الساعة

المسيحيون العرب رواد نهضة وتنوير ثقافي وفكري وشركاء في النضال الوطني والقومي

27/12/2011

مركز الرأي للدراسات

اعداد : جمال زهران

كانون الاول 2011

يختارون الهجرة الى الخارج واخرون ينكفئون على الذات لعبت المسيحية العربية دوراً قومياً وحضارياً في نهضة وخدمة الامة العربية فهي هوية مكملة للهوية العربية والاسلامية واذا كان تعبير المسيحيين العرب اكثر الفة مع ان تعبير المسيحية العربية مقبولا ولا ننسى الادوار السياسية والاعلامية والثقافية التي برز فيها المسيحيون العرب كما يشير لذلك الاستاذ جورج ناصيف بدراسته المتخصصة ملفات القرن العشرين فقد كانوا رواداً وروافد لا ينضب عطاؤها فوقفوا مع اخوانهم المسلمين في معارك التحرر الوطني والقومي والنهوض الحضاري مضيعين فرصة المخططات الاستعمارية للعب سياسة فرق تسد والولوج لضرب الوحدة الوطنية والقومية من كوة دينية واجمعوا على ارتباطهم بالشرق العربي وهمومه وانطلقوا من واقعة لبلوغ واقع افضل ومن مشاهيرهم الذين تذكرهم على سبيل المثال لا الحصر في السياسة: فارس خوري، طارق عزيز، بطرس غالي، جورج حبش، نايف حواتمة، انطون سعادة، نقولا شاوي، جورج حاوي، يوسف بك كرم، حنان عشراوي، بشارة الخوري.

وبرز في مجالات الفكر والادب والنثر جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، امين الريحاني، مارون عبود، خليل حاوي، انسي الحاج، اميل حبيبي، سعيد عقل، الياس ابو شبكة، خليل مطران، يونس سلامة، امين نخلة، رشيد نخلة، جرجي زيدان، مي زيادة، الاخطل الصغير، كوليت خوري، ميشال عفلق، قسطنطين زريق، ميشال شيحا، جواد بولس، شارل مالك، جورج انطونيوس، فرح انطون، شبلي الشميل، يعقوب صروف، انطون الجميل، بطرس البستاني.

وتألق في الفن : فيروز، وديع الصافي، زياد الرحباني، سليم سحاب، نور الهدى، ماجدة الرومي، جورج وسوف، وليد غلمية، يوسف شاهين، خيري بشارة، يوسف حويك، مازن بغدادي، خالد الهبر.

أما في الدين فمنهم المطران ايلاريون كبوجي، البطريك يوسف الحويك، البطريك غريغوريوس حجار، الانباشنودة الثالث.

ينخطرون في الالتزام الوطني والسياسي الى جانب المسلمين.

المسيحيون والبعثة النبوية

ان لقاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم الهادىء والوديع مع مسيحيي نجران( السنة العاشرة للهجرة) والذي تخلله «المباهلة» التي يشير اليها القرآن الكريم يشهد للطور الاول من العلاقات الاسلامية – المسيحية التي لم تعرف بداية منظومة واضحة تحدد الحقوق والواجبات، الا ان الفتوحات المتعاقبة والعهود التي اعطيت للمسيحيين بوصفهم «اهل الكتاب» سرعان ما حددت واقعهم كأهل ذمة فما بين 632 و 661 اعطى الخلفاء الراشدون ممثلي المناطق والمدن المسيحية المفتتحة عهواداً تضع المسيحيين في ذمة النبي، كما تعفيهم من الاشتراك في حروب الجهاد مقابل دفع الجزية كضريبة شخصية، والخراج كضريبة عقارية على الاراضي المزروعة، واذا كانت تباينت تبريرات الجزية، بين كونها «الثمن البديل « من سلامة حياة الذمي، او اقامته، او تعويضاً عن الخدمات العسكرية، الا انها كانت رمزية غالباً حتى بلغت اربعة دنانير للشخص الواحد، وكانت في كل الاحوال اقل بكثير من ثقل الضرائب وتنوعها في العهد البزنطي.

