مركز الرأي للدراسات
اعداد : حسني عايش
شباط 2012
- يجهل هذا الجيل – للأسف – أن الأردن وفلسطين وسورية ولبنان كانت إلى عهد قريب جداً وطناً واحداً يسمى سوريا الكبرى أو بلاد الشام، وأن أي فرد من أهلها كان يوصف خارجها وبخاصة في مصر بالشامي، وليس بالأردني أو الفلسطيني أو اللبناني أو السوري، حتى بعد نشوء الأقطار الأربعة.
وإن وحدة هذه الأقطار قومياً ظلت قائمة طيلة التاريخ المعروف ولم يؤثر عليها تقسيمها إلى ولايات في عهدي الدولة العربية الإسلامية والدولة العثمانية. وان العلاقة بين ضفتي نهر الأردن أي بين الأردن وفلسطين كانت الأقوى بينها جميعاً لأنها كانت أفقية أي أنها كانت أقوى بين شمال الأردن وشمال فلسطين، ووسط الأردن ووسط فلسطين، وجنوب الأردن وجنوب فلسطين منها عمودياً في كل منهما. لم يكن الناس فيهما يشعرون بالفرق عندما يتحركون بينهما. كان التحرك والانتقال فيهما وبينهما أشبه بالتحرك والانتقال بين محافظة وأخرى داخل القطر الواحد اليوم. وكانت العشيرة الواحدة موزعة بينهما كما تتوزع العائلة الممتدة اليوم في أكثر من محافظة.
لقد ظل الأمر كذلك إلى أن حل الاستعمار الأوروبي البريطاني الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى في هذه البلاد. وعندما أيقنوا أن النصر على الدولة العثمانية وألمانيا حليفهم تواطئوا على تقسيمها فيما بينهم، وصنعوا الأقطار السورية الأربعة على حساب تعهدات بريطانيا للشريف حسين بن علي – قائد الثورة (العربية) الكبرى – بخلاف ذلك. وهكذا قامت دول وحكومات قطرية أربع في هذه الأقسام السورية وتشكلت شخصيات وخصوصيات دستورية وسياسية بموجبها. ومن هنا ندرك عوامل تجمع زعماء الثورة العربية في الأردن في حينه بقيادة المرحوم الأمير عبد الله بن الحسين والبقاء والعمل السياسي فيه لتحرير سورية. لم يكن تجمعهم فيه يثير حساسية أحد، لأن الجميع جاءوا من بلد واحد هو سورية أو بلاد الشام ووجدوا أنفسهم هنا في الأردن تحت عنوان الثورة العربية .
بعد رحيل الاستعمار في أعقاب الحرب العالمية الثانية صار كل من المستعمرات الأربع ــ ما عدا فلسطين ــ دولة مستقلة ذات سيادة وتحول المواطنون فيها إلى مواطنين قطريين ، كل منهم بحاجة إلى جواز سفر (وفيزا أحياناً) ليعبر الى الدولة الشقيقة سائحاً أو تاجراً أو طالباً...
ولما وقعت حرب فلسطين سنة 1948 بين الدول العربية والعصابات اليهودية الصهيونية، وانتهت إلى ما انتهت إليه من هزيمة وضياع لمعظم فلسطين، احتفظ الأردن وحدوياً بالضفة الغربية بما فيها القدس، ومصر بقطاع غزة. وقد اجتهدت حكومة المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة المرحوم الملك عبد الله الأول بن الحسين: «أن أفضل طريقة لحماية الضفة وأهلها من الضياع منحهم الجنسية الأردنية، فصدر القانون الإضافي رقم 56 لسنة 1949 المعدّل لقانون الجنسية الأردني الصادر سنة 1928، الذي اعتبر « جميع المقيمين عادة عند نفاذا هذا القانون في شرق الأردن أو في المنطقة الغربية التي تدار من قبل المملكة الأردنية الهاشمية ممن يحملون الجنسية الفلسطينية أنهم حازوا الجنسية الأردنية، ويتمتعون بجميع ما للأردنيين من حقوق، ويتحملون ما عليهم من واجبات». وكما ترون فقد صدر هذا القانون قبل قيام الوحدة بين الضفتين. وبموجب هذا القانون ونتيجة له حصل الأردنيون من أصل فلسطيني قبل الوحدة على الجنسية الاردنية وعلى جواز السفر الأردني. ولكن معظم الناس في الضفتين الآن لا يذكرون ذلك أو لا يتذكرونه أو لا يعرفونه.
