الساعة

قراءة في المشهد السوري.. التداعيات والاحتمالات

23/08/2012

مركز الرأي للدراسات

اعداد : اللواء الركن المتقاعد د. صالح المعايطة

آب 2012

في ضوء ما بلغته الحالة السورية من تعقيدات مركبة ومفتوحة على كل الاحتمالات، بينها احتمال تدمير سوريا من الداخل ( حرب أهلية ) بسبب ضعف الدولة المركزية وصعوبة بقاء النظام الحالي وفق التركيبة الحالية واتساع نطاق الثورة والانشقاقات في صفوف القيادات العسكرية والسياسية والأمنية، واحتمال التدويل ورسم مناطق عازلة مما يؤدي إلى تدخل بعض دول الإقليم مثل: إيران، تركيا، إسرائيل وكل وفق مصالحه وأجندته الخاصة يجعلنا نطرح السؤالين التاليين:

أ- سوريا وما ينتظرها في حال الحرب الأهلية والتدخل الخارجي؟

ب- هل إذا سقط النظام سقط الجيش أو العكس وما علاقة النظام مع الجيش؟

المشهد السوري يثير فزعاً لدى المواطن العربي، وهناك خوف من الدخول في النفق الذي افتتح بغزو العراق للكويت 1990 ولم يغلق حتى الآن، حيث الشرخ في العلاقات العربية لم يتم ردمه حتى الآن، وهل الذين سقطوا في تفجيرات مبنى الأمن القومي هم جماعة بشار الأسد ؟ أم جماعة ماهر الأسد؟ وهل هم في دائرة صنع القرار الأولى أم الثانية، أم الثالثة وهذا ما سنتحدث عنه بالتفصيل لاحقاً.

الوضع في سوريـا له حساباته المعقدة (محلياً وإقليمياً ودولياً) فالنظـام السوري هو الجيش والجيش هو النظام، فإذا سقط أحداهما سقط الآخر، كما أن لدول الإقليم حساباتها الخاصة، والغرب وأميركا لهما حساباتهما و كذلك روسيا والصين من جهة أخرى لها حساباتها "السياسية والاقتصادية، في مناكفة أميركا في المنطقة " و للمعارضة السورية حسابات أخرى.

علينا قبل الحديث عن الانشقاقات والاغتيالات الأخيرة أن نتوقف في مجلس الأمن الذي فشل مؤخراً في اتخاذ قرار موحد بسبب تباين المواقف حتى بين الدول العربية نفسها حيث نجد دولاً عربية تدافع عن النظام السوري، ودولاً أخرى تصطف مع دول غربية لفرض عقوبات على النظام السوري، لهذا اعتقد أن الوضع في سوريا (شائك ومعقد ومركب) ولن ينفع النظام السوري أساطيل روسيا والصين ولا الدعم الإيراني، وبالمقابل لن ينفع المعارضة مواقف الغرب وأميركا بسبب تقاطع المصالح لأن الحل لن يكون عبر الصواريخ والتفجيرات والاغتيالات وإنما من خلال الحوار ووقف العنف والاقتتال.

القوات المسلحة السورية ( القدرات والولاءات )

بعد تولي الرئيس السوري السابق حافظ الأسد الحكم بدأ ما يسمى بالحركة التصحيحية في عام 1979 وبدأ بإعادة هيكلة الجيش السوري على أساس أن الهدف الثابت للجيش هو حماية النظام وليس تحرير الجولان وأصبح هناك جيشان :

أ- جيش عادي كثير العدد وقليل العتاد والخبرة ويعتمد على التجنيد الإجباري ويمتلك أسلحة قديمة وغير متطورة ومواقعه خارج العاصمة والمدن الرئيسية.

ب- جيش آخر أغلبه من الطائفة العلوية إضافة إلى قيادات منتخبة من المسيحيين الذين يخشون من وصـول الإسلامييــن إلى السلطة، ودليل ذلك أن وزير الدفــاع "داود راجحة" الذي قتل في تفجيرات مبنى الأمن القومي الأخيرة كان أعلى مسؤول مسيحــي في السلطة، هذا في الوقت الذي يهيمن على الثــورة أفراد من الأغلبية السنية، ويوجد لهذا الجيش قواعـد عسكريـة في مناطق الساحـل بدمشـق والمزة للحرس الجمهوري، كما يمتلك هذا الجيش قواعد جوية متطورة وصواريخ ودبابات.

جـ- يبلغ عدد الجيش السوري العادي بحدود 15 فرقة ومشاه وآلية ومدرعة و7 ألوية مستقلة ويصل حجم الفرقة من القوى البشرية إلى أكثر من 10 آلاف فرد والملفت للنظر أن القيادات العسكرية الكبرى ترتبط بقيادات تعود للنظام "مسؤول التنظيم السياسي" من الطائفة العلوية وقد يكون مسؤول التوجيه السياسي مقدم أوعقيد وهو المسؤول عن قائد اللواء أو الفرقة برتبة عميد أو لواء هذا مؤشر على أمور كثيرة لا يتسع المجال لذكرها هنا.

