الساعة

اليمين الديني في إسرائيل وقضية المستوطنات قراءة في تقرير مجموعة الأزمات الدولية "كرايسز جروب"

01/02/2010

مركز الرأي للدراسات

اعداد : د.خالد الشقران

2/2010

في مقابلة له مع مجلة تايم الامريكية اعترف الرئيس الامريكي اوباما بفشل ادارته في تحريك المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين مؤكدا ان ادارته بالغت في توقعاتها المتعلقة بهذا الشأن، كما اقر اوباما بأن محاولات تشجيع الاسرائيليين لتجميد بناء المستوطنات في الاراضي الفلسطينية قد باءت بالفشل موضحا ان ذلك يمثل اكبر العوائق امام السلام ، وعلى صعيد متصل وفي مقابلة له مع صحيفة واشنطن بوست الأميركية قال رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "فليأت اليهود إلى هنا وليذهب الفلسطينيون إلى هناك, هذا هو أساس الحل"، مؤكدا أن مسألة "يهودية إسرائيل" لا تقبل التفاوض وبأن "إسرائيل هي الوطن الأم لكل اليهود, مشيرا الى ان هناك إجماعا واسعا في إسرائيل على أن قضية اللاجئين الفلسطينيين يجب أن تجد حلا لها خارج حدود إسرائيل"، وفي ذات السياق ذكر احد الصحفيين الاسرائليليين ان نتنياهو مقتنع بأن الفلسطينيين باتوا يدركون الآن انه من الافضل لهم ان لا يشترطوا تجميد الاستيطان لاستئناف ما يسمى بالعملية السياسية وان مطلب التجميد قد مات، من جانب آخر جاء في الاخبار ان الادارة الامريكية وجهت رسالة حاسمة الى السلطة الفلسطينية مفادها ان أي اتفاق مع حماس دون الاعتراف بشروط الرباعية الدولية سيعرض السلطة الفلسطينية الى عقوبات منها وقف المساعدات عنها بصورة فورية وشاملة لان ذلك يعني رضوخ المجتمع الدولي لشروط حماس وان علاقات القاهرة مع واشنطن قد تتضرر بسبب الموقف المصري الداعم للمصالحة.

في المقابل اشار تقرير صدر مؤخرا عن مجموعة الازمات الدولية (كرايسز جروب) تناول عرضا مفصلا لواقع اليمين الديني في اسرائيل وقضية المستوطنات الى ان بنيامين نتنياهو في مأزق "وإن إسرائيل تواجه ضغوطاً غير مسبوقة لوقف جميع الأنشطة الاستيطانية، تقوده إدارة أميركية جديدة وحازمة على نحو مثير للدهشة. غير أن رئيس الوزراء يتزعم ائتلافاً يمينياً متميزاً ويواجه ضغوطاً داخلية من المستوطنين وحلفائهم. وعلى الرغم من أهميتها، فإن أي نتيجة للمناقشات الجارية بين واشنطن والقدس لن تعدو كونها خطوة أولى في عملية طويلة تهدف لتجميد الاستيطان وإخلاء المستوطنات والتوصل إلى اتفاق سلام حقيقي مع الفلسطينيين. إن فهم كيفية تعامل إسرائيل مع هذه التحديات ضروري لفهم جمهور ناخبين كثيراً ما يتم إغفاله – أي اليمين الديني المتنامي عدداً وقوة".

ويكشف التقرير عن نقطة جوهرية وخطيرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي حيث يشير الى انه "رغم تزعَّم الصهاينة العلمانيون جهود الاستيطان في الأراضي المحتلة سابقاً، الا ان الحال الآن لم يعد كذلك. إذ تتعرض قضية المستوطنات اليوم لعملية تحوّل نتيجة العوامل المتغيرة داخل اليمين الديني، حيث يقطن عشرات الآلاف من اليهود القوميين المتدينين في المستوطنات، ويتمتعون بدعم سياسي ولوجستي وأشكال دعم أخرى يتلقونها من مئات الآلاف داخل إسرائيل. إضافة إلى ذلك، فإن عدداً مماثلاً، إن لم يكن أكبر، من اليهود المتزمتين ("سكناج" باللهجة الفلسطينية)، الذين لم يشاطروا المستوطنين منظورهم القومي-الديني بداية، باتوا اليوم ينجذبون تدريجياً إلى وجهة نظرهم، وقد غدا العديد منهم مستوطنون اليوم. يتمتع القوميون المتدينون والمتزمتون معاً بوزن يفوق عددهم بكثير؛ إذ يحتلون مناصب رئيسية في الجيش والحكومة وقطاعات القضاء والتعليم، إضافة إلى مواقع إدارية متنوعة. ويساعدون في صياغة عملية رسم السياسات ويوفرون قاعدة دعم للمتشددين المتدينين، معززين بذلك النضال ضد أي انسحابات مستقبلية من الأراضي، إذ يعملون من داخل وخارج مؤسسات الدولة".

وفي ضوء ما سبق فقد اتخذت هذه القراءة منهجية تحليلية ترتكز على ثلاثة مسارات رئيسة يحاول اولها التعريف بواحدة من القضايا الرئيسية التي تشكل خطرا كبيرا على مستقبل الاراضي الفلسطينية بشكل خاص والعربية المحتلة بشكل عام، فيما يعرض ثانيها لمقارنة سريعة ما بين اجتهاد دولة الاحتلال الاسرائيلي لتحقيق اكبر قدر ممكن من الفائدة وتعزيز موقفها التفاوضي عبر توظيف مختلف اوراقها في اللعبة السياسية وبين تفريط العرب وتنازلهم الطوعي عن الكثير من اوراق القوة والضغط التي بين أيديهم، ويحاول المسار الثالث استعراض وكشف الوجه المزدوج للتعامل الدولي مع الحالة الدينية في المجتمعات العربية والاسلامية والتحيز الواضح للحالة الدينية التي باتت مسيطرة على مجتمع وكيان وسياسات الدولة الصهيونية.

تمهيد

في الوقت الذي ينحاز المجتمع الدولي بشكل غير عادل وفاضح وعبر استخدام مختلف الاسلحة السياسية والاقتصادية والعسكرية اضافة الى ازدواجية المعايير لصالح دولة الاحتلال الاسرائيلي على حساب القضايا العربية يتدافع ويتكاتف نفس المجتمع الدولي في وجه اي محاولات ليس فقط لمواجهة دولة الاحتلال بالطرق الدبلوماسية بل وحتى اي محاولات للمس بكشف الجرائم والممارسات العنصرية التي يرتكبها جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين ضد الارض والمقدسات والانسان في الاراضي الفلسطينية او أي اعمال يمكن ان تندرج ضمن لائحة الممانعة لمسيرة المشروع الصهيوني في المنطقة تقوم بها دول المجموعة العربية او المنظمات غير الحكومية العربية والاجنبية ، وهذا ما يكشف بوضوح ودون ادنى لبس او شك مدى الانحياز وازدواجية المعايير التي تمارس ضد القضايا العربية والاسلامية.

ان اخطر ما في الموضوع هو التطور الواضح والمتسارع للتأثير الديني على مجمل عملية التعاطي الاسرائيلية مع تداعيات القضية الفلسطينية بشكل خاص والقضايا العربية والاسلامية بشكل عام والذي تتجلى ابشع صوره في حرب المستوطنات والتنافس المحموم لتغيير الواقع على الارض الفلسطينية المحتلة، حيث يقود مشروع الاستيطان اليوم كما يشير التقرير اثنتان من أكثر القوى نشاطاً وسرعة في النمو: الصهاينة عائلة المتدينين (الذين ينظرون إلى حيازتهم للأراضي التوراتية بوصفها جزءاً من خطة إلهية تستند إلى الاعتقاد بظهور المسيح من جديد) والمتزمتون دينياً (الذين يسعون لتطبيق مدونات حاخامية قديمة). يتمتع هؤلاء بنفوذ لا يستهان به في جميع أنحاء البلاد. كما إن ثقلهم الديمغرافي كبير ومتنامٍ. فبعكس الاعتقاد الذي كان سائداً والقائل بأن عدد المتدينين المتزمتين سيتضاءل تدريجياً، فإنهم يفاخرون بمعدلات ولادة مرتفعة. في حين يبلغ متوسط عدد الأطفال لدى الإسرائيليين العلمانيين 2.5 لكل اسرة، وتصل هذه النسبة إلى 6 أطفال لدى المتزمتين. يقول أحد القوميين المتدينين وله من الأطفال ستة ومن الأحفاد 34: "لا ينجب الإسرائيليون العلمانيون أطفالاً. إنهم سلالة مُحتضرة. إن مستقبل إسرائيل هو مستقبل ديني". يشكل اليهود المتزمتون دينياً نسبة 10 بالمئة من سكان إسرائيل، لكنهم يشكلون أكثر من 20 بالمئة من إجمالي عدد طلاب الصف الأول في المدارس. في التسعينيات، ساهمت الهجرة الجماعية، لاسيما هجرة اليهود العلمانيين من الاتحاد السوفييتي السابق، في تخفيف زيادتهم النسبية، بيد أنه لا يُتوقع حدوث هجرة أخرى كبيرة في المدى القصير والمتوسط.

علاوة على ذلك يضيف التقرير انه ، يمثل أتباع التيار القومي-الديني الأغلبية الساحقة – ما يربو على 80 بالمئة – من المستوطنين البالغ عددهم 70,000 في الضفة الغربية إلى الشرق من الجدار العازل، بما في ذلك عدة آلاف يقطنون عشرات مما تسمى بالمستوطنات غير المرخصة. إن المتزمتين اليهود هم أكبر مجموعة سكانية في المنطقة الواقعة غرب الجدار العازل في الضفة الغربية. فضمن ما يعد في جزء منه رد فعل على النقص الحاد في المساكن ضمن القدس، تدفقت العائلات المتزمتة على المستوطنات المجاورة، ومعظمها مستوطنات تقع غرب الجدار العازل، ومن ثم توسعت على نحو متزايد إلى ما وراءها. بات اليهود المتزمتون اليوم أكبر مجموعة استيطانية – حيث ارتفع عددهم من نسبة 12 بالمئة من السكان عام 1996 إلى ما بين 30 و40 بالمئة اليوم. ويتمتع المتزمتون والقوميون المتدينون سوية بحصة الأسد في الزيادة البالغة نسبتها 37 بالمئة في أعداد المستوطنين خلال الأعوام الستة الماضية – إذ ارتفع عددهم من 211,400 نسمة عام 2003 إلى ما ينوف على 289,600 نسمة اليوم. على النقيض من ذلك، فإن وجود المستوطنين العلمانيين – الذين لم يكن دورهم في بداية حركة الاستيطان يقل مركزية عن دور المستوطنين المتدينين – هو في انحسار نسبي. أسهمت عملية أوسلو ومفاوضات السلام التي تلتها في تناقص الاهتمام بالمستوطنات. يقول حاخام إحدى المستوطنات إن المستوطنين الذين "استوطنوا حين كانت المستوطنات جزءاً من الإجماع وجدوا أن الإجماع قد تغير". كذلك عجلت الانتفاضة الثانية وبناء إسرائيل للجدار العازل من هذه العملية.

وفي اشارة غير مباشرة منه لموقف العلمانيين في اليمين الاسرائيلي الرافض لوجود الدولة الفلسطينية يوضح التقرير انه سيكون من الخطأ النظر إلى اليمين الإسرائيلي بوصفه دينياً محضاً. إذ إن العديد من أعضاء حزب الليكود الذي يقود الائتلاف الحاكم هم علمانيون، متشككون في – بل ومعارضون بقوة لحل الدولتين على غرار نظرائهم المتدينين. على الرغم من ذلك، لعب اليمين الديني دوراً متنامياً وبارزاً في معارضة التسويات بشأن الأرض. إن الأحزاب السياسية ذات المنشأ الديني، من قبيل حزب شاس وحزب يهودية التوراة المتحدة والاتحاد الوطني والبيت اليهودي، هي الأكبر، وتمارس نفوذاً برلمانياً لا يستهان به، كما إن اليمين الديني يلعب دوراً هاماً داخل حزب الليكود. وعلى الرغم من أنهم لا يمثلون كتلة موحدة، فإن المتزمتين والقوميين المتدينين يحتفظون حالياً بأكثر من خُمس مقاعد الكنيست، ويشكلون نحو أربعين بالمئة من الائتلاف الحاكم. لهذا السبب فإن من الضروري فهم أصولهم وتأثيرهم ونظرتهم للعالم.

وان حجم التيار الديني كما يظهره التقرير سواء في نسبتهم الى عدد السكان او نسبة التلاميذ في المدارس او حتى تمثيلهم في الكنيست والائتلاف الحكومي يعطي تصورا واضحا عن قوة حجم وتأثير هذا التيار على مجرى السياسة الاسرائيلية بشكل عام وطبيعة العلاقة مع الفلسطينيين اصحاب الارض الحقيقيين بشكل خاص، والذي ينعكس بوضوح في رفض القيادة الاسرائيلية لكل الجهود الدولية المتعلقة بضرورة العودة الى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين وصولا الى قضايا الوضع النهائي التي تمثل جوهر عقدة الصراع العربي الاسرائيلي.

التشرذم والتطرف القومي-الديني

وعلى الرغم من حرص الاسرائيليين ومعهم المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة على شرط ابتعاد العرب عن التعامل وفق المنظور الايديولوجي مع تداعيات الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية او في أي حالة دفاع عن الارض والمقدرات وحتى السيادة حيث يتم استثناؤهم من قوائم الارهاب الدولي وقبولهم كاعضاء صاغرين في المجتمع والمحافل الدولية فإنه لا يجرؤ احد من القوى الكبرى على الحديث او مجرد الاشارة الى التطرف الديني المتنامي في اسرائيل الذي بات ينعكس بوضوح في السياسات الاسرائيلية المختلفة التي تنطلق بالاساس من خلفيات وتصورات دينية خاصة عندما يتعلق الامر بالاراضي العربية والفلسطينية المحتلة من خلال العبث بشكل صارخ بالمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية وعلى رأسها علميات التخريب التي يتعرض لها المسجد الاقصى والآثار الاسلامية والمسيحية تحت حجة البحث عن الهيكل والارث الحضاري اليهودي المزعوم والذي اثبتت حفريات اليهود المستمرة على عدم وجود اية مؤشرات تدل على ذلك حتى الآن، وفي هذا المجال يبين التقرير انه على النقيض من التأويلات التقليدية للقانون اليهودي، والتي تنص على أن قيام دولة يهودية ذات سيادة ينبغي أن ينتظر ظهور المسيح المخلّص، دعم القادة القوميين المتدينين قيام إسرائيل بوصفه عملاً يسبق الوصول إلى الخلاص، وتنعكس وجهة النظر هذه في الصلاة من أجل دولة إسرائيل التي كتبها عام 1948 كبار حاخامات إسرائيل والمؤلف س. ي. أغنون والتي أدرجت في طقوس يوم السبت في العديد من المعابد اليهودية غير المتزمتة دينياً على امتداد العالم. وهي تمجد الدولة باعتبارها "بداية ازدهار عهد الخلاص، وعلى هذا النحو شاركوا بصورة كاملة في تحقيق هذا الهدف. يحتفل أتباع هذا التيار بيوم الاستقلال، ويستجيبون لطلبات السوق إلى الخدمة العسكرية ويرتدون ملابس عصرية مع زخارف دينية كالقلنسوة المطرزة.

