الساعة

مرسوم الانتدابي البريطاني للحائط الغربي بالقدس حجة قانونية قوية يجب استخدامه

اعداد : المحامي ابراهيم شعبان

مركز الراي للدراسات

2/2/2012

 

كشفت أجهزة الإعلام مؤخرا , أن بلدية القدس وعلى لسان مهندسها ترى في جسر باب المغاربة خطرا على الجمهور، ويجب عدم الإقتراب منه بل وإزالته. وهو ذات الجسر الذي أجل بيبي نتنياهو تأجيل هدمه بناء على ضغوط أردنية ومصرية.

وبالتالي اكتملت اللعبة، واحد يؤجل وآخر يقرر. ومن الجدير بالذكر أن اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء التابعة لبلدية القدس الغربية قد صادقت على مخططين استيطانيين جديدين في القدس العربية, واحد منهما يتعلق ببناء جسر بمواصفات دائمة، ومركز يهودي ضخم في ساحة البراق بمحاذاة المسجد الأقصى المبارك. إثر ذلك تعرض المتحدثون الوقفيون والفلسطينيون والأردنيون والعرب, لكثير من زوايا الموضوع وآثاره وخطورته على المسجد الأقصى , وناشدوا الأمم المتحدة واليونسكو وقف هذا المخطط الإستيطاني, لكنني لم أسمع أحدا مسلما أو عربيا أو فلسطينيا أو مصريا أو أردنيا، ينادي أو يستذكر مرسوم ( الحائط الغربي أو حائط المبكى ) في القدس في فلسطين لسنة 1931. ( هكذا وردت التسمية في مجموعة قوانين فلسطين- المجلد الرابع- ص3397 ).

 

مرسوم الحائط الغربي

يبدو أن الكل مجمع على نسيان أو تناسى مرسوم الحائط الغربي لسنة 1931 أيام الإنتداب البريطاني على فلسطين رغم أهميته وحيويته الفائقة هو وذيليه. ويعتقد الجميع خطأ أنه قبر مع نهاية الإنتداب البريطاني، وهو قول غير صحيح البتة.

فبريطانيا الدولة المنتدبة على فلسطين آنذاك لا تذكره, ولا الولايات المتحدة, ولا الدول الأوروبية, ولا حتى الأمم المتحدة وريثة عصبة الأمم . وبالقطع الدولة الإسرائيلية بكافة سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية التي ورثت القوانين البريطانية بكاملها أنكرته ومسحته من ذكرياتها، فهو يخالف مصالحها على طول الخط. وحتى الدول العربية مثل مصر والأردن لا تذكره لا اسما ولا مضمونا رغم أنه قانون انتدابي بريطاني ما زال مطبقا. ولا دول العالم الإسلامي تنوه به لا صراحة ولا ضمنا، ولا القمة العربية ولا حتى منظمة التحرير الفلسطينية.

 

مرسوم الحائط الغربي قانون ملزم أولا وأخيرا, وأصدرته الدولة المنتدبة ( بريطانيا ) على فلسطين, اثر تقرير لجنة دولية محايدة قانونية ثلاثية على أرفع مستوى دولي, بعد أن فشلت لجنة بريطانية للتحقيق في أحداث 1929 تسمى لجنة « شو « في حل المشكلة. أنشأتها عصبة الأمم في عام 1930 إثر الأحداث التي حدثت عام في القدس عام 1929. وهو حجة قانونية قوية لم يستعمل سابقا، فالقانون لا يموت، وبخاصة في المحافل الدولية المتعددة. فيمكن استعماله أمام منبر محكمة العدل الدولية من قبل مصر والأردن باعتبارهما دولتان وأعضاء فيها إذا قاضتا إسرائيل أمامها. ويمكن اللجوء إليها أمام اليونسكو من الطرف الفلسطيني الذي غدا عضوا في منظمة التربية والثقافة والعلوم « اليونسكو». ويمكن استعماله أمام مجلس الأمن والجمعية العامة. وأمام لجان حقوق الإنسان ومجلسها في جنيف باعتباره ماسا بالحرية الدينية. المهم إثارته في المحافل الدولية باعتباره قانونا مطبقا أو قابل للتطبيق.

