الساعة

نحو قانون أو نظام للتحكيم والتسوية في القضايا الشرعية

04/04/2013

مركز الرأي للدراسات

اعداد : المحامي خليل البنا

نيسان 2013

الحياة التي نعيش والتطور الذي نعايش في كل منحى ومجال ومسايرة روح العصر تتطلب إيلاء القوانين والتشريعات الاهتمام المطلوب والعناية الفائقة من لدن الدول صاحبة الولاية والسيادة- وهي أي (القوانين والتشريعيات) تكبر وتنمو وتتجذر لتواكب التغيرات التي تطرأ وبشكل يومي، إذ لا يجوز أن نظل من المستعبدين للنص وعبّاده ليكون صنماً تقدم له القرابين وكأنه يمثل القداسة في ذاته، وعدم استخدامه وسيلة للصالح العام والمصلحة التي يدور معها النص كما قال الفقيه الطوفي وحيث نبقى أسرى لما ألفناه واعتدنا عليه – حتى وإن جانبه الصواب وما يقتضيه التغير المتسارع الذي ربما لا يلتفت البته للقاعدين عن الركب والأخذ بكل جديد.

وقد شمل التطور والتغير وملاحقة السنّة فيه، كل ميدان ومجال، فما كان من المسلمات قبل عقود قد لفظه العصر الذي نعيش وما رافقه من استحداثات وتطورات هي بنت الساعة، اقتحمت رغماً عنا، ما كنا نعتقد أنه الحق والصواب، وكان الاكتشاف والتأكد أنه رأي واجتهاد وفكر، وهو من المتغيرات وليس من المسلمات، بحيث تنشأ تبعاً لذلك حالات جديدة وتتوالد جرائها قضايا ومسائل لم تكن مألوفة أو معروفة، وإن كان الشرع الحنيف قد تناولها وتطرق إليها،ولكن دون امعان النظر بآلية التنفيذ التي بقيت هي الأقرب إلى التحجر والجمود (ليبقى القديم على قدمه) ولا نتجشم عناء البحث والتجديد وتشغيل العقل بما ينفع ويجدي ويفيد وتكون له النتائج الإيجابية على كل صعيد.

مصداقاً لقول الرسول الكريم (أنتم أعلم بشؤون دنياكم) بعيداً عن تقديس النص الوضعي – غير المحكم والمنزل بكتاب الله الأجل والذي لا يجرح المعتقد وما رسمه الشارع الحكيم نعم، لقد ألفت المحاكم الشرعية ومما يؤسف له واستمرأت ذات الأسلوب الذي لا يجوز أن يستمر لأنه يقترن بالخطأ والخطيئة وارتياد النهج الذي لا أصل له في كتاب الله.. ولا في سنة رسول الله.. وأقصد به التحكيم والتسوية في قضايا الخلافات والمشكلات والنزاعات الأسرية (بين الزوجين) المؤدية في نهاية المطاف إلى الانفصال والطلاق وما يستتبع ذلك من آثار سلبية مدمرة على الأسرة الوحدة الأساسية في المجتمع وما ينجم جراء (النزاع والشقاق) من فراق وانهيار في الحياة الزوجية.. على الأبناء على وجه الخصوص. وإذا كان الخلع والطلاق رخصة فيها الرحمة أحياناً إذا أغلقت الأبواب للحلول الوسط بين الزوجين ولم تعد المياه إلى مجاريها بينهما لينسيا في لحظة صفاء كل موجبات وغر الصدور وتفاقم البغضاء والشحناء- من أجل الأبناء فلذات الأكباد وثمرة العلاقة الشرعية والصحيحة والمقدسة بين الزوجين، إذاً لا بد والحالة هذه من اتباع وسائل تؤدي إلى الحفاظ على الوشائح واللحمة بينهما والتقريب، بواسطة التحكيم والتسوية- إذا ما استنفذت وسائل الإصلاح والتوفيق فالحياة الأسرية توجب ذلك ومؤسسة كالزواج تتطلب بذل الجهد بأقصى ما يكون دون كلل أو ملل وحتى تحين اللحظة الفاصلة لاتخاذ القرار الصعب باختيار الحكمين المكلفين بدراسة مشكلة النزاع والشقاق من جميع جوانبه ثم التوصية للقاضي المختص بالإجراء الواجب تنفيذه إذا ما استقرَّ في وعيهم أن في الانفصال بين الزوجين مصلحة لهما وللأبناء لكي لا يظل الزواج ينضح بالسوء والأحقاد ويزيد في الهوة والعداء.