في بداية الأمر، ركز الساسة القوميون المتدينون على تكييف القيم التوراتية والتعليم والقوانين لتلبية شروط الدولة العصرية وجعل هذه العناصر أساسية في الحياة اليومية ليهود إسرائيل. وهم يتجنبون إلى حد بعيد اتخاذ أي موقف من الصراع العربي-الإسرائيلي. ولما كانوا في البداية أقلية صغيرة، لم تكن ميولهم الدينية لتمثل مشكلة بالنسبة للنخبة العلمانية الحاكمة. ولكن بعد حرب 1967، استحوذ جيل جديد من الصهاينة المؤمنين بعودة المسيح المخلّص على مخيلة الجماهير بعدما تحولت المشاعر في غضون أيام من خوف من الفناء إلى بهجة بالنصر. عمد الحرس الجديد إلى تغيير تركيز الحركة من صياغة المجتمع اليهودي إلى تشكيل الأراضي المفتوحة، مجادلة أن حيازة الأراضي والاستيطان اليهوديين سيعجلان بحلول عصر المسيح المخلّص. في عام 1974، شكلت الحركة كتلة تعرف باسم غوش أمونيم (كتلة المؤمنين)، وبحلول عام 1977 كانت قد انتزعت السيطرة من أيدي المعتدلين الكبار الذين لطالما كانوا عنصراً راسخاً في ائتلاف حزب العمل الحاكم.

ولعل من اهم الامور التي يوضحها التقرير هو ان التوسع في الاستيطان كان هدفا حيويا مهما لكل الحكومات والتيارات الاسرائيلية على تنوعها حيث يؤكد التقرير انه على الرغم من خطأ القول إن جميع المستوطنين هم قوميون متدينون، أو إن جميع القوميين المتدينين هم مستوطنون، فإن مشروع الاستيطان برز بوصفه المشروع الأساسي للحركة. ففي حين عمدت الحكومات التي يتزعمها حزب العمل إلى بناء المستوطنات العلمانية في وادي الأردن، وأضافت حكومات الليكود لاحقاً حزاماً من المستوطنات النائية والعلمانية بمعظمها، متاخمة لحدود ما قبل عام 1967، فإن الحركة القومية-الدينية، بذراعها الاستيطاني، أمانا، كانت هي القوة الدافعة وراء مستوطنات وسط الضفة الغربية والمجندة الأولى لمستوطنيها. وشجعت المعاهد التوراتية القومية-الدينية نزعة الاستيطان ومنحتها الشرعية الدينية والإرشاد الروحي والدعم المؤسساتي. وشجعت الحكومات الإسرائيلية هذا الاتجاه الجديد لدى الحركة القومية-الدينية لأسباب عدة: كان يمكن المجادلة بوجود فوائد أمنية قد تتأتى من توسيع الحدود، وفوائد سياسية نتيجة تحويل طموحات الحركة القومية-الدينية إلى أطراف البلاد، بعيداً عن قواعد القوة التقليدية للنخب الحاكمة، ومكاسب انتخابية سياسية نتيجة الاستجابة لمطالب جمهور انتخابي مؤثر. إضافة لذلك، استفادت المستوطنات من الروح الريادية في البلاد والتي تستند إلى تملك الأراضي.

وفي وصف دقيق للواقع الديني في اسرائيل وعلاقته بالمستوطنات اشار التقرير الى انه أسهمت الانسحابات التي بدأت أواخر السبعينيات (من سيناء) وعمليات إعادة الانتشار (في الضفة الغربية) في تراجع لقاء المصالح بين الدولة والحركة القومية-الدينية. في الجزء الأكبر، استوعبت قيادة الحركة القومية-الدينية جميع الصدمات، منادية بتوسيع مكثف للاستيطان في الأراضي التي بقيت تحت السيطرة الإسرائيلية. غير أن كل خطوة طرحت احتمال حدوث تسويات على الأراضي وزادت من عدد أفراد الحركة القومية-الدينية المستعدين للتشكيك في خضوع قادتهم للسلطات العلمانية التي يرون أنها تتحدى الخطة الإلهية. بداية لم يقدم سوى القليل منهم هذه الحجة، ولجأ منهم عدد أقل للعنف: حين التزمت إسرائيل بالانسحاب من سيناء كجزء من اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، عمد البعض إلى تشكيل جماعة يهودية سرية؛ أما اتفاقات أوسلو عام 1993 – القائمة على مبدأ الانسحاب من أراضٍ اعتبرها الصهاينة المتدينون قلب أراضيهم التوراتية – فقد تسببت باحتجاجات أكبر وهجوم قام به مستوطنون إسرائيليون في مغارة الأنبياء/المسجد الإبراهيمي في الخليل، إضافة إلى اغتيال رئيس الوزراء إسحق رابين.

كما زادت المفاوضات اللاحقة بين إسرائيل والفلسطينيين (بما فيها تلك المتعلقة بالانسحاب من معظم مدينة الخليل) من حدة الانقسام الداخلي الإسرائيلي. على الرغم من ذلك، أقيمت مستوطنات جديدة بين عامي 1982 و2005 ولم يتم تفكيك أي منها.

وضاعف القوميون المتدينون الإسرائيليون جهودهم للتشبث بالأراضي التي في حوزتهم وتوسيعها إن أمكن. فبينما غادر بعض المستوطنين العلمانيين المستوطنات، انتقل هؤلاء للإقامة فيها، لاسيما تلك المعزولة الواقعة شمال الضفة الغربية. على نحو مماثل في وادي الأردن – حيث تعاني المستوطنات العلمانية من الركود أو الاضمحلال – أقام النشطاء القوميون المتدينون عدة مواقع عشوائية وشغلوا المستوطنات الشاغرة التي سكنها المستوطنون العلمانيون ذات مرة. على سبيل المثال، انتقل هؤلاء إلى مستوطنة يتاف العلمانية التي هُجرت في منتصف الثمانينات، جاعلين منها مستوطنة قومية-دينية خالصة تقريباً. كما انتقل ثلاثون من الأزواج، جميعهم قوميون متدينون، إلى بيوت متنقلة مقامة حديثاً في نوكديم، التي كانت حتى ذلك الوقت مستوطنة علمانية-دينية. وانتقلت العشرات من العائلات المتدينة إلى مستوطنة معاليه إفرايم المشرفة على وادي الأردن، وافتتحوا فيها معهداً لدراسة التوراة قبل الخدمة العسكرية. وفي موقع أقرب للقدس، يرأس أحد الخامات المجلس المحلي لمستوطنة آدم التي كانت سابقاً مستوطنة علمانية. كما انتقل عدد من مستوطني غزة السابقين، المتدينين بمعظمهم، إلى الضفة الغربية. وعلى نحو مُعبِّر، فإن الاحتجاجات ضد إجلاء المستوطنين من عدة مخيمات مرتجلة ومنزل فلسطيني في الخليل جرى احتلاله بصورة غير شرعية كانت على وجه الحصر تقريباً قضية متعلقة بالقوميين المتدينين.

بيد ان الدلالة الاكثر وضوحا والتي تبين قوة تأثير التيار الديني المتطرف على الساحة الاسرائيلية تتجلى فيما اكده التقرير من "إن سلسلة الفضائح المالية والأخلاقية التي تورط فيها كبار مسؤولي الدولة، إضافة إلى انتشار القيم الليبرالية داخل إسرائيل، عمقت الخلاف الأيديولوجي مع المؤسسة العلمانية. يقول أحد المحاضرين في جامعة بار إيلان، الجامعة القومية-الدينية في إسرائيل: "إن الأشخاص الذين يحملون لكم فك الارتباط هم نفسهم الذين يحملون زواج المثليين". وإذ ينظرون للحكومة بوصفها فاسدة ومستعدة للتنازل عن أرض الرب لغير اليهود، فإن أنصار الحركة القومية-الدينية يتهمونها بخيانة مهمتها الإلهية. يقول أحد مستوطني غزة السابقين: "كنا نعتقد أن الحكومة هي خلاصنا. لكنها لم تعد كذلك الآن". لقد مر المعسكر القومي-الديني بما وصفه أحد المستوطنين بـ"صدمة الاعتقاد بظهور المسيح المخلّص"هزت الأسس الأيديولوجية لأولئك الذين نظروا مرة إلى الدولة بوصفها أداة للإرادة الإلهية".

وفي اشارة الى قوة التطرف لدى التيار الديني الاسرائيلي ونشاطه في مجال توسيع عمليات الاستيطان والحفاظ على القائم منها اكد التقرير انه "على الرغم من أن انتخاب نتنياهو على رأس كتلة يمينية خفف التوترات، حيث تستمر الشكوك مع تزايد الضغوط الدولية على الحكومة. ومع احتمال تزايد الضغوط الحكومية، أوضحت مُستوطِنَة مقيمة في مستوطَنة عشوائية: "يقول زوجي إن علينا رفع لافتة تعرب عن احتجاجنا. أعتقد أن علينا التحرك، وإن تم الضغط علينا فسوف نقاوم. يقول بعض جيراننا إن علينا المقاومة – بقوة، وأن نقطع صلتنا بالدولة وننشيء دولة جديدة". ضاعف بعض أفراد الحركة جهودهم لإحياء دعم الدولة والشعب للمشروع الاستيطاني الذي أسهموا فيه حتى الآن؛ واتجه البعض إلى معارضة أكثر قوة للدولة حيث يصطدمون بقوات الأمن بين الفينة والأخرى ضمن مساعيهم لإقامة المزيد من المستوطنات العشوائية، في حين تخلى البعض الآخر عن القضية كليا"ً.

كما "ويعتبر الاتجاه القومي-الديني المناصر للدولة أن إسرائيل هي أداة للخلاص تخضع لها السلطات الحاخامية. وعلى حد تعبير أحد طلاب التوراة: "إن أمرتك الدولة بقيادة سيارتك يوم السبت فعليك أن تمتثل؛ إن طلبت منك مغادرة الأرض فعليك أن تمتثل أيضاً". طبقاً لهذه الرؤية، فإن العصيان يهدد بحدوث اقتتال داخلي – وهو مصير أسوأ من الانسحاب من الأراضي كونه يزرع الفوضى. أثناء استعداده لتوجيه خطاب إلى 12,000 طفل من أكبر منظمات الشباب القوميين-المتدينين، بني أكيفا، قال الحاخام بني نختايلر، رئيس المنظمة: "نحن لن ننفصل عن الدولة. إنها دولتنا وسنبقى داخلها". وفي معاهدهم الدينية، يظهر الحاخامات الرئيسيون الموالون للدولة الولاء ويحتفلون بيوم الاستقلال بوصفه عطلة دينية. يؤول التيار الموالي للدولة عملية فك الارتباط عن غزة بوصفها نكسة مؤقتة بدل كونها نقطة تحول فاصلة، مشددين على خطورة فقدان ثقة الشعب. يقول أحد المنظمين السابقين للمستوطنات العشوائية قرب الخليل، في وصفه للدروس المستقاة: "بعد عام 1967، استوطنا هضاب إسرائيل ونسينا أن نستوطن قلبها".

ويضيف التقرير ان "مجلس المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة وقطاع غزة (المعروف باسمه المختصر، يشع)، وهو الهيئة التي خلفت كتلة المؤمنين وكانت على امتداد أكثر من جيل أكثر الجهات الممثلة لمصالح المستوطنين في مواجهة الدولة تأثيراً، يتبنى وجهة النظر الموالية للدولة. تستمر يشع، التي أنشأها عام 1980 ممثلون عن عدة مجالس محلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالعمل مع الدولة، معززة وموسعة المستوطنات من خلال النمو الطبيعي والهجرة الداخلية. وحين تحيد الدولة عن الطريق تنتقدها يشع – كما فعلت خلال خطة شارون لفك الارتباط – إلا أنها تؤيد أشكال المعارضة السلمية فقط"...... تسبب الفشل في تفادي إجلاء المستوطنين من غزة وشمال الضفة الغربية إلى انتقادات خارجية عنيفة ومراجعة ذاتية تتعلق بتكتيكات يشع، الأمر الذي عجّل بما سماه أحد المراقبين "أكثر الأزمات خطورة في تاريخ المجلس". في أعقاب عملية إخلاء مستوطنات غزة، توقفت يشع عن تنظيم مسيرات في ساحة رابين في تل أبيب حيث اجتذبت مرة أكثر من 100,000 شخص، وجاهدت لملء ساحة باريس الأصغر حجماً في القدس، والتي تتسع بالكاد لـ 5,000 شخص. وزعم رئيسها الحالي: "لقد قاد مجلس يشع معركة وفشل فيها. نتيجة لذلك خسر المجلس زعامة حركة الاستيطان عموماً". وهنا يمكن القول انه على الرغم من النشاط الكبير لحركة يشع في مجال توسيع المستوطنات فإن ذلك لم يشفع لها ولم يحول دون خسارتها لزعامة حركة الاستيطان لمجرد عدم قدرتها على مجابهة الدولة اليهودية ومنع اجلاء المستوطنين عن مستوطنات غزة وشمال الضفة الامر الذي يمكن اعتباره مؤشرا اضافيا على مدى شراسة حركة التيار الديني المتطرف في اسرائيل واستماتتها في الدفاع عن فكرة بناء وتعزيز المستوطنات.

ورغم تعيين رئيس علماني لها بعد العقاب الذي نالته لم تتخلى حركة يشع عن تطرفها الديني حيث اوضح التقرير انه " بعد مرور أربع سنوات سعى مجلس يشع لإصلاح الضرر عن طريق تجاوز القيادة الأقدم لكتلة غوش أمونيم في سبيل خلق ما أسماه أحد زعمائها السابقين "هيئة أكثر ديمقراطية" ووصفها آخر بـ"الشفافية".وفي حين إنها ما تزال هيئة قومية-دينية بالمجمل فقد سعت يشع لتضييق الفجوة الفاصلة بين مستوطني الضفة الغربية وغيرهم من الإسرائيليين. وقد تطلب الأمر اتخاذ خطوة غير مسبوقة متمثلة بتعيين رئيس علماني، داني دايان، المحاضر في علم الاقتصاد في الضفة الغربية. كما قامت بتحويل التمويلات المستخدمة لشراء منازل استيطانية متنقلة واستخدمتها لإطلاق حملة لافتات وطنية تسعى، من خلال سرد قصص توراتية للأطفال، إلى "استبدال الخطاب العام عن الاحتلال بآخر يتناول صلات أجدادنا اليهود بالأراضي التوراتية". ووفقاً لكلمات أحد قادة يشع: "سننجح عندما يتوقف الناس الذين يسمعون اسم بيت لحم عن التفكير فيها بوصفها مدينة فلسطينية ويبدأون بالنظر إليها بوصفها مسقط رأس الملك داود".