فك الارتباط
وبموجب القانون احتفظ الأردنيون من أصل فلسطيني الذين تنطبق عليهم (تعليمات؟) فك الارتباط بجنسيتهم الأردنية حتى وإن كانوا حاصلين أو حصل: أحد الزوجين او كلاهما فيما بعد على لم الشمل من الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية الأردنية، وبخاصة في فترة روابط القرى التي كان المرحوم مصطفى دودين يقودها، حفاظاً على الهوية الأردنية للضفة الغربية في أوج التنافس بين الدولة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية على ولاء المواطنين في الضفة الغربية، وقد شجعت الحكومات الأردنية الأردنيين من أصل فلسطيني المقيمين قبل الاحتلال في الضفة الشرقية وبعده على الحصول على لم الشمل بأية طريقة ممكنة لدعم هذا الاتجاه. كما أدى باب الشمل – الذي كان مفتوحاً – إلى حصول عدد غير قليل من الشرق أردنيين على هذا اللّم عن طريق زوجاتهم الغرب أردنيات.
إن حصولهم على لم الشمل أشبه بحصول الأردني (وغيره) على إذن إقامة دائمة من بلد عربي آخر لا يفقده جنسيته الأردنية به إلا إذا حصل على جنسية عربية أخرى وتنازل عن جنسيته الأردنية فيما بعد، لأن المواطن العربي لا يستطيع الاحتفاظ بجنسيتين عربيتين تنفيذاً لاتفاقية عربية قديمة بين ثماني دول عربية في 5/4/1954. ويبدو أن الدول العربية تعامل هذه الاتفاقية الفارغة من المعنى كالمقدس، وإن كان ازدواج الجنسية العربية يعزز الحراك والتشبيك العربيين. وعلى الرغم من هذه الاتفاقية «المقدسة» توجد في بعض البلدان العربية استثناءات أو انتقائية أو غض طرف عن كثيرين ممن يحملون الجنسيتين، وبينهم وزراء ورؤساء وزارات. بل إن أفراد إحدى الشرائح الأردنية يحملون جمعياً– إجمالاً – جوازات سفر بلدهم الأصلي ، ويجددونها كلما انتهى مفعولها.
وحسب هذه الاتفاقية وتعليمات فك الارتباط يمكن القول أن الجنسية الأردنية تسقط عن الأردني من أصل فلسطيني إذا حصل على الجنسية الفلسطينية المستدل عليها بجواز سفره الفلسطيني العامل، أو بعمله مع السلطة وإن كان بإمكانه الحصول على جواز أردني مؤقت بدون رقم وطني (وبطاقة خضراء) برسم قدره ماية دينار لا يمنحه الجنسية الأردنية طبعاً، ولا يُسمح له بالإقامة الدائمة في الأردن بموجبه. أما الأردني (ذو البطاقة الصفراء) فيقيم أصلاً في الأردن أو يعمل أو يدرس... في الخارج، لكنه يستطيع كذلك الإقامة الدائمة أو المتقطعة في فلسطين لمتابعة أعماله وشؤون أملاكه بين حين وآخر. إنه أشبه بالأردني (من مختلف المنابت) في الأردن الحاصل على إذن إقامة دائمة في بلد آخر وإقامته فيها أو في الأردن بعد ذلك يجدده سنوياً لمصالح خاصة به. إن هذا الترتيب يرتب حقوقاً أردنية هناك نتيجة لذلك يجب المحافظة عليها. ومع أن اليهودي في كل مكان وفي أية لحظة يستطيع القدوم إلى إسرائيل والحصول على جنسيتها إلا أن كثيراً من اليهود لا يفعلون ولا تجبرهم دولهم التي يحملون جنسيتها ويقيمون فيها على القيام بذلك. كما يستطيع جميع اليهود الاسرائيليين (المقيمين في إسرائيل) الاحتفاظ بجنسيات البلدان التي جاءوا منها والتنقل بينها وبين اسرائيل دون ملاحقة او استنكار او التعلل بالصراع الديموغرافي.
