الساعة

تأثير التنمية الاقتصادية على الفقر فـي الأردن

01/09/2008

مركز الرأي للدراسات

د.بسام الكساسبة

9/2008

الفقر هو عجز مداخيل بعض شرائح المجتمع إما كليا أو جزئيا عن تغطية متطلبات معيشتهم الأساسية من غذاء وسكن وكساء ومياه صالحة للشرب وخدمات التعليم والصحة والمواصلات والاتصالات. وتتفاوت نسبة أعداد الفقراء من إجمالي السكان من دولة إلى أخرى، وذلك باختلاف مستوى التطور الاقتصادي في كل واحدة منها، ومستوى حصة الأفراد من الدخل الوطني، ومستوى تحقيق العدالة في توزيع كل من الدخل الوطني ومكتسبات التنمية بين الأفراد .

وإجمالا تتسم الدول ذات الدخل المرتفع، بمستويات اقل من الفقر، بسبب توفر موارد مالية لديها أعلى، تمكنها من الإنفاق بيسر على متطلبات التنمية واحتياجات مواطنيها، كما تمكنها من التصدي لهذه الظاهرة ومعالجتها، وتغطية احتياجات شرائح الفقراء لديها، وثانيا أن ما حققته من تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة، تمكنها من إيجاد فرص عمل هائلة، كما تساهم برامجها التنموية بتحفيز الأفراد نحو إقامة مشاريعهم الفردية الخاصة بهم، وترفع من مستوى معيشتهم، وتساهم برفع الإنتاجية في المجتمع.

لكن في الدول النامية، تظهر مشكلة الفقر على نحو أشد وضوحا وأكثر بروزا واتساعا، لأنها تعود لأسباب كثيرة، في مقدمتها أخفاق برامج التنمية الاقتصادية والإدارية، عن الارتقاء بمداخيل الأفراد بما يحول دون تحقيق مستوى من المعيشة اللائقة والحياة والكريمة.

لذا قام مركز الرأي للدراسات من خلال الباحث الاقتصادي بسام الكساسبة بدراسة مدى تأثير التنمية الأقتصادية على الفقر في الاردن .

أسباب الفقر

للفقر أسباب كثيرة ، قد تشترك في بعضها غالبية الدول التي تعاني من هذه الظاهرة، كالأسباب الاقتصادية والاجتماعية، وقد تقتصر على بعضها الأخر، كالفقر الناتج عن الحروب والكوارث الطبيعية وما ينشأ عنها من تشريد للأفراد وتدمير للممتلكات العامة والخاصة، ويمكن توضيح تلك الأسباب على النحو التالي:

أولا: الأسباب الاقتصادية ومنها :

1. ما يتعلق ببرامج التنمية الاقتصادية تشكل الجوانب الاقتصادية المتعلقة بانخفاض معدلات النمو السنوية، السبب الرئيسي لظهور مشكلة الفقر في الأردن، ويظهر انخفاض معدلات نمو دخل الأفراد في الأردن عندما:

* يحسب نصيب الفرد في الأردن من الناتج المحلي الإجمالي بالدولار الأمريكي، لأن احتسابه بالدينار لا يقدم صورة واضحة عن تطوره.

* متابعة تطور نمو معدلات مداخيل الأفراد خلال فترة زمنية مطولة.

واستنادا على ذلك يظهر بأن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قد ارتفعت من 1776 دولار في عام 1980 إلى 2320 دولار في عام 1987 وهو أعلى مستوى وصل إليه في عقد الثمانينات من القرن الماضي، لكن على اثر انهيار سعر صرف الدينار الأردني مقابل العملات الأجنبية في عام 1988، فقد انخفضت حصة الفرد الأردني من الناتج المحلي الإجمالي في ذلك العام إلى 2067 دولار، ثم إلى 1342 دولار في عام 1989 وقد واصل انخفاضه إلى أن بلغ أدنى مستوياته في عام 1991 حيث بلغ 1174 دولار في السنة، ولم تتمكن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي العودة أو الاقتراب إلى ما بلغته في عام 1987 وهو 2325 دولار في السنة إلا في عام 2005 أي بعد مرور ثمانية عشر عاما حيث بلغت 2322 دولار في السنة، بمعنى أن ما بلغته حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2005 (من الناحية الاسمية، أي بدون احتساب تأثير عامل التضخم) كان يدور حول مستواه في عام 1987.