وفي بيانه لبعض طرق توسيع المستوطنات والخطط التي يرسمها المستوطنين ومدى استعدادهم لممارسة العنف ضد الآخر يضيف التقرير : تنسب يشع لحملتها الفضل بتعزيز عودة الجناح اليميني للعملية الانتخابية. وفي سبيل طمس الفارق بين عامة الناس والمستوطنين فهي تعمد لتوزيع خرائط لا تظهر الجدار الفاصل ولا حدود عام 1967. في الوقت نفسه، تحوّل قسم يجاهر بآرائه من الحركة القومية-الدينية نحو آراء أكثر تطرفاً مبنية على افتراض أن الحكومة تخلت عن هدفها إذ قامت بفك الارتباط مع غزة ..... وينتقي شباب قمم التلال مواقع جغرافية تهدف لإعاقة أي خطط حكومية لطردهم انسجاماً مع التزام إسرائيل الدولي بتفكيك المستوطنات العشوائية وتجميد نمو الاستيطان. تتوضع الكثير من المستوطنات العشوائية على أطراف البلدات الفلسطينية لتقييد التوسع الحضري الفلسطيني؛ ويقع البعض الآخر على قمم المرتفعات في محاولة لربط مستوطنات مرتفعات الضفة الغربية بتلك الأكثر عشوائية في وادي الأردن. أما داخل إسرائيل، فقد اكتسب شباب قمم التلال سمعة بوصفهم متديني "العصر الجديد". والكثير منهم يستمد الإلهام من الحاخامات ذوي الشخصيات الآسرة الذين ينادون بالاستقلال عن الدولة وإمداداتها وقواتها المسلحة، ممجدين العنف بوصفه صورة من صور توكيد الذات. يقول أحد حراس المستوطنات العشوائية: "نحن لا نشعر بالدولة هنا". ويقول أحد المستوطنين المتدينين الذي عاش بين ظهرانيهم لعدة سنوات خلت:

وعلى الرغم من أن المعارضة الدينية للدولة ليست بحد ذاتها موقفاً لاهوتياً جديداً كما يشير التقرير – إذ لطالما عُرف بعض المستوطنين وحاخاماتهم بعدائهم للسلطات المركزية –وعلى الرغم من أن "أقلية ضئيلة" فحسب تعتنق هذه الرؤية، فإن عملية فك الارتباط مع غزة زادت عددها. لقد حوّل الانسحاب المستوطنات العشوائية إلى ملاذ للمنشقين القوميين المتدينين، مجتذباً الشباب الساخطين وفي بعض الأحيان معارضة عنيفة للانسحاب من غزة. وفي حين يبلغ مؤسسو المستوطنات العشوائية الأصليون مرحلة منتصف العمر حالياً، فإن هذا الجيل الأصغر سناً غالباً ما يكون مسلحاً، يُغذّيه الشعور بظلم تُلحقه به أطراف عديدة يُنظَر إليها بوصفها خائنة، بما في ذلك قيادة يشع. وفي أيار/مايو 2008، عمد مستوطنون شبان إلى تخريب احتفالات يشع بيوم الاستقلال في مستوطنة ميغرون العشوائية التي كان الجيش يتفاوض على إخلائها الطوعي مع يشع. قام الشبان بتوزيع منشورات تتهم قادة المجلس بـ"التآمر" مع سلطات "العدو" وقاموا بتمزيق إطارات سياراتهم. قال بعض قادة يشع إنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان ضمن مجتمعاتهم. يقول أحد ضباط الإدارة العسكرية في الضفة الغربية: "لقد بات هؤلاء الشبان المتدينون خارج السيطرة تماماً"........و تستمر تجمعات الشباب المنتمي للتيار السائد باجتذاب الآلاف، ولكن لا يبدو أن جميع الحاضرين يتشاطرون كلياً رسالة قادتهم الموالية للدولة. وحتى في معاهد التوراة العريقة، يتأرجح الطلاب بين المعسكرات المختلفة بناء على السياسات الحكومية السائدة. في آذار/مارس 2008، عمد طلاب من معهد ميركاز هاراف القومي-الديني البارز إلى منع دخول رئيس الوزراء وقتها إيهود أولمرت والذي كان يرغب بتقديم التعازي بعد هجوم وقع في محيط المعهد نفذه فلسطيني من القدس الشرقية. يلاحظ أحد المستوطنين: "ليس هناك من مشروع موالٍ للدولة أكثر من ميركاز هاراف، ومع ذلك فقد قام طلابها بطرد أولمرت ووزرائه خارجه". على نحو مماثل، عمد حاخامات مستوطنة بيت إيل إلى منع حاخاماهم الأكبر، شلومو أفينير – أحد أبرز مؤيدي الدولة – من إلقاء محاضرة في المعهد الديني بالمستوطنة...... وفي أعقاب فك الارتباط عن غزة، وسع الحاخامات المناهضون للدولة معاهدهم الدينية في الضفة الغربية لاستيعاب أتباعهم المتزايدين. خلال انتخابات المجالس الإقليمية شمال الضفة الغربية في تشرين الثاني/نوفمبر 2007، انتخب المستوطنون زعيماً مناهضاً ليشع. ويوضح أحد خبراء التطرف اليهودي: "لم تقصم غزة ظهر الصهيونية المؤمنة بظهور المسيح المخلّص؛ بل عززت تيارها المتطرف". كما تحدث مسؤول عسكري سابق محبط عن "عبثية" التفاوض مع يشع. "ليسوا هم الأشخاص الذين يتخذون القرار. إنه ذلك الشباب المجنون الذي تسود فيه نزعة متطرفة حقيقية".

وحول استعداد هؤلاء المتطرفين لممارسة العنف بيّن التقرير إن إحصاء المتشددين في قمم التلال، المستعدين لتحدي الجيش والمرتكبين العنف ضد الفلسطينيين هو مهمة ليست متحولة أيضاً، حيث ارتفعت التقديرات لعددهم من العشرات إلى المئات. وتحيط بهؤلاء حلقة داخلية من المستوطنين الشبان والأيديولوجيين المتشددين داخل إسرائيل يقال إن عددهم يزيد على 8,000، حيث ينشطون في جو سري نسبياً ويوفرون الدعم اللوجستي وغير ذلك. في حالات الطوارىء، يمكن للحاخامات المعارضين حشد آلاف المناصرين على جانبي خط عام 1967. إضافة لذلك فإن كل مستوطنة عشوائية ترتبط بمستوطنة أُم توفر لها دعماً أوسع. قدر رئيس المخابرات السابق، عامي أيالون، بعد فك الارتباط من غزة أن نحو 8 بالمئة من مستوطني الضفة الغربية الذين كان عددهم حينها يناهز 250,000 هم معارضون مريرون للدولة. كما يحذر رئيس جهاز الأمن الداخلي يوفال ديسكين من إمكانية أن يُشكل "المجتمع العقائدي" خطراً حقيقياً إن هو شعر أن مصالحه على المحك: سوف يكون نطاق الصراع أوسع بكثير مما كان عليه خلال فك الارتباط [مع غزة]. إننا نجد استعداداً كبيراً للغاية وسط هؤلاء الناس في اللجوء للعنف، – ليس فقط بالحجارة، بل بالأسلحة النارية – وليس في الضفة الغربية فحسب، بغية منع أو إيقاف العملية الدبلوماسية. ابتدأ نهجهم أول الأمر بشعار "سوف ننتصر عن طريق الحب" خلال عملية فك الارتباط [مع غزة]، ولكنه غدا الآن "سوف ننتصر عن طريق الحرب"...... وبعد سبعة أشهر من عملية فك الارتباط، اصطدم عدد أكبر من الصهاينة المتدينين المتشددين مع قوات الأمن التي أُرسلت لتدمير تسعة مبانٍ في مستوطنة أمونا العشوائية. منذ ذلك الحين، وحتى وقت قريب، أحجمت الدولة غالباً عن المواجهة. قال رئيس أحد معاهد التوراة العسكرية: "بعد أمونا، فإن كل من يحاول إجلاءنا سيمزق المجتمع الإسرائيلي". وفي واقع الامر ان كل هذه الاعمال التي تستهدف اولا واخيرا توسيع المستوطنات على حساب الاراضي الفلسطينية المحتلة وكذلك الى تقوية نفوذ التيار الديني المتطرف تتم تحت رضا وحتى رعاية دولة الاحتلال الاسرائيلي .

لقد ساعدت حرب غزة في كانون الثاني/يناير 2009 على تخفيض حدة التوترات بعض الشيء وإضعاف المعركة الكلامية الداخلية. كان أول أربعة جنود قضوا في العملية البرية الإسرائيلية من الصهاينة المتدينين (انظر أدناه). كذلك ساعدت العودة القوية للجناح اليميني إلى الحياة الانتخابية في إحياء ثقة التيار القومي-الديني في النظام، على الأقل مؤقتاً. أوضح أحد مستوطني أمونا: "لقد أدت الصدامات في أمونا وعملية فك الارتباط إلى حدوث صدع. ولكن أكثر أتباع التيار القومي-الديني يريدون استئناف الشراكة مع الدولة الآن" – حتى إن كان ذلك مصحوباً بحس واقعي جديد. وعلى حد تعبير أحد الطلبة القوميين المتدينين: "لقد حصل ضرر منذ عملية الإجلاء عن غزة: لقد انتقلنا من التمسك بالدولة بوصفها مقدسة إلى اعتبارها أقل الخيارات سوءاً". وعلى الرغم من ذلك، لم تستبعد دوائر الاستخبارات، ولا نشطاء التيار القومي-الديني البارزين، احتمال عودة التهديد بالعنف إن جاءت الخطوة الخطيرة القادمة لتفكيك المستوطنات أو الانسحاب من الأراضي. إن المؤشرات القائلة باحتمال أن تعمد قوات الأمن لإزالة بعض المستوطنات العشوائية استجابة لضغوط أميركية ودولية أوسع على حكومة نتنياهو أثارت جوقة من الإدانات الحاخامية وأحيت التهديدات المبطنة، والصريحة أحياناً، باللجوء للعنف. خلال لقاء في جفعات عساف، المستوطنة العشوائية القريبة من مستوطنة بيت إيل والتي يقال إن وزارة الدفاع تعتزم إزالتها، دعا كبار الحاخامات القوميين-المتدينين قوات الأمن لعصيان الأوامر. كذلك تبنى مجلس يشع خطاً أكثر تشدداً على نحو متزايد. "لن يقبل مجتمع المستوطنين قيام الحكومة بهدم المستوطنات العشوائية. لو تحركت الحكومة فسوف يكون رد الفعل أقرب إلى ما حدث في أمونا من غزة، وستسقط الحكومة".

زمن اليهود المتزمتين

تقليدياً، شكك الحاخامات المتزمتون دينياً -كما جاء في التقرير- في اكتساب الأراضي، مصرين أن الطريق للخلاص اليهودي يكون عبر النشاط الديني وليس العلماني من قبيل الاستيطان أو انتزاع الأراضي...... وقع حزب أغودات إسرائيل، أبرز ممثلي الحركة المتزمتة دينياً، إعلان الاستقلال عام 1948 ومن ثم شرع في التفاوض على اتفاق للمشاركة في شؤون الدولة مقابل منح المتزمتين صلاحية تولي شؤون الأحوال الشخصية اليهودية،وإعفاء طلاب التوراة في الحركة من الخدمة العسكرية وتقديم الدعم المالي لمؤسساتها، لاسيما المدارس.

ومع ذلك ، فقد تغيرت -كما يذكر التقرير- ديناميات العلاقات بين الدولة والمتزمتين على نحو كبير بمرور الوقت. لقد كانت هذه الفئة في موقع الدفاع عن النفس 60 عاماً خلت، ولكنها اليوم أكثر ثقة بالنفس. ونظراً لمعدل المواليد المرتفع لديها، فقد تنامى عددها ثمانية أضعاف منذ عام 1948 بحيث باتت أسرع القطاعات نمواً في إسرائيل. إذ يبلغ عدد أفرادها نحو 750,000، أي حوالي 10 بالمئة من إجمالي عدد السكان و20 بالمئة من تلاميذ الصف الأول في إسرائيل. يقول أحد الحاخامات الذي يدير مؤسسة فكرية متزمتة هي في حد ذاتها دلالة على التغيير: "كان علينا تعزيز دفاعاتنا الروحية ومنع الدولة من تقويض تقاليدنا طالما كنا أقلية مُهدَّدة. لم نكن مهتمين قط بالعالم الخارجي. أدركت المجتمعات المتزمتة في الآونة الأخيرة فقط أنها المجتمعات التي اكتسبت قوة مؤخراً كيفما نظر المرء إلى المسألة – ديمغرافياً، أو اجتماعياً أو من حيث التعليم."

علاوة على ذلك، وعلى العكس من أسلافهم المعادين للصهيونية الذين تربوا في الخارج، فقد برز جيل أصغر سناً يضم أولئك المولودين في إسرائيل والذين ينظرون لوجودها بوصفه أمراً بديهياً. وتكثر الإشارات على الاندماج: يتشاطر المتزمتون مع الجمهور العام العديد من المساحات العامة الواسعة، بما فيها مراكز التسوق والمقاهي. كما يتشاركون في ذات المخاوف الأمنية .....كما أخذ الرجال المتزمتون دينياً – والذين اختاروا تقليدياً الدراسة بدل العمل – بالدخول إلى أماكن العمل. وفي تطور آخر يعكس التغيير، يتكلم معظم الشباب المتزمت دينياً العبرية الحديثة بدلاً من اليديشية، على الرغم من اعتراض أولئك الأكبر سناً. ومع أن المتزمتين هم أقل اندماجاً في التيار الرئيسي من المجتمعات القومية-الدينية وأنهم يحتفظون بأنماط متميزة للسلطة الحاخامية والتنظيم والسكن واللباس، فإنهم غدوا أكثر براعة في استخدام النظام السياسي للاحتفاظ بامتيازاتهم بل وتوسيعها، حيث نجحوا بأصواتهم في إيصال العديد من رؤساء البلديات المحليين إلى مناصبهم. وإذ لم يعودوا غرباء في دولة غريبة، فإنهم ينشطون على نحو متزايد في السعي لتشكيل الدولة. وعلى حد تعبير أحد الطلاب المتزمتين دينياً:

هنالك جيل جديد من المتزمتين لم يولد في الشتات بل في أرض إسرائيل. إنها عالم أولئك الذين تضرب جذورهم هنا ولا يرغبون في التخلي عن الأرض. إنهم يشهدون الأزمة التي تعاني منها إسرائيل ويرغبون بالانخراط في العملية السياسية لصالح المجتمع بكامله وليس فقط جماعة المصلحة الخاصة التي ينتمون إليها. يريدون أن يروا القضاة يرتدون القلنسوات ويتصرفون وفق قانون التوراة...ويرى أكثرهم ثقة دوراً للجماعة في قيادة إسرائيل. يتنبأ أحد الخامات المتزمتين: "مثلما أصبح أحد السياسيين المتزمتين رئيساً لبلدية القدس، يمكنه أيضاً أن يصبح رئيساً للدولة" .

وفي توضيح صريح عن العلاقة الوثيقة ما بين المتطرفين والدولة اليهودية يفيد التقرير تقليدياً، اختار ساسة المتزمتين شركاءهم في الائتلافات وفقاً للمزايا المالية والاجتماعية التي يمكن أن يجنونها بدلاً من الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. نتيجة لذلك، شاركت الأحزاب المتزمتة في كل من الائتلافات اليمينية واليسارية. على الرغم من ذلك، يظهر أنهم يتحولون تدريجياً إلى اليمين ويعتنقون على نحو متزايد مواقف أكثر تشدداً تجاه الفلسطينيين.... كذلك وثقوا صلاتهم على نحو متزايد بمشروع الاستيطان. وفي أواخر التسعينيات بدأ رئيس الوزراء نتنياهو في تلبية مطالب المتزمتين دينياً بتوفير المساكن المقبولة الثمن لهم عن طريق بناء شقق سكنية في مستوطنات تحاذي حدود عام 1967. منذ ذلك الحين، قامت المستوطنات باستيعاب المتزمتين الذين لم يتمكنوا من إيجاد منازل لهم في المناطق المركزية المكتظة مثل القدس وبني باراك. وقد كان النمو سريعاً وكبيراً على نحو هائل: إذ إن بيتار عيليت – وهي مستوطنة للمتزمتين تقع قرب بيت لحم – هي أسرع المدن تحت السيطرة الإسرائيلية نمواً، حيث يُعتزم زيادة عدد سكانها من 35,000 إلى 100,000 خلال عقد واحد. ولكن تبقى مستوطنة مودين عيليت أكبر منها، إذ أُنشئت عام 1996 في عمق الضفة الغربية، بعد جيل كامل من إقامة أولى المستوطنات، حيث أصبحت أكبر المستوطنات من حيث عدد السكان.