في ضوء هذا وذاك لا تسقط الجنسية الأردنية ولا يُسحب جواز السفر الأردني من أي مواطن يتمتع بهما بموجب القانون وتعليمات فك الارتباط. وهي جنسية يؤكدها رقمه الوطني، وخدمته العسكرية أو اعفاؤه المؤقت منها وإقامته في الضفة الشرقية من المملكة في أثناء وقوع فك الارتباط ما دام متمسكاً بجنسيته الأردنية ولا يحمل أي جواز سفر عربي آخر أو يتمتع بجنسية عربية أخرى.
الحلال بَيِّنْ والحرام بَيِّنْ
وبما أن الحلال بَيّنْ والحرام بَيّنْ وطبيعة جواز السفر تدل عليهما فإنه لا يبقى ثمة حاجة لوجود بطاقات صفراء وبطاقات خضراء، ففي كل معبر يوجد نافذة أو نوافذ للأردنيين، ونافذة أو نوافذ لغير الأردنيين وجواز السفر يدل على جنسية العابر. لقد صدرت هذه البطاقات قبل فك الارتباط لدواع إحصائية للقادمين والعائدين بين الضفتين.
وبما أن حالات الهجرة والنزوح انتهت ، وانتهت كذلك الهجرة للعمل والإقامة بحرب الخليج الأولى والثانية والأزمة الاقتصادية العالمية والصعوبات والعوائق العربية والأجنبية القائمة في وجهها ، فإنه لم يبق ما يغري أحداً في الضفة الغربية للهجرة، ولا يهاجر أحد لأنه ليس لديه ما يمكنه من العيش الكريم خارجها. إن أسرة لا تترك الضفة اليوم للإقامة في الخارج ما لم تكن قادرة مالياً على العيش فيه. وهو أمر لا يتيسر لأي منها، فاستئجار سكن مكلف جداً وشراء سكن أو أرض أكثر كلفة ويحتاج إلى موافقة الحكومة، وتكاليف الحياة والمدرسة مرتفعة جداً ونقل الأبناء والبنات من مدارس الضفة إلى مدارس الأردن العامة والخاصة محرّم منذ سنة 1969م، وفرص العمل والدخل في الضفة الغربية أكثر وأعلى مما هو متوافر منهما في الخارج، مما يجعل بقاء المرء في بيته وعلى أرضه أفضل . لقد كانت غزة خير مثال على ذلك فقد تمسك الغزيون بالبقاء في الوطن والعودة إليه حتى في أثناء القصف الإسرائيلي الأعمى المتواصل والحصار المدمر.
وعندما يأتي الفلسطيني حامل جواز السفر المؤقت والبطاقة الخضراء من الضفة الغربية إلى الأردن يعطى على الجسور مهلة مدتها شهر لقضاء حاجياته يمكن أن تجدد، فيطلب منه عنوانه ورقم الهاتف في الأردن لملاحقته إذا تخلف في البلاد بعد انقضاء المدة الممنوحة له. كما يدفع رسماً مقداره عشرة دنانير في كل مرة يزور بها البلاد، شأنه في ذلك شأن أي أجنبي. الأردن فيه دولة ونظام وليس سائباً، وبخاصة في هذا الموضوع.
