتدخل وتطبيق او تنفيذ آليات باتساق وعدالة على الدول من قبل المجتمع الدولي وليس باسلوب انتقائي (ازدواجية المعايير)؟
وعلى الرغم من ان مسألة التدخل في شؤون الدول هي مسألة قديمة وشائكة الا انها قد بدأت منذ حرب الخليج الثانية تأخذ صورا واشكالا جديدة حيث اشاعت الولايات المتحدة الامريكية مفهوم النظام العالمي الجديد الذي تم ربطه بجملة من القيم والمبادئ الاخلاقية والانسانية العليا السامية, والتي من اهمها المسؤولية الدولية من خلال التعاون بين الدول بهدف التصدي للمشكلات الانسانية والسياسية المشتركة, على ان الهدف الحقيقي للولايات المتحدة الامريكية من وراء الترويج لهذا التصور لمفهوم النظام العالمي الجديد هو حشد التأييد الدولي لسياساتها تجاه ازمة الخليج فضلا عن اضفاء مسحة اخلاقية وانسانية على دورها في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة, ولكن سرعان ما بدأت تتكشف هوة واسعة ملا بين المبادئ والشعارات التي طرحتها الولايا المتحدة بشكل خاص والدول الرأسمالية الكبرى بشكل عام وبين ممارساتها الواقعية بعد انتصارها في حرب الخليج الاولى والتغيرات الكبرى المتنازعة التي شهدها العالم بعد ذلك والتي كان من اهمها تراجع حدود فاعلية الامم المتحدة بعد جعلها رهينة المصالح والسياسات الامريكية في المقام الاول.
ديمقراطية وحقوق انسان
وهذا في الواقع يقودنا للحديث عن التحدي الثاني الذي يمكن ان يعترض عمل تحالف الحضارات وهو ازدواجية المعايير في التعامل مع الأمم والشعوب ويكمن جوهر المشكلة في هذا المجال في تناقض السياسات المتعلقة بالتدخل في كثير من مناطق العالم وخاصة في عمليات التدخل التي تتبناها او تدعو اليها الولايات المتحدة, اذ انها في الوقت الذي تتجاهل فيه الامم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية في كثير من حالات التدخل التي تمارسها فانها في الحالات التي تلتزم فيها بما يسمى بالشرعية الدولية فانها تقوم بتطبيقها بضصورة انتقائية ووفق لمعايير مزدوجة وعلى النحو الذي يخدم اهدافها ومصالحها, ويعتبر تجاهل الولايات الامريكية للمنظمة الدولية وقرارات الشرعية الدولية وقيامها بالتنسيق مع بعض حلفائها من الدول الرأسمالية الكبرى كبريطانيا باحتلال افغانستان والعراق اكبر دليل على الحالة الاولى, بينما من الامثلة الدالة على الحالة الثانية انه في الوقت الذي يلاحظ فيه استمرار فعالية نشاط الشرعية الدولية تجاه بعض الدول مثل ليبيا على اثر ازمة لوكربي وكذلك الامر بالنسبة لمشكلة دارفور في السودان والصومال وكوريا الشمالية وايران, فان هذه الشرعية لم تكن فعالة او بالاحرى لم ترد الولايات المتحدة ان تكون كذلك في قضايا عديدة من اهمها قضية الصراع العربي الاسرائيلي حين لا تزال اسرائيل تحتل الاراضي العربية في فلسطين وسوريا ولبنان وتمارس اعتداءات متكررة بحق المدنيين والمقاومة ومع ذلك لا تحرك الامم المتحدة ساكنا.
ويلاحظ في هذا الاطار انه وعلى الرغم من تزايد اهتمام الولايات المتحدة القوة العظمى التي باتت وحيدة في عالم ما بعد الحرب الباردة بقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان في العالم على صعيد الخطاب السياسي الرسمي وبعض الممارسات العليا الا ان الساسة الامريكية تتعامل مع هذه القضايا بنوع من الانتهازية السياسية التي تتجلى ابرز صورها في المعايير المزدوجة التي تطبقها بهذا الخصوص وعدم ترددها في التضحية بقيم الديمقراطية ومبادىء حقوق الانسان في حال تعارضها مع مصالحها الخاصة, فالتبشير بالقيم الديمقراطية والدعوة اليها شيء وتطبيقها على ارض الواقع شيء آخر.