وعلى الرغم من تبريراتهم غير الواقعية او المنطقية وفي اعتراف مباشر وصريح من الحاخامات انفسهم حول مدى تعاون وزراء واحزاب اسرائيل المختلفة على تنوعها مع المتزمتين في مسألة بناء وتوسيع المستوطنات افاد التقرير انه يشير الحاخامات المتزمتون إلى أن وزراء حزب العمل والليكود على حد سواء شجعوا توسعهم الاستيطاني؛ كما يقللون من أهمية أي مغزى سياسي لذلك. وعلى العكس من المعسكر القومي-الديني، يقول الساسة المتزمتون إن الشقق السكنية تهدف للتصدي للنقص في المساكن وليس لترويج المشروع الصهيوني. ومن بين مجموع السكان المستوطنين المتزمتين دينياً، يعيش أكثر من 90 بالمئة إلى الغرب من الجدار العازل، في مناطق يُرجح ضمها إلى إسرائيل نتيجة اتفاقية سلام إسرائيلية-فلسطينية. يقول أحد المسؤولين في بلدية مودين عيليت: "لسنا هنا بسبب الأيديولوجيا؛ إن الأمر يتعلق بالمكان الذي أخبرتنا الحكومة أن نعيش فيه". ويعزو آخر الركود النسبي لاستيطان المتزمتين شرق الجدار إلى الافتقار لدعم الحاخامات. إذ يُستبعد أن يعارض حاخاماتهم وممثلوهم، كما يقولون، الانسحاب من أراضٍ شرق الجدار، مثلما أذعنوا لعملية فك الارتباط مع غزة مقابل تعويضات مالية. .... كما حصل الساسة المتزمتون المتزاحمون على المناصب في حكومة نتنياهو الحالية على وظائف لطالما كانت مرتبطة بالاستيطان، بما في ذلك وزارة الإسكان وإدارة أرض إسرائيل، الهيئة الحكومية التي تدير أراضي الدولة والتي تعمل، وفقاً لأحد محامي الجيش السابقين، مع السلطات العسكرية لتزويد المستوطنين بأراضي الضفة الغربية.

عمل بعض الساسة المتزمتين دينياً دفاعاً عن المستوطنات. رد عضو البرلمان عن حزب شاس، نسيم زئيف، على الأمر الذي صدر عام 2008 لإخلاء مجمع في الخليل أطلق عليه الإعلام اسم "بيت الخلاف" بالانتقال إليه مع عائلته. وأوضح أحد وزراء شاس: "سنسعى للمساعدة أينما كانت هناك حاجة للمساكن – في المستوطنات على جانبي الجدار، في مدينة داوود والحي الإسلامي في القدس. سوف ندعم النمو الطبيعي". كذلك قام كبير حاخامات اليهود المتزمتين، مطلع عام 2009، بزيارة نادرة إلى مستوطنات قومية-دينية في عمق الضفة الغربية. وقد دفع الضغط المكثف في الآونة الأخيرة للحد مما يسمى "النمو الطبيعي" بممثلي المتزمتين إلى الانضواء تحت راية واحدة مع نظرائهم من القوميين المتدينين.

على نحو متعاظم، يتشاطر المتزمتون وجهة النظر الأمنية المتشددة التي تذكّر بمنظور القوميين المتدينين. وقد أدى القتال في جنوب لبنان وغزة بعيد الانسحابات الاسرائيلية إلى إضعاف موقف حاخاماتها التقليدي الداعم لمبدأ الأرض مقابل السلام. يقول أحد الساسة المتزمتين البارزين: "لقد تحول مجرى النقاش. بعد غزة، يتفق الجميع على أن التخلي عن الأرض لا يجلب السلام". كما غدا الحاخامات المتزمتون البارزون أكثر تردداً في المصادقة على الانسحابات المقترحة. استحضر أحد مستشاري الحاخام الأشكنازي المتزمت البارز، يوسف شولوم إلياشيف، لقاء الحاخام مؤخراً مع دبلوماسي غربي: "ضحك الحاخام لدى سؤاله عن رأيه في التخلي عن الأرض". كما إن حقيقة أن عملية السلام يُنظَر إليها كشأن علماني أساساً شوهت مفهوم الأرض مقابل السلام أكثر في أوساط عامة المتزمتين. اشتكى أحد مستشاري الحاخام عوفاديا يوسف، الزعيم الروحي لحزب شاس، قائلاً: "لقد استُبعِد شاس من المفاوضات، على الرغم من تواجدنا كشركاء رفيعين في الحكومة التي وقعت على اتفاقات أوسلو"..... وبالفعل، تشير استطلاعات الرأي أن من بين سائر المجتمعات الإسرائيلية المحلية فإن المتزمتين هم الأكثر معارضة حالياً للمفاوضات مع الفلسطينيين والمزيد من الانسحابات، محولين مقترعيهم من "معادين للفكرة القومية إلى قوميين متعصبين

كما لا تزال معدلات النشاط لدى الإسرائيليين المتزمتين - كما يشير التقرير- أخفض من مثيلاتها لدى القوميين المتدينين، وذلك على الرغم من وجود مؤشرات كامنة بحدوث تغيير. حيث كثيراً ما لا تلقى جهود الحاخامات لكبح جماح الطلاب الشبان المتزمتين آذاناً صاغية. وعلى الرغم من إعراب الحاخامات عن استنكارهم أكثر من مرة، فإن مئات الطلبة المتزمتين المنتمين لعدد من المعاهد التوراتية انضموا إلى المتظاهرين القوميين المتدينين في إغلاق طرقات القدس الرئيسية وإلقاء الحجارة على رجال الشرطة في تظاهرة مشتركة نادرة ضد عملية قام بها الجيش في كانون الأول/ديسمبر 2008 لإجلاء مستوطنين متدينين من بيت الخلاف في الخليل. وإذا استمر الحاخامات المتزمتون في اعتبار العنف بجميع أنواعه، بما فيه الخدمة العسكرية، تأثيراً مفسداً، فإن المراقبين المحليين يفيدون بوقوع عدد متزايد، وإن كان ما يزال ضئيلاً، من هجمات المتزمتين اليهود ضد الفلسطينيين.

وهذا في الواقع ما يؤكد مرة اخرى دعم حكومات الاحتلال الاسرائيلي على تنوعها للتطرف الديني وتهيئة الاجواء المساعدة لهذا التطرف على المضي قدما في تزييف وتغيير الحقائق على الارض عبر بناء وتوسيع المستوطنات على حساب الاراضي الفلسطينية.

أدوات الناشطين اليهود

‌أ. لغة بلاغية أم واقع؟

وفي هذا الاطار يبين التقرير ان سهولة افراغ مستوطنات غزة لا يبدو انها ستتكرر لان المستوطنين قد تعلموا من درس غزة وسيكونوا اكثر ضراوة في الدفاع عن المستوطنات فيما اذا فكرت حكومة الاحتلال الاسرائيلي تكرار هذه العملية في اماكن اخرى من ارض فلسطين حيث يؤكد في هذا المجال انه "قبيل الانسحاب من غزة، تنبأ الكثيرون في إسرائيل بوقوع اضطرابات عنيفة. وفي الكنيست، حاول النواب القوميون-المتدينون إسقاط الحكومة. كذلك نظّم المعسكر نفسه في مسيرات حاشدة وعدداً لا يُحصى من أعمال العصيان المدني. وحينما اقترب موعد التنفيذ، اقترنت أعمال العنف المتفرقة بمستويات مرتفعة من النقد اللاذع، مكونة مناخاً من التوتر...ومع ذلك، سارت عملية الإخلاء بسلاسة ملحوظة. فخلال ثمانية أيام،......أعطت السابقة المتمثلة بغزة خبراء الأمن ثقة بإمكانية تفكيك المزيد من مستوطنات الضفة الغربية، أو أقلَّه العشوائية منها، حتى وإن ترافق ذلك بصعوبات مماثلة. استخف رئيس الاستخبارات السابق نفسه بمحاولات سابقة لتشكيل حركة مقاومة بوصفها "حيلة"، مشيراً إلى أن معظم المستوطنين هم مواطنون "محترمون وملتزمون بالقانون"...... بيد أن من الخطر افتراض أن السهولة التي جرى بها الانسحاب من غزة ستتكرر بالصورة ذاتها في الضفة الغربية. إذ كان عدد المستوطنين في غزة أقل من 3 بالمئة من نظيره في الضفة الغربية، كما إن التراث التوراتي في القطاع هو أقل أهمية بكثير. بل إن عملية أكثر محدودية ضد المستوطنات العشوائية – التي لا يقل عدد سكانها عن عدد سكان مستوطنات غزة بكثير – قد تكون خطرة. علاوة على ذلك، فقد كان مستوطنو غزة أكثر هدوءاً: ففي حين غادر المستوطنون ملوّحين بالأعلام الإسرائيلية، أحرقها أولئك الذين أخرجوا بعد أسبوع من أربع مستوطنات شمال الضفة الغربية، وقاوموا بصورة عنيفة أحياناً. كما يقول القوميون-المتدينون إنهم تعلموا درسهم الخاص من غزة، وقد يسعون، بينما تكتسب الأطراف الدينية تأثيراً ويتزايد مؤيدوها المتزمتون، إلى المقاومة على نحو أكثر قوة".

‌ب. النفوذ المؤسساتي

1. التمثيل السياسي

وهنا يظهر التقرير مدى تنامي نفوذ التطرف الديني وتغلغله في مؤسسات الاحتلال الاسرائيلي وهو ما يؤكد مقولة ان المجتمع والحكومة الاسرائيلية هما ذات ميول دينية وهذه الحقيقة تفند الادعاءات الاسرائيلية بعلمانية دولة الاحتلال الاسرائيلي وهو ما يمكن البناء عليه بأن السياسة الاسرائيلية تجاه المستوطنات بشكل خاص وتجاه الصراع العربي الاسرائيلي بشكل عام هي سياسة ذات ابعاد دينية بحته حيث يذكر التقرير انه تحتفظ أربعة أحزاب دينية بمقاعد في الكنيست، اثنان منها متزمتان (حزبا يهودية التوراة المتحد وشاس)، واثنان قوميان-دينيان (الاتحاد الوطني والبيت اليهودي). ونظراً لتشرذم النظام السياسي – إذ هناك اثنا عشر حزباً سياسياً ممثلاً في الكنيست ولا يسيطر أي منها على أكثر من ربع إجمالي المقاعد – فإنها تمتلك قدراً لا يستهان به من السلطة. بإصرارها على مطالبها، كثيراً ما تكون الأحزاب الدينية قادرة على تشكيل الائتلافات الحاكمة أو الإطاحة بها أو التعجيل بالانتخابات المبكرة، مثلما فعلت عام 2008 كما يزعم البعض. ويمكنها التأثير على مخصصات الموازنة، لاسيما من خلال اللجنة المالية في الكنيست، التي تتولى المصادقة على الميزانية وتكون تقليدياً تحت قيادة المتزمتين.

ويمثل المتزمتون ثلاثة مجالس حاخامية. يُعد مجلس أغودات إسرائيل لحكماء التوراة الهيئة الأم التي تمثل اليوم الحركة الأشكنازية المتزمتة. وهو يتعاون مع الدولة ويتنافس في الانتخابات تحت راية حزب يهودية التوراة المتحد. انفصل الاتحاد السفاردي العالمي لمجلس سدنة التوراة (المعروف باسمه المختصر شاس) عن أغودا عام 1984 ويقوده الحاخام عوفاديا يوسف المولود في البصرة. وفي حين أن أفراد الحزب هم يهود متزمتون، يزعم شاس أنه يقود حملة لرعاية احتياجات جميع اليهود من أصل شرقي أو السفارديم، بصرف النظر عن التزامهم الديني. وهو يجتذب دعماً واسعاً من خلال تأمينه للخدمات الاجتماعية والتربية الدينية. أخيراً، انفصل مجلس المجتمع المتزمت (عيداه حريديز) عن أغودات إسرائيل في 1945، بعد أن وافق الأخير على المشاركة في انتخابات قيادة الحركة الصهيونية قبل الاستقلال. ويستمر المجلس في مقاطعة الانتخابات الوطنية والبلدية.

بعد عام 1967، بات الحزب القومي الديني اللاعب القومي-الديني الرئيسي، مجاهداً للموازنة بين البرامج المتنافسة لأولئك الذين يضعون المستوطنات في مقدمة اهتماماتهم وأولئك الذين يسعون لتقديم مباديء التوراة. وفي حين أنه كان عنصراً ثابتاً في معظم الحكومات قبل اتفاقات أوسلو، فإن إصرار الحزب على رفض عملية السلام جعله شريكاً ائتلافياً مربكاً منذ ذاك الحين. وقد تحول إلى اليمين أكثر في أعقاب الانسحاب من غزة: حيث قاد حملته الانتخابية في انتخابات عام 2006 متحالفاً مع أحزاب يمينية متطرفة. وقد أكسبه هذا تأييداً أكبر في الأراضي المحتلة ولكنه كلفه الكثير داخل إسرائيل. وإذ بات عاجزاً عن حل الخلافات الداخلية في صفوفه، انقسم قبيل انتخابات عام 2009 إلى الاتحاد الوطني، وهو عبارة عن توليفة من جماعات اليمين المتطرف المؤيدة للمستوطنين، والبيت اليهودي – الحزب القومي الديني الجديد، وهو فصيل أكثر اعتدالاً.

أثبتت الانقسامات داخل الأحزاب الدينية ضررها من الناحية السياسية. حيث كان أداء هذه الأحزاب في انتخابات 2009 أسوأ من أدائها عام 2006، إذ انخفضت حصتها الإجمالية من مقاعد الكنيست من 26 إلى 21 مقعداً. كما انخفض تمثيل المتزمتين من ثمانية عشر إلى أربعة عشر، ما يعكس ظاهرياً اتجاه ناخبيهم إلى الأحزاب اليمينية العلمانية. وقد خسر شاس، الذي تمتع بحق النقض خلال المدة الأكبر من حكومة أولمرت، هذا النفوذ في ائتلاف نتنياهو. وعلى الرغم من النمو السريع لمجتمع المتزمتين، فقد خسر حزب يهودية التوراة المتحد مقعداً. إن التشرذم والخلافات الداخلية كلفت القوميين-المتدينين الكثير، إذ انخفض إجمالي عدد المقاعد التي حصلوا عليها من تسعة إلى سبعة – أربعة للاتحاد الوطني وثلاثة للبيت اليهودي – وهو أداء مخزٍ بالمقارنة مع الذروة التي وصلها الحزب القومي الديني في الستينيات حين تولى قيادة اثني عشر مقعداً. تفيد التقارير أن بعض الصهاينة المتدينين صوتوا لشاس – في مؤشر آخر على تداخل سياسي متزايد بين المعسكرين المتدينين.

