الساعة

مشروع قانون السلطة القضائية ينطوي على مخالفات دستورية ومخالفات للنظريات القانونية

26/02/2012

مركز الرأي للدراسات

اعداد : المحامي فاروق الكيلاني

شباط 2012

تم في الاونة الاخيرة اعداد مشروع لقانون السلطة القضائية واعادة صياغة هذا المشروع سواء من حيث السياسة التشريعية او الفلسفية التي يجب ان تقوم عليها النصوص لضمان عدالتها وضبطها هو امر على قدر كبير من الاهمية من اجل مواجهة النظريات التي جدت في عالم التشريع حتى تكون النصوص الجديدة متفقة مع متطلبات العلاقات القانونية التي تحكم سير القضاء وحتى تنسجم هذه العلاقات مع النصوص الدستورية التي تصون حق التقاضي واستقلال القضاء.

ولكن النصوص التي ادخلت على مشروع هذا القانون كانت على العكس من ذلك لم تواجه النظريات الحديثة في التشريع ولم تتلائم مع التغييرات التي طرأت على مبادئ استقلال القضاء وكانت مخالفة للمبادئ الدستورية كما يتبين ذلك فيما يلي:

أولاً: الدخول على عالم النقض

القضاء الاردني يجب ان يدخل عالم النقض.

فتسمية اعلى محكمة باسم (محكمة التمييز) هي تسمية موروثة من العهد العثماني وهي تسمية خاطئة لانها تعني المحكمة التي تفصل في الطعون التي ترفع لها لان التمييز هو (الفصل) قال تعالى (وامتازوا اليوم ايها المجرمون) اي انفصلوا وانعزلوا.
وهذه التسمية لا تعبر عن المهام التي تقوم بها هذه المحكمة فهذه المحكمة لا تفصل بالطعون التي ترفع لها وانما تنظر بها فاما ان تقبلها فتنقض الحكم او ترفضها فترد الطعن.
فاذا رأت ان تؤيد الحكم المطعون فيه فان الحكم النهائي في الدعوى ليس هو حكم هذه المحكمة وانما هو حكم محكمة الاستنئناف واذا رأت الغاء الحكم فانها لا تفصل في الموضوع وانما تحيل الدعوى الى المحكمة التي اصدرت الحكم.
فوظيفة هذه المحكمة الاساسية هي نقض الطعون لا فصلها.
واذن فان تسمية هذه المحكمة باسم (محكمة التمييز) هي تسمية خاطئة لانها لا تعبر عن المعنى الصحيح لوظيفة هذه المحكمة ولذلك تسمى هذه المحكمة في معظم التشريعات الحديثة باسم (محكمة النقض) وهذه التسمية أوفى وأدق من الناحية القانونية من اسم (محكمة التمييز) طالما ان وظيفة هذه المحكمة الاساسية ليست (فصل) الاحكام وانما (نقضها).
ولذلك كان يجب ان يشمل مشروع القانون تغيير اسم المحكمة الى محكمة النقض بدلا من محكمة التمييز .

ثانياً: عدم سيطرة القضاء على سير الخصومة

من اهم المبادئ التي يقوم عليها قانون السلطة القضائية هي سيطرة القضاء على سير الخصومة.

ففي التشريعات القديمة كانت النظريات السائدة ان القضاء لا يجوز له ان يتدخل في سير الخصومة وكان الخصوم هم الذين يسيرون الخصومة امام المحاكم كما يشاؤون.
وقد نشأ عن هذا التفكير بطء القضاء وكثرة المماطلات لان الخصوم لا يرغبون عادة بفصل الدعوى بوقت قصير والمحكمة لا تستطيع ان تتدخل لارغام الخصوم على السرعة سواء في تقديم بيناتهم او دفوعهم وطلباتهم لان القانون لا يجيز لها هذا التدخل مما اعطى انطباعاً سيئا عن عدم جدية النظام القضائي الذي يقبل ان تنام القضايا سنوات طويلة امام المحاكم بمحض رغبة الخصوم.
ان التعديلات التي تمت على قانون السلطة القضائية لم تتضمن اي نص يكفل سيطرة القضاء على سير الخصومة.


ثالثاً: عدم النص على وحدة القضاء.

ان تنظيم المحاكم في الاردن لا تحكمه اية نظرية فولاية القضاء العادي تتوزع حسب المنازعات الى مدنية وجزائية وتنظر في كل نوع منها محاكم مختلفة مشتقة جميعاً عن القضاء العادي وقد انشئت بموجب تشريعات عديدة بحيث تتبع كل محكمة منها وزارة او دائرة مختلفة فكان هناك محكمة (التسوية) تتبع دائرة الاراضي ومحكمة (الاجور) تتبع وزارة العمل و محكمة (املاك الدولة) تتبع دائرة الاراضي ومحكمة (الجمارك) وتتبع وزارة الجمارك ومحكمة (صيانة اموال الدولة) وتتبع وزارة المالية ومحكمة (منع بيع العقار للعدو) ومحاكم (الحكام الاداريين) تتبع وزارة الداخلية ومحكمة امن الدولة وتتبع القيادة العامة.
ان نشوء المحاكم التي تخرج عن ولاية القضاء العادي له خطورة كبيرة لانه يؤدي الى الخروج على مبدأ وحدة القضاء.

ان هذا المبدأ يعني ان كافة المحاكم في الدولة يجب ان تخضع لمحكمة عليا واحدة تشرف على تطبيق القانون وتفسيره واعطاء قوة الالزام وهي محكمة التمييز او النقض.
فاذا وجدت في الدولة محاكم لا تخضع احكامها لاشراف المحكمة العليا فقد القضاء وحدته واختل ميزان العدالة واختل مبدأ المساواة اذ يترتب على ذلك ان تصدر تفسيرات مختلفة للنصوص القانونية الواحدة من هذه المحاكم فتتضارب الاحكام والتفسيرات ولا يجد من يوحدها ويبين ايها الاصح.
وينطبق ها المبدأ على المحاكم الشرعية والطائفية اذ لا تخضع الاحكام الصادرة عن محكمة الاستئناف الشرعية او محاكم الاستئناف الطائفية للطعن بها امام محكمة التمييز مما يحرم المتقاضين من فرصة تصحيح الاخطاء التي قد تقع في احكام هذه المحاكم.
ومشروع قانون السلطة القضائية لم يلتفت لهذه العيوب في تنظيم المحاكم الاردنية ولم يضع اي نص يكفل مبدأ وحدة القضاء واخضاع كافة المحاكم في الدولة لمحكمة عليا واحده.