وإذا ما أخذت معدلات التضخم وارتفاع مستويات الأسعار على صعيد الدولار كعملة عالمية بواقع 2% سنويا منذ عام 1988 ولغاية عام 2005، فستبلغ نسبتها التراكمية 36% على أقل تقدير، من هنا يمكن الاستنتاج بأن نصيب الفرد في الأردن من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2006 كان يعادل 1630 دولار في السنة، لذا فإن تطور مستوى معيشة الأفراد في الأردن لغاية عام 1987 هو أفضل بكثير مما بلغه خلال الفترة الممتدة من نهاية عام 1987 إلى نهاية عام 2006 .

2. ارتفاع معدلات البطالة

إذ تراوح معدلات البطالة في سوق العمل الأردني بين 13% إلى 5ر14% من قوة العمل الأردنية، وهي نسبة مرتفعة جدا وفقا للمعايير المحلية، وللبطالة تأثير بالغ على استشراء ظاهرة الفقر في المجتمع الأردني.

3. تأثير التحصيلات الضريبة على المقدرة الشرائية للأفراد تحت ضغط المسؤوليات الجسيمة للحكومة، المتمثلة بالإنفاق على الخدمات المختلفة التي تقدمها لمواطنيها، في مجالات التعليم والرعاية الصحية وإنشاء البنية التحتية، وتوفير الأمن والاستقرار والنظام العام، وتدبير الأجور والرواتب لمنتسبي الأجهزة الرسمية المختلفة، وهو ما يفرض ارتفاعا سنويا متواصلا في مستويات الإنفاق الحكومي، وهو ما يتطلب زيادة مماثلة في الإيرادات المالية العامة، وفي مقدمتها التحصيلات من الرسوم وضرائب الدخل والمبيعات والاقتطاعات المختلفة، التي تتقاضاها الجهات الرسمية من المداخيل سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات الفردية أو الشركات المساهمة، وللتوضيح فإن شعوب الدول ذات الدخل المرتفع كما هو الحال في دول الخليج العربي التي تسودها مستويات من الدخل الفردي المرتفع الذي يبلغ أضعاف مستواه السائد في الأردن يقابله تحصيلات ضريبية منخفضة كثيرا عن مستواها في الأردن، أي أن الهامش المتاح للأفراد من دخولهم في تلك الدول والمخصصة للإنفاق على متطلباتهم المعيشية هو أكثر اتساعا مما هو متاح للمواطنين في الأردن، الذين تقع دخولهم تحت ضغطين شديدين هما: * تدني مستواها قياسا بما حققته الكثير من الدول.

* ارتفاع الأعباء التي تتحملها تلك الدخول، نتيجة لما يقتطع منها تحت مسميات مختلفة من الضرائب والرسوم.

