الساعة

التزام آل البيت بالقدس يؤيده الدين وترفده الشهادة ويسجله التاريخ

31/07/2012

مركز الرأي للدراسات

اعداد : د. سامي احمد الفلاحات

تموز 2012

مدينة القدس الشريف مدينة عربية في نشأتها وتكوينها ، وبمعالم الحضارة فيها ، أنشأها العرب اليبوسيون قبل ميلاد السيد المسيح بحوالي ثلاثة آلاف عام ، وازدهرت الحياة فيها في عهد العرب الكنعانيين.

ولمدينة القدس اهمية خاصة عند المسلمين ، ولها منزلة رفيعه في عقيدتهم ودينهم ولهذا تعيش المدينة في قلوبهم ، وتهفوا اليها نفوسهم وارواحهم.

وقد بدأت مسؤولية الهاشميين ودورهم فيما يتعلق بالقدس والمقدسات الاسلامية منذ عهد الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه الذي قضى منفيا لانه رفض التنازل عن القدس خاصة وفلسطين عامه بالرغم من أن الحلفاء حاولوا اقناعه بعد الحرب العالمية الاولى بقبول اقامة المملكة العربية الهاشميه من جبال طوروس شمالا الى المحيط الهندي جنوبا باستثناء فلسطين لتظل تحت الانتداب البريطاني ولكنه رفض ذلك العرض ، وحرص في وصيته على أن يدفن في الحرم القدسي الشريف تجسيدا لتمسكه بالقدس والأقصى المبارك.

ثم حمل هذه المسؤولية ابنه الملك الشهيد عبدالله بن الحسين في عهد امارة شرق الاردن ثم تاسيس المملكة الاردنية الهاشميه وبخاصة بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وقيام حرب عام 1948 ، وظل الملك عبد الله الاول يبذل جهودا متواصلة للحفاظ على الحقوق العربية في المدينة المقدسة ويواجه اخطر التحديات للمحافظة على هذه الحقوق حتى استشهاده.

وقد استمر في عهد الملك طلال ذلك الاهتمام الهاشمي في فلسطين عامة بارضها المقدسة وابناء شعبها وعلى وجه الخصوص متابعة رعاية المسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة اقتداء بوالده الشهيد وبجده الحسين بن علي طيب الله ثراه

كما كانت القدس والمقدسات الاسلامية فيها الشغل الشاغل للملك الحسين رحمه الله تعالى على مدى سنوات طويلة من سني الاحتلال البغيضة ، كما ان الظروف السياسية التي مرت بها المنطقة قد زادت من ابعاد هذا الاهتمام ومداه وعمقه لدى الحسين اذ ان قضية القدس بالنسبة له ليست مسالة مغانم او مصالح شخصية وانما تمليها الاعتبارات التاريخية والاخلاقية والتراثية والعقائدية والحضاريه ، فقد سعى من وراء قضية القدس الى توحيد العرب والمسلمين واستقطاب جهودهم لتحريرها والنهوض بمسؤولياتهم تجاهها.
ومن هنا جاءت دعوة الملك الحسين في خطابة للامة بتاريخ 12/10/1993 وفي خطابه في افتتاح الدورة العادية الاولى لمجلس الامة الثاني عشر بتاريخ 23/11/1993 إلى تشكيل هيئة عربية اسلامية توكل اليها رعاية شؤون المقدسات الاسلامية في القدس ، حيث دعا الى ان تكون الهيئة المقترحة غير سياسيه توحد المسلمين وتنظم جهودهم وتكون ممثلة للمذاهب الاسلامية السبعه.

وقد اكد الملك الحسين في خطابه للامة بتاريخ 12/10/1993 على علاقة الهاشميين بالقدس وبين انها علاقة تاريخية وشرعية ودينيه حيث قال :

( التزام بني هاشم ال بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقدس التزام يؤيده الدين وترفده الشهاده ويسجله التاريخ )

وبعد ان وقعت القدس تحت الاحتلال الاسرائيلي البغيض عام 1967 وتوالت الاحداث وكان ما كان من قرارات فك الارتباط مع الضفة الغربية فقد جاء استثناء المقدسات والاوقاف الاسلامية والمحاكم الشرعية من هذه القرارات تمسكا من القيادة الاردنية الهاشمية بمسؤولياتها التاريخية نحو الاقصى المبارك والمقدسات في القدس0

ثم حمل جلالة الملك عبدالله الثاني هذه الراية ، فبقيت القدس ومقدساتها محور اساس في تحرك القيادة الاردنية ، ولقد اكد عبدالله الثاني في اكثر من مناسبة ومقابلة صحفية أن القدس بالنسبة له هي امانه في عنقة كهاشمي.