في مفاوضات ما بعد الانتخابات، مضى كل من الجناحين في طريق مختلف، الأمر الذي أضعف قواهما المتضافرة. انضم البيت اليهودي إلى الحكومة بينما وقف الاتحاد الوطني في صفوف المعارضة. ومن ذات الموقع الذي تولى منه الحزب القومي الديني إدارة وزارات التربية والعدل ذات مرة، يكتفي خلفه بحقيبة وزارة العلوم الأصغر والأقل أهمية.

على الرغم من ذلك، لم تكن ورقة الموازنة السياسية سلبية برمتها. فعلى الرغم من أدائهم الانتخابي الباهت، قد يشعر الساسة المتدينون ببعض الرضا عن مكاسب الجناح اليميني الإجمالية. فقد قفز عدد المقاعد التي حصل عليها اليمين، يقوده الليكود المنتعش، من 50 مقعداً عام 2006 إلى 65 عام 2009، ما ساعد بإعادة الحركة القومية الدينية إلى الحكومة ثانية بعد بقائها أربع سنوات في المعارضة. كذلك عاد حزب يهودية التوراة المتحد إلى الائتلاف، في حين حصل شاس – وإن لم يعد شريكاً هاماً مثلما كان سابقاً – على وزارتي الداخلية والإسكان، إضافة إلى سيطرته على إدارة أرض إسرائيل وحصوله على تمويل كبير.

في الوقت ذاته، عزز الساسة القوميون-المتدينون دورهم في الأحزاب السياسية الرئيسة. وعلى الرغم من بقائهم أقلية متميزة، فإن خمسة من النواب الليكوديين الـ28 هم قوميون متدينون، حيث لم يكن عددهم يتجاوز الواحد عام 2003. عشية انتخابات عام 2009، انضم أحد النواب القوميين المتدينين البارزين، إيفي إيتام، إلى الحزب، وعين نتنياهو شخصيات قومية-دينية أخرى في مناصب حكومية، بمن فيهم ياكوف نيمان كوزير للعدل. وبصورة ذات مغزى، اختار نتنياهو الجامعة القومية-الدينية الوحيدة في إسرائيل، بار إيلان، كمكان لتوجيه خطابه الهام في 14 حزيران/يونيو 2009 حول السلام في الشرق الأوسط.

يعطي هذا التواصل الليكود فرصة الاستفادة من قاعدة ناخبين متنامية. فهو يوفر للحركة القومية-الدينية – وفقاً لكلمات النائبة تسيبي هوتوفيلي الليكودية القومية المتدينة – "وسيلة لتأمين النفوذ من خلال حزب كبير". وقد سرّعت عملية فك الارتباط مع غزة من هذا الزخم: خلص بعض الساسة القوميين المتدينين إلى نتيجة مفادها أن أفضل السبل لإحباط انسحابات أخرى يتمثل في كسب المزيد من النفوذ داخل الأحزاب المسيطرة. قال أحد الوزراء القوميين المتدينين: "إن الساسة القوميين المتدينين يتخلون عن الحركة وينتقلون إلى الليكود وأحزاب أخرى. لقد فقد الناس الثقة في الأحزاب القومية-الدينية". عام 2007، نافس أحد المستوطنين المتشددين دينياً، موشيه فيغلين، نتنياهو على رئاسة الحزب؛ وعلى الرغم من خسارته فقد شكل واحداً من أكبر التجمعات داخل الليكود.

قد يكون لحضورهم في الليكود والائتلاف الحاكم – ينتمي 26 على الأقل من نواب ذلك الائتلاف البالغ عددهم 65 إلى اليمين الديني – تأثير على سياسة الحكومة في المدى الأطول. يزعم أحد أعضاء جماعات الضغط القومية-الدينية: "لقد تغير المناخ في الحكومة إلى الأفضل. الكثير من الوزراء ينظرون لبرنامجنا بصورة أكثر انفتاحاً". على النقيض من أولمرت، حظي نتنياهو باستقبال حار خلال زيارته المعهد التوراتي القومي-الديني الرئيسي، ميركاز هاراف. قبيل تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة والمؤشرات اللاحقة أن الحكومة ستسعى لتسوية بشأن قضية المستوطنات مع واشنطن، تطلع قادة المستوطنين – المعززين بتمثيل القوميين المتدينين والمتزمتين – إلى الحكومة لـ"رفع القيود التي تفرضها خارطة الطريق على بناء المستوطنات، وشرعنة المستوطنات العشوائية وبناء 80,000 وحدة استيطانية سنوياً".

ولعل كل هذا يبين ودون ادنى شك او لبس مدى الدعم الذي تتلقاه الجماعات الدينية المتطرفة داخل دولة الاحتلال الاسرائيلي وبين بشكل او بآخر خريطة تغلغل القوى المرتبطة بالتيار الديني المتطرف داخل مراكز صناعة السياسة الاسرائيلية بشكل عام وهو ما يصب ايضا في صالح فكرة ان الدولة الاسرائيلية هي دولة دينية وان سياساتها تتوافق مع اتجاهات هؤلاء المتطرفين حتى وان تعلق الامر بوقف او وأد علمية السلام لا سيما في ظل تنامي حركة المستوطنات التي تكتسب دولة الاحتلال جولات اخرى من تغيير الحقائق على الارض .

2. الجيش

اما فيما يتعلق بالجيش وفي الوقت الذي مارست فيه الادارات الامريكية المتعاقبة كماً هائلا من الضغوط على الدول العربية والاسلامية لتنظيف جيوشها من كل من لهم مجرد ميول دينية فنجد انه علاوة على ان معظم جيش الاحتلال الاسرائيلي يقوم بمهامه وفقا للمباديء الدينية المتطرفة فإن كثيرا من شباب اليمين الاسرائيلي المتطرف ينخرط وبسهولة في صفوف قوات الاحتلال الاسرائيلي ولا تحرك الولايات المتحدة الامريكية ساكنا تجاه هذا الموضوع وكأن الارهاب هو امر خاص بالاسلام والمسلمين علما بأن حرب غزة الاخيرة كانت قد كشفت وبوضوح عن مدى تطرف جيش الاحتلال الاسرائيلي وممارساته الارهابية ضد سكان قطاع غزة العزّل. وفي هذا الاطار يشير التقرير الى انه مثّلت قوات الأمن قناة رئيسية لارتقاء الحركة القومية-الدينية. تقليدياً، شغل الشباب القادم من الكيبوتزات (التعاونيات)، وهي المجتمعات اليهودية العلمانية بمعظمها ذات الدور الفعّال في إنشاء الدولة، صفوف النخبة في هذه القوات. على الرغم من ذلك، بدأت الصورة تتغير في السنوات الأخيرة حيث بدأ عدد كبير من نشطاء الحركة القومية-الدينية المتحمسين بالحلول مكانهم. وفي سبيل تشجيعهم على الالتحاق به، صادق الجيش على إحداث أكثر من 50 معهدا توراتيا عسكريا للذكور، "هسدر" (ترتيب)، يجمع فيها المجندون بين الخدمة العسكرية والدراسة الدينية على مدى خمس سنوات. ويمنح الخيار الثاني – الذي بوشر به أواخر الثمانينيات للتصدي لمعدلات التجنيد المنخفضة على مستوى البلاد بعد حرب لبنان الأولى (1982-1985) – المجندين فرصة الدراسة لسنة واحدة قبل الخدمة في معاهد توراتية (ميخينا كادم تسافيت ييشيفاتي) قبل انضمامهم للخدمة. كما أحدث الجيش وحدة للمتزمتين دينياً، ناحال هريدي، لاجتذاب الرجال المتزمتين الذين تعفيهم دراستهم في المعاهد التوراية من الخدمة العسكرية "لتقاسم العبء العسكري للبلاد".

ويضيف التقرير ارتفعت أعداد المعاهد التوراتية العسكرية في السنوات الأخيرة. ويقع نصفها تقريباً في الضفة الغربية، مخرّجة آلافاً من الجنود. يدير الحاخامات – الذين يتراوحون من حيث الآراء والمواقف بين الصقور والحمائم – صفوفهم الخاصة دون تدخل واضح من الدولة التي تمول معاهدهم. ويتم تدريس القوانين الدينية اليهودية المعروفة باسم "ملخميت ميتسفاه" (الوصية أو الحرب الواجبة) على نطاق واسع.

وعلى الرغم من أنهم يمثلون فصيلاً صغيراً من إجمالي عدد المجندين، تقول التقارير إن خريجي المعاهد التوراتية العسكرية يرتقون بسرعة في صفوف الجيش وينجذبون إلى الوحدات المقاتلة الأكثر خطورة. ويحتلون مكاناً بارزاً في قوائم المصابين والقتلى في كل من حرب لبنان عام 2006 وحرب غزة عام 2009. كما قاتل بعض الجنود المتزمتين دينياً في غزة. وعلى الرغم من أن نسبة الضباط القوميين-المتدينين غير معروفة علناً، تقدر المصادر أنها تفوق نسبة 30 بالمئة، متركزة على نحو خاص في الوحدات المقاتلة ووحدات الضفة الغربية التي غالباً ما يخدم المستوطنون فيها. ووفقاً لأحد الضباط القوميين المتدينين:

كان الجيش مختلفاً تماماً عندما كنت شاباً. لربما كان هناك خمسة جنود وضابطان اثنان يرتديان القلنسوة في الكتيبة. أما اليوم فإن أكثر من ربع الضباط الشباب يرتدون القلنسوات. وفي الوحدات المقاتلة يكون حضورهم ضعفي أو ثلاثة أضعاف وزنهم الديمغرافي. ويكون أكبر من ذلك في الوحدات الخاصة.

زعم أحد وزراء الحكومة أن نصف الجنود في كليات تدريب الضباط، وكذلك نصف صغار الضباط، هم متدينون. يقول رئيس إحدى المعاهد التوراتية العسكرية الكائنة في الحي الإسلامي في القدس القديمة: "في غضون سنوات قليلة، سيشكل الجنود المتدينون غالبية قادة الألوية في جميع المجالات – من مقاتلات ف-16 إلى الغواصات. إن الجمهور المتدين واعٍ تماماً لمسؤوليته الجديدة تجاه الجيش". وأضاف أحد نواب البرلمان القوميين المتدينين: "إن المهام الملقاة على عاتق الصهيونية المتدينة لا تُصدَّق – ليس فقط الخدمة في الجيش، بل قيادته أيضاً".على الرغم من الدور الذي لعبه الجيش في تفكيك مستوطنات غزة، فإن بروز المتدينين يساعد على تفسير استمرار الشباب القومي المتدين في التطوع الجماعي ومحدودية محاولات التهرب من الخدمة – رغم تزايدها – في مجتمعاتهم. يقول أحد جنود الاحتياط العلمانيين: "هنالك ثورة في صفوف الجيش: إن 12 بالمئة من السكان يسيطرون الآن على القيادة الدنيا للجيش. في غضون عشر سنوات، سيكون كبار القادة قوميين-متدينين أيضاً".

لا يخلو هذا التغير التدريجي من التبعات أيضاً. إذ إنه يحدد هوية المنتدبين لأداء مهمات معينة (كإجلاء مستوطني غزة عام 2005). علاوة على ذلك، وعلى الرغم من ادعاء الجيش أنه يتخذ إجراءات لمنع دخول أية أدبيات مثيرة للمشاعر، فقد وجدت مجموعة الأزمات مواد تحريضية متاحة مجاناً في قواعد الجيش..... كم تنامى دور المرشدين الدينيين مؤخراً، لاسيما تحت قيادة كبير حاخامات الجيش الحالي، أفيشاي رونتسكي، والذي كان هو نفسه جندياً في وحدة مقاتلة. وفي حين أنهم قصروا دورهم تقليدياً على الشؤون الدينية كمراقبة وتشجيع إنفاذ القوانين الغذائية ومراعاة شعائر يوم السبت، فقد وسعوا صلاحياتهم ونفوذهم، مستخدمين الخطاب الديني بصورة متزايدة لتعزيز الروح المعنوية لدى الجنود. وفي بعض الحالات، عُرف حاخامات الجيش بدورهم في إلقاء خطابات قبيل المعارك. كما إنهم يرافقون جنودهم في المعارك، وبصورة متزايدة إلى خطوطها الأمامية. يقول أحد المحاربين المخضرمين: "كانت رؤية الحاخامات في ميدان المعركة أمراً عادياً" خلال حرب غزة. ويقول محارب قديم آخر خاض حرب غزة:

لقد خدمت في فصيلي عشر سنوات. إن معظم القادة متدينون، ولكن حتى الحرب الأخيرة كان هناك فصل كامل بين عالمهم الخاص ووظيفتهم العسكرية. أما في حرب غزة، فإن الحاخامات أعدونا لكفاح توراتي وصوروا القتال ليس بوصفه معركة لإيقاف صواريخ القسام، ولكن [بصورة] تقديس لاسم الرب. لم يقل أحد ذلك صراحة، ولكنهم أرادوا منا العودة إلى غزة لإظهار أن اليهود أقوياء.

وفي اشارة الى خطورة تغلغل التطرف الديني الاسرائيلي في صفوف جيش دولة الاحتلال الاسرائيلي حيث ذكر التقرير "كذلك يرى بعض مسؤولي وزارة الدفاع مؤشرات على تقديم بعض الجنود برنامجهم الخاص في الضفة الغربية. هنالك مسؤول كبير سابق يزعم، مع آخرين، أن بعض الجنود كانوا للمستوطنين بمثابة "العيون والآذان داخل جهاز الأمن"، مقدمين إخطارات مسبقة بالمناورات العسكرية لجمع أسلحة المستوطنين أو إزالة المستوطنات العشوائية. كذلك ادعى بعض المستوطنين القوميين المتدينين حصولهم على الأسلحة من الجنود. وعلى نحو مماثل، استشهد كل من المستوطنين والمراقبين الدوليين والقرويين الفلسطينيين بحالات قام فيها الضباط بمساعدة المستوطنين خلال المواجهات مع الفلسطينيين. يقول أحد رؤساء الاستخبارات السابقين: "يكون المتشددون أقوياء في مواجهة العرب فقط حين توفر لهم قوات الأمن الحماية".

بينما قلل من تأثير حاخامات الجيش، وصف جنرال احتياط يتولى تقديم المشورة للحكومة فيما يتعلق بسياسة المستوطنات، تحريم أحد الحاخامات إزالة المستوطنات العشوائية ودعمه للمقاومة ضد عمليات الإجلاء بوصفها "مؤثرة جداً"، وقال إنها تمثل "معضلة كبيرة للجنود والضباط، محدثة صراعاً بين التزامهم بجيش الدفاع الإسرائيلي واتباع أوامر تخالف التزامهم تجاه حاخام معين".... يدرك قادة الحركة القومية-الدينية النفوذ الذي اكتسبوه نتيجة اعتماد الجيش على عديدهم. يعتقد بعض المستوطنين المتدينين، مصيبين أو مخطئين، أن خدمتهم الاحتياطية في الجيش تمنحهم حصانة ضد هجوم هذا الأخير على مستوطناتهم – لأن الدولة مدينة لخدمتهم وقت الحرب ولأنها لا تستطيع المخاطرة بحدوث اضطرابات في صفوف الجيش على حد سواء. يقول أحدهم: "لقد أمضيت عدة أسابيع أقاتل في لبنان خلال حرب عام 2006، وأنا جزء من الجيش. حتى لو كان لديهم أوامر بإخلاء مستوطنتي، لن يستطيعوا إطلاق النار علي". قبيل انتخابات عام 2009، جادل أحد أعضاء الكنيست القوميين المتدينين قائلاً: "إذا فكر أولمرت وباراك أن عملية الطرد ستتم إن هما أصدرا أمر ‘إلى الأمام’ لجيش الدفاع الإسرائيلي، فمن الأفضل لهما استخلاص أنه لن يكون لديهما جيش ينفذ هذا الأمر".