وكما بدأ ان الذمية هي اقرب الى العقد منها الى الوضع الثابت ويعزز هذا القول ما بينه فقهاء عديدون وصولا الى يومنا هذا، حيث يؤكد هذا القول عدد من البحاثة المسلمين على المواطنة، ويفسرون فكرة اهل الذمه تفسيراً تاريخياً يحررها من المطلق او المؤبد ( فهمي هويدي .. مواطنون لا ذميون ) ومحمد سليم العوافي «النظام السياسي للدولة الاسلامي « ... واحمد كمال ابو المجد في «الحوار القومي الاسلامي «.

ومما لا شك فيه ان هذه العهود او العقود تستوحي المبادىء القرآنية، وتعكس في الوقت نفسه الظروف المسيحية بالفتوحات وخصائصها بحيث تختلف في الفترات الاولى من الاسلام عن فترات «الانحطاط» حيث كان الزمخشري وابن نقاش وابن تيمية يتغنون في وصف الطرائف والشروط التي رافقت تأدية الذمى لضريبة الجزية.

اما الفتح نفسه فكان، حسب وصف البلاذري لفتح بلاد الشام يسيراً مما جعل خالد بن الوليد يقول «الشام تشبه جملا نام بهدوء». ومن العوامل الرئيسية التي سهلت امر الفتوحات الاستقبال الحسن بل الودي من جانب المسيحيين، فالغساسنة خرجوا عن الولاء الثابت للدولة البيزنطية والمسيحيون الاخرون في سوريا، اي الذين كانوا على مذهب الدولة من الملكانية، فشاركوهم الاستياء من الدولة البيزنطية، لقد ولدت الانقسامات الدينية والاضطهادات نفوراً وكراهية في مصر وسوريا والعراق حيال البزنطيين والساسانيين مما دفع بالسكان الى ان يتوسموا خيراً في الفتح العربي، ليس لانقاذهم من محنتهم الدينية فقط، بل من ظلم الغرب ايضاً، ولذلك اجمع المؤرخون على ان ذلك ساهم في تسهيل الفتح العربي، وان سكان هذه الامصار رأوا في العرب محررين لا غزاة.

ولعل الشهادة الابلغ في هذا المجال ما اورده بطريريك السريان الارثودكس ميخائيل السرياني، في القرن الثاني عشر من قوله «لأن الله هو المنتقم الاعظم، ولأن الله قد رأى ما كان يقترفه الروم من اعمال الشر. في نهب كنائسنا، واديرتنا، وتعذيبنا دون اي رحمة، فأنه قد اتى من مناطق الجنوب ببني اسماعيل لتحريرنا من نير الروم، وهكذا كان خلاصنا على ايديهم من ظلم الروم وشرورهم وحقدهم واضطهاداتهم وفظاعاتهم نحونا» وفي بداية الفتح كان توافد المسلمين الى سوريا محدوداً، فالقبائل الاسلامية الصاعدة من الجزيرة لم تكن من الثقل الديمغرافي ما يجعلها توازن الاكثرية المسيحية في المناطق التي احتلتها، لذلك ساد التعاون والاعتماد المتبادل، ففي العراق بقي النساطره يتمتعون بحرية دينية وحيوية كبيرة حتى انهم ارسلوا العديد من بعثات التبشير الديني الى الشرق الاقصى.

وفي سوريا، لم تزد نسبة المسلمين في تلك الفترة على 6% من مجموع السكان فبقي المسيحيون في دمشق مستمرين في اقامة الصلوات، الى جانب المسلمين في كنيسة القديس يوحنا المعمدان ( الجامع الاموي ) كذلك الامر في حمص، حيث بقيت بعض اماكن العبادة مشتركة.

الخلفاء الامويون

خلال عهد الخلفاء الامويين، اقتضت ضرورات بناء الدولة الجديد ومؤسساتها ان يعمل الحكام المسلمون الى اصطفاء الاكفاء للوظائف من غير تفريق في الجنس او الدين واحتل عدد المسيحيين مناصب رفيعة في الدولة لما لهم من خبرة اكتسبتها في خدمة الدولة البيزنطية وقد برز منهم سرجون بن منصور (والد القديس يوحنا الدمشقي) وابن منصور بن سرجون الذي عين امينا للسر في الادارة المالية، وكان رفيق الصبا ليزيد بن معاوية، وابن اوثال الطبيب الشخصي لمعاوية.