لقد انفق الاردن على مؤسسات الاوقاف في الضفة والقدس مبالغ كبيرة وبدون اي تغطية اعلامية لهذا الانفاق او محاولة جمع تبرعات له عبر السنوات المتتالية باعتبار ان هذا الانفاق يقع على عاتق الحكومة الاردنيه وانه مسؤولية تاريخية جسيمه تحملها المملكة الاردنية الهاشميه وتحرص على القيام بها خير قيام ضمن نطاق الدولة الواحده.
وبالرجوع الى المستندات والقيود المالية يتبين ان حكومة المملكة الاردنية الهاشميه قد انفقت ما يزيد عن (485) مليون دولار منذ عام 1952وحتى عام 1992 من موازنتها الخاصة على الشؤون الاسلامية وغيرها من الخدمات الاجتماعية وبخاصة على شؤون المسجد الاقصى المبارك ، وهذا يعني تعبيرا عمليا على الاضطلاع بالمسؤولية وحمل الامانة في رعاية المقدسات الاسلامية غربي النهر.

وقد بلغت موازنة اوقاف القدس لعام 1995 حوالي خمسة ملايين دينار كما يقدم لها دعم مباشر من الحكومة الاردنية مقداره 2،649،000 دينار اردني.

لقد اعطى الهاشميون جل اهتمامهم ورعايتهم لاعمار المسجد الاقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفه ، ويمكن تقسيم مراحل اعمارهم لهذه الأماكن المقدسة إلى مراحل ثلاث هي :

اولا ـ الاعمار الهاشمي الاول للمسجد الاقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفه :

في مطلع القرن العشرين كانت المنطقة العربية بشكل خاص والاسلامية بشكل عام تتعرض لاقسى هجمة استعمارية وعلى الرغم من خطورة الاحداث وضخامتها لم ينس شريف مكه المكرمة ومفجر الثورة العربية الكبرى الحسين بن علي طيب الله ثراه مدينة القدس التي تحتضن الاقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفه ، فقدم للقائمين على شؤون المسجد الاقصى اعضاء المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى دعما ماليا مقداره خمسة وعشرون الف دينار ذهب لاعمار المسجد الاقصى وقبة الصخره.

وقد اكتمل هذا الاعمار سنة 1928 واقيم احتفال كبير بهذه المناسبة برعاية الامير عبدالله بن الحسين رحمه الله وبحضور اكثر من عشرين الف شخص يمثلون البلدان العربية والاسلامية من ضمنهم الحاج امين الحسيني رئيس المجلس الاسلامي الاعلى في القدس.

ومما يذكر ان هذا الاعمار الهاشمي الاول كان بمبادرة من الشريف الحسين بن علي شخصيا ، وقد فسح المجال امام الراغبين من ديار الاسلام بالمشاركة فيه.

وقد اورد المؤرخ عارف العارف في كتابه ( المفصل في تاريخ القدس ) التبرعات الاسلامية التي قدمت لهذا الاعمار على النحو التالي :

( من امير المؤمنين الحسين بن علي وسكان الحجاز 38761 جنيها ذهبا منها 25000 جنيه ذهبا من الشريف حسين شخصيا.

من الملك فيصل وسكان العراق 6206 جنيهات و322 مليما
من سكان البحرين 2681 جنيها و780 مليما
من سكان الكويت 1362 جنيها و520 مليما
من نظام حيدر اباد 6771 جنيها
من المهراجا طاهر سيف الدين بالهند 7811 جنيها و240 مليما
من سكان الهند المسلمون 9206 جنيها و 193 مليما
من اهالي فلسطين 421 جنيها و375 مليما
من سكان المحمره 612 جنيها و635 مليما
من سكان سوريا 338 جنيها و700 مليما
من سكان مصر 306 جنيها و760 مليما
من العرب المهاجرين الى الولايات المتحدة الامريكية 162 جنيها و930 مليما.
من الاتراك 19 جنيها و440 مليما
من الوقف الذي يشرف عليه المجلس الاسلامي الاعلى 16478 جنيها و248 مليما
والمجموع العام لهذه التبرعات 94952 جنيها و66 مليما )0

وقد كان لهذا الاعمار الفضل بعد الله تعالى في انقاذ المسجد الاقصى من الزلزال الكبير الذي ضرب القدس والمناطق الجبلية الفلسطينية الاخرى.