رابعاً: تشكيل محاكم الصلح

تنص المادة (8) من المشروع على ما يلي (تشكل محاكم تسمى محاكم صلح في المحافظات او الالوية او الاقضية او اي مكان آخر بمقتضى نظام يحدد فيه الاختصاص المكاني لكل منها وتمارس الصلاحية المخولة لها بمقتضى قانون محاكم الصلح او اي قانون او نظام معمول به).
وهذا النص معيب من حسب صياغته القانونية واللغوية.

فمن حيث الصياغة القانونية فان عبارة (تشكل) تعني (احداث) او (ايجاد) اي خلق محاكم جديدة تسمى محاكم صلح لم تكن موجودة عضويا ووظيفياً مع ان هذه المحاكم موجودة في الاردن منذ اكثر من خمسين سنة منذ صدور قانون تشكيلات المحاكم لسنة (1946) فكيف يجوز تشكيل محاكم موجودة ومنشأة وتمارس اعمالها.
ومن حيث الصياغة اللغوية فان حرف (او) يستعمل في اللغة للاختيار.

وليس للجمع فيقال (كل السمك او اشرب اللبن اي لا تجمع بينهما) فحرف (او) في اللغة لا يستعمل للجمع وتعبير المشروع في المادة (8) على ان محاكم الصلح تشكل في المحافظات او الالوية او الاقضية او اي مكان آخر يعني انها تشكل اما في المحافظات واما في الالويه واما في الاقضية ولا يجوز انشاء هذه المحاكم في المحافظات والالوية والاقضية واي مكان آخر معا.

اي ان الصياغة التي وردت في المشروع جاءت بصيغة التخيير وليس بصيغة الجمع فاذا تم انشاء محكمة صلح في المحافظات فلا يجوز في الاقضية ولا في الالوية.
فهذا هو المعنى الوارد في المادة (8) من المشروع الذي استعمل حرف (او) لان هذا الحرف يعني الاختيار بين عدة خيارات دون الجمع بينها.
وهذا النص مخالف للمادة (100) من الدستور فهو نص غير دستوري لان المادة (100) تنص على ان تعيين انواع المحاكم ودرجاتها واقسامها واختصاصاتها يجب ان يتم بقانون خاص وليس بنظام لذلك كان نص المادة (8) من المشروع مخالف للمادة (100) من الدستور.

خامساً: الولاية العامة لمحكمة البداية.

تنص المادة (9) من المشروع على ما يلي (تشكل محاكم تسمى محاكم البداية في المحافظات او الالوية او اي مكان آخر بمقتضى نظام يحدد فيه الاختصاص المكاني لكل منها وتؤلف كل محكمة من رئيس وعدد من الاعطاء ويكون لها بصفتها الابتدائية صلاحية القضاء في جميع الدعاوى الحقوقية و الجزائية التي لم تنظم صلاحية القضاء فيها لاي محكمة اخرى وهذا النص منتقد لما يلي:

1- صياغة المادة (9) باستعمال حرف او بمعنى التخيير وليس حرف وبمعنى الجمع.
2- مخالفة المادة (100) من الدستور التي تنص على ان تعيين انواع المحاكم ودرجاتها واقسامها واختصاصاتها المحاكم يجب ان يتم بقانون خاص وليس بنظام.
3- ولان هذا النص جعل محكمة البداية محكمة محدودة الاختصاص لاتختص الا بما يخرج عن اختصاص محكمة الصلح .

مع ان محكمة البداية هي محكمة ذات ولاية عامة تختص بجميع المنازعات التي لم يعين لها القانون مرجعا آخر وليس فقط ما يخرج عن اختصاص محاكم الصلح.
ولذلك كان يجب ان يكون النص بالشكل التالي (تختص محكمة البداية بنظر كافة المنازعات المدنية باستثناء المنازعات التي تختص بها محكمة الصلح بموجب قانونها).

سادساً: انشاء المجلس القضائي.

تنص المادة (18) من المشروع على ان ينشأ مجلس قضائي يتولى وحده جميع الشؤون المتعلقة بالقضاء المشمولين باحكام اهذا القانون.
ان عبارة (ينشأ) تعني (احداث) اي خلق جهاز جديد عضويا ووظيفياً لان الانشاء هو الخلق ابتداء ولا يقال عن جهاز موجود وقائم منذ سنوات بانه انشئ.
والمجلس القضائي هو جهاز موجود منذ نشأة القضاء الاردني.
جاء في مختار الصحاح الصفحة (659) ما يلي (الانشاء لغة هو الخلق فيقال انشأ الله الشيء اي خلقه والانشاء الفعلي ابتداء)
وجاء في المعجم الوسيط الجزء الثاني للدكتور ابراهيم انيس ورفقاه الصفحة (920) (انشأ الشيء اوجده وفي التنزيل العزيز (هو الذي انشأكم من نفس واحدة ) (وانشأ الشاعر قصيدة او الكاتب مقالة اي ألفها).
واذن ان الانشاء يعني الخلق الجديد وطالما كان المجلس القضائي موجوداً في الاردن منذ اكثر من خمسين عاماً فان مشروع قانون السلطة القضائية يكون قد اخطأ في النص على انشاء مجلس قضائي كان موجوداً منذ القديم. والصواب ان يكون النص بالصيغة التالية (يتولى المجلس القضائي وحده جميع الشؤون المتعلقة بالقضاه).