 

لقد جاء تشكيل اللجنة الدولية في 14 كانون الثاني / يناير من عام 1930 ، من قبل مجلس عصبة الأمم ، رغبة منها في وضع الدولة المنتدبة (بريطانيا ) في مركز يمكنها من القيام بالمسئوليات الملقاة على عاتقها بموجب المادة 13 من صك الإنتداب على فلسطين، في أحوال وظروف تكون أكثر موافقة لصيانة المصالح المادية والأدبية للشعب الذي وضع تحت تصرفها. ورغبة من مجلس العصبة في عدم البت بأي وجه كان قبل البحث والإستقصاء في المسائل المتعلقة بالأماكن المقدسة في فلسطين والذي قد يقتضي حلها في المستقبل. ولأن مسألة حقوق ومطالب اليهود والمسلمين في حائط ( المبكى )تستدعي حلا نهائيا سريعا, فقد قرر مجلس العصبة تشكيل اللجنة لتسوية هذا الموضوع وأن تنهي مهمتها حالما تضع قرارها بشأن الحقوق والإدعاءات للطرفين.

وإيغالا في العدالة تقرر أن تكون اللجنة من غير التبعية البريطانية ( سويسرا والسويد وهولندا ), وأن تعتمد الشرائع ومبادىء العدل والإنصاف كمصدر لها. ونستطيع القول بكل جزم وتأكيد, أن ولادة اللجنة كان مطلبا يهوديا خالصا, وإن سلم الطرف الإسلامي بقانونيتها. بل لم يطعن أي من الطرفين بتشكيلها أو انها محابية أو منحازة أو معادية لأحد الطرفين أو بعدم قانونيتها أو بعدم استقلاليتها.

 

بعد أن استمعت اللجنة لشهادات جميع الأطراف المهتمة( اليهودية والإسلامية ), حتى أن اللجنة قالت أن المسلمين الذين مثلوا أمامها يمثلون جميع مسلمي الأقطار العربية بما في ذلك مراكش والجزائر وطرابلس الغرب ومصر وغيرها رغم تردد المسلمين في الظهور أمام اللجنة وتشككهم في دورها. أما اليهود فمثلتهم رئاسةالحاخامين في فلسطين وجمعية الحاخامين العالميين والوكالة اليهودية في فلسطين والمجلس المحلي اليهودي وجمعية أغودات يسرائيل. وهذا يعني أن هذا اللجنة أخذت وجهة نظر جميع الأشخاص المهتمين بعين الإعتبار في موضوع النزاع.

للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي

بعد ذلك, أصدرت اللجنة تقريرها بإجماع الآراء, حيث أشارت في نهايته إلى أنها كانت تفضل أن ترى تسوية ودية بين الفريقين المتنازعين على أن ترى تسوية مفروضة على الجانبين إلا أنها لم تجد مندوحة من إعطاء قراراتها وتوصياتها.

وسرعان ما قامت حكومة الإنتداب البريطاني بترجمة هذه التوصيات إلى قانون انتدابي ملزم في 19/ مايو / أيار/ 1931. وألحقت به ذيلين وقرر هذا القانون أن كل من يخالفه أو يتصرف بشكل مناقض له, يعرض نفسه للحبس أو الغرامة أو بالعقوبتين معا.

لقد قرر الذيل الأول لمرسوم الحائط الغربي لسنة 1931 أمورا في غاية الأهمية أهمها ما قررته المادة ( أ ) والتي تقول بالحرف أن « للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءا لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف. وللمسلمين تعود أيضا ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفا حسب أحكام الشرع الإلامي لجهات البر والخير «. بل ذهب هذا الذيل بعيدا وقرر صراحة « أن أدوات العبادة أو غيرها من الأدوات التي يحق لليهود وضعها بالقرب من الحائط بالإستناد إلى أحكام هذا القرار أو بالإتفاق بين الفريقين لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تعتبر بأنها تنشىء أو أن يكون من شأنها إنشاء أي حق عيني لليهود في الحائط أو الرصيف المجاور له «. ولا يسمح لليهود عملا بالفقرة الخامسة من الفقرة « ب « من الذيل الأول للمرسوم بنفخ البوق أو أي إزعاج أخر.

وحظرت على الجميع استعمال المكان لأجل إلقاء الخطب أو إقامة المظاهرات السياسية مهما كان نوعها. ويلتزم المسلمون وحدهم بإجراء التعميرات على الحائط أو إدارة فلسطين إن تخلف المسلمون عن القام بذلك الواجب التاريخي.

كان حائط البراق وما يزال والذي يطلق عليه بالإنجليزية « الحائط الغربي « أو « حائط المبكى «, جزءا لايتجزأ من الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف.

وهو بناء يبلغ طوله ما يزيد عن المئة متر وارتفاعه نحو العشرين.