واستمر العمل في هذا الاعمار حوالي ست سنوات على يد مهندس معماري تركي اسمه كمال التركي ، وكان من اهم ما في هذا المشروع هو تغيير الاركان التي كانت تحمل القبة باركان جديده من الاسمنت المسلح ولما تم المشروع احتفل بانهائه باقامة مهرجان اسلامي كبير في القدس استمر اسبوعا حضرته وفود من عدد كبير من الدول العربية والاسلاميه.

وتشير الوثائق المحفوظة في القدس الى ان الشريف الحسين بن علي قد اولى الحرم القدسي الشريف ومدينة القدس كل اهتمامه ورعايته ، وكان يتابع اعمال المجلس الاسلامي الاعلى ولجنة عمارة الحرم القدسي عن كثب ويواصل توجيهاته لها ويقدر جهودها ، واوصى ان يدفن في رحاب الحرم القدسي الشريف وفاء للقدس وتعلقا بها ، وبخاصة ان المحافظة عليها والتمسك بعروبتها واسلاميتها وحرصة على استقلال فلسطين ضمن ما كان يطالب باستقلاله من البلاد العربية في اسيا هو السبب الذي افقده عرشه ،وتآمر الحلفاء عليه بعد الحرب العالمية الاولى وتقسيمهم لبلاد الشام والعراق تحت النفوذ الانجليزي والفرنسي.

وواصل الملك المؤسس الشهيد عبدالله الاول بن الحسين مسيرة الرعاية الهاشمية للقدس ومقدساتها ، وحرص على متابعة صيانة المسجد الاقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفه وبقية معالم المدينة المقدسة الاسلامية العربيه ، كما حرص على زيارتها بشكل متواصل واقامة الصلاة في مسجدها باستمرار مع تقديمه لكل الامكانات المادية والمعنوية في رعاية المدينة المقدسة ومقدساتها.

وعندما وقعت حرب عام 1948 وقف الجيش العربي الاردني بقيادة الملك عبدالله مدافعا عن القدس ومقدساتها ، وقد سقط الكثير من الشهداء على اسوار القدس وصمدت المدينة امام عنف الهجوم الصهيوني الكبير. ولشدة محبة الملك المؤسس لمدينة القدس والمسجد الاقصى فقد سقط شهيدا في يوم الجمعة الموافق للعشرين من تموز عام 1951 على ابواب المسجد الاقصى وهو يهم بدخوله لاداء الصلاة فيه.

ثانيا : الاعمار الهاشمي الثاني للمسجد الاقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفه (1954ــ1964)

ما ان تولى الملك الحسين رحمه الله سلطاته الدستورية حتى وضع القدس ومسجدها الاقصى وما يستمل عليه من معالم اسلامية في مقدمة اولوياته ، وال على نفسه ان يرعى القدس بنفسه وان يعمل على المحافظة على وجهها العربي والاسلامي.

وصدرت الارادة الملكية السامية بتشكيل لجنة اعمار المسجد الاقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفه بموجب القانون رقم 32 لسنة 1954 لتاخذ رعاية المقدسات الاسلامية في القدس صفة الثبات والدوام والاستمراريه ولتكون الرعاية الهاشمية للمقدسات موقفا تاريخيا ثابتا وممارسة قانونية مستمرة0

وبتوجيه من الملك الحسين رحمه الله قامت اللجنة بدراسة شاملة لاوضاع المقدسات في القدس الشريف ووضعت خطة متكامله لاعمارها على اسس وقواعد فنية سليمه. ومن ابرز ما قامت به هذه اللجنة في تلك الفترة ما يلي :

1ـ اعمار مبنى المسجد الاقصى وترميم جدرانه واعمدته واروقته وشبابيكه وما يشتمل علية من زخارف

2ـ الاعمار الشامل لمبنى قبة الصخرة حيث اشتمل هذا الاعمار على ما يلي :

ـ اعادة تكسية قبة الصخرة بالالمنيوم الاصفر
ـ اعادة تكسية اروقة القبة بالالمنيوم الابيض
ـ اعادة ترميم كامل القاشاني والرخام الذي يحيط بمبنى القبه من الخارج وما بشتمل عليه من ايات وزخارف
ـ اعادة ترميم الزخارف الداخلية في مبنى القبة وما يشتمل عليه المبنى من اعمدة ورخام داخلي

وكان هذا الاعمار الشامل لمبنى قبة الصخرة المشرفة باشراف الحكومة الاردنية وعلى نفقتها ، فيما شارك به من الجانب الفني نخبة من المهندسين المصريين وقد احيل عطاء تنفيذه على شركة بن لادن السعوديه.

وقد قام الملك الحسين طيب الله ثراه برعاية الاحتفال الكبير الذي ُاقيم بمناسبة الانتهاء من هذا الاعمار في الثامن والعشرين من شهر ربيع الاول سنة 1384 الموافق السادس من اب سنة 1964 والذي دعي اليه ممثلون من الدول العربية والاسلامية ليكون احتفالا عربيا اسلاميا جامعا.