في تحد لسياسة الحكومة الرسمية، ودون إذن، يقيم بعض ضباط الجيش والاحتياط في مستوطنات عشوائية، الأمر الذي يعقّد خطط إزالتها. قال أحد ضباط الاحتياط العلمانيين: "لقد خلق فك الارتباط عن غزة أزمة مع الجنود القوميين-المتدينين في أكفأ الوحدات القتالية لا يزال يتعين حلها. إذا اتخذنا إجراءات ضد المستوطنات العشوائية، فسيحسبون أننا نتدخل في أهدافهم الأيديولوجية، وحين يهاجمنا زملاؤهم يغدو الوضع خطيراً للغاية – إن هذا شعبك يهاجم جيشك". أوضح ضابط كبير أنه سيقاوم أمراً بإجراء انسحاب آخر:

إن أمراً بالانسحاب [من الضفة الغربية] سيدمر إسرائيل. سوف يؤدي لانقسام الجيش وانقلاب جزء منه على الدولة. أفضّل إعادة تل أبيب بدلاً من الخليل. لسنا مجرد دولة من اليهود، أو أغلبية يهودية، ولكننا دولة يهودية تدافع عن الأرض التي وعدنا بها الكتاب المقدس، وعدنا بها الرب. إنها أرض يهودية. إن هذه الأيديولوجيا هي أساس الجيش، ولهذا فلن أطيع أمراً كهذا. سأدافع عن الأرض اليهودية بكل السبل المشروعة – وإن لم يكف هذا – بغير المشروعة. قد يكون ذلك باستخدام القوة.

3. التعليم

في الوقت الذي شددت فيه اتفاقيات السلام والدول الراعية له وعلى رأسها الولايات المتحدة واوروبا على ازالة كل المظاهر والنصوص القرآنية والدينية التي تحث على اوحتى تذكر التلاميذ في مدارس الدول العربية والاسلامية بالجهاد او بالسمة التاريخية لليهود والمتمثله بنقض العهود والمواثيق وعدم احترام التزاماتهم الدولية وعدم احترام حق الآخر في الحياة الكريمة من المناهج الدراسية ، يسيطر المتزمتين اليهود على النظام التربوي بأكمله مع كل ما يتبع ذلك من حث على كراهية العرب والمسلمين وضرورة ابادتهم وانهاء وجودهم في ارض فلسطين التي هي بالاصل ارضا عربية ، ولا ينتبه العالم لخطورة هذه القضية وتأثيرها على مسيرة السلام المزعومة حيث يبين التقرير في هذا المجال انه تمارس الحركتان القومية-الدينية والمتزمتة سيطرة كبيرة على التعليم الممول من الدولة، وتدير نظماً تعليمية منفصلة ومستقلة لأطفالها. ينقسم التعليم المتزمت إلى ثلاثة أقسام: مدارس "مستقلة" (حينوش أتسامي) تدعمها الدولة ويديرها أغودات إسرائيل؛ مدارس "إيل مايان" (إلى المصدر) التوراتية التي تدعمها الدولة ويديرها حزب شاس؛ وتلك المدارس التي ترفض تمويل الدولة وتعلم باللغة اليديشية في الغالب. إضافة لذلك، تقدم الدولة منحاً دراسية لنحو 100,000 من الطلاب المتزمتين البالغين (أفريخ) من أجل التفرغ للدراسة الدينية، في زيادة بلغت 67 بالمئة على مدى العقد الماضي.

على نحو مماثل، يرتاد أطفال المدرسة القوميون المتدينون (مملختي داتي) مؤسسات منفصلة، على الرغم من أن منهاجهم يتبع إلى حد بعيد منهج النظام العلماني باستثناء مواد التاريخ والكتاب المقدس. كما تدعم الدولة التعليم العالي القومي-الديني. فتحت كلية التوراة القومية-الدينية الأولى، ميركاز هاراف، أبوابها عام 1924 وانبثق عنها منذ ذلك الحين عشرات المؤسسات الشقيقة، مخرّجة مرشدين دينيين عسكريين وحاخامات وقضاة ومعلمين. توفر المرافق التعليمية الدينية موارد وفرص عمل لا يستهان بها، الأمر الذي يخول اليمين الديني نشر وجهات نظره. وعلى الرغم من أن المناهج تختلف باختلاف المعلمين والحاخامات والمدارس، يدّعي زعيم قومي-ديني سابق أن الحاخامات يشغلون مناصب قيادية أكثر في المدارس القومية-الدينية وجماعات الشباب وأن التعاليم الدينية لاكتساب الأرض والتمسك بها تلعب دوراً بارزاً بصورة متزايدة.

‌ج. نظام موازٍ

تحاول الدول العظمى الضغط وبكل امكاناتها الضغط وبإستمرار على الدول العربية والاسلامية لمواجهة حركات المد الاسلامي حتى لو كانت مجرد حركات سلمية تدعو الى الالتزام بالدين الاسلامي الحنيف اضافة الى دفع هذه الدول لتجفيف ما اسموه بمنابع الارهاب الاسلامي على ان مفهوم الارهاب المتعلق بالعرب والمسلمين في قاموس المصطلحات الامريكية يعتبر كل عربي ومسلم بشكل عام وكل من يتردد بكثرة على المساجد او دور تعليم القرآن بشكل خاص ارهابيا مالم تثبت براءته، حيث لا تجرؤ الولايات المتحدة التي تدعي بأنها راعية للسلام والاستقرار في الشرق الاوسط على مجرد ابداء أي نوع من انواع الاعتراض على ترسانة الاسلحة التي يكدسها اليمين الديني الاسرائيلي المتطرف في المستوطنات غير الشرعية اصلا ، حيث يكشف التقرير عن انه "تحتفظ العديد من المستوطنات، الدينية والعلمانية على حد سواء، بترسانتها العسكرية الخاصة وتسيّر فرقها الخاصة شبه العسكرية من المستوطنين المتطوعين المعروفة باسم "كيتوت كونينوت" لتكون بمثابة أول المستجيبين في حالات الطواريء. وإذ أُسست هذه الفرق في منتصف التسعينيات، تزايد عددها بسرعة كبيرة حين تعرّض المستوطنون للهجمات خلال الانتفاضة الثانية. واليوم ينضوي أكثر من 2,000 متطوع، يقال إن كلاً منهم مزود بسلاح آلي وسترة واقية من الرصاص وجهاز إرسال، ضمن 200 فرقة تنشط في المستوطنات والعشوائيات القائمة في الضفة الغربية. يقول سكرتير إحدى المستوطنات القومية-الدينية قرب نابلس: "إن فرقتنا البالغ عديدها 15 رجلاً من المتطوعين هي أفضل تجهيزاً وتدريباً من بعض قوات الجيش. يزودنا الجيش ببنادق M16، ولكننا نعزز ذلك بآلاف الشيكلات من الإضافات، بما فيها أفضل المناظير الموجودة في السوق". قال أحد مسؤولي مجلس يشع إن المجلس ساعد في جمع الأموال – لاسيما من الحكومة والمتبرعين الخارجيين – لتأمين عربات مدرعة من طراز لاند روفر وذخائر والتدريب على الأسلحة من قبل شركات أمنية خاصة. وقد استخدمت مستوطنة يتسهار المتزمتة الواقعة قرب نابلس التبرعات من المنظمات اليهودية في الخارج لشراء عربات مصفحة. وهناك على الأقل شركة أمنية خاصة واحدة ممولة خارجياً تدرب المستوطنين المتدينين أساساً، بمن فيهم بعض المتزمتين، في قواعد عسكرية مهجورة غالباً. وقد تعاقد الجيش مؤخراً مع شركة أمنية خاصة للعمل في بعض المستوطنات شرق الجدار الفاصل. وبينما يصر قادة المستوطنين أن المتطوعين وشركات الأمن الخاصة لن تستخدم أسلحتها ضد القوات المسلحة تحت أي ظرف، يعرب المراقبون العسكريون عن قلقهم بشأن الطريقة التي سيتم بها نشر مليشيات مسلحة منظمة ومدربة جيداً تعمل في خلايا تتمتع بنظام اتصالات مؤمّن.

على الرغم من وجود طيف واسع من الآراء القانونية في أوساطهم، فإن بعض الحاخامات القوميين-المتدينين، في بعض الحالات المتطرفة، لا يتجاوزون سلطة الدولة فحسب، بل يجيزون مقاومتها أيضاً. نورد أدناه بحثاً في هذه النتائج.

ساعدت الإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام في نشر فتاوى الحاخامات وأفكار المنظرين العقائديين. فبالإضافة إلى وسائل الاتصال التقليدية كالمنشورات والعظات في المعابد وكليات التوراة، تستخدم الحركات السياسية الدينية الصحف الحزبية التي يوزع بعضها مجاناً على جانبي خط عام 1967. في أواخر الثمانينيات، قام حزب شاس وجماعات قومية-دينية أخرى بالالتفاف على الضوابط الحكومية الصارمة على البث الإذاعي بإطلاق عدة محطات إذاعية غير مرخصة، بما فيها واحدة قامت بالبث من على سفينة في البحر المتوسط. وحين تُحظر مثل هذه الإذاعات أو تداهمها السلطات، يعمد الناشطون لإرسال رسائل نصية قصيرة على الهواتف الجوالة ورسائل بريد إلكتروني إلى دوائرهم الانتخابية إضافة إلى الجمهور الأوسع.

تبث إذاعة عروتس 7– التي تسمي نفسها "صوت حركة تحرر الصهيونية الدينية" والتي رفضت المحكمة العليا طلبات تقدمت بها للحصول على ترخيص– مباشرة على شبكة الإنترنت بالعبرية والإنكليزية من استوديوهات في مستوطنة بيت إيل. كما تحتفظ بعدة مواقع إخبارية متعددة اللغات، متضمنة ما تزعم أنه ثالث أكبر موقع إخباري بالإنكليزية في إسرائيل حيث يتلقى 10 ملايين زيارة شهرياً. أُنشئت هذه الإذاعة كناطقة باسم الحاخام المتشدد زلمان ميلاميد من مستوطنة بيت إيل، وهي تبث دعوات لمقاومة أوامر الدولة بإخلاء المستوطنات العشوائية.

في سبيل الحفاظ على مؤسساتهم المستقلة، أنشأ المستوطنون القوميون-المتدينون – مثلهم في ذلك مثل مجتمعات دينية أخرى – عدة شبكات لجمع التبرعات تنشط الكثير منها بوصفها جمعيات خيرية مستفيدة من الإعفاءات الضريبية في الخارج. يتولى اتحاد للجمعيات الخيرية في الولايات المتحدة – صندوق إسرائيل الموحدة – تمويل مشاريع في المستوطنات العشوائية. يزعم أحد جامعي التبرعات وناشطي الاستيطان أن رحلاته للولايات المتحدة سهلت جمع 500000 دولار لشراء أرض قرب رام الله لإقامة مستوطنة عشوائية عليها. ويقوم بعض النشطاء القوميين-المتدينين بالترويج لشقق فاخرة في الأراضي المحتلة بين اليهود في الخارج. كما وجه آخرون نشاطهم إلى المانحين المسيحيين الصهاينة.

من العصيان المدني إلى العنف

يشير التقرير في هذا العنوان الى مدى الخطورة التي يشكلها المتطرفون اليهود على الفسطينيين الذين هم بالاصل سكان الارض الاصليين وما يعانونه من ظلم وقهر من هذه المجموعات الارهابية التي تجبرهم قسرا على ترك مساكنهم واراضيهم تحت التهديد بالقتل او التعرض لهم بالاذى المادي والمعنوي، وبدلا من ان يقوم المجتمع الدولي بالوقوف في وجه هؤلاء المتطرفين اليهود فإنه يكيل من الاتهامات للفلسطينيين العزّل من خلال وصمهم بتهم الارهاب والتطرف والاعتداء على السكان اليهود الابرياءوفي هذا يقول التقرير :منذ البداية، تعين على الحركة القومية-الدينية التعامل مع الفلسطينيين المعارضين لمصادرتها الأراضي. بمرور الوقت، وبينما توسع مشروع المستوطنات، غدا التفاعل اليومي أكثر تصادمية واكتسب بعداً دينياً. نظرت الحركة إلى الفلسطينيين على نحو متزايد بوصفهم عقبة تقف في طريق مشروعها. وصف أحد المحللين نظرتها إلى العالم بقوله: "ليست الأرض لهم [الفلسطينيين]. إن أفضل ما يمكن أن يأملوا به هو الحصول على الحقوق الفردية فيما تدعوه التوراة ‘أجنبي مقيم’، الغريب الذي يعترف تماماً بسيادة الدولة اليهودية ويسمح له بالتالي أن يحصل على حقوق الإقامة الفردية".... لاقت مثل هذه الآراء رواجاً في أوساط الحركة القومية-الدينية، لاسيما التيارات الأكثر إيماناً بظهور المسيح المخلّص. وكما ذُكر أعلاه، يُعلِّم الرؤساء البارزون للمعاهد التوراتية العسكرية أن المطالبة بالأرض واجبة شرعاً ويجب السعي إليها بوسائل من بينها استخدام القوة. يدعو بعض كبار حاخامات المستوطنين إلى إبعاد السكان الفلسطينيين عن إسرائيل الكبرى. وقد ذهبت أقلية صغيرة إلى حد تشبيه الفلسطينيين بالعماليق، وهو شعب مذكور في التوراة أمر الرب اليهود باستئصاله.

ويستطرد التقرير : يضفي آخرون شرعية على أعمال عنف محدودة. يتحدث الفلسطينيون المقيمون في قرى محاذية للمستوطنات، أو العشوائية المعزولة منها والتي تفتقر للحماية العسكرية، عن ممارسات تهديدية. تهدف هذه، وفقاً لأحد المستوطنين المقيمين في مستوطنة عشوائية قرب مستوطنة يتسهار إلى "إبقاء العرب بعيداً".وتفيد التقارير أن هذه الأعمال تشمل إضرام النيران في الحقول واقتلاع أشجار الزيتون وسرقة الماشية وإعاقة جمع المحاصيل. يقول أحد شباب قمم التلال الذي يحرس مستوطنة عشوائية صغيرة: "حين يقترب الفلسطينيون كثيراً، نقوم بإبعادهم عن طريق توجيه أسلحتنا إليهم". تكون التوترات شديدة في المناطق الريفية حيث يتنافس ساكنو الخيام من البدو مع المستوطنين على مساحات الأرض المتناقصة. وفقاً لأحد الطلاب الجامعيين البدو المقيم مع عائلته قرب مستوطنة كوشاف هاشاشار بين رام الله ووادي الأردن: "على مدى السنة الماضية اقتلع المستوطنون أوتاد خيامنا وأخذوا أغنامنا وحطموا جراراتنا".يتحدث بعض الأهالي القوميين المتدينين بفخر عن أطفالهم الذين يرشقون الفلسطينيين بالحجارة لإبعادهم.