سابعاً: نائب رئيس محكمة التمييز

تنص المادة (19/ج) من المشروع على ما يلي يكتسب اي قاض اكمل اربع سنوات خدمة قضائية متصلة في الدرجة العليا لقب نائب رئيس محكمة التمييز مهما كانت الوظيفة التي يشغلها.
وهذا النص يعني ان جميع قضاة الدرجة العليا الذين يزيد عددهم عن ثلاثين قاض عند اكمالهم اربع سنوات خدمة قضائية متصلة يصبحون (نواباً) لرئيس محكمة التمييز وينطبق ذلك على رئيس محكمة استئناف عمان ورئيس استئناف اربد ورئيس استئناف معان اذ يصبحون نواباً لرئيس محكمة التمييز وهم لا يعملون في محكمة التمييز .
والحقيقة ان وظيفة نائب رئيس محكمة التمييز يجب ان تقتصر على من يعينه المجلس القضائي في هذا المنصب ويكون اقدم الاعضاء في المحكمة. وليس كل من امضى اربع سنوات في الدرجة العليا مهما كانت الوظيفة التي يشغلها اذ لا ضرورة لا قانونية ولا منطقية لوجود اكثر من ثلاثين نائبا لرئيس محكمة التمييز، ثم ان هذه الوظيفة ليست وظيفة فخرية وانما وظيفة مهنية لها اختصاصات يحددها القانون فيجب ان تقتصر على من يتولاها بحكم القانون.

ثامناً: اغلاق ابواب محكمة التمييز في الجنح.

تنص المادة (16/1) من المشروع على ان تنظر محكمة التمييز بصفتها الجزائية في المواجهة الى الاحكام والقرارات المقدمة اليها الصادرة من محكمة الاستئناف في الدعاوى الجزائية.
ان اغلاق ابواب محكمة التمييز في الطعون في الاحكام الصادرة بالجنح لا يستهدف تحقيق العدالة وانما يستهدف تخفيف الاعباء على محكمة التمييز.
وهذا النص يمس العدالة.

1- لان قصر الطعن بالتمييز على الجنايات فقط دون الجنح يجعل محكمة التمييز محكمة خاصة بقضايا معينة ويفقدها رسالتها في الاشراف على كافة المحاكم من حيث تطبيقها للقانون لانها تعتبر محكمة قانون وليست محكمة موضوع ولان الطعن في قرارات محكمة الاستئناف مهما كان نوعها يكشف الاخطاء التي يتوجب تصحيحها تحقيقاً لاعلاء حكم القانون وبسط ظلال العدالة في المجتمع.
كما ان عدم جواز الطعن بالتمييز في الجنح من شأنه ان يخل بحقوق مرتكبي هذه الجرائم وعدم تمكنهم من تمييز قضاياهم ونيل العدالة وخاصة ان الاحكام في الجنح كثيراً ما تشتمل على اخطاء فادحة فاذا لم يتم تصحيحها من محكمة التمييز فانها تصبح قطعية.

2- ان التطور الان يؤدي الى بسط سيطرة محكمة التمييز على كافة الاحكام مهما كان موضوعها لانها تعتبر محكمة قانون لا محكمة موضوع. تستهدف كشف الاخطاء والرقابة على القضاة الذين اصدروا الاحكام فهي ليست درجة ثالثة من درجات التقاضي فاختصاصها ينحصر في الرقابة القانونية على الحكم المطعون فيه لذلك لا تبحث في الوقائع ولا تفرض رقابتها على تحصيل محكمة الموضوع لفهم الواقع او تقدير الادلة وهذه الرسالة الخطيرة للمحكمة يجب ادائها مهما كان موضوع النزاع.

3- ان محكمة التمييز هي الضمان الاساسي لمبدأ وحدة القضاء.
فهي تقوم بتطبيق القاعده القانونية على كافة الحالات المماثلة حتى تكفل مبداً وحدة القضاء بحيث تمنع التضارب بين الاحكام المختلفة التي تصدر عن المحاكم والتي تفسر النص القانوني تفسيرات متباينة فهي توحد التفسير والاجتهاد وتعطي النص القانوني صفة الالزام فاذا انحسرت سلطتها عن القضايا الجنحوية اختل مبدأ (وحدة القضاء).
فالاحكام بحاجة دائما الى مراجعة من قبل محكمة اعلى وتعمل الحكم الصحيح للقانون طالما ان القضاة من البشر معرضين للخطأ والتأثير وحتى لا يصدر القضاء الا بعد مراجعة وتدقيق وحتى لا تكون الاحكام محلا للنقد.
والقول بان تمييز كافة الاحكام يؤدي الى اطالة امد المحاكمة غير صحيح لان بطء الاجراءات لا يرجع الى تعدد اجراءات التقاضي وانما سببه القوانين التي تحكم اجراءات المحاكمة وعنت الخصوم وقصور الاجهزة المعاونة للقضاء في تبليغ الشهود و تنفيذ قرارات المحكمة الاعدادية مما يدفع لتأجيل المحاكمة جلسة بعد اخرى حتى تستكمل الدعوى اجراءاتها والدعوى امام محكمة التمييز لا تحتاج الى اجراءات فمحكمة التمييز تنظر الدعوى تدقيقا ورسالتها واضحة وهي اعطاء الحكم الصحيح للقانون.

4- ولان القضاة في محاكم الاستئناف كثيرا ما يخطئون فاذا لم يتم الطعن في احكامها فان الاخطاء تصبح مبادئ مستقرة وهو امر يعيب النظام القضائي باسره.
ولذلك كان النص بعدم الطعن بالتمييز ضد الاحكام بالجنح هو الغاء للقيم الاساسية للعدالة والضمانات الضرورية للتقاضي.
وجعل الجهاز القضائي جهازا غير قادر على حسم القضايا وفصل المنازعات
وحراسة الحقوق والحريات وبذلك تختل موازين التقييم والتقدير حتى تلك التي يفترض ان تتقيد بها عملية صياغة القوانين القضائية.