التسوية والتحكيم في كتاب الله الكريم

ومما لا شك فيه، أن المتتبع لسير المحاكمات المدنية يجد أنها أخذت بما يسمى بالتسوية والتحكيم بقانونين (قانون التحكيم رقم 31 لسنة 2001 الذي نشر في عدد الجريدة الرسمية رقم 4496 تاريخ 16/7/2001 وقانون الوساطة لتسوية النزاعات المدنية رقم 37 لسنة 2003 المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 4595 تاريخ 30/4/2003) وسنهما، والبدء بتنفيذ بنودهما، يدل على مواكبة المحاكم النظامية للتطورات التي دخلت من غير استئذان وفرضت نفسها على كل صعيد كحاجة ملحة وضرورية لا بد منها، إذ لا ينفع البقاء في دائرة مغلقة من القوانين التي لا تتغير ولا تتبدل لأن القاعدة القانونية تقول (تتغير الأحكام والفتاوي- بتغير الزمان والمكان) والاجتهاد في هذه الحالة مطلوب بل واجب لا بد منه بمعطياته ونتاجه ومتطلباته إذ لكل حالة جديدة لبوسها ومعانيها وآثارها، والمواكبة تعني الأخذ بكل مبتكر ومفيد ليس فيه الضرر والإضرار وتنكب عن الحق والعدل.

وفي كتاب الله الكريم المرجعية لهذه الخطوة شريطة عدم الاكتفاء بالنص المقدس كما هو دون تفعيل الآلية والطريقة، لأن وجود الأصل والمنبع والمرجع لا يمنع البته من الأخذ بالوسائل العصرية والأسس الموضوعية وبالمنهجية العلمية، وكيفية المعالجة السليمة والحلول القويمة لمشكلة النزاعات الأسرية (بالدراسة والتشخيص والعلاج) الوسيلة العلمية المثلى.

فالتحكيم على سبيل المثال وليس الحصر قد ورد في كتاب الله الأجل بقوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه في الآية 35 من سورة النساء (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما، إن الله كان عليماً خبيراً) وهذه الآية الكريمة هي السند والقاعدة الرئيسية للتحكيم، بالإضافة إلى عمليات الإصلاح والتوفيق التي تقوم بها المكاتب والهيئات المختصة من خلال المرشدين والأخصائين الاجتماعين والنفسيين المؤهلين تأهيلاً عالياً ولديهم الكفاءة والمقدرة لولوج هذا الطريق الصعب بين زوجين ربما تقطعت بينهم جميع السبل للعودة ولمّ الشمل بحيث يحتاجان إلى الصبر والأناه وإلى المختصين لرأب الصدع بما لديهم من إمكانيات ووسائل تميزهم عن غيرهم. وليس كما نراه في الواقع المعيش لأن المسألة ليست (فهلوه وترضية خواطر وتذكير كل منهما بكتاب الله وحديث رسول الله) أو ربما تكون القلوب قد امتلأت بصديد الأحقاد وتسجيل المواقف حتى على السكنه والنأمة والنظرة) دون صفح ونسيان وتسامح ومغفرة (ومبضع الطبيب هنا ولا مندوح من القول بأنه يتفوق على مشرط الجراح) الإصلاح والتوفيق مرحلة تاليه لما نص عليه كتاب الله الحكيم في الآية 34 من سورة النساء (الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيراً) والآيات كما هو معروف لأهل العلم والفقه تفسر بعضها بعضاً بالتتابع والتدرج وفي هذه الآية الكريمة من الحكمة والهداية والأحكام ما يمكن تجنب الكثير من الهزات والزلات والشروخ التي تطيح بالميثاق الغليظ والرباط المقدس (الزواج) على مذبح الأثرة والأنانية وتورّم الذات والمكابرة والعناد والتمترس في المواقف دون زحزحة عنها حتى بين أيدي المصلحين أو المحكمين فالخلاف إذا ما استحكم بالنفور وعدم التقبل لن يجدي معه نفعاً كل وسائل الإصلاح والمواعظ الحسنة والتخويف والترهيب والأجدى تفتيت المشكلة وإرجاعها إلى عناصرها الأولى ومعرفة الأسباب الكامنة لإيجاد الحلول المناسبة- إذ ربما يصحو الزوجان بعد ذلك- ليجدا أنه لا خلاف حقيقي بينهما ويستهزئان مما ألمّ بهما، ولكن من يستطيع ذلك سوى المعالجين النفسانيين العارفين ببواطن الأمور وبالنفس البشرية التي تحتاج إلى التشخيص السليم للحالة بعد الدراسة الوافية المتمكنة ومن ثم رسم الصورة المثلى للعلاج الناجع وفي آي الذكر الحكيم الخطوات السليمة الهادفة.