4.تأثير عولمة تكاليف الإنتاج على مستويات الفقر المحلية

لا يمكن النظر للفقر على المستوى المحلي بمعزل عن ارتفاع تكاليف إنتاج السلع والمنتجات الصناعية والزراعية والخدمات المستوردة من الخارج، خصوصا من الدول ذات الدخل المرتفع كاليابان والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، إلى الدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط بما فيها الأردن، كالسيارات على سبيل المثال أو الحواسيب ولوازمها أو الأدوية أو خدمات التامين والبنوك والنقل البحري والبري والجوي التي تتطلبها انتقال السلع والأفراد عبر الحدود وما بين الدول، ونتيجة لما تتضمنه من أجور مهندسين وفنيين وعمال وأجور خدمات النقل والاتصالات والأرباح المرتفعة التي يتقاضاها المنظمون في تلك الدول،فإن أسعارها عند تسويقها أو تصديرها للدول ذات الدخل المنخفض لن تقل عن أسعارها حينما تصل إلى المستهلك في الدول ذات الدخل المرتفع، أي أن الأفراد في الدول الفقيرة وفي ظل مداخيلهم المنخفضة يتكافئون إلى حد بعيد مع الأفراد في الدول ذات الدخل المرتفع حينما يبتاعون نفس السلع والخدمات المنتجة في الدول الصناعية ذات الدخل المرتفع، وهو ما يعني أن برامج التنمية الاقتصادية في الدول النامية من شريحتي الدخل المنخفض والمتوسط التي يقع الأردن ضمن إطارها، لم تتمكن من الارتقاء بمداخيل الأفراد لديها كي يصبح بمقدورهم التكيف مع الارتفاع في تكاليف الإنتاج على الصعيد العالمي، وبالذات في الدول ذات الدخل المرتفع ،خصوصا وان الأردن يعتمد إلى حد بعيد على تغطية جزء من احتياجاته الاستهلاكية على ما يستورده من الخارج، وهو ما يزيد من حدة هذه المشاكل، إذ وصلت قيمة مستوردات الأردن من الدول ذات الدخل المرتفع وهي اليابان وسويسرا ودول الاتحاد أوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى مستوردات الأردن من النفط والمشتقات النفطية بالأسعار العالمية إلى 4567 مليون دينار أي ما يساوي 6515 مليون دولار أمريكي وما يعادل 56% من مستوردات الأردن الكلية، وهو ما يساهم بفرض المزيد من التحديات على برامج التنمية المحلية، كي تسهم بزيادة معدلات النمو السنوية الفعلية.

ثانيا : درجة تحقيق العدالة في توزيع الدخل الوطني.

فالعدالة في توزيع الدخل الوطني بين الأفراد، لها تأثير واضح على منسوب الفقر في المجتمع، فكلما طبقت العدالة بدرجات أعلى كلما قللت من مستويات الفقر وأوجدت حوافز أعلى لتحقيق معدلات تنمية أفضل، والعكس صحيح، فكلما خفت العدالة في توزيع الدخل مع اقترانها بضعف تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، كلما ازدادت حدة التفاوت في مستويات الدخل خصوصا في أوساط من يتلقون دخلهم من القطاع العام.

ثالثا : الأسباب الاجتماعية

وهي التي تؤدي للفقر، كنتيجة لعدم تمكن شريحة من الأفراد من العمل والحصول على دخل إما لأسباب صحية تتعلق بأمراض مزمنة أصابتهم أو إعاقات تمنعهم من العمل، أو لعدم توفر تحصيل علمي مناسب لديهم يفي بمتطلبات العمل، أو كبار السن ممن لا يتمكنون من العمل إضافة للأطفال والقصر والأرامل الذين لا يتوفر لهم مداخيل ذاتية ولا يوجد من يعيلهم، أو ممن لا تتوفر لديهم مهارات كافية للتعامل مع أساليب الإنتاج الحديثة والمتطورة، هذه الشرائح من المجتمع، هي التي يمكن توصيفها بالفقراء نتيجة لظروفهم الذاتية المتعلقة بهم مباشرة، وغالبا ما تكون أعدادهم قليلة وفي إطار ضيق من المجموع الكلي للسكان.

رابعا : الحروب والكوارث الطبيعية

مع أن الحروب والكوارث الطبيعية ، تؤثر بشدة على الدول التي تتعرض إليها مباشرة، فقد يكون لتلك العوامل تأثيرات غير مباشرة على بعض الدول الأخرى، ممن تعمل بعض أياديها العاملة في مناطق الصراعات والحروب الأهلية والإقليمية، مما يقلص من أعدادها،ويخفض من تحويلاتها المالية، كذلك تأثيرها على بيئة الاستثمار والاستقرار الاقتصادي، مما يحد من معدلات النمو ومن فرص العمل نتيجة لتقلص حجم الاستثمار، وقد تأثر الأردن اقتصاديا إلى حد بعيد بالحروب التي نشبت في منطقتنا العربية، ومنها حروب الخليج المتتالية.