البطاقات الصفراء والخضراء
وللاطناب أي ليسمع من لا يسمع وليقرأ من لا يقرأ أو ليرى من لا يرى نكرر القول: أنه لا يسمح للفلسطينيين الحاملين للبطاقة الخضراء بالإقامة الدائمة أو بالعمل في الأردن. لا يقيم فيه ــ مؤقتاً ــ منهم سوى الطلبة الفلسطينيين المقبولين في الجامعات الأردنية والمرضى الفلسطينيينن المقبولين للعلاج في المسشتفيات الأردنية والمستثمر المرخص. لا يوجد ألف ولا ثمانماية ألف ولا مليون... فلسطيني غير هؤلاء يقيمون في الأردن طالب السناتور الأمريكي دانيال إينوي وجون كيري بتوطينهم في الأردن، الخبر الذي نفاه وزير الخاريجة في ندوة نقابة الصحفيين (26/1/2010) أو العدد الذي يعتقد بعض النقاد الأردنيين المحترمين – أو الذي يصر نفر منهم على مقولة عنزة وإن طارت – أنه موجود. إن جواز السفر المؤقت تسيهل أردني للفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال – الذين كانوا تابعين له ومواطنين فيه – كي يتحركوا ويسافروا ويعملوا أو يتعلموا في الخارج ليس إلا، لأن جواز السفر الفلسطيني غير معترف به او غير مقبول في كثير من بلدان العالم بما في ذلك في كثير من البلدان العربية. وعليه يحصل على هذا الجواز الأردني المؤقت كل فلسطيني يطلبه (بعد الموافقة الأمنية عليه) ولا يحمل جواز السفر الفلسطيني. وكما يبدو يوجد نحو ثمانماية ألف فلسطيني أو أكثر يحملونه، يقيمون في فلسطين وفي الخارج، ولكن بعض النقاد يعتقدون خطأ أو جهلاً أو تعسفاً أن هؤلاء جميعاً جُنسوا ويقيمون في الأردن وماهم بمجنسين ولا بمقيمين، لتجريدهم من جنسيتهم (الأردنية)، وكأن الأردني في نظر بعض المتعصبين هو كل من كان ليس فلسطينياً أصلاً. إلى هذا الحد من الكراهية والتحريض وصل عند نفر محدود يتناولون هذا الموضوع ليل نهار وعلى غرار أمثالهم في لبنان.
المشكلة أو المأساة الحقيقية التي لا يتحدث عنها أحد تتجلى بوضع بضع عشرات من الأردنيين أصلاً – قبل فك الارتباط – الذين سحبت جوازات سفرهم لسبب أو لآخر، فلا يملكون بطاقات صفراء أو خضراء، أو أي جواز سفر أو جنسية أخرى. إن العالم كله مغلق في وجوههم وحياتهم جحيم. ومع هذا يوجد من يتحدث عن تجنيس الفلسطينيين المقيمين في الأردن وكأنه مستعر وإن كان مجرد إشاعة أو ادعاء لا أساس له، فالتجنيس لا يستفيد منه سوى قلة قليلة جداً من العرب والأجانب الذين ينطبق عليهم قانون الجنسية إقامة ومدة وسلوكاً وموافقات أمنية - وملثما يحدث في أي دولة في العالم. إن كل دولة محترمة ملزمة باحترام قوانينها لأنه في الوقت الذي يتم فيه تجنيس بعض العرب والأجانب المقيمين في الأردن، يتم تجنيس أضعافهم من الأردنيين المقيمين في دول أخرى. وقد شجع الأردن هذا التجنيس بمنح الأردنيين حق الاحتفاظ بجنسيتين معاً: الجنسية الأردنية وجنسية أجنبية (لا عربية ) أخرى.
لا يريد الفلسطينيون في فلسطين ولا يحتاجون ولا يسعون لهجر وطنهم، بل بالعكس. إن تمسكهم به لا يقل عن تمسك فلسطينيي 1948به. وإن التعليم والعمل المجزي متوافران لهم في فلسطين وفي إسرائيل (المغتصبة) حيث لا يقل أدنى دخل للواحد منهم عن ألف دينار شهرياً. إنه من المؤسف قول ذلك ولكنها الحقيقة فآلاف الأردنيين من شمال الأردن يعملون في إسرائيل. أما البقية من الفلسطينيين في فلسطين فيعملون في أجهزة السلطة أو التجارة والصناعة والزراعة... إن الضفة الغربية الآن هي أكثر المناطق العربية المزدهرة اقتصادياً ولكنه ازدهار هش لاعتماده على إسرائيل وعلى المساعدات الأجنبية.