1- الرجال قوامون على النساء- إذ ليس كل ذكر رجل- والرجل هو الأقدر على التعامل مع المرأة والأكثر فهماً وتقبلاً لها وتحملاً لبعض أخطائها لأنها (إنسان) ويستطيع استيعابها – إذا أراد- والحنّو عليها والصفح عن زلاّتها فخيركم خيركم لنسائه وما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم واتقوا الله في النساء كما في الهدي النبوي.

2- بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم... والأفضلية هنا لا تعني في المطلق إلا الدور إذ لكل منهما دور في الحياة لأن الله سبحانه لا يضيع عمل عامل من ذكر وأنثى واقترن الاثنان معاً في كثير من الآيات فهما من نفس واحدة وواجب الرجل الإنفاق والقيام بالواجب ليستحق الطاعة والالتزام وأي تقصير أو اهمال أو تهرّب من تحمل المسؤولية يعطي الفرصة والمسوغ للمرأة بعدم الطاعة وعدم الالتزام بحقوق الزوج التي يطلبها في هذه الحالة قسرياً وتعسفاً دون أن يدفع الثمن المطلوب.. فكيف تلام الزوجة إذا لم تجد في زوجها رجلاً من معدن الرجال.

3- واللاتي تخافون نشوزهن، والنشوز هنا هو العصيان، يقال نشزت المرأة أي استعصت على بعلها بأن تعصيه فلا تطيع أمره وتمنعه من نفسها بلا عذر وتخرج من بيتها بلا إذنه (كما في زبدة التفسير للدكتور محمد سليمان الأشقر) والاستعصاء هنا لا يتفق البته مع أساليب البعض بإتيان زوجاتهم في غير الأماكن التي أرادها الله أو بطريقة الإجبار والإذعان في العلاقة الجنسية التي تحتاج إلى تمهيد وذكاء لأنها ليست بهيمية وحيوانية كما يريدها بعض الرجال وقضاء للوطر دون إشراك الزوجة وفي قول الرسول الكريم (لا تأتوا نساءكم كالبهائم بل اجعلوا بينكم وبينهم رسولاً قالوا وما الرسول يا رسول الله قال القبله)، لكي لا تكون المعاشرة الجنسية تعدياً واغتصاباً واقترافاً لذنب وخطيئة لا يقبله العقل والدين لأن هذه العلاقة المقدسة تتطلب مقدمات وتودد تتوق إليه المرأة ويلتزم به الرجل العاقل المحب والودود وليس المنتقم الجبار والحاكم بأمره ممن لا يهمه إلا نفسه وغريزته دون اكتراث لشريكته وحاجاتها النفسية والجسدية.

4- واهجروهن في المضاجع أي تباعدوا عن مضاجعتهن بصورة مؤقتة وليس الهجر المديد- الذي يولّد الضغينة ويوغر الصدور أو الهجر الدائم الذي لا رجوع عنه ومثلما يقال (لا مطلقة ولا معلقة) وفي هذا خروج عن الشرع وعن الحكمة من الزواج. ولتظل القلوب صافية والنفوس نقية لا تعكر بالشرخ المفضي إلى الهوة وتعميق الخلاف الذي لا يجد العلاج بعد ذلك.

5- فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا.. والطاعة هنا لا تعني الاستعباد والعبودية وطلب المستحيل من الزوجة بل تعني القيام بواجبات الزوج وحقوقه مثلما تطلبه المرأة سواء بسواء من زوجها القيام بحقوقها الشرعية والواجبات المطلوبة مادية ومعاشرة سليمة معها دون إكراهها بقول أو بفعل يترك ندوباً في النفسية لا يمحوه الزمن.

