الساعة

الإقليمية والعولمة في ظل الاقتصاد الدولي الراهن

اعداد : محمدخير جروان الجروان

مركز الراي للدراسات

اذار 2012

 

العولمة كعملية سياسية هي استلاب كينونة الدول والمجتمعات وتدمير الحدود الفاصلة بينها لحجة تكثيف الاعتماد المتبادل لصالح إجبارها على نموذج معين من الحياة التي تنتجه الدوائر الغربية الهادفة إلى الهيمنة وتحقيق نوع من التبعية الحضارية لدى المجتمع للنموذج الغربي

اما الجوانب السلبية للتكتلات الاقتصادية فتتمثل بصعوبة تحقيق العدالة في توزيع الدخول على مستوى الدولة مما يؤدي إلى الطبقية الاجتماعية , وأيضا تؤدي إلى تفعيل السياسات الاحتكارية خاصة إذا كانت أطراف الاتفاق من الدول النامية

أصبحت الإقليمية والعولمة في نهاية القرن العشرين تهيمن على العلاقات الاقتصادية الدولية التي تتأرجح بين العولمة المتصاعدة باستمرار وبين الإقليمية المتزايدة عبر إقامة التجمعات والتكتلات الإقليمية , ويمكن تعريف الإقليمية بأنها حالة وسطية بين المحلية التي تدفع بالأفراد والجماعات لتضييق نطاق اهتمامها سوا السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية وبين العولمة التي تستهدف إزالة الحدود الجغرافية والحواجز الجمركية وتسهيل نقل الرأسمالية سياسيا واقتصاديا وثقافيا عبر العالم ككل .

ويعرف التكتل الاقتصادي على انه يعبر عن درجة معينة من درجات التكامل الاقتصادي الذي يقوم بين مجموعة من الدول المتجانسة اقتصاديا وجغرافيا وتاريخيا وثقافيا واجتماعيا والتي تجمعها مجموعة من المصالح الاقتصادية المشتركة بهدف تعظيم تلك المصالح وزيادة التجارة الدولية البينية لتحقيق اكبر عائد ممكن ثم الوصول إلى أقصى درجة من الرفاهية الاقتصادية لشعوب تلك الدول , وهذا يعني أن المصالح الاقتصادية المشتركة هي التي تدفع الدول إلى التكتل والغاية منها تعظيم المكاسب وتحقيق الرفاهية الاقتصادية للشعوب , و ن اغلب التعريفات تنظر إلى التكتل الاقتصادي أو الدول التي تشكله بأنها منتمية جغرافيا إلى إقليم أو منطقة معينة , غير أن الملاحظ في الوقت الراهن أن هناك تكتلات اقتصادية تقوم بين دول لا ينتمي أعضائها لنفس الإقليم مثل منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي ( ابيل ) .

وفي الحقيقة لا يوجد تعريف محدد للعولمة وهو يختلف باختلاف الأطراف الأكاديمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تناولت هذه الظاهرة ,

وكل حسب مرجعيته وفهمه لها وعلية هناك صعوبة كبير للإجماع على تعريف محدد لهذه الظاهرة لذلك سوف يتم تعريفها من عدة جوانب مع التركيز على الجانب الاقتصادي .

فالعولمة كعملية سياسية هي استلاب كينونة الدول والمجتمعات وتدمير الحدود الفاصلة بينها لحجة تكثيف الاعتماد المتبادل لصالح إجبارها على نموذج معين من الحياة التي تنتجه الدوائر الغربية الهادفة إلى الهيمنة وتحقيق نوع من التبعية الحضارية لدى المجتمع للنموذج الغربي وعلية فهي إلغاء الحدود الجغرافية والسياسية والقومية والدينية بين كافة دول العالم .وكعملية اجتماعية هي تكثيف للعلاقات الاجتماعية الممتدة على نطاق العالم اجمع والتي تربط مجتمعات متباعدة بحيث إن الأحداث المحلية تكيفها أحداث على بعد أميال عديدة وكذلك العكس صحيح , وأيضا هناك من يعرفها بأنها الحركة الاجتماعية التي تتضمن انكماش البعدين الزمني والمكاني ويصبح العالم من خلالها مجتمع واحد وكعملية ثقافية هي الامتداد الخارجي للثقافة المحلية إلى أقصى حدودها إلى العالم اجمع وتصبح جميع الثقافات منخرطة في الثقافة الغالية