إن (فك) الارتباط ليس حالة أردنية فلسطينية فقط فقد تكرر (مع الفارق ) في الباكستان والهند بعد الانفصال؛ و في قبرص بعد احتلال تركيا لشمالها؛ وفي جمهوريات الاتحاد السوفيتي بعد انهياره وتفككه؛ وفي دول البلقان كذلك؛ وترك للمواطنين في كل مرة الاختيار بين وطنهم الأول ووطنهم الثاني. وفي لبنان توجد طائفة أرمنية كبيرة لها حصة في جميع السلطات لم يطلب أحد منها العودة إلى أرمينيا بعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي. كما تم تجنيس وتوطين جميع اللاجئين الفلسطينيين من طائفة معينة فيه بالجنسية اللبنانية منذ بداية النكبة وإشراكهم في الأجهزة المدنية والأمنية والعسكرية للدولة وعلى كل المستويات. وفي فرنسا يوجد آلاف مؤلفة من الجزائريين الحاصلين على الجنسية الفرنسية بحكم وحدة الجزائر مع فرنسا قبل الاحتلال لم يُطلب منهم التخلي عنها بعد انفصال الجزائر عن فرنسا واستقلالها... إنهم يعملون في جميع أجهزة الدولة الفرنسية بما في ذلك تمثيلهم في الجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس الشيوخ والحكومة...
كيف يزيد عدد البطاقات الصفراء؟ البطاقات الصفراء ترتب حقوقاً للأردن في فلسطين
أما الزيادة في عدد البطاقات الصفراء الذي تحدث عنه وزير الداخلية المحترم الأسبق ، فأخشى أن يسيء بعض النقاد والناس تفسيره. وحتى لا يفعلون أبين أن زيادة عدد البطاقات الصفراء ناجمة عن حصول أبناء وبنات هؤلاء الأردنيين بعدد بلوغهم سن السادسة عشرة على هذه البطاقات، لأن بطاقة الأب (أو) الأم قبل هذه السن تضمهم اي لا يسمح لهم بنيلها قبل هذه السن ، وبوصولهم إلى تلك السن فإنهم يحصلون عليها من دائرة المتابعة والتفتيش مما يجعل البطاقة الصفراء الواحدة للأم أو الأب تصبح خمسة أو عشرة، ويدفعون رسوماً لذلك تتراوح بين عشرين إلى ثلاثين ديناراً . إن ملاحقة دائرة المتابعة والتفتيش الأردنيين ذوي البطاقات الصفراء المقيمين في الأردن وخارجه الحاصلين على لم الشمل ليحصل أطفالهم عليه منفصلين عنهم بعد بلوغهم هذه السن ــ وإلا خسروه ــ واجب وطني وقومي تحمد وزارة الداخلية على الآلتزام به وتُؤيد عليه. وهو يعني ــ بالإضافة إلى ذلك ــ وضع حقوق هؤلاء الأردنيين في أيدي الحكومة الأردنية ـ حكومتهم ـ وحمايتها بمباديء إتفاقية السلام والقوانين الدولية . ومن هنا ولهذا ترتب البطاقات الصفراء كما اللاجئين الأردنيين حقوقاً للأردن في فلسطين لا بد من التمسك بها والدفاع عنها.
لولا معاهدة وادي عربة
لم ينزح أو يٌهجّر أو يهاجر أحد من الضفة إلى الأردن بعد تعميد فك الآرتباطوتوقيع المعاهدة ليحصل على البطاقة الصفراء . وهنا يجب أن نعترف ومهما كان موقف الواحد منا منها أنه لولا معاهدة وادي عربة لكان الأمر بالعكس، أي لما كان يوجد ما يمنع إسرائيل من التهجير والترانسفير إلى الأردن. أما التصريحات التي تصدر عن بعض الإسرائيليين بين الفينة والأخرى من أن الأردن جزء من أرض إسرائيل أو أنه الوطن البديل فهي للاستهلاك الإسرائيلي المحلي أو للتحريض على الأردنيين من أصل فلسطيني في الأردن وبحيث يتحول الغضب الشعبي الأردني وينتقل مصدر الخطر عليهم من إسرائيل إلى الغضب على الأشقاء كمصدر للخطر ويصبحون كبش فداء لإسرائيل. ولقد ردّ عليهم جلالة الملك بحزم عندما قال:»... ما في قوة قادرة أن تفرض علينا أي شيء ضد مصالح الأردن والأردنيين» . نعم يجب أن نحذر من أقوالهم وتصريحاتهم ولكن يجب أن لا نشغل أنفسنا بها ونهيء الناس لتوقعها وقبولها، ولكنني أعجب من الذين يطالبون بإلغاء المعاهدة في هذا الوضع العربي العاجزمعرضين الأردن لمواجهة غير متكافئة مع إسرائيل التي تملك عسكرياً ما يفوق جميع ما تملكه الدول العربية مجتمعة. لولا المعاهدة لألقت إسرائيل كل يوم بجملة من الفلسطينيين المطرودين من وطنهم على الجسر كما كانت تفعل قبلها، ولما اضطرت الى اعتقالهم وحبسهم في سجونها أو نفيهم الى قطاع غزة.