كذلك يشتبه في إضرام المستوطنين القوميين المتدينين النيران في مسجد أثري قرب بيت لحم عام 2008 وتدنيس قبور للمسلمين ومسجد في الخليل. كما منع مستوطنو الخليل الأئمة المسلمين بالقوة من الوصول إلى المسجد الإبراهيمي لرفع الآذان. كذلك أقام المستوطنون مستوطنة يتسهار حول مزار ديني للمسلمين، ما منع وصول الفلسطينيين إليه..... عمد المستوطنون إلى احتلال أربعة محلات تجارية بالقوة في المدينة القديمة بالخليل، وأغاروا على قرية مجاورة لمستوطنة بات آيين، وفتحوا النار على بلدة صفا وأضرموا النار في أراضيها الزراعية. كما وضعوا يدهم على تلة مجاورة. قال أحد مستوطني بات آيين: "نريد التعويض عن موت الصبي ببناء كنيس على قمة التلة والاستيطان فيها ووصل بات آيين بالمستوطنة المجاورة".

في بعض الحالات، يلجأ النشطاء القوميون المتدينون والمتزمتون للعنف بغية ردع السلطات الإسرائيلية عن اتخاذ خطوات ضد مستوطناتهم. توعد أحد مستوطني يتسهار قائلاً: "مقابل كل محاولة لإجلائنا، سننتزع ثمناً في جميع أنحاء المنطقة".بعد أن هدمت القوات الإسرائيلية منزلاً مقطوراً غير مرخص له في يتسهار في حزيران/يونيو 2008، أطلق أحد الطلاب التوراتيين عدة قذائف هاون مصنعة يدوياً على قرية مجاورة. وبعد أن أبعدت شرطة مكافحة الشغب تسع عائلات متدينة يوم 4 كانون الأول/ديسمبر 2008 من منزل الخلاف في الخليل، شن المستوطنون حملة دعاها رئيس الوزراء أولمرت بـ"المذبحة" ضد الفلسطينيين.

سرعان ما امتد العنف إلى كامل الضفة الغربية، حيث بلغ ذروته في أسوأ هجمات المستوطنين منذ فك الارتباط. في الخليل، عمد ناشطون متدينون ملثمون ومسلحون بالحجارة والهراوات والقضبان الحديدية وأسلحة أخرى إلى إطلاق النار على الفلسطينيين ورجمهم بالحجارة، موقعين 103 إصابات، وأضرموا النار في مسجد وعدد من المنازل والسيارات وأشجار الزيتون، ودنسوا عدة مقابر وأغلقوا الطرق الرئيسية. في مستوطنة سوسيا إلى الجنوب، أُضرمت النيران في خيمة للبدو، وإلى الشمال، أغلق الناشطون القوميون المتدينون والمتزمتون الطرقات ومزقوا إطارات سيارات تابعة للأمم المتحدة وأخرى فلسطينية وأحرقوا سيارتي إسعاف، واقتلعوا أشجار الزيتون وألقوا قنابل المولوتوف على المنازل، موقعين ثماني إصابات. وفي حين تلكأ العديد من قادة الحركة القومية-الدينية عن الإدانة العلنية للعنف الذي يشنه أتباعهم ضد الفلسطينيين، فإن هنالك استثناءات جديرة بالذكر.

وفي تصويره لمدى شراسة التطرف الديني الاسرائيلي بين المستوطنين ذكر التقرير انه في مواجهة السلطات الإسرائيلية، اختار المعارضون المتدينون عموماً المقاومة والعصيان المدني. وحين تتحرك قوات الأمن ضد المستوطنات العشوائية، ينزرع الناشطون الأكثر تشدداً للتمترس في المباني المستهدفة، ويقيمون حواجز طرقية ويحرقون الإطارات أو يحشدون مظاهرات عارمة. في شباط/فبراير 2006، خلال المواجهة الأكبر حتى اليوم، تجمع الآلاف من الناشطين المتدينين بصورة رئيسية لمقاومة تفكيك تسع أبنية غير مرخصة في أمونا، وهي إحدى أقدم وأكبر المستوطنات العشوائية في الضفة الغربية. وعلى الرغم من أن التظاهرات لم توقف عمليات الهدم، فقد اعتبرها العديد من المشاركين نجاحاً. في الصدامات الناجمة، جرح نحو 80 من أفراد الشرطة و120 مستوطناً من بينهم عضوان في الكنيست؛ يزعم بعض الناشطين والمراقبين أن هذا قلل من زخم انسحابات أخرى مخطط لها.

هنالك وسائل أخرى للثأر من السلطات. مستشهدة بقانون تلمودي ضد الخيانة، (دين موسير)، أقصت الجماعات القومية-الدينية اثنين من أفرادها، الجنرال يائير نافيه الذي أشرف على تفكيك أربع مستوطنات في الضفة الغربية، ويوناتان باسي الذي ترأس سلطة فك الارتباط التي ساعدت في نقل مستوطني غزة.

وفي اشارة منه الى الحماية التي يوفرها جيش الاحتلال الاسرائيلي للمتطرفين يقول التقرير "فقد أحجم القوميون المتدينون عن مهاجمة مواطنيهم الإسرائيليين. وهنالك سبب وجيه لهذا. فعلى الرغم من التوترات، يستمر حتى غلاة الصهاينة المتدينين بالتنسيق الوثيق مع الجيش. وإضافة إلى الحماية، يؤمن الجيش مرافقة للحافلات التي تقل الحجاج المتزمتين والقوميين المتدينين إلى مواقع مقدسة داخل البلدات الفلسطينية، بما في ذلك ضريح يوسف في نابلس وضريح يوشع بن نون في قرية كفل حارث شمال سلفيت. كما تولت قوة من الجيش والشرطة قوامها 300 فرد حماية ثلاث حركات للناشطين المتدينين من الكاهانيين المعادين للعرب ومتزمتي طائفة لوبافيتش وأتباع تيار راف كوك الرئيسي على مدى عدة عقود، وذلك في حيهم المعزول في الخليل الذي يضم مغارة الأنبياء/المسجد الإبراهيمي، ثاني أقدس المقامات الدينية بين البحر المتوسط ووادي الأردن بالنسبة لليهود والمسلمين على حد سواء".

ويظهر التقرير مدى الغلو في التطرف عند هؤلاء اليهود من خلال اشارته الى لجوء بعضهم لاستخدام نصوص التوراة وتوظيفها لتخدم اهدافهم المتطرفة حيث يذكر قلة من الحاخامات القوميين المتدينين والعلماء التأكيد على صلاحية قانون المُطارِد (دين روديف) في التلمود، الرخصة التي تخول اليهودي قتل يهودي آخر يتعقبه بقصد قتله، بحيث ينطبق على أي يهودي يتخلى عن أرض إسرائيل لغير اليهود على أساس أن تصرفاً كهذا يُعرّض الحياة اليهودية للخطر. استحضر ييغال عمير هذا التأويل عند اغتياله رئيس الوزراء رابين عام 1995. تنكر مجموعة من الحاخامات القوميين المتدينين، أكبر حجماً ولكن أخفض صوتاً، هذا التأويل. على الرغم من ذلك، جرى الاستشهاد بفتوى هذه الأقلية خلال الجدل الدائر حول فك الارتباط. ويزعم بعض كبار القادة الذين أشرفوا على تفكيك عدد من المستوطنات العشوائية الصغيرة مؤخراً تلقيهم تهديدات بالقتل من طلاب توراتيين.

وعلى الرغم من أن وجود حركة سرية لا يعد سابقة، يتنبأ المراقبون بظهور قوة شبه عسكرية جديدة أفضل تدريباً وأكبر حجماً تُحضّر لعمل جماعي. كان بعض الناشطين في كل من أمونا والخليل مسلحين؛ كما عُثر في هذه الأخيرة على مادة الأسيد وحبات بطاطا تخترقها المسامير. وعلى الرغم من أن الأسلحة لم تستخدم في أي الحالتين ضد الإسرائيليين، فإن عدد الإصابات الناجمة عن الصدامات في تزايد،ويعتقد مسؤولو الأمن أن استخداماً أوسع نطاقاً للأسلحة النارية قد يكون مسألة وقت فحسب.

ذكر ضابط يتولى قيادة قوات الأمن في الضفة الغربية خلال صدامات أمونا أن الناشطين "يتوسعون في منظمات سرية ويظهرون عنفاً بحجم غير مسبوق. إن هذه ظاهرة بالغة الخطورة". كما قال جنرال احتياط يقدم المشورة للحكومة إن المستوطنين يستعدون للمصادمات في حال إزالة المستوطنات العشوائية – لاسيما في عشرات المستوطنات العشوائية قرب نابلس والخليل التي تزمع وزارة الدفاع تفكيكها والتي لديها تاريخ من العنف والتصرف باستقلالية عن سلطة مجلس يشع. كذلك تنبأ ضابط احتياط آخر مشارك في التخطيط لسيناريوهات الإجلاء بتكرار صدامات أمونا في كل مستوطنة عشوائية، أو "أسوأ من ذلك".

وفي حين يواصل بعض الناشطين الانخراط في لعبة القط والفأر التي طبعت علاقات المستوطنين والجيش خلال العقود الأولى من مشروع الاستيطان، فإن الكثيرين في الجانبين ينظرون للمستقبل بوصفه ينطوي على مواجهة عسكرية ويخططون استراتيجياتهم وفقاً لذلك. في أوقات التوتر، يمتنع المسؤولون المدنيون في الإدارة المدنية – التي تنسق نشاطات الجيش في الضفة الغربية وتراقب بناء المستوطنات – عن دخول المستوطنات إلا برفقة قافلة عسكرية.

استجابة الدولة

وفي هذا الجانب يُظهر التقرير مدى زيف الادعاءات الاسرائيلية وزيف الاستعراضات الاعلامية بأن حكومة الاحتلال سوف توقف بناء المستوطنات وانها ستشرع بإزالة المخالفة منها للاتفاقيات الدولية حيث يظهر بشكل واضح تعاون حكومات الاحتلال مع المستوطنين ودعمها المباشر وغير المباشر لهم وقبولها بتسلحهم وهذا يعود في الغالب كما ذكر التقرير الى اسباب ايديولوجية الامر الذي يعني بشكل او بآخر ان اسرائيل تدعم وتشجع التطرف الديني عند المستوطنين. وفي هذا الاطار يذكر التقرير انه على الأقل حتى الساعة، أحجمت الحكومة غالباً عن اتخاذ إجراء قوي ضد التشدد الديني المتنامي في الأراضي المحتلة. وبدلاً من ذلك، فقد تعاملت مع المسألة ضمن السياق الأوسع لسياستها الغامضة إزاء توسع المستوطنات، معالجة بعض التجاوزات العنيفة ولكن مبقية المؤسسات والآليات الداعمة على حالها. غير أن تطبيق القانون اتسم بالتراخي حتى ضمن هذه الحدود الضيقة. باستثناءات قليلة، كانت الخطوات التي اتخذتها وزارة الدفاع ضد عمليات البناء غير القانونية التي يقوم بها المستوطنون في الضفة الغربية غير فعالة، مستهدفة بمعظمها مستوطنات عشوائية مؤقتة أو أبنية خالية من السكان.

تتعدد الأسباب الكامنة وراء التناقض في موقف الدولة. إذ هو ناتج جزئياً عن سجلها الخاص في تشجيع توسع المستوطنات لأسباب أيديولوجية أو إقليمية أو أمنية. تستمر الحكومة في تخصيص تمويل بلدي غير متناسب للمستوطنات والسماح ببعض النمو فيها، لاسيما في الكتل الاستيطانية الكبيرة المحاذية لخطوط عام 1967. كما إن هنالك مخاوف مؤسساتية تكمن وراء ترددها في اتخاذ إجراء قوي ضد التشدد. فبالنسبة لعدد من الإسرائيليين، يعد المستوطنون تجسيداً حديثاً لرواد الحركة الصهيونية مطلع القرن العشرين الذين حددوا شكل الدولة المستقبلية. يستمر العديد من الجنود بالعيش في مستوطنات عشوائية إضافة إلى المستوطنات العادية.

علاوة على ذلك، تبدو وزارة الدفاع غير مستعدة للتصرف في مواجهة الخارجين على القانون: يحذر الضباط العسكريون من احتمال حدوث عواقب مؤذية للانضباط في الجيش ويستشهدون بالنتائج السيئة الناجمة عن حالات المواجهة القليلة. كما لوحظ، ربحت قوات الأمن معركة هدم تسعة مبانٍ عشوائية في أمونا عام 2006، غير أن العنف الذي أثارته بين الأخوة – كان عدد الإصابات أكبر من نظيره في أي مستوطنة أخرى خلال فك الارتباط مع غزة– أشار إلى خطورة مواجهة المعارضة المتدينة. يعتقد مساعدو أولمرت أن العملية كلفته عدة مقاعد في انتخابات عام 2006 التي أُجريت بعد شهرين. كما إن إطلاق الصواريخ من غزة ولبنان في أعقاب الانسحابات الإسرائيلية أضعف قدرة السلطة التنفيذية وتصميمها على إجلاء المستوطنين بصورة أكبر.

أمام المطالبات الخارجية، والأميركية خصوصاً، يُحتمل أن تقوم الحكومة بإجراء ما. فيما عدا بعض الاستثناءات البارزة، أذعنت الحكومة حتى الآن للمحاكم، وحين قضت هذه لصالح الإجلاء، اختارت الحكومة التفاوض مطولاً مع مجلس يشع لإخلاء المستوطنات العشوائية ونقل سكانها إلى المستوطنات القائمة. على سبيل المثال، توصلت الحكومة لاتفاق يقضي بإحداث توسيع كبير في مستوطنة آدم الواقعة شرق الجدار الفاصل لتستوعب مستوطنين يسكنون 50 بيتاً متنقلاً في ميغرون.

يعلل بعض المسؤولين الأمنيين صراحةً ترددهم في اتخاذ إجراء قوي بخشيتهم من تأثيره المحتمل على الجيش. وفقاً لكلمات أحد ضباط الجيش: "كلما كانت المشاركة العسكرية في النشاطات السياسية أقل كلما كان ذلك أفضل بالنسبة للجيش الإسرائيلي والمجتمع عموماً. لقد تسبب فك الارتباط بمشاكل جمة للعلاقة بين الجيش والمجتمع". وعلى الرغم من زعم جيش الدفاع الإسرائيلي أنه ينسق مع القسم اليهودي في وكالة الاستخبارات الداخلية، شين بيت، للتوثق من وجود نشاط متشدد لدى المجندين فإن النسبة العالية من القوميين المتدينين في ما لا يزال يُعدُّ جيشاً وطنياً تعني أن المواجهة قد تقسم الصفوف.

بصورة عامة، فضل القادة تحديد مشاركة الجيش في عمليات إخلاء المستوطنات لتغدو مهمته متمثلة بضرب طوق أمني،بينما توكَل مسؤولية إزالة الأبنية غير المشروعة وإجلاء المستوطنين إلى الشرطة وشين بيت، (مع أن هذه الوكالات تواجه قضايا مماثلة متعلقة بأفرادها وتعاني من إمكانيات محدودة). يتحدث مسؤولون أمنيون سابقون ومحللون عن عقبات كبيرة تواجه الرصد الفعال، بما فيها المضايقات التي يتعرض لها العاملون في المستوطنات. ويقول مسؤولو الأمن إن الاختراق الحاصل يعرض العمليات للخطر. "من الصعب للغاية إخفاء سر عن المستوطنين. إذ أياً كان ما تخططه فسيعلمون به أولاً".

