مركز الرأي للدراسات
المحامي د.خالد الزعبي
كانون ثاني 2013
الدول الأردنية تقر مبدأ الديمقراطية في الدستور الأردني وتعتبرها مرتكزاً أساسيا ثابتا من مرتكزات الدولة الأردنية، لأن الديمقراطية والحياة البرلمانية هي الضمانة الوحيدة لتقدم الدولة سياسيا ودولياً، وهي عامل قوة وضغط ومحاسبة للكثير من القضايا والإختلالات، المالية ومكافحة الفساد والمفسدين، ومكافحة الفساد السياسي في الدولة.
فالديمقراطية ليست شكل أو ديكور لمنزل أو عمارة أو أستوديو، بل هي نظام حياة لكل الشعوب المتقدمة والمتحضرة، وهذا ما تعمل عليه الدولة الأردنية بأن تكون الديمقراطية منهج حياة وسلوك دستوري وقانوني وسياسي وعامل أساسي في مرتكزات الدولة الأردنية.
- إن مؤسسة العرش تعمل على احترام الديمقراطية والحياة البرلمانية والمحافظة على بقاء مجلس النواب قائماً، فالنواب هم أداة الشعب وممثليه داخل مجلس النواب وعليهم واجب قانوني ودستوري في ممارسة مهامهم في التشريع وصناعة القوانين ومراقبة أداء الحكومة والوزراء والمسؤولين ومراقبة صناعة القرار السياسي والقرار العام ومدى تأثيره على الشعب والدولة داخلياً وخارجيا، فالنواب هم أصحاب الصلاحية القانونية في تقييم أداء الحكومة ومدى تنفيذها للتشريعات القانونية. ومن حقهم مناقشة مدى تأثير تلك القرارات على مصلحه الوطن والمواطن.
- فالديمقراطية الحديثة لها، مبادئ وأخلاق وسلوك سياسي، وممارسة يومية وحقوق إنسان وأحزاب سياسية وتيارات وطنية، واقتراح عام وانتخاب، واحترام الفائز بأعلى الأصوات، واحترام رأي الأغلبية، وحريات الناس وحرية الصحافة والفضائيات، واحترام الرأي والرأي الآخر. فالديمقراطية تعززت مكانتها وقوتها في نصوص الدستور الأردني الجديد بعد أن عملت التعديلات الدستورية الجديدة على ترسيخ مبدأ الديمقراطية وتعزيز مكانتها ومفهومها بنصوص ثابتة وشفافة وقوية. واعتبارها مرتكزاً أساسياً في الدستور الأردني.
المرتكزات الدستورية لقوة وحماية الدولة الأردنية
من المبادئ الدستورية والقانونية للدولة الأردنية ونظامها السياسي أن لها مرتكزات أساسية تعمل على استمرارها وتقدمها وازدهارها وقوتها بعكس كثير من الدول العربية الأخرى وأهم هذه المرتكزات السياسية والدستورية:
أولا: «النظام الديمقراطي (النيابي)»
- استقر الدستور الأردني على النظام الديمقراطي، بعد إدخال العديد من التعديلات والإصلاحات الدستورية عليه حتى استقر نظام الدولة الأردنية، ففي المادة الأولى (1) من الدستور تنص على أن (نظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي)، فهذا يعني أن نظام الحكم نيابي ديمقراطي قائم على الانتخاب، فالديمقراطية تعني أن يساهم ويشارك الشعب الأردني في صنع القرار السياسي أو العام، وأن يقوم الشعب باختيار الممثلين لمجلس النواب، بالعمل على ممارسة دورهم في الترشيح والانتخاب، فمن حق الناخب إعطاء صوته للمرشح الذي يريده ممثلاً له في مجلس النواب، فالديمقراطية من أهم المرتكزات السياسية للدولة الأردنية، فالشعب الأردني مصدر السلطات الثلاث، مما يعني أنها الركيزة الأولى في النظام السياسي الأردني.
ثانياً: «النظام الملكي (الهاشمي)»
- من المبادئ الراسخة لدى جميع الأردنيين، إن النظام الملكي الهاشمي هو المرتكز السياسي الرئيس للدولة الأردنية، وهذه قناعة تامة بالنسبة لي ولكثير من الأردنيين دون رياء أو تملق لأحد أو نفاق فالنظام الملكي الهاشمي محل احترام وتقدير من أغلبية الاتجاهات السياسية والاجتماعية والعشائرية والأقليات في هذا الوطن فالنظام الملكي عامل استقرار واستمرار قوة للدولة الأردنية ويشكل الركيزة الثانية في النظام السياسي الأردني.
