25/03/2012

مركز الراي للدراسات
اعداد : صالح القاسم
كثيرة هي المقالات ، والندوات التي تحدثت عن العنف الجامعي : (الآفة التي راحت تتكرر من حين لآخر في جامعاتنا الأردنية ) ، ولدى مراجعة كل هذه المقالات والندوات لم أجد أي منها قد اشار الى ما أسميه العنف الأكاديمي ، أو (القمع الأكاديمي )؛ فكل المقالات والندوات يحمل بعضها المسؤولية على التربية الأسرية، وبعضها على العشائرية، وبعضها على عدم تكافؤ الفرص في القبول الجامعي ، ولا يشير أي منها الى البيئة الجامعية التي يعيشها الطالب من مثل :
-اساتذة مؤهلون حقا في تخصصاتهم (بعضهم معين بالواسطة)
- موظفون مؤهلون حقا للتعامل مع شريحة طلبة الجامعات (كثير منهم معين بالواسطة)
-مكتبات تلبي حاجاتهم وفق معايير الاعتماد المتفق عليها سواء في الجامعات الحكومية أو الخاصة .
- مرافق رياضية وفق معايير الاعتماد .
- قاعات محاضرات مريحة .
رسوم جامعية متعددة بلا جدوى؟
ان طالبنا مثقل بهم دفع القسط الجامعي أولا؛ وهو يدرس بفلوسه ، وبعرق جبينه وبعرق جبين أهله ، وفي المقابل لا يجد خدمات تناسب ما يدفعه لا على المستوى الاكاديمي، ولا على المستوى الخدماتي، وفي نفس الوقت مقموع لا يستطيع التعبيرعن رأيه بشفافية أمام استاذته ، فالعلامات سيف فوق راسه ورأس أهله بتكرار الدفع اذا نزلت له علامة راسبة .
ان المواطن اذا دخل مطعم ليأكل يستطيع ان يعترض على الملح الزائد أو الناقض في الوجبة ،
وقد يعترض على نظافة الطاولة ... الخ ، وهو يستطيع ذلك لأنه يأكل بفلوسه، فلماذا لا يستطيع الطالب ابداء رايه في طريقة تعليم المدرس الجامعي ؟ ألا يتعلم بفلوسه هو أيضا ؟ لكنه يخاف من سيف العلامة ، من مزاجية المدرس ، من عدم وجود رقابة على أداء المدرس، من عدم وجود رقابة على أداء ادارة الجامعة نفسها ...الخ .
ثمة من يقول أن الطالب لا يدفع شيئا يذكر مقابل ما يقدم له من خدمات ، وهذا القول نسمعه في الجامعات الحكومية !! وأن الجامعات الحكومية خسرانة !! واذا كان هذا الكلام صحيحا فمن الأولى أن تتذمر الجامعات الخاصة ـ وتتقدم بطلب الدعم الحكومي اسوة بمزارعي البندورة الذين يخرب محصولهم في بعض المواسم. لكن الجامعات الخاصة – حقيقة - دائما رابحة ولم يسبق أن سمعنا عن خسارة لدى أي منا.
من أمثلة الواسطات دكتور في أساليب تدريس الرياضيات (أي دكتور تربية ) مثلا يدرس مادة الرياضيات البحتة في الجامعة لأن له واسطة ، مثل هذا الدكتور لن يستطيع ابدا أن يدرس مادة الرياضيات، وسوف يضر الطالب ويولد عنده حنق شديد للدكتور نفسه وللجامعة التي يدرس بها ، وبخاصة اذا حصل على علامات متدنية واضطر لأن يدفع فلوسا مرة أخرى سببها مدرس المادة نفسه لا تقصيره هو أي الطالب.
دكتور آخر يرشد طلابه الى أن (دوسية) مادته موجودة في المكتبة الفلانية، فيضطر الطالب الى شراء الدوسيه لأن الأسئلة منها ، علما أن التدريس الجامعي اصلا لا يوجد فيه مقررات ، لكن الرقابة ضعيفة على التعليم الجامعي ، ولا أحد يستطيع أن يحاسب دكتور جامعة .
دكتور آخر يطلب من طلابه أن يصورا له مجموعة من المقالات في موضوعات معينة دون أن يعرفوا السبب لماذا عليهم ان يصوروا هذه المقالات، فيصور الطالب من جيبه الخاص فوق ما دفعه من رسوم ، أليس هذا عبئا اضافيا ؟
دكتور آخر يطلب من طالب الماجستير أو الدكتوراه الذي يشرف عليه أن يتصرف بجزء من رسالته ، وينشره باسمه(أي باسم الدكتور) في مجلة علمية محكمة ، وان تكرم عليه الدكتور فقد يضع اسم الطالب تاليا لاسمه على اساس انه هو الباحث الأول ، الطالب ينصاع لجبروت سيف الدكتور الأكاديمي، ويجد بحثه أو جزءا منه منشورا في مجلة ما، أليس هذا ظلما اكاديميا .
الطالب يدفع لبعض الجامعات، وبخاصة الحكومية رسوم مكتبة، ورسوم استخدام انترنت، ورسوم مطبوعات ، وكل ذلك اجباريا دون أن يتعرف الطالب كيفية الاستفادة من هذه الخدمات، هذا اذا كان بعضها موجود أصلا .
ان الطالب الذي يدفع مبالغ مالية مقابل تعليمه من حقه علينا أن نؤمن له أساتذة مؤهلين علميا ، وموظفين اداريين مؤهلين اداريا .
ان جامعاتنا بها الكثير من الاساتذة الاجلاء بعضهم يرتقي لصفة العلماء بعلمه واخلاقه، وكذلك يتوفر في جامعاتنا الكثير من الاداريين الأفاضل الذين يرتقون لصفة الخبراء في مجالهم. لكن هناك اعدادا لا بأس بها من الاكاديميين والاداريين الذين تسربوا بفعل الواسطة والمحسوبية .. الخ هم من يشوهوا التعليم الجامعي عندنا ، وهم من الاسباب الرئيسية في العنف الجامعي .
بعض الاساتذة يستخدم الفاظا بذيئة بسبب وبدون سبب ولا يستطيع الطالب أن يبدي تعليقا ، أو حتى أن يشتكي لأن رقبته تحت سيف علامات هذا الدكتور ، ومثل هذا الموضوع يستحق الدراسة والمراجعة .
كم من البحوث والدراسات والرسائل الجامعية التي تم اعدادها في جامعاتنا ؟ كثيرة جدا ، ولكن كم أفادت هذه البحوث عملية الاصلاح التي يقودها جلالة الملك عبدالله حفظه الله ؟ هنا السؤال .
ان معظم البحوث والرسائل الجامعية التي يعدها طلابنا ، انما يعدونها وفق أهواء، أو قدرات اساتذة الجامعات، وليس وفق رغبات أو طموحات طلابنا ، وهذا نتيجة "العنف الأكاديمي "الذي يمارسه الاكاديميون على طلابنا .
ان الكثير الكثير من طلابنا يجد نفسه مضطرا للكتابة في موضوع لا يوافق هواه ولا طموحاته ، لأن استاذه أجبره على الكتابة فيه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ولا يترك له حرية الاختيار ، أو يساعدة في تقنين وضبط اختياره . أليس هذا قمعا لحرية التعبير وحرية الابداع .
نعم ، أنا أرى أن العنف الجامعي سببه داخل الجامعات يتلخص في خلل في البيئة الجامعية المادية والمعنوية ، وعلى راس ذلك لا أقول نقص وانما انعدام الحرية الاكاديمية التي يمارسها الاكاديمون بحق طلابهم .