الساعة

هل من الممكن أن نهزم الفساد؟‏‏ ومن أين نبدأ ؟

اعداد : خالد سليمان رباع

مركز الرأي للدراسات

كانون الثاني /2012

الفساد هو عملية سرقة لثروات الأمة إنه يسرق من المواطنين قدراتهم الكامنة كما يسرق منهم طموحاتهم وتطلعاتهم نحو مستقبل أفضل وتعليم أحسن ورعاية صحية أشمل وقدرة أكبر على الحصول على المساكن والطعام والمياه وغيرها من ضروريات الحياة. كما يؤدى الفساد إلى إهدار سيادة القانون وزعزعة المؤسسات القائمة على اقتصاد السوق التى تعتبر أساس الديموقراطية، وإلى انتشار الجريمة الدولية وتهديد الأمن العام للجميع.

 

الفساد لا يحصل تلقائياً.. فالإنسان يولد على فطرة طاهرة، ولا ينحرف إلاّ بتأثير ضغوط وإغراءات خارجية، يستغلها المفسدون والوسطاء.. أي هناك أطراف: المفسد، والوسيط، والفاسد، مما يفرض التفكير في عدة اتجاهات، بدءاً من المفسدين ووسطائهم، على أن لا نغفل الفاسدين

من أين نبدأ؟

أن يكون الإفساد والفساد منتشراً في جميع دول العالم، لا يبرر تأجيل إجراءاتنا الداخلية، أو انتظار إجراءات الآخرين، أو أن نتوقع لجنة دولية للقيام بالمكافحة في الكرة الأرضية!.على الرغم أننا مستعدون للمساهمة في أي جهد خارجي لمكافحته.. إنما أرى أن نبدأ دون إبطاء بشكل حازم لتنظيف بيتنا الداخلي من شوائبه.. وإن تنظيف بيتنا الداخلي وترتيبه وتنظيمه، يجب أن يحتل الأفضلية الأولى في كل ما نقوم به لتحقيق أمانينا بالتنمية والتطور.

فالبدء دون تردد، بأولويات محسوبة.. والاستمرار في الطريق الذي قد ينتهي، وقد لا ينتهي.. وأن يكون البدء، على قدر المتاح من الإمكانات المحلية، وبواقعية عملية تخلق المناخ المشجع على النزاهة.. وتدرأ الضغوط المختلفة يغسل الدرج أو السلم عادةً من الأعلى.. وفي هذه المقولة إجابة على السؤال: من أين نبدأ؟ إذ أرى أن نبدأ من كبار المفسدين والفاسدين، فإن حوسبوا، صلُح حال بقية العاملين.. وبذلك يشعر عامة الناس أن القانون فوق الجميع

يؤدى انتشار التصرفات الفاسدة والغير أمينة و اللا أخلاقية بين الموظفين العموميين إلى انخفاض ثقة الناس فى قدرة الحكومة على القيام بعمل «جيد» وتحقيق المصلحة العامة. وقد يكون من السهل الوصول إلى فهم متزايد لأسباب الفساد وتداعياته، إلا أنه من المؤكد أن إحراز التقدم فى مكافحته يعد أمرا أكثر صعوبة

وبكل صراحة، أنه لا توجد دولة خالية من الفساد. ولذلك فإن التعاون فى مكافحة الفساد يتطلب أن تتحمل كل دولة مسؤوليتها مع جميع الدول الأخرى والحكومات ومنظمات المجتمع المدنى، وأن تتحمل الدول المتقدمة مسؤوليتها عن ضمان الالتزام المستمر بزرع بذور ثقافة تقوم على الأخلاق والقيم وجنى ثمار التنمية .

الحديث عن خطورة الإفساد والفساد وآثاره أوسع من الحصر، فهو يمد أذرعه كالأخطبوط في اتجاهات كثيرة إدارية واقتصادية واجتماعية وتربوية وأخلاقية، وأسرية، ويحبط الأجيال الصاعدة ويزيد الانفصام بين السلطة والمواطنين ويعرقل الإصلاح والتطوير في كل المجالات والتنمية الشاملة وإجهاض إجراءاتها.. والكلام عن ضرورة مكافحته متكرر، وتتناوله أقلام من مستويات ومواقع ومذاهب مختلفة، ما دام الصراع بين الخير والشر مستمراً.. والإفساد والفساد أحد أوجه الشر، الذي تُحرمه الديانات والشرائع السماوية والوضعية وكذلك المبادئ الأخلاقية والتربوية .