ولعل القضية الاكثر خطرا في مسألة التدخل ونحن بصدد الحديث عن مبادرة تحالف الحضارات هي استغلال حق التدخل الانساني في شؤون الدول بحجة مراقبة الاضطهاد الديني واوضاع الاقليات في العالم, وهو ما يمكن ان يهدد الدول بشكل عام بالتفتيت والتفكيك من خلال احياء نزعات التطرق والعنف والانتماءات الاولية على اعتبار ان هذه المسائل من المداخل الخطرة التي يقود اشعالها الى تكريس الشرذمة والتشتت الانساني وتفكيك الوطان والقوميات الى كيانات هزيلة قائمة على نزعات قبلية او عرقية او دينية طائفية او لغوية ثقافية الامر الذي بات يهدد بشكل واضح سيادة واستقرار الدول والذي بالطبع ستكون له انعاكاساته السلبية على مجمل سير التفاعلات على الساحة الدولية.
مفهوم الارهاب
اما التحدي الاكثر اهمية بالنسبة لتحالف الحضارات فهو ذلك المرتبط بتعريف مفهوم ودلالات مصطلح الارهاب، فصحيح ان الارهاب بات مشكلة تعاني منها الانسانية برمتها، ودون تمييز لكن في المقابل هناك ايضاً توظيف ممنهج لاستخدام هذا المصطلح من قبل بعض القوى العظمى حيث يصمتون عنهم متى حلا لهم ويهولون من امره متى هدد مصالحهم ويتهمون به من لا يخضع لتوجهاتهم، فأصبحت تهمة الارهاب في كثير من الاحيان اسلوباً فاعلاً لتهديد المغلوبين الذين باتت تلصق بهم التهم ليس لشيء سوى انهم يطالبون بحقوقهم ويمارسون اعمال الدفاع الشرعي لاسترجاع الحق واثبات الوجود او التصدي لعمليات الابادة والتطهير العرقي التي يتعرضون لها, وهذا في الواقع شير الى صعوبة المهمة الملقاة على عاتق تحالف الحضارات في ظل اختلاط الدلالات والمفاهيم والمعاني في هذا العصر, فاحتلت افغانستان والعراق بحجة مكافحة الارهاب وقمع الشعب الفلسطيني المسلوب الارض والارادة ايضاً بحجة مكافحة الارهاب في حين تقوم القوات الاميركية في العراق وافغانستان يقتل وترويع المدنيين دون ان يجرؤ احد على ان يسمي ذلك ارهاباً.
وهذا الواقع مرشح للاستمرار طالما استمر المجتمع الدولي بالتزام الصمت حيال ضرورة وجود تعريف واضح ومحدد ومتفق عليه للارهاب.
الأمر الذي يمكن ان يشكل او بآخر الى توجيه الشعوب والثقافات والحضارات ومعها التفاعلات الانسانية خاصة بين الشرق والغرب نحو مزيد من التأزم وعدم الثقة ان لم يكن الفوضى ومزيد من الارتباك وعدم الاستقرار.
فهناك شبه اجماع من قبل جميع الشعوب والثقافات والحضارات والديانات على رفض الارهاب جملة وتفصيلاً وضرورة مكافحة كل الاعمال الارهابية التي تستهدف حياة الناس وارزاقهم وكل اعمال العنف غير المبرر, لكن من حق هذه الشعوب والثقافات ان يكون لديها تعريف واضح ومتفق عليه دولياً لمفهوم الارهاب, حيث تكمن المشكلة في هذا المجال في عدم تعريف محدد يميز بين ما يمكن ان يندرج تحت اعمال الارهاب وما يمكن ان يندرج تحت اعمال المقاومة والدفاع عن النفس بالنظر الى حق الشعوب في تقرير مصيرها والدفاع عن حرياتها ومقدراتها في حال الاعتداء عليها من أي طرف او جهة كانت وبغير ذلك سيبقى الباب مفتوحاً لاجتهادات الدوزل التي تتعامل مع المفهوم حسب مصالحها وتبعاً لحسابات المرحلة التي يحدث فيها الفعل.
وفي هذا الاطار, يمكن لتحالف الحضارات ان يقوم بتقريب وجهات النظر بين مختلف الشعوب والثقافات بهدف التوصل الى صيغة مشتركة يتفق عليها الجميع لتعريف الارهاب والتفريق بينه وبين كل ما من شأنه ان يندرج تحت اعمال المقاومة المشروعة.
والى جانب التحديات السابقة تبرز مجموعة من المقاربات التي يمكن للقائمين على مبادرة تحالف الحضارات التأسيس لمنهجية عمل في اطارها ومن خلالها وصولاً الى اقناع المجتمعات الانسانية بخاصة في دول العالم الثالث بأهمية وجدية مبادرة تحالف الحضارات والعمل معاً من اجل تذليل كل العقبات والصعوبات التي يمكن ان تعترض طريق نجاحها.