ولا بد من الاشارة الى انه بالاضافة الى دور المسيحيين في الادارة كان قصر الخلفاء مفتوحاً للشعراء، ومنهم عدد ملحوظ من المسيحيين كالاخطل الذي اباح لنفسه حرية مدهشة، حين كان ينشد قصائد المدح في القصور الاموية، وهو يتقلد صليبا من ذهب.

وكانت الحرف اليدوية كالبناء والخياطة غير مستساغة عند العرب المسلمين فكانت تقتصر مزاولتها على المسيحيين الذي كانوا ايضاً اكثرية بين الاطباء والمهندسين ومتعاطي فنون الصناعة والتجارة.

وعلى صعيد الديني، لم يعان المسيحيون في بلاد الشام من تغيير الاوضاع عقب الفتح وفي المرحلة الاموية، وقد قامت نساء الخلفاء المسيحيات، بدور اساسي في اشاعة جو من الالفة واشهرهن نائلة زوجة الخليفةعثمان بن عفان، وميسون زوجة الخليفة معاوية، وتماضر زوجة عبد الرحمن بن عوف، في هذا الجو من الثقة. كانت الطوائف المسيحية اليعقوبية والنسطورية والمارونية والملكية تلجأ الى تحكيم معاوية بن ابي سفيان واهل بيته الخلفاء والائمة المسلمين في خلافاتهما الدينية.

غير ان الغاء المعسكرات الخاصة بالجيوش دفع بعدد من المسلمين الى الاقامه في المدن، ولكن معظمهم اختار الاقامة في المدن الصحراوية كالرصافة وتدمر، فيما ظلت دمشق وانطاكية وحمص والقدس محافظة على خصائصها القديمة، وما تتمسك القبائل العربية المسيحية باستثناء التنوخيين والتغلبيين بمسيحيتها بل استميلت من غير اكراه الى الاسلام، وعلى الرغم من ذلك، لم يأنف ابناؤها من تعلق ذويهم او نسائهم بدينهن الاول، وجاهر المسيحيون، حتى مطلع القرن الثاني للهجرة، يرسمون علامة الصليب على ظهور الوثائق الرسمية في سوريا ومصر، كما تشهد على ذلك مخطوطات البردى في مصر والمكتوبة باللغة اليونانية وكان رؤساهم المسلمون يثبتون ختمهم الى جانب الصليب عوضاً ان ينهوهم عن ذلك (حبيب الزيات: الصليب في الاسلام، حريصاً لبنان 1938 – ص 58 - 68).

وليقتصر التفاعل على توظيف الخبرة المسيحية الادارية في خدمة الدولة الجديدة، وعلى اقتباس المعارف والعلوم وسكبها في قالب حضاري جديد، بل تجاوزه الى قيام حركة تبادل افكار وحوار مباشر وغير مباشر.

العصر العباسي

في العصر العباسي، استمرت المدن تشكل الاطار الامثل لهذا التبادل الثقافي والفكري، وشهدت مساهمة مسيحية لافته في الحياة الفكرية، وكانت الشخصيات الابرز تنتسب الى النسطورية او اليعقوبية ( من السريان ) ويفسر ذلك انتقال مركز السلطة الى بغداد، على مقربة من «سلوقية» العاصمة الدينية للمسيحيين المشارقة ولعب المسيحيون دوراً كبيراً في التعريف بالتراث اليوناني عن طريق الترجمة وتعاطي الفلسفة والعلوم، فضلا عن الترجمة من السريانية والفارسية وقد قطع اعرابهم شوطاً بعيداً، في تشكيل الحضارة الاسلامية – العربية حيث انصهرت التيارات والسمات الثقافية.

وحسبنا ان نشير الى ان هذه الحركة عرفت ذروتها مع عصر المأمون، حيث ساهم المسيحيون في الاتصالات بقياصرة الروم والبعثات التي ارسلها الخليفه، وفي هذا السياق، لا يمكن اغفال نفوذ الاطباء النصارى منذ ايام المنصور، اضف الى ذلك ارتفاع نسب تمثيلهم في الفئات المهنية العليا.

اما عن دورهم في الحضارة العربية – الاسلامية؟ كيف يتوزعون؟ فقد كان عهد الحروب الصليبية موجعاً بالنسبة لمسيحيي الشرق الذين باتوا اقليات متناثرة في العالم الاسلامي ومنطوية على نفسها، ولقد بذلت جهودا للتمييز بين الفرنج واهل البلاد المسيحيين الاصليين.