مظاهر الفساد وأشكاله

أ- الرشوة والهدية والإكرامية والبخشيش والإتاوة والابتزاز والنصب والاحتيال والاختلاس والسرقة، واستجداء المزايا باستغلال النفوذ؛ استغلال المناقصات والمزاودات والعقود التي تتلوها؛ التهرب من دفع الرسوم والضرائب المالية والجمركية وغيرها، والامتناع عن دفعها بوسائل ملتوية وتحايل؛ منح المكافآت والتعويضات والمزايا لمن لا يستحقها

ب-عدم وضع الشخص المناسب في مكانه تسخير المرؤوسين في مصالح ومشروعات خاصة؛ استعمال السيارات والآليات العامة في مصالح خاصة، ووضعها بتصرف العائلة والأقارب والمعارف والمحاسيب والأزلام؛ الإكثار من عناصر المرافقة والحراسة؛ الوساطة غير المشروعة والتزوير في الوثائق والوقائع؛ استعمال الهاتف في أمور شخصية؛ الإيفاد إلى مهمات أو دورات تدريبية محلية وخارجية، لمن ليس أهلاً لها..

ج- الإسراف وتبذير الأموال العامة.. ولائم غنية؛ مكاتب فاخرة؛ وضع حجر الأساس لمشاريع صغيرة وتدشينها باحتفالات بشرية ونفقات كبيرة؛ تبادل بطاقات التهنئة والمعايدة الفاخرة المزركشة؛ كثرة اليافطات والأعلام والصور في المناسبات، وترك معظمها تبلى بفعل العوامل الجوية؛ تبادل باقات الورود الفارهة؛استعمال القرطاسية لأمور شخصية

مظاهر أخرى: لجان المشتريات العامة؛ مخالفات البناء؛ حفر آبار غير مشروعة؛ بيع الأسئلة في الجامعات؛ الاستيلاء على الأراضي؛ الاتجار بالمخدرات؛ الاتجار بالدعارة.. وأن القطاع الخاص يساهم بالغش في المواصفات للسلع والأدوية؛ والاحتكار ورفع الأسعار؛ سوء تنفيذ المشروعات؛ تقليد الماركات الأجنبية والمحلية المشهورة .

الانتقال إلى اقتصاد السوق الاجتماعي كشف عن أن الفساد ليس من نتاج القطاع العام وحده، بل إن هذا القطاع يشكل في أغلب حالات الفساد وقضاياه مجرد أداة أو وسيلة فحسب لفساد أعم أو أشمل وأكثر تخريباً يدور في أوساط القطاع الخاص الذي يشكل البؤرة الأولى لإنتاج تلك الحالات..

فثّمة من يحاكم الفساد في القطاع العام, فمن يحاكمه في القطاع الخاص ومن يصوب اتجاهات هذا القطاع .

فلينظر كل منا في هذه الأشكال والمظاهر وغيرها.. ليرى إن كان له دور في مقاومتها وإزالتها، أم لا؟. فرداً كان أم مؤسسة عامة أو شبه عامة أو نقابية.. وأعتقد أن الجواب هو: نعم.. لكلٍّ دوره وأعتقد، أن مقاومة الكثير من هذه المظاهر سهلة، وتقع في مقدور الكثيرين إذا توفرت الاستقامة والإرادة.. فماذا يحصل مثلاً، لو أن جهة ما سألت، أي وزير أو محافظ أو مدير عام أو رئيس نقابة أو منظمة، ومن في حكمهم.. عن عدد السيارات الموضوعة بتصرفه، وقارنتها مع حاجته، وسحبت الفائض؟.

ألا نحصل بمثل هذا الإجراء على أثر عظيم إيجابي جماهيرياً وإدارياً واقتصاديا.. وأضيف، ماذا لو عامل الكثيرون منا المال العام وكأنه أمانة لديهم، وامتنعوا عن اقتراف عدد كبير من هذه المظاهر؟، ألن تكون المحصلة إيجابية على الصعيد الشخصي والعام؟. فلنتوكل على الله ونوطد العزم على ذلك .

الآليات والإجراءات للمكافحة

نحن بحاجة إلى أدوات وآليات وإجراءات فعالة في مضمار المكافحة وسد الذرائع..