التحكيم في قانون الأحوال الشخصية الأردني

في الفقرات أ، ب، ج، د، ه، و، ز، ح، ط) من المادة 126 من قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (36) لسنة 2010 النصوص التي تتحدث عن الحكمين في ضوء الدعوة التي يقيمها أحد الزوجين على الآخر في طلبه التفريق للشقاق والنزاع حيث جاء فيها ما نصه (لأي من الزوجين أن يطلب التفريق للشقاق والنزاع إذا ادعى ضرراً لحق به من الطرف الآخر يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية سواء كان الضرر حسياً كالإيذاء بالفعل أو بالقول أو معنوياً أي تصرف أو سلوك مشين أو مخل بالأخلاق الحميدة يُلحق بالطرف الآخر إساءة أدبية، وكذلك إصرار الطرف الآخر على الإخلال بالواجبات والحقوق الزوجية المشار إليها في الفصل الثالث من الباب الثالث من هذا القانون (هذا الفصل يتحدث عن تهيئة الزوج للمسكن المحتوي على اللوازم الشرعية والتي تأمن فيه الزوجة على نفسها ومالها، وأن لا يسكن الزوج أهله وأقاربه معها دون رضاها أو زوجة أخرى وليس لها (أي الزوجة) أن تسكن معها أولادها من زوج آخر أو أقاربها دون رضا زوجها، وأن يحسن كل من الزوجين معاشرة الآخر ومعاملته بالمعروف وإحصان كل منهما للآخر، وتبادل الاحترام والمودة والرحمة والحفاظ على مصلحة الأسرة، وأن لا يمنع الزوج زوجته من زيارة أصولها وفروعها وإخوتها بالمعروف، وعلى الزوجة أن تطيع زوجها في الأمور المباحة).

ومن الملاحظ من خلال التجربة والمعاينة لكثير من القضايا الأسرية في المحاكم عدم الالتزام البتة بهذه النصوص- إلا للقلة- مما يجعل مرجل الخلاف والنزاع مشتعلاً بين الزوجين ولأتفه الأسباب ليأتي تدخل الأهل ليصبَّ البنزين على النار إلى درجة احتراق العلاقة على مذبح الأثرة والمناصرة الهوجاء لكل طرف دون تذليل للعقبات.. والإلتقاء على كلمة سواء.. ويكون التقصير من كليهما (الزوجين) نحو الآخر مدعاة للنفور ووغر الصدور.. ليتعذر بعد ذلك اللقاء وتكثر القضايا وتنوء المحاكم بحملها لتشعبها في كثير من الأحيان وعدم التوصل إلى الحلول الوسط المرضية للطرفين- وربما يكون ذلك- بسبب فشل بعض القضاة وعدم قيام المحامين بالواجب الإنساني في التقريب لقاء حفنة من المال هي لا شيء أمام النهايات المأساوية المحزنة التي يقطف نتائجها المجتمع تفككاً وتصدعاً ومزيداً من حالات الجنوح والإنحراف واستشراء الجرائم والموبقات من الأبناء الذين لا يجدون إلا الشوارع مأوى ومن رفاق السوء وأصحاب السوابق المحضن والملاذ وليس أروع ولا أبقى في سمع الزمان وصية المرأة الأعرابية لابنتها حين زفافها.. ووصاياها العشر التي تعتبر القاعدة الرئيسية للحياة الزوجية السعيدة في كل زمان ومكان .

ولا شك بأن بناء علاقة زوجية سليمة وأبناء أسوياء وأصحاء تتطلب ابتداء

1. حسن الاختيار لأنه الركيزة الأساسية لحياة زوجية سعيدة ودائمة.
2. عدم تدخل الأهل لما سيسفر عن ذلك من زيادة الشروخ وتفاقم المشكلات.
3. الابتعاد عن المظاهر والاستهلاك والتفاخري والمظهري والتقليد لما له من آثار سلبية مدمرة كلياً.
4. تجنب الفقر والبطالة بالعمل والإعتماد على الذات علمياً وعملياً وإدارة الظهر لثقافة العيب.
5. ثقافة جنسية مناسبة تقضي على الجهل والممارسات الخاطئة.
6. مواءمة وانسجام مسبق يفضي إلى التآلف والتناغم والاستيعاب والتقبل.
7. تماثل في الثقافة والبيئة لكي لا يشعر أحد الطرفين بالأفضلية والاستعلاء.
8. صحة جسدية ونفسية وعقلية (مع ضرورة إجراء الفحص الطبي الشامل سريرياً ومصلياً وشعاعياً قبل الزواج للحيلولة دون وجود نسل يعاني من أية إعاقات أو أمراض سارية ومعدية ووراثية) لكي لا يؤثر ذلك سلبياً على الحياة الزوجية.
9. الدراسة الوافية من كل مقبل على الزواج لشريكه (لأهمية ذلك في معرفة الآخر والوقوف على احتياجاته ورغباته ومكنوناته) بشكل عام، لاسيما وأن الإنسان لا تكتشف حقيقته إلا من خلال القرب والمعاشرة الدائمة.
10.ضبط الإنفاق وترشيده، وتنظيم النسل بحدود القدرة المادية والإمكانيات المتاحة (فما كان من العزوة قبل عقود، يحتاج الآن إلى نفقات باهظة تنوء بحملها الأسرة من رعاية وعناية وتعليم وتطبيب وتوفير السكن المناسب والصحي، والغلاء المتحكم بالرقاب).