مقارنة دولية لتطور مداخيل الأفراد تبرز أهمية إجراء المقارنات الدولية على صعيد تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، لكونها أكثر كفاءة في إظهار مدى التطور على الصعيد المحلي، فكلما زاد الناتج المحلي الإجمالي في دولة من الدول، كلما زادت حصة الأفراد منه، وبالتالي ازدادت قدرتهم الشرائية والعكس صحيح، ولا يمكن قياس هذا التطور بدقة، إلا حينما توضع الإنجازات المحلية جنبا إلى جنب مع ما تحققه الدول الأخرى من إنجازات على نفس الصعيد ، والشكل التالي يوضح السرعة البطيئة جدا التي تطور فيها الناتج المحلي الإجمالي الأردني، منذ عام 1980 ولغاية عام 2005، فبينما كانت حصة الفرد في الأردن من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1980 تعادل 1801 دولار في السنة فقد كانت حصة الفرد في كوريا الجنوبية تعادل 1642 دولار في السنة، أي أن الأردن كان يتقدم على كوريا الجنوبية في هذا المجال، لكن انخراط كوريا الجنوبية منذ ذلك العام في نهضة تنموية اقتصادية شاملة ومستدامة مكنتها في عام 1990 من رفع حصة الفرد لديها في عام 1990 إلى 5889 دولار في السنة بينما ارتد مستواه في الأردن إلى 1256 دولار في السنة، أما في عام 2005 فقد تمكنت كوريا الجنوبية من رفع حصة الفرد لديها من الناتج المحلي الإجمالي إلى 16307 دولار في السنة، بينما بقي مستواه في الأردن عند مستوى 2311 دولار في السنة، وهو ما يظهر دور التنمية الشاملة والمستدامة الناجحة في رفع مستوى معيشة الأفراد وتقليص مساحات الفقر لديها.

أما عند مقارنة فجوة التطور في حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الأردني، مع المعدل الذي حققته الدول المتقدمة في أربع محطات زمنية هي أعوام 1980، 1990، 2001، 2005، يظهر بأن الفرق بين الأردن ومستواه في تلك الدول في عام 1980 قد بلغ 7791 دولار في السنة، ارتفع هذا الفارق في عام 2001 إلى24439 دولار في السنة، أما في عام 2005 فقد بلغت فجوة التطور 32005 دولار في السنة، فبدلا من مساهمة برامج التنمية الاقتصادية الأردنية بتقليص هذه الفجوة ، فقد ازدادت وتوسعت بمرور الوقت.

فالدول تستطيع مواجهة ظاهرة الفقر من خلال تحقيق معدلات تنمية اقتصادية قوية وراسخة، تمكن مواطنيها من المواءمة بين مداخيلهم ومتطلبات معيشتهم في ظل معدلات التضخم المحلية والعالمية، حيث نجحت العديد من الدول بإحداث نقلة نوعية بمستوى دخل الأفراد لديها، فعلى سبيل المثال: حققت سنغافورة تطور في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2005 عن مستواه في عام 1980 بقيمة 22059 دولار والنرويج بقيمة 48774 دولار ومورشيوس (الدولة النامية) بقيمة 4110 دولار ولبنان الذي عصفت به الحروب الأهلية والاجتياحات الصهيونية بقيمة 5045 دولار، أما الأردن فلم يتجاوز التطور لديه خلال تلك الفترة مبلغ 510 دولار فقط ، وتعتبر من اقل المستويات العالمية على الإطلاق، كما يوضحه الجدول رقم (1)

خط الفقر وفقا للمعايير المحلية

* في حزيران/2004 نشرت دراسة رسمية بعنوان تقييم الفقر في الأردن استنادا على مسح نفقات ودخل الأسرة 2002/2003 الذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة،وقد شاركت في إعدادها كل من وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التخطيط والبنك الدولي، وقد أظهرت الدراسة أن نسبة الفقر في الأردن تبلغ 2ر14% من إجمالي سكان المملكة، كما أظهرت أن خط الفقر على المستوى الوطني بلغ 392 دينار للشخص الواحد في السنة، أي ما يعادل 554 دولار في السنة.