ففي سنة 1144 وحرصاً منه على تأييد مسيحي المنطقة، احترم نور الدين زنكي الكنائس ذات الطقوس السريانية والارثوذكسية، اما صلاح الدين بعد انتصاره على الصليبيين، لم يكتف بأن يكون متسامحا مع المسيحيين، بل اتخذ بعضهم في خدمته.

وعندما تسلم المماليك الحكم، بذلوا جهدا في اظهار حرصهم على اخراج الصليبيين من سوريا ومصر، فكانت فترات الجهاد قاسية على الشعب، الذي كان عليه ان يقدم مجهودا مالياً وعسكريا مما الحق الضرر بالمسحيين الذين استمروا في المناصب الحساسة في الادارة من كتاب الى اطباء الى موظفي مالية، وكان تقربهم من سلاطين المماليك وتقديم المشورة اليهم خاصة في عهدي قلاوون وابنة الاشرف خليل واشغالهم وظائف المباشرين «محصلي ضرائب» قد اثار نقمة المسلمين عليهم.

أن حلول الخلافة العثمانية على عرش القسطنطينية عام 1435 وضع حدا للامبراطورية البيزنطية «محمية الله» واحيط انتخاب بطريك القسطنطينية حناديوس سكولارس، بابهة كبيرة، حتى ان السلطان محمد الثاني خاطبه مرددا ما كان يقوله الاباطرة البيزنطيون «كن بطريركا بسلام، ولتحمك السماء، لك صداقتنا، في كل الظروف حيث تحتاج اليها، وانعم بكل الامتيازات التي حظي بها اسلافك».

لكن تعاقب الاحداث والاضطرابات ادى الى انتهاك الامتيازات الممنوحة، وذلك بسبب التدخلات الاجنبية، واتخذ التدخل في مواجهة خصم مشترك، ويظهر هذا الوعي الشرفي على نحو اكثر انتشارا عند نفر غير قليل من الشخصيات الدينية حيث اختلط عندهم العداء الشديد للاتين والبابوية بالارتياح الى كون الارذوكسية قادرة على الاستمرار وممارسة نشاطها داخل الامبراطورية العثمانية وفي حمايتها.

ويظهر «الوعي الشرقي» في محاولة استغاثة الارثوذكس العرب بالدولة العثمانية بمجابهة نشاط المرسلين الاوروبيين واخذت هذه الاستغاثه شكل التأكيد على الولاء للدولة العثمانية في وجه الاختراق الغربي الذي تشكل تدريجياً فأصر ابناء كنيسة انطاكية على اختيار بطريرك عربي لهم، بعد قرنين من تولي بداية الحركة القومية العربية، وظهر عند رجال الدين اصرار على معرفة لغة اهل البلد وثقافتها.

وطبقت الدولة العثمانية شروطا قاسية على المسيحيين وفي عهد نابليون بونابرت. احرق الثوار منازل المسيحيين وظلم الاتراك الاقباط وفي عهد محمد علي ساوى بين المسيحيين والمسلمين وشاركوا في الجمعيات الاستشارية اعوام «1832 – 1984» وبقيت المساواه حتى استرداد العثمانيين لسوريا.

وفي نهاية القرن 19 وبداية العشرين اقدم العثمانيون على ارتكاب مجازر بشعة ضدد الارمن والسريان والاشوريين من اسبابها التدخلات الاجنبية وخاصة البريطانية والفرنسية، لكن هذه الاحداث القاسية، لم تثن المسيحيين عن المشاركة في النهضة العربية مشاركة عالية جعلت منهم محركا رئيسيا لها.