5- لان عدم الطعن بالجنح امام محكمة التمييز يشكل (مصادرة لحق التقاضي) لانه يضع عقبة امام اللجوء للقضاء والطعن في الاحكام طلباً للانتصاف ومصادرة حق التقاضي امر محظور بنص المادة (101) من الدستور التي وردت كما يلي (المحاكم مفتوحة للجميع).
ان الالتزام الملقي على عاتق الدولة بموجب المادة (101) من الدستور يتطلب تمكين كل متقاض من النفاذ الى القضاء نفاذاً ميسراً ومن الطعن في الاحكام دون اية عوائق اجرائية بحيث لا يجوز اغلاق ابواب المحاكم او الطعن في الاحكام ونيل العدالة في وجه من يطلبها.

6- لان حق التقاضي للناس كافة ليس منحة من الحكومة وانما هو حق دستوري اصيل اكده الدستور القائم بنص صريح وقصر الطعن بالتمييز لقضايا معينة يجعل هذا الطعن منحة ويلغي صفة الحق الدستوري عنه.

7- ان القول ان محكمة التمييز اصبحت مثقلة بالطعون التي تقدم لها فاستهدف هذا النص تخفيف الاعباء عنها هو قول شديد الخطورة لان كثرة الطعون امام المحكمة لا يجب ان تكون سببا لاغلاق طرق الطعن امام هذه المحكمة ولا وضع القيود امامها.
فالعدالة يجب ان تكون هي الهدف الاسمى امام التعديلات التشريعية. فالقوانين تسن لتحقيق المصلحة العامة وتوطيد دعائم العدالة في المجتمع وليس لتخفيف الاعباء عن اية محكمة.

8- ان قصر حق الطعن امام محكمة التمييز على الاحكام الجنائية يتناقض مع مبدأ المساواة اذ ان اجازة الطعن في دعاوى معينة وعدم اجازته في دعاوى اخرى يمس مبدأ المساواة.

9- ان اغلاق باب الطعن امام الاحكام الجنحوية لا يخدم العدالة.فان اصدار احكام خاطئة دون ان يتم فتح المجال لتصويبها يؤدي لاهدار العدالة وزعزعة ثقة الناس بالقضاء ولذلك لا يجوز ان تكون هناك احكام غير قابلة للطعن بها امام محكمة التمييز حتى لا تصبح الاخطاء مبادئ مستقرة ويفقد النظام القضائي بأسره هيبته.

لذلك كان الاصلاح يحتاج الى نظرة عميقة الى القوانين القضائية فلا جدال ان المجتمع في حالة حركة تغيير بينما تقف هذه القوانين الموجودة فيه كأكبر عقبة امام التطوير والتغيير. وان عدم القدرة على اصلاح هذه القوانين سيعطي انطباعاً سيئا عن عدم جدية النظام القضائي في الدولة

تاسعاً: تعليق الطعن بالتمييز على اذن.

نصت المادة (16) من المشروع على ان تنظر محكمة التمييز بصفتها الحقوقية في الطعون الموجهة الى الاحكام والقرارات الصاردة عن محكمة الاستئناف في الدعاوى البدائية الحقوقية التي تزيد قيمة المدعى به فيها على عشرين الف دينار على ان تنظر الدعاوى الحقوقية المميزة اليها قبل نفاذ احكام هذا القانون.
اذا كان الخلاف في الاحكام الاخرى يدور حول نقطة قانونية مستحدثه او على جانب من التعقيد او تنطوي على اهمية عامة واذن رئيس محكمة التمييز او من يفوضه بذلك الذي له بعد تدقيق الاوراق والاطلاع على قرار الاستئناف صلاحية الاذن او الرفض.
اما الاحكام الاستئنافية الاخرى فلا تقبل الطعن بالتمييز الا باذن من رئيس محكمة التمييز او من يفوضه.
ان النص بتعليق الطعن بالتمييز في القضايا التي لا تزيد قيمتها على عشرين الف دينار على اذن يكرس مبدأ قديما كان تم وضعه لعرقلة سير العدالة هو مبدأ تقييد الطعون امام المحكمة العليا.

فالطعون في الاحكام يجب ان يكون الباب امامها مفتوحا وميسراً. فان حق الالتجاء الى القضاء في العصر الحديث اصبح من الحقوق العامة فلكل شخص اعتدي على حقه ان يلجأ للقضاء وان يرفع الدعوى دون حاجة لوجود نص يمنحه هذا الحق او الاستئذان من اية جهة برفع الدعوى.
فتقييد الطعن بالحكم بالتمييز في بعض الحالات بوجود اذن هو تقييد لهذا الحكم الهام وهو حق التقاضي الذي كفل الدستور اصله بنصه في المادة (101/1) على ان المحاكم مفتوحة للجميع، وهذا النص يعني عدم جواز تقييد حق الطعن بالتمييز باي قيد.
والقول بان تقييد الطعن امام المحاكم ببعض القيود ليس فيه مساس بحق التقاضي قول غير صحيح لان حق التقاضي لا يتجسد الا بوسيلة اقتضاءه وذلك باقامة الدعوى او بالطعن بالحكم واستنفاذ كافة طرق الطعن المنصوص عنها في القانون.
وهو يخل بمبدأ المساواة بين المتقاضين:

لان تعليق تقديم الطعون في الدعاوي على (اذن) اي منحة يمكن الحرمان منها بسبب المزاج هو امر يخالف الدستور لانه من قبيل وضع القيود والعقبات امام المواطن وممارسة حقه في التقاضي.
وهو انتهاك لمبدأ وحدة القضاء في الدولة.