أهمية الأخذ بالمعايير العالمية في تقييم ظاهرة الفقر محليا

من الضروري الأخذ بعين الاعتبار المعايير الدولية التي تستخدم في التأثير على حجم ظاهرة الفقر عالميا ، جنبا إلى جنب مع المعايير المعتمدة لديها، خصوصا أن المعايير الاقتصادية تولي اهتمام لعنصر الدخل، وتتعامل مع متطلبات المعيشة كحزمة متكاملة من تعليم وصحة وسكن وغذاء ودواء وكساء ومواصلات واتصالات ومياه صالحة للشرب وشبكات صرف صحي.

ويعتبر البنك الدولي ضمن تقاريره وبياناته ومنشوراته المختلفة أن جميع الأفراد الذين يحصلون على اقل من 15ر2 دولار في اليوم أو اقل من ذلك بأنهم في عداد الفقراء أو دون خط الفقر العالمي International-Poverty-Line، كما أن من يساوي أو يقل دخله عن 08ر1 دولار في اليوم يعد ضمن شريحة الأكثر فقرا أو دون خط الفقر المدقع، ويقتصران هذان المعياران على الدول من فئتي الدخل المنخفض والمتوسط ،حيث يذكر تقرير مؤشرات التنمية العالمية (WDI) الصادر في 15/4/2007 عن البنك الدولي(أن معدلات الفقر في العالم واصلت الانخفاض في السنوات الأربعة الأولى من القرن الحادي والعشرين، فقد أظهرت تقديرات حديثة في هذا التقرير أن نسبة السكان الذين يعيشون على اقل من دولار أمريكي واحد يوميا للفرد تراجعت إلى 184 في المائة في عام 2004، لينخفض بذلك عدد الذين يعيشون في فقر مدقع إلى نحو 985 مليون شخص، وبالمقارنة، كان إجمالي عدد الفقراء فقرا مدقعا في عام 1990 نحو 25ر1 بليون شخص، كما أن أعداد الفقراء الذين يعيشون على دولارين يوميا للفرد آخذه في الانخفاض أيضا، لكن نحو 6ر2 بليون شخص أي نصف بلدان العالم النامية تقريبا كانوا يعيشون دون هذا المستوى في عام 2004) .

لكن تتمثل مشكلة الكثير من دول العالم الثالث مع معيار خط الفقر الدولي الذي يعتمده البنك الدولي بأنه يبرز حجم ظاهرة الفقر على نحو أكثر وضوحا مما تظهره المعايير المحلية، وهو ما يسبب إحراجا لصناع السياسات العامة وفي مقدمتها السياسات الاقتصادية، لذا تلجأ بعض الدول إلى تصميم خطوط فقر وطنية خاصة بها بمقدورها إبراز ظاهرة الفقر بمستويات اقل مما هو عليه الواقع.

ولا يشمل المعيار المعتمد من البنك الدولي الدول ذات الدخل المرتفع، لأن خط الفقر لديها أعلى من هذا المستوى بكثير، وبما أن الأردن يقع ضمن مجموعة الدول النامية ذات الشريحة الأقل من الدخل المتوسط المنخفض، فمن الضروري اعتماد هذا المعيار في تحديد حجم ظاهرة الفقر في الأردن، إلى جانب المعايير المحلية ، لأنه يعطي تصورا لظاهرة الفقر أكثر مما تقدمه المعايير المحلية بمفردها، ثم أن تحديد حجم ظاهرة الفقر في الأردن على نحو أكثر شفافية ووضوحا سيضطر وسيدفع بصناع القرار وفي مقدمتهم صناع القرار الاقتصادي، إلى معرفة حجم إنجازاتهم الفعلية وما ينجزونه على صعيد تحسين مستوى معيشة الأفراد، وما يتم إحرازه في مجال مكافحة الفقر الذي استشرى بنهم في أوساط المجتمع الأردني خلال السنوات الأخيرة.