د- يبلغ عدد سكان سوريا أكثر من 26 مليون نسمة منهم 5 ملايين من الطائفة العلوية وهي التي تدير البلاد من خلال تواجدهم في الجيش "الحرس الجمهوري" وبعض المؤسسات الحساسة وثلاث دوائر لصنع القرار وهي:

1- الدائرة الأولى: تمثل إحدى دوائر صنـع القـرار وتشمل أفراد العائلة المؤثرين، والذي يمتلك كل واحد منهم مفاتيح قوة الدولة. فماهر الأسد مثلاًَ يمتلك القوة العسكرية، وآصف شوكت زوج شقيقة الرئيس يمتلك مفاتيح القوات الأمنية، ورامي مخلوف "ابن خال الرئيس" يمتلك مفاتيح القوة الاقتصادية والمالية.

2- الدائرة الثانية: تمثل الدائرة الثانية من دوائر صنع القرار قادة المؤسسات الحزبية والعسكرية والأمنية والحكومية وهي التي تشرف على جميـع فعاليات الدولة.

3- دوائر أخرى: أظهرت مراسلات الرئيس بشار الأسد التي كشفت عنها الرسائل المسربة وجود دوائر أخرى لصنع واتخاذ القرار منها شبكة مستشارين غير معروفين للإعلام ومعظمهم من صغار السن والذين يرتبطون بالرئيـــس بعلاقات مباشرة.

هـ- بعد أحداث حماة 1980 والتي راح ضحيتها أكثر من 20 ألف مواطن في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد من خلال قصف جوي وعمليات تصفية قامت بها سرايا الدفاع التي كان يقودها رفعت الأسد شقيق الرئيس السابق حافظ الأسد، بعد ذلك تم تحويل هذه السرايا إلى قوات ما يسمى الحرس الجمهوري وتم إعادة تسليحها كماً ونوعاً ومن أهم قوات الحرس الجمهوري الفرقة الرابعة التي تتولى حراسة الرئيس شخصياً والقصر الرئاسي.

و- المخطط المرفق يبين دوائر صنع القرار في سوريا منذ انطلاق الثورة في شهر مارس 2011 حيث أُثيرت أسئلة كثيرة حول آلية صنع واتخاذ القرار، بعد أن ساهمت الانشقاقات من المؤسستين السياسية والعسكرية والأمنية في توضيح الكثير من الآليات، كما أدى نشر الرسائل الالكترونية المسربة بالكشف عن دوائر أخرى بعيدة عن الضوء وهذا ما هو موضح بالمخطط المرفق الذي نشر مؤخراً في تاريخ 12 / 7 / 2012 في جريدة البيان الإماراتية.

تفجيرات مبنى الأمن القومي (دلالات وتداعيات )

أدى هذا التفجير النوعي والدقيق والمحكم والذي استهدف قلب الأجهزة الأمنية السورية في وسط العاصمة دمشق، أوما يسمى "مركز الثقل ومركز الجاذبية والحلقة الأولى في النظام" إلى مصرع 4 قادة أمنيين وسياسيين وهم وزير الدفاع داوود راجحة وهو مسيحي ويشغل أيضاً نائب رئيس الوزراء، والجنرال آصف شوكت نائب وزير الدفاع وزوج شقيقة بشار الأسد وأحد أعضاء الدائرة الضيقة في الحكم، وحسن التركماني وزير الدفاع السابق ومسؤول الأجهزة الأمنية والذي شغل منصب مساعد للرئيس، ومحمد الشعار وزير الداخلية، بالإضافة إلى إصابة ماهر الأسد بجروح خطيرة وهناك شكوك وغموض حول وضع ومستقبل ماهر الأسد.

رغم الخسارة الكبيرة التي تكبدها نظام الأسد بفقدانه خيرة رجاله المقربين بقيت معظم الدائرة الضيقة للحكم متماسكة، وعلى رأسها شقيق الرئيس ماهر الأسد الذي يقود فرقة أساسية ومهمة في الجيش السوري، وربما يرجح هذا التماسك حسب العديد من المحللين إلى أن كبار الضباط ينتمون إلى الطائفة العلوية التي ينحدر منها الأسد، ويواصل العديد من العلويين موالاتهم وانتماءهم للنظام خوفاً مما ينتظرهم في حال سقوطه.

إضافة إلى انضمام أقليات أخرى للدفاع عن النظام مثل المسيحيين الذين يخشون وصول الإسلاميين إلى السلطة بعد سقوط الأسد، ويذكر أن وزير الدفاع الذي قتل في التفجير الأخير داوود راجحة كان أعلى مسؤول مسيحي في السلطة.

اصرار النظام السوري على الحل الأمني كان واضحاً منذ البداية وأعتقد أن الحل الأمني لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر والدمار والخراب والفوضى وفتح أبواب التدخلات الخارجية وجعل مستقبل سوريا مفتوحاً على كل الاحتمالات مع الإصرار الروسي والصيني على استخدام الفيتو لثلاث مرات في مجلس الأمن. وهذا مؤشر إلى عودة القطبية الثنائية!