نعم.. لمدارس ومراكز الرباط المقدس

وتأكيدا ًعلى ما تقدم فلا بد من ايجاد مدارس أو مراكز تؤهل المقبلين على الزواج من خلال دورات تعقد لزيادة الوعي والثقافة الأسرية وترشيد الاستهلاك وتنظيم الأسرة والصحة الانجابية وتربية الأبناء وبناء علاقات سوية بين أفراد الأسرة وكيفية حل المشكلات التي تعترض حياتها ضمن منهاج علمي يتلقى فيه الملتحقون الدارسون (ذكوراً وإناثاً) ما يساعدهم على بناء أسرة سعيدة ضمن معطيات إنسانية عصرية ويضعون الأسس الكفيلة بتجنب المشكلات والاختلالات في دستور أسري يعرف كل منهم فيه حقه وواجبه ومسؤولياته إزاء الطرف الآخر.
ولقد كان لي شرف تقديم هذا الاقتراح إلى الوزارات المعنية والهيئات الأهلية قبل عقود (سبعينيات القرن الماضي) عندما كنت مديراً للشؤون الاجتماعية في الزرقاء. وآن الأوان لإخراجه إلى حيز التنفيذ العملي من قبل الجهات المعنية أو المهتمة رسمية أو أهلية في عصر وزمن يتطلب مثل هذه الجهود المبذولة لإنجاح مؤسسة الزواج لكي لا يصيبها العطب والتحلل والتصدع والإنهيار لأنها الأهم والأسمى في أي مجتمع وفي الحياة.

نعم لقانون أو نظام التسوية والتحكيم

وبيت القصيد هنا، يكون في إحالة القضية المنظورة أمام المحكمة المعنية في ضوء طلب التفريق من الزوجة أو الدعوى من الزوج بحيث تحال إلى الحكمين بعد شهر أو بعد سنة.. يكون القاضي قد بذل جهده في الإصلاح، بحيث يتبارى المحامون كل منهم يودُّ الاستنصار لموكله وتغيب الحقيقة في هذه الحمأة.. وربما وجودهم – غفر الله لهم- يزيد الطين بلّة وتتفاقم المشكلة لأنهم يتمترسون وراء ما يتوهمون أنه الحق الصراح لموكلهم و أو لموكلتهم، حيث ينصبُّ عمل المحامي- ومما يؤسف له- على الدفاع والدفاع فقط دون الأخذ بعين الاعتبار الرأي الآخر المخالف ولا يتمثلون بقول الخليفة العادل عمر بن الخطاب ( لا تحكم لمن قلعت عينه فلربما غريمه قد قلعت عيناه) ويتبارون في طرح النقاط الاحتيالية في كثير من الأحيان لكسب القضية – حتى على حساب الحق والحقيقة.