وتعتبر صورة الاسلام المشوه والصورة النمطية السلبية عن العرب والمسلمين بشكل خاص والشرق بشكل عام التي رسخها الاعلام الغربي لدى المجتمعات الغربية اولهذه المقاربات التي يجب العمل وبشكل جاد على تغييرها, حيث يقول الامير الحسن بن طلال في هذا المجال "تظهر منطقة الشرق الاوسط في وسائل الاعلام الغربية عادة على شكل اخبار قصيرة غير سارة" وهذا في الواقع مما يساعد على حدوث الاستقطاب السياسي وتوسيع الفجوة بين الشرق بشكل عام والعالم العربي والاسلامي بشكل خاص من جهة والغرب من جهة اخرى.
وتكمن اولوية العمل في هذا المجال في تكاتف الجهود وتعاونها من اجل احداث تغيير جذري في طريقة تناول وعرض وسائل الاعلام الغربية لصور الشرق والعرب والمسلمين من خلال الابتعاد عن نقل الاخبار السلبية فقط والتركيز على اظهار تنوع وثراء المناطق العربية والاسلامية فكرياً وثقافياً وحضارياً مع التركيز على الجوانب المتعلقة بالتراث الثقافي والحضاري والانساني المشترك.
المناخ المطلوب:.
وتتعلق المقاربة الثانية بتوفير وتهيئة الظروف المساعدة على زيادة التفاعل والتلاقي الثقافي والحضاري بين الشعوب ويمكن تحقيق ذلك عن طريق التطبيق العادل لمبدأ سهولة انتقال البشر بين المناطق الحضارية المختلفة, اذ بالرغم من زعم منظرو العولمة بانها قد ادت الى سهولة انتقال البشر بين الدول والقارات الا ان عملية الانتقال هذه لا تتم بعدالة حيث تقتصر في اغلب الاحيان على الايدي العاملة الماهرة وكذلك بتطبيق مبدأ سهولة الانتقال على حركة البشر من الغرب الى الشرق فيما لا يتوفر نفس القدر من العدالة في حرية الحركة عندما يتعلق الامر بانتقال البشر من الشرق الى الغرب حيث توضع العراقيل والشروط التعجيزية في كثير من الاحيان التي تحول دون حدوث هذا الانتقال اصلا.
وفي حال حدوث الهجرة لبعض الافراد من الشرق الى الغرب وعلى الرغم من اعتماد الدول الغربية بشكل عام لمجموعة من المبادئ التي ينبغي ان تعامل المهاجرين من الشرق وفقاً لها الا ان هذه المبادئ وان كانت واردة في المواثيق والمعاهدات الدولية لا تجد في كثير من الحالات من يطبقها على ارض الواقع الامر الذي لا تنعكس معه هذه المبادئ بشكل فعلي على اوضاع المهاجرين على الارض.
العدالة المفقودة.
وعليه فإنه يمكن القول بأنه لا زال امام تحالف الحضارات الكثير من الاعمال التي ينبغي عليه القيام بها في مجال الهجرة منها السعي الى تحقيق مبدأ سهولة انتقال البشر بين الدول والتركيز على العدالة في الانتقال لمن يرغب من البشر, اضافة الى العمل مع جميع الدول من اجل توفير المساواة في الفرص وحيازة المهارة الوظيفية وشروط الحصول على الجنسية وخاصة في الدول الغربية ومحاربة التمييز في مجال التعامل مع سلطات ودوائر الدولة الرسمية واحتضان المهاجرين وتقديم المساعدات لهم فيما يتعلق بتعلم اللغة واكتساب التأهيل المهني, وتحقيق الاندماج في المحيط الاجتماعي, ومحاربة كل ما من شأنه ان يغلق لديهم الشعور بالتهميش والنظرة الدونية لهم من قبل المجتمع وبذل مزيداً من الجهود لاخراجهم من حالة التجاهل والانعزال والعيش على هامش المجتمع.
اما المقاربة الاكثر اهمية في هذا المجال فهي تكمن في ضرورة العمل بنزاهة وعدالة وبشكل حقيقي على انهاء النزاعات والصراعات التي تهدد الاستقرار العالمي ولا يمكن تحقيق ذلك الا من خلال تحقيق العدالة والمساواة والانصاف في دول العالم العالقة للشعوبة, وفي هذا الاطار قال جلالة الملك عبدالله الثاني في كلمته التي القاها مؤخراً خلال مؤتمر حوار الاديان الذي انعقد في الجمعية العامة للامم المتحدة ان الحوار بين الحضارات واتباع الديانات المختلفة ضرورة لانهاء النزاعات التي تهدد الاستقرار العالمي الا انه من المستحيل الحديث عن الانسجام والتناغم بين الاديان في الشرق والغرب دون حل النزاع الفلسطيني الاسرائيلي على اسس تضمن حق الشعب الفلسطيني في الحرية والدولة المستقلة.