وقد القى الملك الحسين رحمه الله كلمة في الاحتفال قال فيها: (.000 ولعل الحاجة الى التقاء الكلمة واتحاد الارادة في الضمير العربي الاسلامي لا تتمثل في بقعة من الارض كما تتمثل في هذه البقعة التي تزدهي اليوم بلقائكم وتمرع ربوعها بما يحمله لها هذا اللقاء من بشرى وطالع ميمون)0

ثالثا : الاعمار الهاشمي الثالث للمسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفه

بعد ان وقعت المدينة المقدسة في يد الاحتلال الاسرائيلي بقيت اجهزة الاوقاف الاسلامية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشريف مرتبطة كليا بوزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلاميه ، وقد قدمت الوزارة الدعم لهذه الاجهزة والتي تشمل المساجد والكليات والمعاهد والمدارس بما يؤدي الى المحافظة على هويتها العربية والاسلاميه كما بقيت لجنة اعمار المسجد الاقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة تقوم بدورها في رعاية الحرم القدسي الشريف اعتمادا على ما ترصده الحكومة الاردنية من الاموال اللازمة لاعمارها بشكل متواصل.

وفي 21/8/1969 حدث الاعتداء الاثم على المسجد الاقصى المبارك حيث جرى اشعال حريق في المسجد امتدت اثاره الى اكثر من ثلثه ، كما التهمت النيران منبر صلاح الدين الايوبي كاملا ، فاصدر الملك الحسين رحمه الله توجيهاته للجنة اعمار القدس بتحمل مسؤولياتها في هذا المجال ، ورصدت الحكومة الاردنية المخصصات اللازمة في موازناتها المتعاقبة لازالة اثار هذا العدوان ، ولاعادة البناء الى الشكل الحضاري الذي كان عليه.

وقد تمكنت اللجنة بالرغم من الظروف الصعبة التي فرضها الاحتلال الاسرائيلي وبعد جهود فنية كبيره تمكنت عام 1987 من ازالة اثار الحريق الصهيوني واعادة الزخارف الفنية في المسجد الى ما كانت عليه وكان العمل الذي انجزته من الجمال الفني بحيث انها نالت عليه جائزة الاغا خان.

وكانت هذه الانجازات كلها على نفقة الحكومة الاردنية حيث بلغت تكاليف ازالة اثار الحريق 19 مليون دينار بما في ذلك رواتب الجهاز الفني والاداري للجنة الاعمار العاملة في مدينة القدس حيث وصل مجمل رواتب هذا الجهاز 15 الف دينار شهريا تحول من الأردن بشكل مستمر وفق النظام المالي الاردني.
وقامت لجنة الاعمار بإزالة اثار الحريق واعادة المسجد الاقصى المبارك الى ما كان عليه :

وانحصر العمل خلال السنتين التاليتين للحريق (1969ــ 1971) برفع الانقاض وتغطية مكان الحريق لحماية المكان من مزيد من التلف وإنشاء شبكة كاملة للاطفاء بالمياه، وشبكة انارة امنية.

ووفقا للمخططات الهندسية التي تم اعدادها تم تقسيم مشروع العمل الى ثلاث مراحل هي :

ـ المرحلة الاولى ، مرحلة انشائية تم فيها هدم الجزء الجنوبي الشرقي للمسجد الاقصى واعادة بنائه كاملا بعد ارساء قواعده على الصخر الطبيعي
ـ المرحلة الثانيه ، مرحلة الاعمال الزخرفية التكميليه حيث تم خلالها اعادة الزخارف والرخام والفسيفساء والاسقف الخشبية الى ما كانت عليه وجرى ترميم القبة الخشبية للمسجد بزخارفها المذهبة مع اعادة زخارف واجهة المحراب وصنع شبابيك الجص لاغلاق الفتحات وتبليط منطقة الاعمار وانجاز التمديدات الكهربائيه
ـ المرحلة الثالثه ، اعادة تكسية قبة المسجد الخارجية بمادة الرصاص كما كانت عليه قبل عام 1964 بدلا من الواح الالمنيوم الابيض0

كما تم ترميم ملحقات المسجد مثل قبة السلسله والقبة النحويه والمتحف الاسلامي وضريح الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه ، وترميم سبيل قايتباي وترميم جامع المدرسة الارغونيه وباب الرحمة المعروف باسم ( الباب الذهبي ) ومدخل باب القطانين ومبنى مكتبة المسجد الاقصى المبارك.