فمحكمة التمييز لها وظيفة اساسية هي مراقبة تطبيق المحاكم للقانون ولا تعمل فقط على تأكيد احترام القواعد الموضوعية ولذلك لا تبحث في الوقائع ولا تفرض رقابتها على تحصيل محكمة الموضوع لفهم الواقع او تقدير الادلة وانما تقوم بتطبيق القاعدة القانونية على كافة الحالات المماثلة حتى تكفل وحدة التفسير للقانون فهي توحد التفسير والاجتهاد وتعطي النص القانوني صفة الالزام فاذا انحسرت سلطتها عن القضايا التي تقل قيمتها عن عشرين الاف دينار اختل مبدأ (وحدة القضاء).
ومحكمة التمييز هي الحارس للقانون فاذا اقتصرت اختصاصاتها بقضايا معينة فانها لا تستطيع ان تمارس وظيفتها في حراسة القانون بشكل كامل.
فالاحكام بحاجة دائما الى مراجعة من قبل محكمة اعلى لاعمال الحكم الصحيح للقانون طالما ان القضاه معرضون للخطأ.
فاذا غابت السياسة التشريعية التي ترسم للعدالة طريقتها وتضع الخطوط الاساسية لمواجهة العقبات التي تقف امامها فان المشكلة ستزداد تفاقماً وخطورة وسيظل اصحاب الحقوق يعانون من عدم الوصول الى حقوقهم.
يجب ان نعترف ان التشريعات التي تحكم سير الدعوى لا تواكب المتغيرات ما كان يصلح من نظريات تحكم سير الدعوى في الماضي اصبح لا يصلح اليوم بسبب ظهور اساليب (المراوغة) من الخصوم و (القدرة على القفز على القوانين) الذي جعل من الضروري وضع قواعد جديدة تكفل (امن الخصومة) من (النكاية) واساليب (المماطلة) و (التأجيل) ومن (المزاج) التي جعلت حقوق الناس في محنة حقيقية باخضاع كافة الاحكام التي تصدر عن محكمة الاستناف للطعن بها امام محكمة التمييز.

خضوع احكام المحاكم الطائفية للسيطرة الاجنبية

عاشراً: خصوع بعض الاحكام للسيطرة الاجنبية.

لم يبحث المشروع في خضوع احكام المحاكم الطائفية للسيطرة الاجنبية.
اذ ان بعض هذه المحاكم ينص القانون على ان تستأنف احكامها الى محاكم مشكلة خارج الاردن وغير معينة من الحكومة الاردنية وتصدر الاحكام من تلك الجهات الاجنبية لتنفذ على مواطنين اردنين.
فقد اجازت المادة (15) من قانون مجالس الطوائف الدينية رقم (2) لسنة (1938) ان تستأنف احكام هذه المجالس الى اية محكمة استئنافية خارج البلاد وهذا هو نص المادة (15) (يجوز ان يستأنف حكم مجلس الطائفية الدينية المؤسسة بمقتضى هذا القانون الى اية محكمة حسب الاصول لمجلس الطائفة الدينية المذكور المؤسسة خارج شرق الاردن عند نفاذ هذا القانون).

ونتيجة لهذا النص الغريب كانت الاحكام التي تصدرها بعض مجالس الطوائف الدينية تستأنف الى محاكم خارج الاردن وهو امر شاذ لا يحدث مثله في اية دولة متمدنة اذ من الشذوذ ان تصدر احكام على مواطنين اردنيين من جهات اجنبية غير معينة من قبل الحكومة الاردنية ولا تخضع لقوانينها وتمارس اعمالها خارج البلاد.
فالقضاء في اية دولة مظهر سيادتها ويتنافى مع سيادة الدولة ان تقبل خضوع مواطنيها لقضاء اجنبي، ومشروع قانون السلطة القضائية لم يعالج هذا النص الشاذ الذي يمس سيادة الدولة.

احد عشر: هيكلة تنظيم المحاكم

ان هيكلة تنظيم المحاكم في الاردن تستند الى نظريات قديمة متوارثه من عهد الدولة العثمانية لم يستطيع احد ان يغير فيها.

فالجنايات تنظر من ثلاثة انماط مختلفة من المحاكم الاول هي محكمة الجنايات الكبرى التي تنظر في جرائم القتل، والاغتصاب، وهتك العرض، والخطف الجنائي، و الشروع في هذه الجرائم وذلك بموجب قانون محكمة الجنايات الكبرى لسنة (1976).
والثاني محكمة البداية بهيئة ثلاثية في الجرائم المعاقب عليها بالاعدام والاشغال الشاقة والمؤبدة خمسة عشر سنة باستثناء ما نزع من اختصاصها وفوض لمحاكم اخرى كمحكمة الجنايات الكبرى.
والثالث محكمة البداية بهيئة ثنائية وتنظر في الجنايات المعاقب عليها بالاشغال الشاقة المؤقته والسجن حتى خمسة عشر سنة.
والجنح تنظر من نمطين مختلفين من المحاكم الاول محاكم الصلح وتنظر في المخالفات والجنح المعاقب عليها بالحبس حتى سنتين، والثاني محاكم البداية وتنظر في الجنح المعاقب عليها بالحبس من سنتين الى ثلاثة سنوات.
وهذا التنظيم لا يقوم على اية ضرورة ويمكن ان يوصف بانه تنظيم مزاجي، لم تراع فيه اية اعتبارات تشريعية، فتنظيم المحاكم يجب ان يستهدف تحقيق العدالة والاطمئنان، الى صحة الاحكام الصادرة في الدعاوى المختلفة تبعاً لخطورتها ولذلك كانت المحاكم التي تنظر المواد الجزائية تقسم الى محاكم للجنايات واخرى للجنح وثالثة للمخالفات تبعاً لخطورة الجريمة.