إجراءات وسلوك ذاتي وفردي، من العامل، والمواطن العادي المدفوع تحت الضغوط أو الإغراءات، إلى الفساد دفعاً.. وإجراءات عامة ومركزية، في كل القطاعات والمجالات، تؤتي أُكلها على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد

فما هي مراحل إحداث الهيئة المركزية الدائمة المختصة بمكافحة الفساد ...الحرص والتدقيق في تسمية الذين يشغلون وظيفة في هذه الهيئة وأجهزة التفتيش والرقابة والمساءلة، والقضاء.. وتحديد صلاحيات جهاتهم بدقة ووضوح... بحيث تأخذ وجهاً إيجاباً بناءً، بدلاً عن الوجه السلبي الشائع و سرعة إحداث وزارة للتنمية الإدارية.. بحيث تتضافر جهودها وتناسقها مع الهيئة المركزية المختصة بالمكافحة والاستمرار في زيادة دخل الموظفين والعاملين، أثناء الخدمة والتقاعد، إلى ما يسد احتياجاتهم المختلفة مع أسرهم..

فبالمقارنة مع رواتب العاملين في القطاع المشترك، وتعويضاتهم، نرى « مفارقات « غير منطقية مذهلة و إعطاء الحوافز والتعويضات والمزايا لمستحقيها، وفق جهودهم في المنتجات أو الخدمات أو المبيعات، دون سقوف تحدها، واشتراطات تقيدها وتسوّفها، وتقلبها إلى « حواجز.

إصلاح التنظيم الهيكلي المركزي للإدارة الحكومية والقطاع العام.. بما يحدد الاختصاصات، في مقابل المسؤوليات، ويدرأ التنازع بين مختلف المستويات، وكذلك يوضح دور الجهات الوصائية والإشرافية والرقابية بما يدرأ التدخل في صلاحيات الأجهزة والقطاع العام، ويساهم في التوجه نحو اللامركزية..

 

وإصلاح ملاك المؤسسات والشركات العامة لنتفادى البطالة المقنعة، التي تعني: هدر الطاقة البشرية وأجوراً وتعويضات غير مبررة، وهدراً في النفقات على المكاتب والسيارات والمحروقات، وزيادة تكلفة المنتجات والخدمات، وتعقيد الإجراءات الإدارية و إزالة القيود والغموض في القوانين والأنظمة والتعليمات والبلاغات وتعقيداتها.. ذلك أن عدم تبسيط الإجراءات ووضوح المعاملات، واستخدام الأدوات الإدارية المتخلفة، يزيد من الظواهر المرضية للروتين والبيروقراطية، مما يدعو المواطن إلى اللجوء إلى كتاب العرائض ومعقبي المعاملات..

وأرى إحياء دور مجلس الدولة التشريعي، وأن تكفل القوانين حماية من يفضح الإفساد والفساد ويساعد على كشف أفراده وشبكاته وأساليبهم، قانونياً وإدارياً.. بل وتشجيعه قانونياً وقضائياً وإدارياً وماليا..

الإسراع في إدخال الأدوات الإدارية الحديثة والاستفادة من مزاياها على نطاق واسع في جميع الجهات والمستويات المركزية والمحلية والقطاعية

وضع الشخص المناسب في مكانه، وتحقيق شروطه الموضوعية:

بتنظيم « سجل مسلكي عام « للعاملين مستمر، يشمل أوصافهم ووقائعهم..

ب ـ وضع توصيف علمي ومنطقي للوظائف وشروط إشغالها..

ج ـ التدريب المستمر للعاملين، خاصة في المستويات العليا، وجعله شرطاً لإشغال المناصب والوظائف العليا.. ولنتذكر هنا أن إحدى الدول الغربية « اشترت « أي أفسدت مسؤولاً متنفذاً في إحدى دول المنظومة الاشتراكية، ولم تطلب منه التجسس على بلده، وإنما تطبيق ما يخالف مبدأ وضع الشخص المناسب في مكانه، بالنسبة للمستويات العليا , أن تلعب وسائل الإعلام، وكل صاحب قلم ووسيلة تنويرية وتثقيفية وتعليمية، دوراً في رصد الظواهر وتقصيها والتأكد منها وتسليط الضوء عليها لتضييق الخناق على أفرادها وشبكاتها..

والإعلان عن النتائج المؤكدة بنتيجة التحقيق النزيه أو صدور أحكام قطعية.. وأُذكّر هنا بأسلوب « تجريس» الغشاشين من قبل المحتسب في صدر الإسلام، حيث كان الغشّاش يُحمل على حمار ووجهه نحو الخلف!، ويقرع هو، أو مرافقه جرساً، لتنبيه الناس إلى شناعة فعلته..