ثالثا: الوحدة الوطنية
- تشكل الوحدة الوطنية بين فئات الشعب الأردني، الركيزة الثالثة من مرتكزات النظام السياسي الأردني، فالوحدة بين أبنائه هي وحدة مصير ومستقبل، فالوحدة بين مكونات الشعب الأردني هي وحدة بين أبناء الوطن الواحد. مهما اختلفت جنسيات وأصول وأعراق وديانة أبناء هذا الوطن، فالوحدة قاعدة أساسية للدولة ويجب عدم الإخلال بها تحت أي ظرف من الظروف.
- فالمادة (6) من الدستور الأردني تنص على أن ((الأردنيون أمام القانون سواء لا تميز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين)).
والمادة (6/2) من الدستور فقرة (2) تنص: ((الدفاع عن الوطن وأرضه ووحدة شعبه والحفاظ على السلم الاجتماعي واجب مقدس على كل أردني)).
رابعاً: «القضاء العادل (السلطة القضائية)»
- فالقضاء العادل والمحاكم والقضاة والسلطة القضائية المستقلة، هي ركيزة أساسية رابعة للدولة الأردنية، لأنه بدون قضاء عادل، لا يمكن أن تستقيم شعارات العدالة والمساواة والحق والحرية في الدولة الحديثة. وان تحقيق الوحدة والتضامن أو تحقيق مفهوم الأسرة الواحدة داخل الدولة لا يمكن أن يتحقق بدون تحقيق العدالة والمساواة وإظهار الحقوق والحكم بها لأصحابها مما يحقق العدالة بين الناس والمتقاضين. فالقضاء الأردني المستقل، ركيزة أساسية في الدولة الأردنية، لأننا نريد قضاء نفاخر به ونعتز به ويكون عنوانا للمساواة بين الناس في احترام حقوقهم وحرياتهم والفصل في قضاياهم ودعاويهم بالعدل بالحق. ونريده قضاء عنواناًً للديمقراطية والحرية والتعددية السياسية والانتخابات الحرة والنزيهة من خلال الإشراف على الانتخابات النيابية واستنادا للمادة (97) من الدستور الأردني التي تنص ((القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون)). واستنادا أيضا للمادة (101) من الدستور التي تنص ((المحاكم مفتوحة للجميع ومصونة من التدخل في شؤونها)).
خامساً: «النظام التنفيذي (الحكومة)»
- لقد رسم الدستور الأردني شكل النظام السياسي في الاردن، بأنه يقوم على مبدأ فصل السلطات الدستورية الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، واستنادا لأحكام المادة (26) من الدستور تنص ((تناط السلطة التنفيذية (الحكومة) بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وفق أحكام الدستور))، فالحكومة تشكل الركيزة الخامسة في نظام الحكم في الدولة الأردنية، فهي تشرف على كل مرافق الدولة الإدارية والحكومة من خلال الوزارات والمؤسسات الحكومية والرسمية. فالنظام التنفيذي يساهم في العمل على تنفيذ القوانين والتشريعات والأنظمة والتعليمات داخل الدولة وخارجها. فهو ركن من أركان الدولة الأردنية حسب الدستور الأردني والحكومة تشكل العمود الفقري للدولة، فهي تمثل الدولة داخليا وخارجيا وتحفظ أمن الوطن واستقراره وتشرف على كافة مؤسسات الدولة وتنظم حياة الناس بموجب عملها على تطبيق القانون وتنفيذه وقد كون الركيزة الثانية من الركائز الدستورية لحماية الدولة الأردنية.
سادساً: الحريات العامة والصحفية ووسائل الإعلام.
- إن الدستور الأردني فد كفل الحريات العامة للشعب الأردني وخاصة الحرية الشخصية وهذا ما نصت عليه المادة (7) من الدستور فقرة (1) (الحرية الشخصية مصونة) وفي الفقرة (2) من نفس المادة تنص (كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة وحرية الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون).
وكفل أيضا في المادة (15) من الدستور 1- (تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابـة والتصويـر وسائـر وسائـل التعبيـر بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون. 3- تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ضمن حدود القانون.4-لا يجوز تعطيل الصحف ووسائل الإعلام ولا إلغاء ترخيصها إلا بأمر قضائي وفق أحكام القانون).