أعداد الفقراء الذين يقل دخلهم اليومي عن 15ر2 دولار يوميا

عند تطبيق خط الفقر المعتمد دوليا من البنك الدولي والمحدد بـ 15ر2 دولار في اليوم للشخص على الحالة الأردنية، فإن هذا المبلغ يساوي 785 دولار للشخص في السنة، أو ما يعادل 550 دينار أردني للفرد في السنة، وبناءا على ذلك يمكن احتساب أعداد من تقل مداخيلهم اليومية عن 15ر2 دولار في اليوم على النحو التالي.

1. استنادا على مسح نفقات ودخل الأسرة 2002/2003 الذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة، والذي قسم دخل المواطنين الأردنيين إلى شرائح، وكما هو موضح في الجدول رقم (2)، فإن عدد من يقل دخلهم عن خط الفقر المعتمد من البنك الدولي والمحدد بـ 15ر2 دولار في اليوم للشخص، أي ما يعادل 550 دينار اردني للفرد في السنة، يمكن احتسابه كما يلي:

* أن عدد الأفراد الذين يقل دخلهم عن 500 دينار في السنة يبلغ 1564321 شخصاً، أي ما يعادل 3ر31% من عدد السكان في الأردن.

* إذا ما تم تنصيف الفئة من 500 - > 600 دينار والبالغ عدد أفرادها 563538 والذين يشكلون ما نسبته 3ر11% من مجموع السكان ، لتصبح الفئة من 500 - > 550 فإن عدد الأفراد الذين يبلغ دخل الواحد منهم من 500 دينار إلى 550 دينار يعادل 281769 فرد، أي ما يعادل 6ر5% من مجمل عدد السكان.

واستنادا على ما سبق فإن عدد الأفراد الذين يقل دخلهم عن15ر2 دولار في اليوم، أو 550 دينار في السنة يصل الى1846090 شخص ويشكلون ما نسبته 9ر36% من عدد سكان الأردن.

2. استنادا على بيانات الجدول رقم (2) المقتبس من مسح نفقات ودخل الأسرة الأردنية الذي أعدته دائرة الإحصاءات العامة في عام 2007، فيمكن احتساب نسبة وأعداد من يقل دخلهم عن 5ر15 دولار يوميا على النحو التالي:

* يبلغ عدد الأفراد الذين يقل دخلهم عن 500 دينار في السنة يبلغ 1717836 شخصاً، أي ما يعادل 5ر22% من عدد السكان في الأردن.

* إذا ما تم تنصيف الفئة من 500 - 600 دينار والبالغ عدد أفرادها 550809 والذين يشكلون ما نسبته 2ر10% من مجموع السكان ، لتصبح الفئة من 500 - 550 فإن عدد الأفراد الذين يبلغ دخل الواحد منهم من 500 دينار إلى 550 دينار يعادل 275404 فرد، أي ما يعادل1ر5% من مجمل عدد السكان.

* واستنادا على ما سبق فإن عدد الأفراد الذين يقل دخلهم عن15ر2 دولار في اليوم، أو 550 ديناراً في السنة يبلغ نحو 1493241 شخص استنادا على مسح دخل ونفقات الأسرة لعام 2006، وتبلغ نسبتهم من أجمالي عدد السكان 6ر27% .