والمعاهدة لا تلزم أحداً بالتطبيع، ولا بالإقبال على السياحة والسلع والخدمات الإسرائيلية – التي تُطبّع – كما يفعل كثيرون. فلنتركْ إسرائيل إذن تخرق المعاهدة، وعندئذ نهددها بسلاح الدمار الشامل وهو ترك المقاومة من جميع الجهات تطبق عليها، فلا تبقى إسرائيل الصغرى، ولا تنشأ إسرائيل الكبرى. يستطيع الأردن – كما هو فاعل دوماً – أن يستغل المعاهدة لابتزاز إسرائيل بها كلما أو عندما تخرقها وبخاصة بالنسبة للمقدسات.
الجنسية.. انتماء وولاء
ومن جهة أخرى تُلزم الجنسية صاحبها دستورياً وقانونياً وسياسياً وأخلاقياً باحترامها بالانتماء الصادق إلى دولتها وبالولاء لنظامها علناً وسراً وفي السراء والضراء وهو ما هو مطبوع في قلب كل أردني وإلا كان عدواً للوحدة الوطنية وخائناً للعقد او عميلاً او جاسوساً.
عندما يحصل المرء على جنسية ما حتى وإن كانت سياسة دولتها كريهة له مثل سياسة أمريكا تجاه فلسطين، فإن عليه أن يوطن نفسه وأن يربي ضميره على احترامها والإيفاء بواجباتها. ان ذلك لا يمنعه من نقد سياستها بالأساليب والوسائل المشروعة بل انه يستطيع في حالة الجنسية الأمريكية والجنسيات الأوربية ان يتصدى لها بقوة وعلنية بصورة أكبر مما يفعل في بلده الأصلي أو العربي. لقد تصدى المرحوم ادوارد سعيد لأعداء الحق الفلسطيني في عقر أمريكا من خلال أمريكيته. وكذلك يفعل اليوم عبد الباري عطوان في بريطانيا، وكثيرون غيرهما في أمريكا وأوروبا.
إذا حاول أحد البحث في الجذور الأردنية الفلسطينية كما يفعل بعض الناس اليوم فسيجد أنها متبادلة في المكان والزمان. وعليه فلا ضير أن يقول الأردني أنه أردني من الكرك، أو من إربد، أو من الشمال، أو من الجنوب أو من البادية، أو من فلسطين أو من الشام أو من العراق ... إن أردنية المواطن لا تمنعه من حب فلسطين أو الكرك أو اربد أو معان او فلسطين او الشام او العراق... أو من الحنين إليها، وإن كان يقيم في عمان او في الخارج، أو من الاهتمام بقضاياها، أو من الإفصاح عن مشكلاته وتظلماته، بشرط ان يتم ذلك من خلال أردنيته، وإلا فليتخلى عن جسنيته الأردنية ويسلّم جواز سفره الاردني. إن كل إنسان في هذا العالم يهتم بقضايا خارجية كثيرة دون أن يعني ذلك انكاره هويته أو مصالح وطنه، فلطالما اهتممنا بموضوع فيتنام وكوريا... وتمنينا هزيمة أمريكا فيهما وكذلك هزيمة البيض في جنوب افريقيا وروديسيا (زيمبابوي) ... إن العالم اليوم متداخل ومتشابك وقضاياه في النهاية مشتركة، ووسائل الاتصال الفوري تضعها في حضن كل إنسان مما يجعله مضطراً لاتخاذ موقف – معلناً أو غير معلن – مع هذه القضية أو تلك أو ضدها.