أما كعملية العولمة الاقتصادية نظاما تجاريا عالميا مفتوحا تزول فيه العوائق أمام حركة السلع والبضائع والخدمات وعوامل الإنتاج خاصة رأس المال عبر الحدود الدولية وتغدو فيه التجارة الدولية الحرة والمتعددة الأطراف هي القاعدة وهذا يؤدي في النهاية إلى تكامل اقتصادي عالمي متزايد في أسواق السلع والخدمات ورأس المال وتتحول فيه قوى السوق العاتية إلى نظام اقتصادي عالمي تفرض فيه الشركات المتعدية الجنسية والمنظمات العالمية الحاكمة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي انسجاما بل تطابقا ً بين جميع الأقطار ومهما كانت مواقعها وتفصيلاتها ويذهب الاقتصادي المعروف ( بول سويزي ) إلى أن العولمة هي صيرورة رأسمالية تاريخية يتحول فيها خط الإنتاج الرأسمالي من دائرة عولمة المبادلة والتوزيع والتسويق والتجارة إلى دائرة عولمة الإنتاج الرأسمالية، مع عولمة رأس المال الإنتاجي وقوى وعلاقات الإنتاج الرأسمالية مما يقود إلى إخضاع العالم كله إلى النظام الرأسمالي تحت قيادة وهيمنة وتوجيه القوى الرأسمالية العالمية والمركزية وسيادة نظام التبادل الشامل والمتميز لصالح الاقتصاديات الرأسمالية المتقدمة .

ولتحليل العلاقة بين الإقليمية والعولمة لابد من معرفة ايجابيات وسلبيات كل منهما , فبالنسبة لكل منها هناك العديد من الاثار الايجابية والسلبية , فمن أهم الآثار الايجابية للتكتلات هي العوائد الضخمة التي تحققها الدول من جراء التكامل بين إمكانياتها وقدراتها , وأيضا تؤدي إلى حرية تنقل السلع والخدمات والأشخاص رؤوس الأموال وجذب الاستثمارات داخل وبين الدول المتكتلة , وهي تؤدي إلى زيادة المنافسة بين الدولة وما يحقق ذلك من فوائد لكافة الدول , وهي تؤدي أيضا إلى ارتفاع نسب التجارة البينية بين الدول المتكتلة مما يحررها من التبعية الاقتصادية للخارج , وهي أيضا تزيد من القوة التفاوضية للدول المتكتلة على المستوى الدولي في مواجهة التكتلات الاقتصادية الأخرى وتقلبات الاقتصاد العالمي , وهي أيضا تؤدي إلى توفير مزايا ومكاسب تعجز الدولة عن تحقيقها منفردة , وهي أيضا تؤدي استفادة الدول المتكتلة من رؤوس الأموال والأيدي العاملة الماهرة والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة , وتؤدي التكتلات الاقتصادية إلى تحقيق النمو الاقتصادي بسبب الآثار الديناميكية المتعلقة بحجم السوق وتحسين مناخ الاستثمار وزيادة المنافسة الناتجة عن فتح الأسواق .

اما الجوانب السلبية للتكتلات الاقتصادية فتتمثل بصعوبة تحقيق العدالة في توزيع الدخول على مستوى الدولة مما يؤدي إلى الطبقية الاجتماعية , وأيضا تؤدي إلى تفعيل السياسات الاحتكارية خاصة إذا كانت أطراف الاتفاق من الدول النامية , وأيضا تؤدي التكتلات الاقتصادية إلى القضاء على المشروعات الصغيرة التي تمثل الاقتصاد القومي مما ينعكس سلبا على الدخل القومي ومعدلات البطالة , ومن سلبياتها أنها توثر على الشؤون الداخلية للبلدان ومنه الوصول إلى مراكز القرار في الدولة بما يخدم المصالح السياسية لدول أخرى .

تتمثل ايجابيات العولمة بزيادة الاعتماد الدولي , وزيادة التبادل والمنافسة العالمية بين الدول مما يودي الى تشابه السياسات الاقتصادية بين الدول النامية والمتقدمة على حد سواء , وتؤدي العولمة الى تمكين الدول النامية من الوصول الى الاسواق العالمية , والى الاستفادة من التطورات التكنولوجية الهائلة والى استفادتها من التدفقات الراسمالية من الاسواق الاجنبية , وتؤدي العولمة نتيجة التقدم التكنولوجي المتلازم معها الى تخفيض تكلفة النقل والصفقات المالية , كما ان ازالة القيود على التجارة في ظل العولمة يؤدي الى زيادة فرص الانتاج للدول التي تسعى الى تصدير منتجاتها وما يترتب على ذك من زيادة معدلات النمو الاقتصادي , ان تدويل الخدمات والزيادة المطردة في التقدم التكنولوجي في ظل العولمة يساعدان الدول النامية في خلق فرص جديدة للتصدير وجذب المزيد من الاستثمارات الاجنبية كما ان التقدم التكنولوجي سوف يمكن الدول النامية من تحقيق معدلات عالية من التنمية وخاصة في مجالات البنية الاساسية , وايضا من ايجابيات العولمة انها تساعد الدول النامية في اتخاذ العديد من السياسات الاصلاحية المتعلقة بتحرير الاقتصاد الوطني , وايضا من ايجابيات العولمة تزويد كافة الدول بالبيانات والمعلومات الاقتصادية , ومحاربة الفساد .