أن نسبة من يساوي أو يقل دخله عن 15ر2 دولار في اليوم في الأردن يعادلون 6ر27% من عدد السكان، وتعتبر نسبة مرتفعة جدا، وهي مرشحة للارتفاع في ظل نسب التضخم التي ارتفعت في عام 2007، والتي سترتفع كثيرا في العام 2008 بسبب التضخم العالمي وارتفاع أسعار صرف اليورو، وكذلك بسبب تحرير أسعار المشتقات النفطية، والتي ستنعكس زيادة على أعداد الفقراء في الأردن.

البرامج الأردنية

فـي مواجهة ظاهرة الفقر

وفرت الحكومة الأردنية منظومة آمان اجتماعي، تتمثل واجباتها بتقديم العون والمساعدة للفقراء والمعوزين، منها ما تخصص بتقديم مساعدات مالية مباشرة سواء متكررة أو استثنائية كصندوق المعونة الوطنية ومنها ما تخصص بتقديم مساعدات استثنائية كصندوق الزكاة والهيئة الخيرية الهاشمية، ومنها ما تقدم قروض صغيرة مستردة تستهدف تعزيز إنتاجية الأسر الفقيرة من خلال تمويل مشاريع مولدة للدخل المستدام لتلك الأسر، كصندوق التنمية والتشغيل، إضافة إلى البرامج الحكومية التي تستهدف الارتقاء بمستوى خدمات البنية التحتية، كإنشاء المرافق الصحية والمدارس وتحسين الطرق وشبكات المياه والاتصالات،والمواصلات والمياه الصالحة للشرب وشبكات الصرف الصحي التي من شأنها تحسين نوعية الحياة وجودتها، إضافة إلى المبادرات الملكية التي تستهدف توفير مساكن لمن لا مأوى لهم في البوادي والأرياف ومختلف مناطق المملكة وتحسين الخدمات المقدمة لهم.

لكن لما كانت الأسباب الرئيسية لظهور مشكلة الفقر واتساع مساحاته في الأردن هي أسباب اقتصادية، فإن شبكة الأمان والتكافل الاجتماعي بمفردها لن يكون بمقدورها ملاحقة الفقر ومكافحته والتخفيف من حدته، خصوصا حينما يؤخذ بعين الاعتبار خط الفقر في الأردن وفقا لمعايير البنك الدولي التي تحدده بـ 15ر2 دولار للفرد يوميا، مما يستوجب بالدرجة الأساسية التركيز على العناصر الاقتصادية في معالجة ظاهرة الفقر، والتي تتمثل بما يلي:

* زيادة وتائر التنمية الاقتصادية* تحقيق العدالة في توزيع الدخل بين أفراد المجتمع.

* تقليل التفاوت الحاد في الأجور سواء فيما بين الجهات الرسمية نفسها التي تستخدم عدداً كبيراً جدا من الأنظمة الوظيفية التي تختلف كثيرا فيما تقدمه من إمتيازات لموظفيها، أو التفاوت في مستويات الأجور ما بين الجهات الرسمية من جهة والقطاع الخاص من جهة أخرى.

* تحفيز الاستثمار الإنتاجي والمكثف لاستخدام الأيدي العاملة للتخفيف من معدلات البطالة المرتفعة، إذ اتسم الاستثمار في الأردن في السنوات الأخيرة بتكثيفه لاستخدام رأس المال، ويتضح ذلك من خلال الاستثمار في الفرص العقارية التي يعتمد في تنفيذها وتشغيلها بالدرجة الأساسية على الأيدي العاملة الوافدة، وفي مشاريع الخدمات المالية كالتوسع في رأسمال البنوك التجارية وشركات التأمين وشركات الوساطة المالية، وهو ما لم ينعكس ايجابيا على تخفيض معدلات البطالة.

* رفع الحد الأدنى للأجور الذي يتقاضاه العمال والمحدد بـ 120 ديناراً للعامل شهريا.

ملاحظة : يوجد فوارق طفيفة جدا بين حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الأردن بين المصادر المحلية ومصادر البنك الدولي، ويعود ذلك إلى الاختلاف الطفيف في أسعار الصرف المعتمدة كل في وقتها، وهي لا تؤثر على نتائج هذه الدراسة.