- هذا يؤكد أن الحريات العامة والصحفية والقضائية والطباعة تقع ضمن حدود مفهوم وحقوق الإنسان والحقوق الدستورية وقد عززت التعديلات الدستورية الأخيرة على الدستور الأردني مكانة الحريات العامة بما يكفل ضمان حرية الرأي والرأي الآخر والحرية الشخصية وصونها من الملاحقة والحبس، وحرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام والفضائيات. والأصل براءة المتهم حتى ثبوت العكس. فالحرية والحريات العامة مصونة حسب الدستور الأردني، وقد تم تعزيزها بالتعديلات والإصلاحات الدستورية الجديدة، حتى شابهت في ضمانتها الدول الأوروبية وأمريكا والدول المتقدمة والحديثة، وهذا يعزز من مكانتها عالياً ويؤكد أن الحريات ركيزة أساسية من ركائز الدولة الأردنية.
التعديلات الدستورية الجديدة نقلة نوعية وتاريخية
- الإصلاحات الدستورية والتعديلات التي أدخلت على الدستور الأردني طالت ما يقارب ثلث الدستور أي حوالي (44) مادة، ومن خلال اطلاعي على المواد والنصوص التي جرى عليها التعديل والإضافة والإلغاء، فإنني وجدتها قد جاءت ضمن دراسة معمقة وضرورية وتلبي طموحات الغالبية من المطالب التي تطالب بها الحراكات الشعبية والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ورجال القانون، وإن هذه التعديلات الدستورية تشكل نقله نوعية وتاريخية وسياسية في تاريخ الأردن. وتسجل للجنة الملكية شجاعتها وجرأتها وكفاءتها في وضع يدها على الخلل بوضع النص الدستوري المناسب، بعد أخذها بمطالب الشعب والمعارضة السياسية وتحقيق أهدافها ومطالباتها بالإصلاح ومحاربة الفساد من خلال عمل توازن بين مصلحة الدولة والشعب وبين تلك المطالب للحركات الشعبية والمعايير الدولية والدستورية والمواثيق في وضع الصيغة الجديدة للمادة أو الفقرة أو الإضافة أو الإلغاء على الدستور الأردني. حتى خرج بهذا المستوى المتقدم على الدساتير للدول المتحضرة عالمياً.
النظام السياسي والدستوري في الأردن..ينمو ويحقق إنجازات
- لقد استطاع النظام السياسي والدستوري الأردني أن ينمو ويتقدم ويتطور خلال مراحل تأسيس الدولة الأردنية ورغم الظروف الصعبة والأحداث الجسام ومحاولة إلغاء دورة السياسي على الساحة العربية والدولية، بحجة أن الدولة الأردنية ضعيفة ولا يوجد لها مقومات الدول الكبرى. لكن الأردن وشعبه وبفضل المخلصين منه كان أقوى من كل التحديات الصعبة التي واجهته خلال مسيرة الدولة الأردنية.
- فالنظام السياسي والقانوني الأردني ينمو ويتطور بشكل سريع، وقد حقق انجازات وإصلاحات دستورية وقانونية على مختلف القوانين والتشريعات التي تمس الديمقراطية والحرية والتعددية السياسية والحزبية والانتخاب وتعزيز مكانة السلطة القضائية واستقلالها. وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات الدستورية الثلاث التشريعية، والتنفيذية والقضائية، واستقلال كل سلطة في عملها ودورها عن الأخرى، لكن تعاونهم مع بعضهم أمرا ضرورياً في خدمة الوطن والمواطن حيث لا تستطيع سلطة بمفردها لوحدها إن تعمل ضمن إطار الدولة بمعزل عن السلطة الأخرى.
الإصلاحات الدستورية عززت من مكانة الأردن عربياً ودولياً
- الإصلاحات الدستورية التي جرت على الدستور الأردني أخيرا... عززت من مبدأ فصل السلطات الدستورية والمساواة والعدالة والنزاهة والحياد والحرية وسيادة القانون وحقوق الإنسان وتدعيم استقلال القضاء والديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية. والمحافظة على الثوابت الوطنية وتعزيزها وتقوية دعائم الدولة الأردنية ومرتكزاتها الأساسية، من خلال عمل اللجنة الملكية على الإصلاح السياسي والدستوري التدريجي الذي يأتي تدريجياً وضمن مراحل تاريخية من عمر الدولة الأردنية.