فجرجي زيدان كتب في ( التمدن الاسلامي) وروايات عن تاريخ الاسلام في شأنها أن توطد الانتماء الى الحضارة العربية – الاسلامية اما فرح انطوان فهو سعى جاهدا للتمييز بين المسيحيين الشرقيين والمرسلين الغربيين والدول الاوروبية التي تستخدم الدين لأغراض سياسية وهو يقول بنوع من الاعتزاز ( نحن المسيحيون الحقيقيون وديننا لم يتدخل في السياسة، ونحن لسنا مسؤولين عن اعمال المسيحية الغربية، أن ولاءنا للشرق وقد عشنا دوما اوفياء للسلطان). ونجيب عازوري كان يعتبر ان المسيحيين لا يقلون عروبة عن مواطنيهم المسلمين، والمعلم بطرس البستاني كان يدعو الى العمل على انهاض البلاد وتقدمها، وتجاوز آثار مجازر 1840 و1860.
وكان عهد الامبراطورية العثمانية بالنسبة الى مسيحيي الشرق عهد ازدهار ديموغرافي كبير. فقد كانت نسبة السكان المسيحيين في الولايات السورية لا تتعدى 7% في بداية العهد العثماني اما في المدن فكان المسيحيون يشكلون 23% من سكان طرابلس و3% من سكان حلب و8% من سكان دمشق، بعد حين وفي احصاءات اجراها العثمانيون انفسهم، بعد اربعة قرون، صار المسيحيون يشكلون 40% من سكان المناطيق الساحلية وجبل لبنان و13% الى 15% من سكان ولايتي دمشق وحلب، اما في مصر فأن الاقباط الذين كانو يشكلون 7.6% الى 8% من سكان البلاد سجلوا نموا (ملحوظا) اواخر القرن 19، اما السبب فيعود الى الازدهار الناتج عن نمو التجارة مع الغرب، وهو الذي اثر ايجابا في نمو الولادات في المدن، ومعظم المسيحيين من سكان المدن فقد تمكنوا من تلافي مشاكل المجاعات عشية الحرب العالمية الاولى، بلغت نسبة السكان المسيحيين في الشرق 4.26% في سوريا ولبنان و8% في مصر و2.2% في العراق.

«التوزع السكاني للمسيحيين العرب»

اليوم كيف يتوزع المسيحيون العرب؟ من حيث الارقام الموثوقة تشير الاحصاءات الى ان تعدادهم الراهن يقارب الـ 10 ملايين في العالم العربي. اي نحو 5-6% من اجمالي السكان.
الكتلة الرئيسية تعيش في مصر حيث يبلغ التعداد الواقعي للأقباط 6 ملايين.

الدولة المصرية تعتبر أن العدد 4 ملايين فقط، في حين أن بعض المصادر القبطية ترفعه الى 10 ملايين، وثمة من يبالغون جدا بالحديث عن 15 مليونا، وثمة مهاجرون اقباط تزايدوا في العقدين الاخيرين.

الدور السياسي

يصعب الحديث عن دور مسيحي واحد. على امتداد القرن لأختلاف الظروف والانتماءات والحقب التاريخية فالمسيحيون العرب لم يكونوا مرة كتلة سياسية أو فكرية متجانسة، حيث أخترقت صفوفهم كل الاحزاب والتيارات التي عرفها العالم العربي، ولكن يمكن اجمالا الحديث عن 3 سمات عامة اتسم بها دورهم السياسي على تفاوت بين بلد وبلدن وطائفة وطائفة.

أولاً: المشاركة في معارك الاستقلال:

لعب المسيحيون العرب، حيث هم موجودون ادواراً مهمة في المعارك الوطنية التي خاضتها الشعوب العربية من اجل نيل استقلالها في النصف الاول من القرن العشرين.
ففي لبنان، حيث كانوا اكثرية عددية وفي بلد صنع من اجلهم خصيصاً من جانب فرنسا التي كانت منتدبة عليه بتكليف من عصبة الامم فمنذ عام 1919 نشأ تيار مسيحي عروبي معتدل كان يقول بضرورة استقلال لبنان عن فرنسا، وتأكيد انتمائه الى عالمه العربي، مقابل عدم ذوبانه في وحدة عربية او في اتحاد مع سوريا، بل محافظته على استقلاله وكيانه الذي نشأ عام 1920 وقد قادت الكتلة الدستورية بزعامة بشارة الخوري هذا التيار، وانتصر التيار الاستقلالي وصار الخوري رئيساً لأول عهد استقلالي عام 1943، وكان اللبناني الذي قاد مفاوضات الجلاء مع فرنسا هو الزعيم حميد فرنجية شقيق احد رؤساء جمهورية لبنان وهو ما رمز اليه فارس الخوري الارثوذكسي اول رئيس جمهورية سوري.
أما في مصر فقد لبى الاقباط دعوة سعد زغلول الى قومية مصرية بعيدة عن الانجليز والاتراك. فكان أن قام واصف بطرس غالي بالانتماء الى الثورة الزغلولية، واشترك اقباط في الوفد المصري الاول سنة 1919 للتفاوض مع الانجليز، والذي ضم سيمون حنا وجورج خياط وواصف غالي برئاسة سعد زغلول.
وفي فلسطين، شارك المسيحيون في الانتفاضات الشعبية 1936 – 1939 وفي ولادة المقاومة الفلسطينية الحديثة وبرز بينهم جورج حبش ونايف حواتمة.