مع وصول نتنياهو إلى رئاسة الوزراء، أعرب المستوطنون عن تفاؤلهم بوضع حد لهذه الإجراءات. وكما يظهر، فإن العديد من أعضاء حكومته هم أقرب فكرياً إلى المستوطنين ومنظورهم. تستمد الجماعات القومية-الدينية الثقة ليس فقط من عودة أحد أحزابها للحكومة ولكن نتيجة تعيين وزراء كان لها معهم تاريخ طويل من التعاون أيضاً. كذلك تعد الأحزاب المتزمتة من قبيل شاس حلفاء محتملين. قبيل بدء إدارة أوباما الدفع بقوة في سبيل تجميد شامل للمستوطنات، أعرب أحد الوزراء القوميين المتدينين عن ثقته بالقول: "إن هذه حكومة ستحبذ توسيع المستوطنات".

ويضيف التقرير انه حتى الآن، "سعى نتنياهو للموازنة بين المطالب المتضاربة لائتلافه اليميني وإدارة أوباما. في خطابه الذي ألقاه بتاريخ 14 حزيران/يونيو في جامعة بار إيلان والذي أعلن فيه قبوله مفهوم حل الدولتين، امتدح المستوطنين بوصفهم رواداً، وتعهد باستمرار الدعم للنمو الطبيعي، وعلى نحو لافت، لم يأت على ذكر المستوطنات العشوائية. جدد مسؤولو الدفاع التأكيد على استعدادهم لإزالة المستوطنات العشوائية الـ22 الباقية التي يقولون إنها شيدت بعد عام 2001، غير أن العمل ما زال معلقاً، كما لجأت قوات الأمن إلى التدابير الرمزية بمعظمها والمتمثلة بتفكيك الأكواخ المؤقتة. كذلك تفيد التقارير أن وزارة الدفاع رخصت بناء مئات الوحدات السكنية في مستوطنة جيفات هابريشا العشوائية الواقعة شرق الجدار الفاصل بالقرب من رام الله. واستمرت عمليات البناء في أماكن أخرى بخطى حثيثة. أعرب المسؤولون الإسرائيليون عن دهشتهم حيال فشل تنازل نتنياهو (أي موافقته على حل الدولتين)، والذي لقي ترحيباً في واشنطن، في تخفيف الضغط على جبهة المستوطنات إضافة إلى نفي الإدارة وجود اتفاق ضمني بين فريق بوش ونظيره الإسرائيلي.

إن الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية منخرطتان في مناقشات مكثفة حول تعريف تجميد محتمل للاستيطان أو وقفه. حافظت إدارة أوباما بثبات على معارضتها لبناء أي مستوطنات، بما في ذلك النمو الطبيعي،وعلى الرغم من أن شكل الاتفاق ما يزال مجهولاً، يتوقع أن تتخذ إسرائيل خطوات مهمة (وإن كان من المؤكد تقريباً أنها ستكون أقل من التجميد الشامل للاستيطان الذي تجري المطالبة به). وقد أعرب عدد من وزراء الحكومة عن قلقهم".

خلاصة

ويحذر التقرير في خلاصته من الاستخاف بتأثير المستوطنين المتطرفين ويضع مجموعة من النصائح حول كيفية التعامل معهم حيال قضية المستوطنات والتي كان اهمها ضرورة ان تبدي الادارة الامريكية مزيدا من الحزم تجاه بناء المستوطنات وتوسيعها على حساب الارض الفلسطينية وعملية السلام بشكل عام حيث يشير الى انه "سيكون من الخطأ تضخيم قدرة الناشطين الأكثر تطرفاً على إعاقة التقدم نحو السلام إن حافظت إدارة أوباما خاصة على نهجها القوي. على الرغم من التهديدات بالتخلي عن نتنياهو في حال خضوعه للمطالب الأميركية، فإن قلة من الساسة المتدينين يؤمنون بقدرتهم على تأمين وضع أكثر ملاءمة من هذا القائم اليوم.... غير أن الاستخفاف بتأثيرهم أو تجاهله سيكون رؤية قصيرة النظر بدرجة مماثلة. وإذ يتحصنون في العديد من المستوطنات الواقعة في الضفة الغربية، فإنهم يستفيدون من الاتجاهات الديمغرافية، حيث يعتمد كل من الجيش الإسرائيلي على قوتهم البشرية، والسياسيون على أصواتهم الانتخابية بصورة متزايدة. علاوة على ذلك، ستكون عملية إخلاء الضفة الغربية مهمة شديدة الاختلاف في حجمها عن سابقة غزة فيما يتعلق بدرجتها وتوازن القوى فيها. على العكس مما حدث خلال فك الارتباط مع غزة، فإن الناشطين القوميين المتدينين مقتنعون أن اليهود المتزمتين سيؤازرون قضيتهم، أقله للدفاع عن ممتلكاتهم في الضفة الغربية. وبالفعل، تتعامل الحركات الدينية المتشددة منذ الآن مع كل خطوة تخالف مصالحها بوصفها اختباراً للقوة. وعلى النحو الذي أعدت له الجماعات القومية-الدينية، فإن الصراع للسيطرة على منزل واحد في الخليل كشف عن حجم المهمة القادمة. باختصار، يبدو أن القوميين المتدينين تبنوا استراتيجية لمواصلة نزعة الاستيطان، مشاركين في المؤسسة الحاكمة ومناهضين لها في آن معاً – مضاعفين تأثيرهم عن طريق تأمين مصالحهم بينما يتحدّون الجهود الرامية لكبح نموهم.

هنالك حاجة للمزيد من العمل على الوسائل السلمية لإزالة العقبة التي يمثلها الاستيطان بالنسبة لحل الدولتين. إن ترسيم الحدود رسمياً بموجب اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بدلاً من مسعى تجميد الاستيطان البعيد المنال حتى الآن، من شأنه دفع العملية قدماً وإيضاح أي من المستوطنين يمكنهم البقاء في مكانهم وأيهم يتعين عليهم المغادرة، وبالتالي تسوية مسألة المواقع التي يمكن فيها استمرار الاستيطان. كما يمكن لاتفاق تعويض عن الإخلاء المبكر أن يقنع بعض المستوطنين بالمغادرة طواعية، الأمر الذي من شأنه تحجيم المشكلة بحيث تقتصر على فئة أصغر. أما بالنسبة لأولئك الذين يقدرون تمسكهم بأرضهم أكثر من تمسكهم بالدولة، فيمكن بذل جهود لدراسة كيفية وظروف وجودهم في ظل حكم فلسطيني، والدرجة التي قد يتقبلهم بها الفلسطينيون.

وبالمثل، فإن من شأن عرض واضح تتقدم به القيادة الفلسطينية لضمان وحماية حرية وصول اليهود إلى أماكنهم المقدسة تحت سلطتها أن يبعث إلى القطاعات الدينية بإشارة إيجابية عن رؤيتها لعلاقات ما بعد الصراع. أخيراً، يمكن للأطراف الأجنبية – بما فيها الولايات المتحدة – أن تمد يدها للأحزاب الدينية – أبرزها شاس وأغودات إسرائيل – لجعلهم يشعرون أنهم جزء من العملية الدبلوماسية بدلاً من كونهم مجرد دخلاء".

ويختم التقرير خلاصته بالقول : "يبقى هناك عنصر الأمن بطبيعة الحال. يتعين على الحكومة إنفاذ قوانينها على نحو أكثر اتساقاً، سواء كانت متعلقة ببناء المستوطنات والعشوائيات في الضفة الغربية أو أعمال العنف والتحريض ضد الفلسطينيين. كما أن عليها اتخاذ خطوات ضد مجاميع المستوطنين المسلحين الذين تولوا مسؤولية تطبيق القانون. وينبغي أن يكون هنالك تنظيم أكثر صرامة لمناهج المعاهد التوراتية العسكرية إضافة إلى محتوى الأدبيات التي تدخل قواعد الجيش. أخيراً، يتعين على قوات الأمن السعي لضمان إرسال الأفراد المقيمين في المستوطنات (كالأفراد داخل إسرائيل) لأداء الواجب العسكري بعيداً عن منازلهم بغية تقليص احتمالات تعارض الولاءات".

وفي واقع الامر ان قراءة هذا التقرير تفيد كثيرا من المعاني والدلالات التي ينبغي العمل عليها عبر عدد من المسارات المتوازية واولها ان دولة الاحتلال الاسرائيلي هي وبلا شك دولة راعية وداعمة بكل امكاناتها للتطرف الديني اليهودي سواء كان هذا التطرف لدى المستوطنين او حتى لدى جيشها الذي اثبتت الحرب الاخيرة على غزة مدى وحشيته وعدم احترامه للاخلاق او المواثيق الدولية او انسانية الانسان حيث كانت الصوارخ لا تفرق بين مدني وحامل سلاح اضافة الى استخدامه الاسلحة المحرّمة دوليا ضد شعب اعزل من السلاح. وان دولة الاحتلال هي مَنْ يرعى ويدعم بناء وتوسيع المستوطنات وهذا في الواقع يكشف نوايا دولة الاحتلال حول عدم احترامها للسلام المزعوم الذي تتباكى عليه امام المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، اذ انه يتوجب على كل من يريد السلام مع الاخرين ان يظهر بوادر حسن نوايا تؤدي الى تكوين اطار من الثقة لدى الاخرين به وهذا مالم ولا يتوقع ان تفعله اسرائيل في ظل الحقائق المخزية على الارض في اطار تعاملها مع القضايا العربية.

ان الوهن الذي اصاب العمل العربي الجاد المشترك واستبداله بالعمل الفردي او الاحادي يعتبر من اهم اسباب استهانة اسرائيل ومعها القوى الكبرى بالحقوق والمطالب العربية وعليه ، ينبغي على المجموعة العربية العمل بروح الفريق الواحد في مواجهة السياسة الامريكية والغربية المتراخية تجاه التطرف الديني الصارخ لدى المستوطنين المتزمتين لاتخاذ مزيد من المواقف الحازمة تجاههم اذ تظهر التجارب انه ما زالت الولايات المحتدة ومعها المجتمع الدولي تتلاعب بالالفاظ والكلمات ولا تفعل شيئا يذكر على ارض الواقع كلما تعلق الامر بدولة الاحتلال او بمتطرفيها في حين تثور ثائرة الساسة والاعلاميين الغربيين لمجرد وجود شبهة تتعلق بالعالم العربي او الاسلامي. اضافة الى ضرورة اتخاذ موقف حازم تجاه ازدواجية المعايير الذي يتعامل الغرب بها في اطار مجمل القضايا العربية والاسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية حيث انها تستخدم اشد العبارات والتهم التي تصف العرب بالارهابيين في حالة مقتل عسكري اسرائيلي في حين تطالب فقط الاطراف كافة بضبط النفس عند وقوع مجزرة ضد الشعب الفلسطيني الاعزل بطلها جندي او مستوطن اسرائيلي متطرف، ومالم يتحرك العرب بصورة جماعية وجادة نحو الدفاع عن قضيتهم المركزية فلا اعتقد ان الاخرين سيكونوا اكثر اهتماما بإسترجاع حقوقنا واراضينا المغتصبة وسيقى المتطرفون اليهود وحكوماتهم يجرون مزيدا من التزييف والتغيير في الواقع وعلى الارض حتى تصبح فلسطين كل فلسطين شيئا من الماضي وربما وفقا للمنطق الامريكي والصهيوني قد تنتهي مدة المطالبة بها بالتقادم!

على ان النقطة الاكثر اهمية في هذ الاطار تتمثل بضرورة محافظة العرب في مواجهة هذا التطرف والاستهتار الصهيوني والغربي بحقوق العرب والمسلمين على اوراق اللعبة التي يملكونها حيث ان إنعدام الرؤية وغياب الموقف الموحد ادخل العرب في اشكالية التجاذب بين مفهوم الواقعية السياسية وهو امر ضروري في السياسة والانبطاح الكامل وتسليم اوراق اللعبة للغير؛ فالعرب في السياق الواقعي الذي يشير الى عدم مقدرتهم لعدة اعتبارات على الدخول في مرحلة الحسم العسكري للصراع العربي الاسرائيلي على الاقل في هذه المرحلة ربما من المنطقي بحكم الواقعية السياسية ان يكون السلام المنتج بحدوده الدنيا خيارهم الاستراتيجي، ولما كان المنطق التفاوضي في السياسة يؤكد انك لن تستطيع الحصول على الحد الادنى المعقول من مطالبك او من مخرجات العملية التفاوضية اذا تنازلت عن اوراق اللعبة التي تملكها بإعتبارها ضمانة اكيدة لتحسن من موقفك التفاوضي، ولما كان القانون الدولي والاعراف الدولية يعترفان ويقران بحق او شرعية مقاومة الاحتلال فإن المقاومة العربية اياً كانت توجهاتها وعقيدتها السياسية والعسكرية تعتبر احد الاوراق الاساسية في المفاوضات بالنسبة للدول العربية وفي مواجهة التطرف الصهيوني وحتى تحصل هذه الدول على مكاسب في المفاوضات مع الاحتلال الاسرائيلي او حتى مع القوى التي تسمي نفسها بالراعية للسلام فيجب عليها ان تدعم المقاومة وتساندها بكل الاشكال المادية والمعنوية او على الاقل ان لا تسهم او تكون طرفا في تصفية هذه المقاومة، خاصة واننا امام دولة احتلال تدعم وترعى التطرف والارهاب لدى جيشها وشعبها ثم تتباكى امام الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي بأنها ضحية للتطرف العربي والاسلامي.

بيد ان منهجية العمل التي يجب ان تتخذ في اطار مواجهة اسرائيل من جانب واقناع الدول الكبرى والمجتمع الدولي من جانب اخر بعدم جدية اسرائيل وتحايلها الذي يبدو انه سيستمر حيال ما يسمى بعملية السلام هي ان اسرائيل دولة دينية بإمتياز خاصة وانها ترعى التطرف الديني لليهود ولا تفعل شيئا ضد المتطرفين في الجيش والمستوطنات بل ان المتطرفين كانوا ولا يزالوا يسيطرون على كثير من اجهزتها التشريعية والتنفيذية وحتى العسكرية في مقابل ذلك يحظر على العرب والمسلمين ان تكون لاي دولة من دولهم مجرد ميول دينية او حتى التعامل وفق المنظور الديني وفق أي قضية من قضاياهم بحجة ان ذلك قد يندرج تحت تصنيف الاعمال الارهابية حتى ان البث الفضائي لبعض القنوات العربية وفقا للمنظور الامريكي والغربي بات يندرج تحت مسمى الاعمال الارهابية!!!.

على ان الرسالة التي ينبغى ان تعيها دوائر صنع القرار في المجتمع الدولي والدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة هي انه على ما يبدو انه لا يوجد في الافق ما يوحي بأنه سيكون هناك استقرار في منطقة الشرق الاوسط مالم يتم ايجال حلول عادلة ومنصفة لقضايا المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية من خلال انهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية المحتلة واقامة الدولة المستقلة للشعب الفلسطيني على ترابه الوطني، والتعامل مع التطرف الاسرائيلي بنفس معايير التعامل مع العرب، وبغير ذلك لا ارى ما يبشر بانتهاء اشكال مقاومة الاحتلال الاسرائيلي وكذلك مقاومة كل اشكال تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للدول وفي اولويتها الاحتلال والوجود غير العادل للولايات المتحدة وحلفائها على الاراضي العربية والاسلامية، والذي ما زالت الولايات المتحدة رغم صورتها السيئة لدى شعوب العالم العربي والاسلامي تسمح لنفسها بتسميته ارهابا فيما تسمي الارهاب الاسرائيلي دفاعا عن النفس!!