اما اهم سلبيات العولمة فتتلخص فيما يلي :

? اتهام العولمة الاقتصادية المعاصرة بتكريس عدم العدالة في توزيع مكاسب تحرير التجارة الدولية من استيراد وتصدير، نظرا لاحتكار الأقلية من الدول المتقدمة والشركات متعددة الجنسية التي صدرت عنها الدعوة للعولمة للمزايا الاقتصادية والسياسية على المستوى الدولي ويمكن تحليل التوزيع غير العادل لمكاسب العولمة الاقتصادية من خلال نصيب التجمعات الدولية في المجالات الآتية : التوزيع اللامتكافئ للثروة العالمية : ففي بعض التقديرات أن 20% من الأكثر غنى من سكان العالم تحصل على 82% من إجمالي الدخل العالمي. كما أن 358 مليارديراً في العالم يمتلكون معا ثروة تضاهي ما يملكه 2.5 مليار من سكان العالم.الأضرار بالتوظف على المستوى العالمي , تعميق ظاهرة التبادل الدولي غير المتكافئ : عدم العدالة في توزيع مكاسب تحرير التجارة الدولية.

? الانفصال المتنامي بين حركة الاقتصاد المالي المتمثل في تجارة العملات والتوظيفات المالية وحركة الاقتصاد العيني المتمثلة في تدفقات السلع والخدمات الحقيقية، فقد ترتب على إتباع أسعار الصرف العائمة للعملات الصعبة والعولمة السريعة والمتزايدة للأسواق المالية والنقدية وجود كمية كبيرة من النقود الدولية تتحرك في أسواق المال الدولية باستقلالية كاملة عن عمليات تمويل التبادل التجاري

? الصراع بين العولمة ومفهوم الدولة القومية ؛ فالعولمة تقلل من أهمية الحدود السياسية بينما تؤكد القومية على الخطوط الفاصلة بين الحدود .

? تباطؤ الدول المتقدمة في الوفاء بالتزاماتها التي تعهدت بها في ختام دورة أورجواي حتى تدفع الدول النامية على توقيع اتفاقيات إنشاء منظمة التجارة العالمية، ومن أهم هذه الالتزامات تعويض الدول النامية المتضررة من ارتفاع تكاليف الوردات الغذائية بسبب إلغاء دعم المنتجات الزراعية والإجراءات الحمائية وتيسير نقل المعارف الفنية للدول النامية
? الإضرار بالتوظف في دول العالم الثالث : ينظر مناهضو العولمة على أنها تمثل خطراً دائماً على الصناعات الصغيرة والمتوسطة لأن هذه الصناعات لا تقوى على منافسة المنتجات الصناعية المستوردة من الدول الصناعية ، سواء من حيث الجودة أو تكاليف الإنتاج .

ونلاحظ أن العلاقة بين الإقليمية والعولمة في إطار سلبيات وايجابيات كل منهما تتمثل من خلال أن الإقليمية استطاعت ان تحقق في سياق العولمة العديد من الحسنات والتي عملت على تجاوز السلبيات التي خلقتها العولمة ( على ان لا يغفل انه من ايجابيات العولمة على التكتلات الاقتصادية هو انها ساعدت على انتشار هذه الظاهرة بشكل متزايد خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفرد الولايات المتحدة في ادارة العالم ) وهي :

 

? تحقيق الامن بمعناه الواسع :

أي ساهمت التكتلات الاقتصادية بتجاوز المعنى التقليدي للامن والوصول الى الامن متعدد الابعاد , فهي تضيف الى الامن التقليدي مفهوم الامان في سياق العجقة الدولة وحالة الضياع التي سببتها العولمة بمعنى بث الطمأنينة عند الدولة عن طريق التكامل والتنسيق مع الاخرين لتجنب الصدمات والحوادث في سياق الممرات الدولية المزدحمة من جراء العولمة او المنافسة بسرعة متزايدة قد تضر بكل الدول في مواجهة الفاعليين الدوليين الاخرين .