ثانياً «المشاركة في السلطة»

شارك المسيحيون بنسب متفاوته في السلطة بعد نيل بلدانهم الاستقلال. ففي لبنان يمكن القول ان المسيحيين امسكوا بمقاليد السلطة بعد الاستقلال بمشاركة اسلامية ضعيفة الا ان اتفاق الطائف 1989، وضع حداً لهذه الهيمنة على السلطة فقضى بتعديلات اقامت المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في عدد نواب المجلس النيابي وفي عدد نواب المجلس النيابي وفي عدد الوزراء وفي وظائف الفئة الاولى ورغم هذا التعديل في موازين القوى الا ان رئاسة الجمهوية وقيادة الجيش وحاكميه المصرف المركزي ما زالت مواقع يشغلها مسيحيون، بتوافق الجميع.

وفي سوريا، لم تخل وزارة من تمثيل مسيحي يتراوح بين وزير واثنين، فضلا عن تمثيل في الوظائف الرئيسه (جورج صدقي، ميخائيل وهبة، جبران كورية) فضلا عن وجود ضباط كبار مسيحيين في الجيش.

في الاردن، تمثل المسيحيون تقليدياً منذ عام 1952 في مجلس الاعيان ومجلس النواب بنسب اعلى من نسبتهم العددية بالقياس الى عموم السكان (2%) فكان ثمة وزراء ونواب ومحافظون من آل حداين وحواتمه كما كان حضورهم حاسماً في الميدان الاقتصادي والاعلامي.
وفي العراق، شكل حضور طارق عزيز تمثيلاً مسيحياً رفيعاً افاد منه الكلدان والاشوريون العراقيون.

وفي مصر، فالوضع يختلف اختلافاً بيناً وهو موضع شكوى قديمة متجددة من جانب الاقباط، مواطنين ورجال دين.

ثالثاً ( العلاقة بالخارج )

شكل الخارج ببعديه السياسي والروحي عنصر استقطاب وجذب بالنسبة الى المسيحيين اللبنانيين، ومنذ القرن السابع عشر وحتى سقوط الامبراطورية العثمانية في القرن السابع عشر، بدأت تدخلات الدول الاوروبية في شؤون الامبراطورية الضعيفة فأخذت بروتوكولات حماية انتزعتها هذه الدول لمسيحيي الامبراطوية، فاتخذت فرنسا وضعية حماية كاثوليك الشرق، وروسيا الارثوذكس وبريطانيا حماية الانجيليين، وكانت الدول الاوروبية تتدخل في كل شؤون المسيحيين من خلال قناصلها الذين كانو يعتبرون المسيحيين رعايا تابعين لبلدانهم، اكثر من كونهم رعايا عثمانيين تنطبق عليهم قوانين الامبراطورية العثمانية. والى جانب المرجعية السياسية، شكلت الحواضر الدينية الكبرى مرجعيات روحية للمسيحيين، فاستقطب روما ولاء وتعلق كاثوليك الشرق، مقابل انجذاب الارثوذكس، الى روسيا القصيرية، ومعلوم ان الكهنة الموارنة، ثم الكاثوليك، كانوا يتلقون علومهم في المعهد الشرقي في روما، اما الارثوذكس فقد أنشأت لهم روسيا مدارس في لبنان، وسوريا وفلسطين دعيت مدارس (الماما) بحيث تعمق الولاء الارثوذكسي لروسيا. غير ان هذا الواقع الذي عرفه لبنان. لم يسحب نفسه في القرنين التاسع عشر والعشرين، عموم مسيحي الامبراطورية الذين لم يعرفوا حماية اجنبية بل استمروا (مللاً) تحت الحكم العثماني.