- الإصلاحات الدستورية والسياسية التي أدخلت مع الدستور الأردني عززت من مكانة الدولة الأردنية في المحافل الدولية والعربية والأوروبية وقد أشاد بهذه الإصلاحات الدستورية كل من أمريكا وأوروبا. واعتبرت أن هذه الإصلاحات السياسية متقدمة ومتطورة وتؤسس لمرحلة جديدة في العمل السياسي والحزبي والبرلماني والديمقراطي. وتنقل الأردن إلى مصاف الدول الديمقراطية الحديثة. فالدولة الأردنية بهذه الإصلاحات الدستورية والسياسية تؤسس لمرحلة جديدة وتاريخية مهمة في مسيرة الدولة الأردنية مقبلة على التغير والتطوير ومراجعة الماضي والنظر إلى المستقبل بأمل مشرق بإعادة ترتيب استراتيجيات الدول الأردنية بما يحقق مصلحة الوطن والمواطن.
المرحلة التاريخية وهيبة الدولة وحماية منجزاتها
- المرحلة التاريخية التي تمر بها الدولة الأردنية في الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تعزز من قوة السلطات الدستورية داخل الدولة وتحفظ هيبة الدولة داخلياً وخارجياً. وتحافظ على امن الاردن واستقرارها ومنجزاتها التاريخية. وهذا يدعونا إلى دعوة كافة فعاليات المجتمع الأردني بكافة أطيافه إلى المحافظة على انجازاته التاريخية، من خلال العمل على تأسيس فريق عمل وتحالف وطني مهمة المحافظة على هيبة الدولة والنظام السياسي والدستوري والعمل الدعوة للمشاركة في الانتخابات النيابية القادمة والضغط على الحكومة بأن تكون انتخابات حرة ونزيهة وتحت إشراف اللجنة المستقلة للانتخابات دون تدخل من الحكومة لمصلحة أمر المرشحين خاصة وأنها أول مرة لا تقوم الحكومة بإجراء الانتخابات والإشراف عليها بعد انجاز قانون الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات.
-طموحات الملك، كانت دائماً محل إعجاب وتقدير واحترام في السعي إلى الإصلاح والحاكمية الرشيدة وتحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لتحقيق الأهداف الشاملة في الإصلاح للنهوض بالأردن وتحقيق مستقبل أفضل لكل الأردنيين. والانحياز لهم، وقد ظهر ذلك في الإصلاحات الدستورية بالعمل على تشكيل اللجنة الملكية لتعديل الدستور. وكذلك بإعادة قانون الانتخاب مرة ثانية إلى الحكومة ومن ثم إلى مجلس النواب والأعيان لزيادة عدد القائمة الوطنية من (17) عضواً إلى (27) عضواً. هذا الانحياز للشعب هو تأكيد على طموحاته للإصلاح الدستوري والسياسي والقانوني في الأردن إضافة إلى خطاباته في المحافل الدولية.
- في هذه المرحلة الراهنة الحساسة من تاريخ الاردن وفي ظل ما يحدث إقليميا وخاصة في سوريا نجد لازماً علينا نحن الأردنيون العمل على إيجاد تحالف وطني قوي من كافة الاتجاهات والتيارات السياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني والحكومة والجيش والأجهزة الأمنية والإعلام والصحافة ومن كافة فعالياته الشعبية والعشائرية والرسمية المحافظة على أمن الوطن واستقراره ومنجزاته التاريخية وحماية الدولة الأردنية وقيادتها من الأخطار المحيطة بها. فهي الآن بأمس الحاجة إلى أبنائها المخلصين لحمايتها وبالتصدي لكل الخارجين على القانون والدستور والنظام النيابي الملكي، ومعاقبة كل المعتدين على هيبة الدولة ومؤسساتها وشعبها ضمن إطار سيادة القانون على الجميع. خاصة وان المرحلة القادمة خطرة وحرجة ودقيقة في تاريخ الدولة الأردنية. لأن الاعتداء على أمن الوطن واستقراره هو اعتداء على أبناء الأردن جميعا فالدفاع عن الوطن وأرضه ووحدة شعبه والحفاظ على السلم الاجتماعي واجب مقدس على كل أردني والسؤال فهل نحمي الأردن جميعا؟؟ أم نتركه للآخرين... به؟؟