توطين النفس على الاستقامة، والتحصّن ضد الخطوة الأولى نحو الانحراف.. التي تكون بالمسايرة والخجل تجاه ذوي النفوذ الأعلى والأقارب والمعارف.. لأن الانحراف سيزداد اتساعاً مع الزمن، فمن يسرق بيضة يسرق جملا , وعقد العزم على عدم الاستهانة بالأموال والممتلكات العامة، وفقد الشعور بالمسؤولية عنها وبضرورة المحافظة عليها كما لو كانت أمانة.. بل هي أمانة في عنق من وُضعت بتصرفه.. ولنتذكر أن الله سبحانه يغفر الذنوب الدينية، ولكن الديون الخاصة للآخرين، يستوفيها الدائن من حسنات المدين أو تنقل سيئاتهم إليه..

فإذا كان هذا ما يتعلق بالمال الخاص، فكيف سينجو المسؤول عن اختلاس المال العام الذي يخص جميع أفراد المجتمع؟، وهل لديه حسنات تكافئها، وهل يستطيع تحمل سيئاتهم

منطلقات يجب مراعاتها في المكافحة

هنالك إجماع معلن لمحاربة الإفساد والفساد، بدءاً من القرار السياسي على أعلى المستويات.. وتتناوله جهات كثيرة في المؤتمرات والندوات والاجتماعات التي تعقد .

مقاومة الإفساد والفساد، مهمة فردية، وجماعية عامة ووطنية.. وإن تفاوتت فيها الأدوار، بين الفرد، والهيئات والأجهزة المختصة والإعلامية والأمنية، والحكومة، ومجلس الشعب.. وإن اقتضت في بعضها نوعاً من الاختصاصات.. مما يوجب المساهمة فيها، بدءاً من الأسرة وبقية المؤسسات العامة والخاصة والتعاونية والمشتركة.. بحيث يسعى الوالدان لتنشئة أولادهم على الاستقامة.. ويسعى المعلمون والأساتذة، لتحذير الطلاب منه، ودلالتهم على السلوك القويم.. ويكشف الدعاة والوعاظ، في المساجد والكنائس ومراكز الثقافة أخطاره.. وهكذا، في كل المجالات.

إن المسؤولية عن المكافحة، أو المتابعة والرقابة، تعتبر مهمة مباشرة لكل إداري أو قيادي أو رئيس.. فكل منهم قدوة.. وعليه واجبان: فردي، بالاستقامة في تصرفاته وسلوكه.. ومتابعة ما يجري في مؤسسته ومراقبة تصرفات مرؤوسيه

وإذا كان الكلام عن المكافحة يفهم منه غالباً أنه موجه ضد الأمور المالية والرشوة والاختلاس والسرقة وما شابهها.. فإن هذا التوجه الهام غير كافٍ لوحده، ولا بد أن نكافح الأشكال الأخرى التي يظهر فيها الإفساد والفساد

 

«ثقافة النزاهة

ومن ابرزها انشاء «صندوق ابراء الذمة» حيث يُودع من خلاله من يرغب في ابراء ذمته من الاموال التي جمعها بطريقة غير مشروعة وذلك دون الكشف عن شخصيته . واضيف ان البنك المركزي الاردني يقوم بعد ذلك بصرف هذه المبالغ على الاعمال الخيرية والشؤون الاجتماعية .

واشير كذلك الى اهمية تفعيل دور الاجهزة الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد وتعزيز المبادئ والقيم الدينية والاخلاقية للادارة والمجتمع والاستفادة من تجارب الدول الاخرى في هذا الصدد, حيث ان الفساد يؤدي الى هدر الطاقات و يعتبر عدو التنمية وعنوان الاستبداد، مشددا على اهمية توخي التقنيات الحديثة في محاربة المفسدين والمجرمين الذين يتبعون وسائل الاحتيال .

واشدد على اهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال مكافحة الفساد، داعيا الى ان تصب اهداف هذه الشراكة للصالح العام وليس لفائدة الاطراف المستفيدة فقط .

وندعو الى تربية الجيل الناشئ على مبادئ تراعي الشفافية والنزاهة وتعمل على ترسيخ قيم نبذ الفساد وذلك عبر مناهج وادوات تعليمية جديدة تلبي هذا المطلب الهادف الى بناء مجتمع مستقبلي يكافح الفساد .