«الدور الثقافي»

لعب المسيحيون العرب دورا تأسيسياً في النهضة الادبية العربية الحديثة التي انطلقت في القرن التاسع عشر، وبدايات العشرين، واستمرت حتى يومنا هذا.

واذا كانت مساهمة المسيحيين شديدة الاتساع في ميادين الفلسفة والشعر والقصة والمسرح والرواية والغناء والنحت والرسم والسينما والتلفزيون والنقد واللغة واحياء التراث، مما يصعب ان نحيط به في هذا العرض، فان هذه المساهمه قد اتسعت بعدد من السمات طبعت مجمل النتاج المسيحي الذي ابدع على امتداد القرن العشرين.

أولاً: التجديد: السمة الغالبة ان المسيحيين كانوا تجدديين في الميادين التي طرقوها، بفعل اتصالهم بالغرب المتقدم ثقافياً، ومعرفتهم اللغات، الامر الذي سمح بالتفاعل، واتجاه معظمهم الى عدم التقيد بالقيود الدينية في التعبير او التفكير.

ثانياً: التثاقف مع الغرب : السمة الثانية: هي التثاقف مع الغرب، فجميع هؤلاء في اي ميدان، عرفوا حضارة الغرب وتذوقوها وهضموها واستفادوا من تراكماتها المعرفية، ومدارسها الفكرية ودرسوا في جامعات الغرب ووقفوا على اساليبه في الشعر والقصة والموسيقى والمسرح، لكنهم الى هذا التشيع بالتراث الغربي، بقي هؤلاء امناء للتراث الشرقي وقد نهلوا منه وعملوا في تربته الخصبة.

ثالثاً: الانقطاع عن الدين : وغلب على معظم المجددين المسيحيين انقطاعهم الكلي او النسبي عن الدين، او الممارسة الدينية، او المؤسسة الكنسية على وجه التخصيص، بل ان بعضهم كان مناوئاً للمؤسسة الدينية بوضوح «جبران خليل جبران» او ساخراً منها «مارون عبود» او قارئاً لمسيحيته بعين خاصة «ميخائيل نعيمة» او غير حاضرة في انتاجه.

وحتى الذين حضرت الرموز الدينية في نتاجهم مثل خليل حاوي ونداء ابو مراد او منير ابو دبس، كانوا علمانيين في فكرهم من غير ارتباط بالكنيسة كممارسة ايمانية.

ولعل هذا الانقطاع سمح بمساحة تعبيرية كبيرة متحررة من اي قيود او ضوابط فكرية او تعبيرية.

«الدور التربوي»

مارس المسيحيون العرب دوراً تربوياً لافتاً على امتداد القرن العشرين بدأ بعد تتلمذهم على ايدي الارساليات الكاثولكية والبروتسانية التي انتشرت في القرن التاسع عشر في لبنان والقدس لممارسة الاقتناص الديني من الجماعات الارثوذكسية، في لبنان، ولتكوين نخبة مشربة بالقيم المسيحية.

فعلى مستوى الجامعات، عرف لبنان اول جامعة اميركية في المنطقة سنة 1866 تحت اسم «الكلية السورية البروتستانية» بعدما كان البروتستانت قد اسسوا 33 مدرسة في مختلف انحاء لبنان خمس طلابها من الفتيات، وقد تولت الجامعة الاميركية في خميسنات القرن الماضي تخريج معظم الكوادر الرئيسية في «حركة القوميين العرب» (جورج حبش، وديع حداد، قسطنطين زريق، وليد الخالدي، حسيب صباغ، فضلاً عن عدد كبير من ابناء التيار العروبي ( معن بشور، بشارة مرهج، ايليا حريق).

وعلى صعيد الاثر التربوي، يمكن الحديث على وجه الاجمال على عنصرين متعارضين في الوقت نفسه. ففي حين شكلت هذه المؤسسات قنوات للعلم الحديث وتمتعت بمستوى تربوي لائق، واسهمت في رفع مستوى التعليم في كل قطر عربي عملت فيه، الا انها لعبت دوراً غير محمود ( خصوصاً في لبنان ). في انتاج نخبة مسيحية منسلخة عن ثقافتها العربية، متعالية على محيطها، متطلعة الى الغرب ومقتديه به في الفكر والسلوك اقتداء اعمى.