وباعتبار ان القضية الفلسطينية هي اهم المحكات الرئيسية لاختيار جدية الغرب في انهاء حالة التوتر بين الشرق والغرب اكد الملك عبدالله الثاني على انه "لا يوجد سبيل اكثر فاعلية لتخفيف حدة التوتر بين الشرق والغرب من انهاء هذا الصراع".
وفي واقع الامر ان القضية الفلسطينية تعتبر احدى النماذج الشاهدة على عدم جدية الغرب في حل القضايا التي تعتبر بمثابة المحرك الرئيس لمشاعر الكراهية وزيادة التوتر بين الشرق والغرب وهناك قضايا اخرى كثيرة لا زالت تحتاج الى مزيد من الجهود المشتركة لايجاد الحلول المناسبة لها ومن اهمها احتلال العراق وافغانستان ومشكلة السودان وغيرها من المشكلات التي تعج بها مناطق الشرق ولا يبدو ان الغرب يهتم بشكل جاد في الاسهام بوضع حلال لهذه المشكلات على ارض الواقع على الرغم من وجود قناعة تامة لدى الشعوب في الشرق بأن المصالح الغربية هي السبب الرئيس في حدوث هذه المشكلات.
وفي ضوء كل ما سبق يمكن القول ان مستقبل التفاعلات الدولية سيبقى مرهوناً بقدرة النظام الدولي على الخروج نهائياً وفعلياً من بوتقة الصراع الى اطار التحالف ولن يتم تحقيق ذلك ما لم يتم التعاون بين مختلف الاتجاهات والتيارات المؤثرة في الشرق والغرب من اجل العمل وبشكل مخلص من اجل توطيد القيم الكونية كالمساواة والحرية والعدل بعيداً عن ازدواجية المعايير علماً بأن ذلك يستلزم ضمناً ترسيخ الديمقراطية وحقوق الانسان في كل حضارة, والدفع باتجاه تحقيق شراكة عادلة لجميع البشر في مصادر وثروات الارض.
ولعل النقطة الاهم التي ينبغي على تحالف الحضارات التركيز عليها وتوظيفها لخدمة مصالح البشرية جمعاء هي الاستفادة من النقاط المشتركة التي يتفق عليها البشر في مختلف بقاع الارض كقيم العدل والحرية السياسية والدينية واحترام حقوق الاخرين وبذل مزيد من الجهود لمحاربة كل الاتجاهات او التيارات الفكرية والثقافية والسياسية التي تنكر هذه القيم والتي يكون دافعها على الاغلب حماية قوى سياسية وثقافية معينة او الابقاء على المزايا التي تتمتع بها مجموعة ما على حساب الاخرين من المجتمع الانساني.
ان الطريق الى خلق عالم عادل اقتصادياً وسياسياً وحضارياً لا يمكن ان يكون ممهداً الا من خلال تضافر الجهود لوقف نزيف ازدياد الفقراء في الجنوب فقراً والاغنياء في الشمال غنى وخلال ذلك لا ينبغي اهمال نقل التجارب السياسية والاقتصادية والحضارية الناجحة فيما بين الامم والشعوب ويمكن ان تكون نقطة البدء من خلال استفادة العالم الذي بات يعاني من ازمة مالية خانقة من النظام الاقتصادي الاسلامي الذي يمكن ان يقدم حلولاً ناجحة لا تقدم الجوانب المادية على العامل الانساني وتضع اطاراً متوازناً للتعامل الاقتصادي على المستوى العالمي يكون فيه التكافل الاجتماعي والانساني قاعدة لا يمكن تجاهلها.
ونختم بما قاله البعض من انه قد "آن الاوان لكي تعترف الحضارة الغربية بحقيقة ان حداثتها لم تأت من فراغ وانما هي نتيجة التراكم التاريخي للقيم المنقولة من حضارات قديمة مختلفة منذ ان وطأ الانسان الارض بقدمه, وتعلم انتاج حاجاته.. ان القيم الانسانية الكونية التي ينظر اليها كضريبة فقط تعود في الواقع الى كفاح الانسان من اجل السلام والعدل.. انها – بصرف النظر عن الخلفية الدينية او الحضارية او السياسية الاجتماعية – ملكية كل الامم والحضارات" وعليه يجب ان تنعم بها كل الامم والشعوب.