(ويشترط في الحكمين- كما ورد في الفقرة ج) وفق منطوق هذه المادة 126 (أن يكونا عادلين قادرين على الإصلاح وأن يكون أحدهما من أهل الزوجة والآخر من أهل الزوج- لأنهما الأقرب إليهما ويتوخيان مصلحة الزوجين وهدفهما إعادة اللحمة إليهما وتجنَب وقوع الانفصال والطلاق أبغض الحلال إلى الله- وإن لم يتيسر ذلك حكّم القاضي اثنين من ذوي الخبرة والعدالة والقدرة على الإصلاح- أي ليس بالضرورة أن يكونا من فئة المحامين الذين همهم فقط الحصول على الأتعاب دون أن يتجشما صعوبة البحث عن الوسائل الكفيلة بإعادة المياه إلى مجاريها بين الزوجين.. لأن جل الأعمال التي يقومون بها- ومما يؤسف له لا تستند إلى منهجية علمية ودراسة مبنده (استبيان) والاستماع بآناه إلى مآخذ كل طرف من الزوجين على الآخر والقواسم المشتركة بينهما، ودون ذكر للوقائع كما هي وأقوال كل طرف ثم التحليل وتفتيت ووضع وسائل المعالجة المطلوبة وقد لاحظت ومن خلال عملي أن الحكمين يسجّلان فقط أقوال كل طرف ثم يضعون اللائمة واللوم على أحدهما لتكون نسبة الإساءة كالمعادلة الرياضية دون إدراك فعلي للب المشكلة بينهما والأذى والضرر الذي يصيب كل طرف ومكمن الداء في كل منهما لتكون النصيحة بالإقلاع عنه لتصفوا الحياة للزوجين دون أن يركب كل منهما رأسه بعناد وكيديه ويكيل التهم جزافاً للآخر.

وغني عن القول بأن وجود الحكمين من أهل الزوجة والزوج حصرياً يتوافق وينسجم مع شرع الله الحنيف بقوله سبحانه (فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) وهو الأسلم والأصوب إلا في حالات استثنائية يقدّرها القاضي والمحامون، والاستثناء لا يقاس عليه لكي لا يكون هو الأصل كما هو حاصل بالفعل، دون تأهيل علمي حقيقي للحكمين في العلوم الإنسانية الأخرى الضرورية للتحكيم في مثل هكذا حالات (الخدمة الاجتماعية، علم النفس، الصحة النفسية، علم الاجتماع وغيرها من العلوم) التي تساعد على الحل وتمكّن الحكمان من العمل بجدارة واقتدار، لا أن يكون عملهم خبط عشواء وتزداد على أيديهم حالات التفكك الأسري وضياع الأبناء بالجنوح والانحراف لتتلقفهم الشوارع وأصحاب السوابق ويدخلون بعد ذلك إلى عالم الجريمة والانحراف والخروج على أقانيم المجتمع وقيمه ومثله العليا.

ومن أجل ذلك كله، ولضمان علمية الإصلاح الحقيقي والتحكيم المجدي فإنني أقترح، بل وأطالب باستصدار قانون أو نظام ملزم للتحكيم والتسوية في القضايا الشرعية يرسم الطريق للعمل الصحيح وأسس هذه العملية بعيداً عن التخبط والعشوائية والمزاجية.

وقد آن الأوان لأخذ ذلك بعين الاعتبار والاقتباس مما هو موجود كمرجعية يستفاد منها والبناء عليها بما يتوافق وينسجم مع طبيعة القضايا الأسرية التي حلها (نزاع وشقاق وطلاق) حيث النسبة تتعدى 50 % بين انفصال تام أو انفصال جسدي وروحي مع بقاء صورة الحياة الزوجية كمظهر من المظاهر، أو بين الشجار وتوالد الأحقاد يومياً هي المعادلة الأكثر شيوعاً لما يسمى بعش الزوجية الحالم وبالإمكان استخدام أدوات التحكيم ومنهجيته العلمية في هذا المضمار لأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها) حيث أصول الفكر والفقه القضائي في حقيقة الأمر من منبع واحد رسّخته وكرّسته قواعد الشرع الحنيف ومقاصده، وفيه من نتاج العقل البشري الشيء الكثير وما خاب من استشار.

ولا مندوح من القول بأن عدد الفقرات التي تتحدث عن التحكيم في المادة مدار البحث هي (9) يضاف إليها المادة (127) ليكون ذلك مبرراً ومسوغاً منطقياً دالاً على استحداث ذلك بعد التشذيب والتبويب والتوسّع ضمن القانون أو النظام المطلوب، كما يمكن الاستفادة والاستعانة بهذه الثروة الغنية من الموروث الفقهي الزاخر بالرؤى والتطبيق والذي توسّع فيه العلماء من أصحاب المذاهب (المدارس) الإسلامية التي عالجت مثل هذه الحالة وهي كثيرة ومتنوعة جال فيها أصحابها في المعاني والأبعاد والأسباب والتفسيرات باعتباره معين لا ينضب من الاجتهادات التي تثري التوجه نحو الغاية المنشودة بما يتناسب مع طبيعة المرحلة التي نعيش وروح العصر التي تبحث دائماً وأبداً عن كل جديد ومفيد.