اما لماذا تنظر الجنايات في الاردن من ثلاث انماط من المحاكم المختلفة هذا عدا عن الجنايات التي تنظر من محاكم خاصة والجنح تنظر من نمطين مختلفين من المحاكم فهذا ما لا تفسير له.
فاذا كان الهدف من ذلك ان زيادة عقوبة الجريمة في الجنحة يستتبع محاكمتها من محكمة اعلى اكثر خبرة وعلماً وفي الجنايات يستتبع محاكمتها من محكمة مشكلة من عدد اكبر فان هذه الحكمة لا تتوفر في هذا التنظير.
فالجنحة المعاقب عليها بالحبس حتى سنتين تنظر من قاض منفرد في محكمة الصلح وتنظر الجنحة المعاقب عليها بالحبس من سنتين الى ثلاث من قاضي منفرد في محكمة البداية.
وقد يكون قاضي الصلح اكثر خبرة واعلى درحة من قاض البداية كما هو متبع الان في مناطق كثيرة حيث يعين قضاة محاكم البداية في بعض المدن من الدرجات السادسة والخامسة بينما قضاة الصلح في عمان يكونون من الدرجات الثالثة والرابعة.
والجنايات المعاقب عليها بالاشغال الشاقة خسمة عشر سنة تحاكم امام محكمة البداية التي تنعقد من قاضيين بينما تحاكم الجناية المعاقب عليها بنفس العقوبة والتي تدخل في اختصاص محكمة الجنايات الكبرى من ثلاثة قضاة.
ان التناقض في الاسس التي يقوم عليها تنظيم المحاكم يستوجب اعادة النظر في هذا التنظير الذي اصبح ضرورة تفرضها التجربة الواعية، وتستلزمها مقتضيات التطورات الحديثة في التشريع.
فضلا عن ان تنظيم المحاكم في الاردن لا يقوم على اساس الغرف المتخصصة فالقاضي ينظر في الدعوى المدنية والجزائية والتجارية في آن واحد، مع ان كافة التشريعات الحديثة اصبحت تجعل المحاكم تقوم على اساس الغرف المتخصصة بحيث يتخصص القاضي بنظر نوع معين من القضايا.
ومشروع قانون السلطة القضائية لم يعالج هذه الاخطاء في تنظيم المحاكم وهي بامس الحاجة للتعديل.

اثنا عشر: تعيين رئيس محكمة التمييز.

تنص المادة (36/أ) من المشروع على ما يلي (مع مراعاة الشروط المنصوص عليها في الفقرات (أ، ب، ج، د، هـ، و) من المادة (33) من هذا القانون يشترط فيمن يتعين رئيساً لمحكمة التمييز ان يكون من نواب رئيس محكمة التمييز ممن عملوا في سلك القضاء مدة لا تقل عن خمسة عشر سنة منها سبع سنوات خدمة قضائية متصلة تسبق التعيين يتم تعيين رئيس محكمة التمييز وانهاء خدمته بارادة ملكية سامية).

وهذا النص يستهدف تقييد سلطة جلالة الملك بتعيين رئيس محكمة التمييز اذ يقيد سلطته بان يقتصر التعيين على احد نواب رئيس محكمة التمييز وقد لا يكون احد هؤلاء النواب من القضاه الاكفاء او العلماء او المجتهدين، فسلطة جلالة الملك هي سلطة تقديرية يجب ان تكون واسعة لتحديد الكفاءة القادره على ادارة السلطة القضائية سواء من قضاة محكمة التمييز او من المحامين او رجال القانون الذين خدموا في سلك القضاء والمحاماة مدة لا تقل عن خمسة وعشرين عاماً. والذين تتوافر لديهم القدرة على الاجتهاد والابداع وادارة هذا المرفق الهام والحساس، ويجب ان لا تقيد سلطة جلالته بنواب رئيس محكمة التمييز الذين قد لا تتوافر لديهم هذه الصفات لذلك فان النص يجب ان يشترط فمن يعين رئيساً لمحكمة التمييز ان يكون ممن عملوا في سلك القضاء والمحاماه مدة لا تقل عن خمسة
وعشرين سنة وعلى ان لا تقل الخدمة القضائية عن خمسة عشر سنة.


ثلاثة عشر: ترفيع القضاه

نصت المادة (41) من المشروع على القواعد التي تحكم ترفيع القضاة وهي الجدارة والكفاءة المستمدين من تقرير المجلس ومن تقارير التفتيش ومن واقع اعمالهم ومراعاة العقوبات التأديبي المفروضة عليهم.
وهذا النص غير دقيق لانه لا يراعي عدم خبرة القضاة حديثاً الذين يصعب تحديد كفاءتهم خلال فترة قصيرة ولذلك كان يجب التمييز بين قاعدين في الترفيع.
الاولى: قاعدة الاقدمية وهي تقتصر على قضاة الصلح والمدعين العامين فقط وفق قواعد محددة التي بينها هذا المشروع لان القاضي في اولى سنوات تعيينه يكون حديث الخبرة ومن الصعب تقدير كفايته خلال فترة زمنية قصيرة من عمله فوجب ان يكون ترفيعه وفقاً للاقدمية.
الثانية: قاعدة الكفاءة وهي تطبق على كافة القضاة الآخرين بوضع مقياس موضوعي لتحديد كفاءة القاضي بحيث لا يجوز مطلقاً الاخذ بالمقاييس (الشخصية) وان يكون هذا المقياس مستمد من تقارير التفتيش السنوية عنه.
ولتشجيع البحث وخلق القاضي العالم المجتهد يجب وضع نص يجيز ترفيع القاضي استثناء ودون التقيد بالقواعد المنصوص عنها للترفيع اذا اجتهد مبدأ قانونياً جديداً أو غير مبدأ قانوياً قديماً بعد اقرار المحكمة العليا لهذه الاجتهاد او نال شهادة الدكتوراه في القانون.

اربعة عشر: احالة القضاة على التقاعد

تضمن الفصل الثاني عشر من المشروع مجموعة نصوص تشمل النقل والانتداب و الاعارة والاستقالة وانهاء الخدمة و دمج جميع هذه المواضع في فصل واحد غير صحيح وكان يجب ان توضح احكام النقل والانتداب والاعارة في فصل واحد لان احكامها متماثلة والاستقالة وانهاء الخدمة في فصل آخر مستقل لتماثل احكامها، فالدمج بين مواضع مختلفة في احكامها وآثارها في فصل واحد ليس في محله.