? زيادة القوة التفاوضية للدولة عن طريق التجمع والتكتل :

فبما انه من سلبيات العولمة اضعاف الدولة وقدرتها على ادراة امورها السياسية والاقتصادية فان التكتلات الاقتصادية حققت درع للدولة في مواجهة ضعف السيادة الناتج عن العولمة .

? التخلص من الاختلاف في مستويات التنمية :

فبما انه من سلبيات العولمة احداث التفاوت في مستويات التنمية بين الدول , فان التكتلات الاقتصادية تساعد على تقارب مستويات التنمية بين الدول المتكتلة , وبالتالي هذا ينعكس على مستويات التفاوت ضمن النطاق العالمي .

 

وبناءا على ما سبق يمكن تحديد العديد من الخصائص المشتركة التي تلتقي فيها كل من الاليمية والعولمة وهي :

 

إن كلا منهما يؤدي إلى إضعاف دول الدولة وكلاهما يعبر عن ضعف الدولة القومية وعجزها عن القيام بوظائفها الاقتصادية التقليدية بكفاءة , وبالتالي تقليص مجال سيادتها , وكلاهما يدعو إلى التوحيد الاقتصادي العالمي أو الإقليمي وبهذا المعنى يمكن النظر إلى التكتل على انه عولمة جزئية أو أقلمة , تحدث ضمن إطار إقليم اقتصادي معين .

 

وإن كلا منهما يؤدي إلى تحقيق نوع من التوازن في تقسيم العمل الدولي المشكل في إطار اشمل هو إطار العولمة , ولكن يكمن الفرق بينهما فيما يتعلق بدور الدولة وسلطتها الوطنية في ان التكتل هو تفاعل ايجابي يتم بإدارة الأطراف في إحلال التعاون فيما بينها عن طريق تنظيم مؤسسات خاصة فوق قومية معترف بها ترتب شؤون مجموع الدول الأطراف , وتقوم حكومتها بتنفيذ القرارات و التوصيات دون شعور بانتقاص من سيادتها ، انطلاقا من أن ذلك يعزز قدرتها على تحقيق أهداف مجتمعاتها بأفضل مما تقوم به منفردة ، وباعتبارها أنها ممثلة بشكل من الأشكال في هذه المؤسسات (فوق القومية ) وهذا يجعل القرارات والتوصيات التي تصدرها ، تعكس – بشكل كبير مصالحها الوطنية وتضمن لها سيادتها . بينما يختلف الأمر في حالة العولمة ، والتفاعل هنا سلبي ، والحاكم الوحيد لمدى قدرة الدولة على حفظ سيادتها هو قدرتها في ظل منافسة عالمية حادة على تكييف أوضاعها الاقتصادية مع متطلبات وآليات عمل النظام العالمي الشامل ، وفي هذا الإطار يمكن اعتبار إقامة تكتلات اقتصادية ،نوعا من محاولة الخروج عن القواعد التي تحكم التعامل على الصعيد العالمي .

وإن كل منها ينطلق من تبادل المنافع وزيادة معدلات النمو الاقتصادي للدول المتكتلة أو المعولمة التكتل من خلال آليات عمله الداخلية ، والعولمة من خلال المزايا التي تمنح للدول التي تنتمي أو تنخرط في النظام الاقتصادي العالمي .

 

وأن كل منها يسعى لإفساح المجال أمام الاستثمار _ المباشر ، في سبيل ممارسة النشاط الاقتصادي داخل التكتل ، أو على المستوى العالمي تقليصا للهجرة وللاستفادة من مزايا الإنتاج ، وعملية الاندماج بين المؤسسات والشركات الإقليمية هي ظاهرة تحدث في إطار كل من العولمة بمحتواها العالمي والإقليمية بمحتواها التكاملي .

وأخيرا وعلى الرغم من تناقض ظاهرتي الإقليمية والعولمة في سياق الاقتصاد الدولي الراهن , إلا أن كل منهما يشترك في العديد من الروابط والخصائص المشتركة , والتي تعبر عن الحالة الانتقالية التي يعيشها الاقتصاد الدولي حاليا , مما يطرح التساؤل حول ما إذا كانت العولمة هي تكتل اقتصادي كبير ؟ , وان الإجابة عن هذا التساؤل , يمكن أن تتشكل لدى القارئ الكريم من حلال ما طرح سابقا