لقد كان الشرق أردنيون سباقين دوماً إلى نصرة فلسطين قبل الوحدة وبعدها بالمهج والأرواح. بل إن كثيراً منهم ـــ وقد صدقوا أن المنظمة مكرسة لتحرير فلسطين ـــ انضموا إليها مباشرة بعد حرب حزيران على الرغم من كونها فلسطينية، وإن كان ذلك أحد أكبر أخطاء الذين أسسوها وتداولوا عليها، لمّا لم يسموها منظمة تحرير فلسطين (لا منظمة التحرير الفلسطينية).
تعليم الأجيال واجب
إن الأجيال الجديدة من المنبتين (الأردني والفلسطيني) لا تعرف – للأسف – عن الوحدة الفريدة التي كانت قائمة بين الضفتين، وأن الضفة الغربية كانت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، وأن مسؤولية العرب عن ضياع فلسطين مرتين كل بمقدار دوره فيها لا تسقط بالتقادم او بالتفويض أو بفك الارتباط أو بالدسترة، ولذلك نجد الأردن نظاماً وشعباًً منغمساً في قضية فلسطين أكثر من أي بلد عربي آخر. ويتجلى ذلك أكثر ما يتجلى بتحرك جلالة الملك الدائم (سياسياً) في جميع الجهات والمحافل الدولية لتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حريته واستقلاله، (وإنسانياً) بقوافل الدعم والاغاثة الحياتية والطبية التي لا تنقطع، فالأردن فك الارتباط مع الضفة قانونياً وإدارياً ولكنه لم يفكه معها دستورياً أو قومياً وإنسانياً. إن دسترة فلك الارتباط تتطلب إلغاء الدستور أو تعديله بحيث يسمح (بالنزول) عن جزء من المملكة، فالجزء الأول من المادة الأولى من الدستور تقول: « المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا يُنزل عن شيء منه». لكن (فك) الارتباط الإداري والقانوني يجعل للدولة الأردنية مخرجاً كريما للفصل والوصل.ولما كان الأمر كذلك فإنه لا يجوز ترك الأجيال تتغذى على أكاذيب ومعلومات خاطئة تطلقها قلة قليلة لأجندات خفية عندها يمكن أن تلحق الضرر بالأردن العزيز.
وختاماً أقول للأردنيين من أصل فلسطيني ولغيرهم أن الأردن لم يكن المسؤول الأول عن فك الارتباط . لقد دفعته المنظمة ومؤتمر القمة العربي في الرباط سنة 1974 إليه، كل منهما لغاية في نفسه المغطاة بحجة أن تحرير الأرض المحتلة سنة 1967 سيكون أسرع أو سيتم عندما يتخلى الأردن عن شطره الغربي المغتصب في فلسطين ويتركه للمنظمة الذي لم يتحرر .ومع هذا وعلى الرّغم منه يظل الأردن بالجغرافيا والتاريخ الأقرب إلى فلسطين ، وفلسطين الأقرب إلى الأردن. وقد أكد جلالة الملك ذلك المرة تلو الأخرى كان آخرها في حديث جلالته خلال اجتماع في القيادة العامة للقوات المسلحة (4/8/2009) عندما قال: « إن الأردن هو الأقرب للأشقاء الفلسطينيين وأنه سيستمر في حماية حقوقهم وتقديم كل ما يستطيع من دعم لهم من أجل قيام دولتهم في أقرب وقت ممكن».
وأخيراً أدعو إلى اشتمال التربية الوطنية في المدرسة والجامعة ووسائل الإعلام على هذا التاريخ المشترك لإبقائه مشتركاً ويجب على الجميع منع وقوع شرخ يسعى أصحاب الأجندات المشبوهة إلى إحداثه لينفذوا منه إلى مآربهم الخطرة