كما انه تم وضع نص في هذا الفصل يتعلق بتعيين امين عام الوزارة مع ان المشروع افرد فصلا خاصا لتعيين القضاة، وليس من الصواب وضع تعيين امين عام الوزارة تحت الفصل المتعلق بالنقل والانتداب والاعارة والاستقالة وانهاء الخدمة.
وفضلا عن ذلك فان هذا الفصل لم يتضمن النص على اعطاء القاضي الحق باحالة نفسه على التقاعد اذا اكمل مدة معينة خدمة قضائية.

خامس عشر: الانتداب.


لم ينص المشروع على منح رئيس المجلس سلطة انتداب عدد من القضاة او تشكيل هيئة تحقيق في اية جريمة ذات صفة خاصة عندما تقتضي الضرورة بذلك.
اذ كثيراً ما تحدث جرائم لها اثر خطير على كيان الدولة او امنها كخطف طائرة او تفجيرها او قتل جماعي او نسف مبنى وقد يكون احد اطرافها عسكريا فيكون من الضروري تشكيل هيئة تحقيق لاجراء التحقيق في هذه الجريمة من عدة قضاة لديهم خبرات واسعة في شؤون التحقيق بدلاً من (مدعي عام) منفرد قد لا يتمكن وحده من الاحاطة بكافة ظروف الجريمة والتوصل الى النتائج القانونية وعلى ان تكون لهذه الهيئة نفس صلاحيات المدعي العام.

سابع عشر: تنسيب الاحالة على التقاعد

تنص المادة (48) من المشروع على انه على الرغم مما ورد في اي تشريع آخر للمجلس بناء على تنسيب الرئيس وتقرير لجنة مؤلفة من خمسة قضاة من قضاة الدرجة العليا يعينها المجلس من غير اعضائه لمدة سنتين ان يحيل الى التقاعد رئيس المحكمة الادارية العليا او اي قاض اكمل مدة التقاعد المدني.
ان يحيل اي قاض على الاستيداع او ينهي خدمته اذا لم يكن مستكمل المدة اللازمة لاحالته على الاستيداع وهو نص مخالف للمنطق ولا ضرورة قانونية له.

‌أ. لان تنسيب الاحالة على التقاعد او الاستيداع يكفي ان يقدم للمجلس القضائي من رئيس المجلس دون حاجة لوجود تقرير من خمسة قضاة من الدرجة العليا اذ ان التنسيب هو اجراء شكلي لا قيمة قانونية له طالما ان سلطة الاحالة هي بيد المجلس القضائي الذي يملك الموافقة ويملك الرفض سواء تم تقديم تقرير من خمسة قضاة او لم يقدم.

‌ب. لان تقديم تقرير من خمسة قضاه هم ادنى في المركز من رئيس المحكمة الادارية العليا امر غير منطقي ان يطلب قضاة ادنى في المركز احالة قاض اعلى في المركز منهم. ولذلك فان وجود التنسيب من رئيس المجلس باعتباره القاضي الاول في الجهاز القضائي هو اكثر عدالة من وجود تقرير من خمسة قضاه هم ادنى في المركز من رئيس المحكمة الادارية العليا.

‌ج. ان انهاء خدمة القضاه الاخرين الذين لم يكملو المدة اللازمة للاحالة على الاستيداع يشترط فيه وجود تقرير من جهاز التفتيش ضد القاضي بدرجة ضعيف.

ثامن عشر: الطعن في الحكم التأديبي.

تنص المادة (59) من المشروع على ما يلي يجب ان يكون الحكم الصادر في الدعوى التأديبية مشتملا على الاسباب التي تبنى عليها وان تتلي اسبابه عند النطق به في الجلسة ويكون الحكم خاضعاً للطعن لدى المحكمة الادارية العليا.
ان المحكمة الادارية العليا هي محكمة استئناف للقرارات التي تصدر عن المحكمة الادارية، ولا يجوز ان تقدم اليها الطعون ابتداءً لما في ذلك من حرمان الطاعن من درجة من درجات التقاضي.
ولذلك يجب ان يكون النص بان الحكم يكون خاضعاً للطعن امام المحكمة الادارية وليس امام المحكمة الادارية العليا حتى تتاح الفرصة للطعن بحكم المحكمة الادارية الى المحكمة الادارية العليا. .

تاسع عشر: العطلة القضائية.

تنص المادة (65) من المشروع على العطلة القضائية السنوية بالنص التالي تكون العطلة القضائية السنوية خلال المدة الواقعة من اليوم الاول من شهر تموز من كل سنة الى اليوم الثلاثون من شهر ايلول من السنة نفسها ولكل قاض الحصول على اجازته السنوية خلال هذه المدة و يجوز في حالات خاصة يقدرها الرئيس او من يفوضه منحها في اي وقت آخر.
ان العطلة القضائية شرعت في التشريعات المختلفة لسبب جوهري هو (حسن سير انتظام الدعوى) فبدلا من ان يأخذ كل قاض اجازته السنوية في الوقت الذي يريده ويقوم المحامي باخذ اجازة في اوقات اخرى من السنة فيتعطل نظر الدعاوى كلما تغيب القاضي او المحامي.
فقد اتجهت التشريعات المختلفة الى توحيد العطلة القضائية في وقت واحد من السنة للقضاة والمحامين بحيث يمتنع تأجيل الدعوى في غير هذا الوقت سواء من القاضي او المحامي وبحيث تسير الدعوى طيلة باقي ايام السنة في جلسات منتظمه.
ولكن النص في هذا المشروع على ان تكون العطلة القضائية من اول تموز وحتى نهاية ايلول لم يكن يستهدف حسن سير الدعوى ولا انتظام الجلسات ولا سرعة فصل القضايا ولذلك كان العمل يسير هكذا يعطل المحامون والقضاه من (1/7) وحتى (30/9) اي مدة شهرين عطلة رسمية بحكم القانون وما ان تبدأ الجلسات الاولى للدعوى في شهر تشرين اول حتى يطلب المحامي التأجيل بسبب سفره خارج الاردن وفي الجلسة التي تليها يطلب التأجيل بسبب انشغاله امام محكمة اخرى وفي جلسة لاحقة يطلب التأجيل بسبب اتفاقه مع المحامي الاخر على التأجيل وفي جلسة اخرى بسبب مرضه ثم يتداول الخصم الاخر طلبات التأجيل وهكذا ما ان تنتهي المدة الباقية من السنة حتى تكون الدعوى تأجلت عشرة مرات على الاقل دون اجراءات جدية ان لم يكن اكثر.
ولذلك كانت القضايا تنام في المحاكم سنوات طويلة لان التأجيل مكرس في القانون. وكان من المؤمل ان يعالج هذا الخطأ الفادح بالنص على ان العطلة القضائية تستهدف منع تأجيل الدعوى لسبب يعود الى القاضي او المحامي باقي ايام السنة بحيث يتوالى نظرها باجراءات جدية ويحظر على القاضي او المحامي الغياب باقي ايام السنة عن نظر الدعوى ويحظر تأجيل الدعوى باقي ايام السنة لسبب غير جدي.
ان عدم وضع اية ضوابط تحول دون تأجيل الدعوى طيلة ايام السنة يزيد فرص التأجيل الغير مبررة وطيلة امد التقاضي التي لا تجد (اجراءات جدية) لفصل الدعوى.