وإلى عام 1967 بقي هذا المرسوم ساريا, لذا كان هناك رصيف لم يتغير من أيام الإنتداب البريطاني يبلغ عرضه أربعة أمتار تحيط به حارة المغاربة من كل جانب وحوالي خمسمئة بيت يقطنها الفلسطينيون. وعلى مسافة قصيرة من الرصيف وتحديدا في الجهة الجنوبية في الحائط يوجد تجويف يقول بعض مؤرخي المسلمين أن النبي محمدا صلاة الله وسلامه عليه ربط براقه فيه ليلة إسرائه وصعوده إلى السموات العلى.

أين نحن الآن من كل هذا.

من يذكر اليوم, ويتصور حارة المغاربة والطريق المرصوف المؤدي إلى باب المغاربة في الحرم القدسي الشريف إلى السابع من حزيران عام 1967 ورصيف البراق وبخاصة من الشباب ومتوسطي العمر؟ من يذكر كيف دخلت البلدورزات الإسرائيلية في عتمة ليل حزيران وأزالت

خمسمئة بيت من الوجود, ورمت أثاثهم, وشردت أهلها, وأحضرت الحافلات لتنقلهم وتبعدهم إلى الأردن .

كيف أصبح حال حائط البراق وكيف تمت توسعته وكيف تم ضرب مرسوم 1931 البريطاني عرض الحائط ؟! اليوم المناضد والكراسي والخزائن والمقاعد والحواجز والستائر موجودة في تحد واضح لمرسوم 1931. اليوم تخريج الدفعات العسكرية والمراسم العامة والحفلات العامة تعقد في ساحة البراق وكأن مرسوم 1931 لا وجود له. بل إن جسرا فوق ساحة البراق يتم إعداده بدل التلة التي توصل إلى باب المغاربة في الحرم القدسي الشريف وآثارها التي أزيلت من قبل السلطات الإسرائيلية, بعد سقوط الثلج قبل سنوات وها هو إقامة مركز يهودي ضخم يعلن عن إقامته في ساحة البراق كنعي رسمي إسرائيلي لمرسوم 1931 البريطاني الإنتدابي؟! بل إن مفتاح الحرم القدسي الشريف لباب المغاربة, ليس في يد الأوقاق الإسلامية بل في يد الشرطة الإسرائيلية, فهل ما زال المرسوم البريطاني الإنتدابي لعام 1931 موجودا ومطبقا أم أدخلته إسرائيل ذمة التاريخ حتى ينساه الجميع ولا يذكره أحد؟ !.

لن أدخل في سرد تفصيلي لما تضمنه مرسوم الحائط الغربي لسنة 1931 وذيليه الملزمين فهي جميعا تقرر حق المسلمين ولا أحد سواهم بالحائط الغربي كما أسماه المرسوم ذاته.

أين نحن الآن من هذا القانون الإنتدابي البريطاني والإستناد إليه وتطبيقه كغيره من القوانين الإنتدابية البريطانية؟ ألا تستند السلطات الإسرائيلية إلى قانون الإستملاك الإنتدابي البريطاني لعام 1943, في مجمل إجراءات الإستملاك أو المصادرة للأرض الفلسطينية العربية؟ ألا تستند السلطات الإسرائيلية لأنظمة الطوارىء لسنة 1945 في جميع محاكمها العسكرية وغيرها إلى يومنا هذا؟ فلماذا هذه القوانين لا تتساوى في الشرعية من عدمها, أم نحن أمام تمييز عنصري حتى في القوانين.

القوانين البريطانية

مطلوب أن تتداعى دول الجوار ودول الجامعة العربية والعالم الإسلامي وتطالب ببعث هذا القانون من جديد وتطبيقه. فالقدس بشقيها أي بغربيها وشرقيها مدينة محتلة وفق قرار رقم 181 للتقسيم وتدويل القدس. وبالتالي تسري عليها القوانين البريطانية التي كانت سارية عشية انتهاء الإنتداب البريطاني, إذ أن من المحظور خلق فراغ قانوني في المدينة وبخاصة أن هذا القانون قد صدر بعد سلسلة أعمال عنيفة وقصد منه وضع حل للأوضاع المتنازعة.

دولة تزعم صباح مساء أنها دولة قانون, ولكن تصرفاتها تقول العكس تماما. فهذه المدينة المقدسة محتلة وما زالت كذلك رغم القوة العسكرية. ومسجدها الأقصى ما زال مسجدا إسلاميا بحوائطه جميعا بما فيها حائطه الغربي وملكيته إسلامية خالصة. ويجب أن لا ننسى ذلك وأن لا تغيب عن أعيننا تلك الحقيقة مهما جرت من تغييرات وتعديلات غير مشروعة على حائط البراق فالمكاسب غير المشروعة لا تثمر أبدا.