عشرون: الاخلال بواجبات الوظيفة.

نصت المادة (60/ب) من المشروع على ان يشمل الاخلال بواجبات الوظيفة تأخير البت في الدعاوى وعدم تحديد موعد لانهاء الحكم والتمييز بين المتقاضين وافشاء سر المداولة والغياب دون معذرة وعدم التقيد باوقات الدوام.
مع ان الاخلال بواجبات الوظيفة يشمل تصرفات عديدة كان يجب النص عليها منها:

‌أ. قبول الواسطة بصدد الدعوى التي ينظرها القاضي.
‌ب. استعمال التلفون اثناء الجلسات.
‌ج. تناول الشاي والقهوة اثناء الجلسات
‌د. الامتناع عن سماع الشهود الذين يحضورن للشهادة بموجب مذكرات اصولية دون اي سبب.
‌ه. التدخين اثناء الجلسات.
‌و. التدخل في شؤون القضايا لدى القضاة الاخرين.

واحد وعشرون: مخاصمة القضاة

لم ينص هذا المشروع على مبدأ مخاصمة القضاة، وهو مبدأ تقرره كافة التشريعات الحديثة التي اجازت مخاصمة القضاة في احوال محددة منها.
‌أ. اذا وقع من القاضي غش في عمله او تدليس او خطأ مهني جسيم.
‌ب. اذا امتنع عن الاجابة على عريضة قدمت له او عن الفصل في قضية صالحة للحكم بعد (30) يوما من اقفال باب المرافعة ورفعها للتدقيق.
‌ج. اذا لم يودع مسودة الحكم المشتملة على اسبابه قلم المحكمة مما ادى الى بطلان الحكم.

اثنان وعشرون: مخالفة المشروع للدستور

ان مشروع قانون السلطة القضائية مخالف للدستور.

تنص المادة (72) من المشروع على ما يلي (يصدر مجلس الوزراء الانظمة اللازمة لتنفيذ احكام هذا القانون والانظمة الخاصة بما يلي:

1- تحديد الصلاحية المكانية لمحاكم الصلح والمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستنئاف والنفقات التي تعطى للفريقين والشهود واتلاف القضايا التي لا فائدة من بقائها او التي مر عليها الزمن مع الاحتفاظ بالمعلومات المتعلقة بها بالاساليب الفنية الحديثة.
2- تحديد الرسوم التي تستوفيها المحاكم ودائرة التنفيذ والدوائر الاخرى.

ومخالفة هذا النص للدستور ذلك لان المادة (100) من الدستور نصت على ان تعين انواع جميع المحاكم ودرجاتها واقسامها واختصاصاتها وكيفية ادارتها بقانون خاص. فصلاحية المحاكم يجب ان تحدد (بقانون خاص) وليس بانظمة يصدرها مجلس الوزراء.
ولا يؤثر في (عدم الدستورية) وجود انظمة سابقة تحدد صلاحية هذه المحاكم لان النص الدستوري واجب التطبيق، ولانه يتوجب على مشروع قانون السلطة القضائية تصويب وضع الانظمة الغير دستورية بالغائها والنص على تحديد صلاحية المحاكم بقانون خاص اعمالا لنص المادة (100) من الدستور وليس تكريس نفس الخطا المرتكب سابقاً.
كما ان المادة (111) من الدستور تنص على ان لا تفرض ضريبة او رسم الا بقانون ولا تدخل في بابها انواع الاجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من الخدمات للافراد او مقابل انتفاعهم باموال الدولة.
فهذا النص لا يجيز فرض الرسوم بنظام كما جاء بمشروع قانون السلطة القضائية بل يجب ان يتم ذلك بقانون .
ولذلك كان نص المادة (72) من مشروع قانون السلطة القضائية غير دستوري.
ومن الواضح ان ما تتقاضاه المحاكم لقاء قيد الدعاوى والطلبات والطعن في الاحكام لا تعتبر (اجور لقاء خدمات) وانما هو رسم بالمعنى الوارد في الفقرة الاولى من المادة (111) لان الرسم مبلغ رمزي والاجور لا تكون رمزية وانما لقاء كمية العمل الذي يقدم.
ولان المحاكم تنشأ لتقديم العدالة للمواطنين اي لتحقيق نفع عام وليس للحصول على ايردات تساوي ما تؤديه من عدالة للمواطنين.
ولان العدالة ليست (خدمة) تقدمها المحاكم للافراد حتى تتقاضى عنها اجراً وانما هي حق من حقوق الافراد ولذلك لا تستوفي الحكومة اجوراً من اداء العدالة وانما مبالغ رمزية تدخل تحت باب (الرسم) وليس تحت باب (الاجور).