عملية التفجير الأخيرة في مركز الأمن القومي فاجأت الجميع ولا يمكن لأحد كان أن يتوقع هذا التدهور السريع للأوضاع في سوريا، فالعملية نوعية واستثنائية بكل المقاييس نفذت بإتقان أصابت رأس النظام "فصلت الرأس عن الأطراف" حيث كان ينظر الجميع إلى هذه المؤسسات الأمنية على أنها حديدية لا تخترق".

السؤال المطروح بعد هذا التفجير هل الثورة السورية وصلت إلى مستوى الثورات العالمية وأصبحت البلاد في طريقها إلى حرب أهلية محدودة أو واسعة؟ وهل فقدت الدولة السيطرة على منافذها الحدودية مع دول الجوار؟ وهل فقدت القوات النظامية السيطرة على مواقع كثيرة في دمشق وحلب والساحل؟ وهل سيكون لهذه التفجيرات انعكاسات كبيرة على النظام وتماسكه ومعنويات الجيش والقوى الأمنية، وهل فعلاً بدأت أفواج النازحين تتدفق على تركيا ولبنان والأردن، وكذلك أفواج المنشقين تتحرك في كل اتجاه وهل هناك مفاجآت أخرى؟

التداعيات على دول الجوار

الأردن. لا أحد ينكر أن للأردن مصالح كبيرة في استقرار الوضع في سوريا فهناك تداخل جغرافي واجتماعي واقتصادي ومن مصلحة الأردن أن تبقى سوريا مستقرة ولكنه يخشى الأمور التالية:

1- من أن تصبح سوريا منطلقاً لعمليات القاعدة وانتشار الفوضى الأمنية خاصة وأن وللأردن تجربة سابقة مع العراق والزرقاوي.
2- من السلاح الكيماوي غيـرالمعـروف مصيره في حال ضرب المخيمات السورية في الأردن والذي وصل عددها إلى أكثر من 15 مخيــما تضم أكثر من 150 ألف سوري والعدد في تزايد.
3- من تهجير الفلسطينيين من سوريا وهذا له انعكاس على خصوصية التركيبة السكانية في الأردن، مما يثبت الحلم الإسرائيلي التاريخي بجعل الأردن "الوطن البديل".
4- من وصول الإسلاميين للحكم في سوريا إضافة إلى قضية المياه والتبادل التجاري، فسوريا هي عمق الأردن جغرافياً واقتصادياً إضافة إلى اتساع الحدود البرية بين البلدين، لكن الأردن يمتلك المناعة في الاعتدال والوسطية والقدرة على حماية حدوده ومصالحه.

ب‌- العراق. بسبب التداخل الجغرافي والطائفي والموروث التاريخي وتقاطع الأنظمة الشمولية في السابق يخشى العراق أموراً كثيرة منها:
1- للأسف تم استخدام العراق وبقرار إيراني كورقة ضد الولايات المتحدة،وساحة وممر لدور إيراني في المنطقة وذلك منذ الاحتلال الأميركي للعراق.
2- تحاول إيران أن يكون العراق ضد الشعب السوري بسبب علاقة الطائفة العلوية بالشيعة والمواقف السابقة، لذا نرى العراق مرتبك في مواقفه اتجاه سوريا بسبب الضغوطات الإيرانية التي تحاول حماية حليفتها دمشق.

جـ- لبنان. لا زال يعانـي من تداعيــات التواجد السـوري على أرضه منذ عام 1975 وحتى عام 2005 و يخشى من التداعيات التالية:
1- عمليات النزوح والهجرات القسرية من سوريا وقد يتخلل ذلك عمليات تهريب مقاتلين وأسلحة إلى حزب الله وبدعم إيراني.
2- لا يحتمل لبنان الانقسام العامودي حول الوضع في سوريا وهو يعيش أزمة كبيرة وخطر الانزلاق إلى فتنـة سنية وشيعة والدول الأخرى كلها مهددة بشكل مباشر من نتائج ما يجري في سوريا.

د- تركيا دولة لها مقومات عناصر الدولة القوية وتمتلك المناعة الذاتية والقدرة على التكيف والتأثيرعلى دول الجوار ولكنها منذ تأسيسها كدولة علمانية في عام 1923 بقيادة مصطفى اتاتورك لم تهاجم أي دولة مجاورة ولم تسمح لقوات أجنبية بالعبور من خلال أراضيها لغزو دولة أخرى، وخير مثال هو قرار مجلس النواب التركي في عام 2003 عندما منع القوات الأميركية من استخدام الأراضي التركية لغزو العراق. لكن ما تخشاه تركيا من تداعيات الأزمة السورية هو تزايد عدد النازحين ولجوء النظام السوري إلى استخدام الكيماوي ضد مخيمات اللاجئين في تركيا أو ما يسمى "شجاعة اليأس" بقصد خلط الأوراق في الإقليم.

هـ- إسرائيل، الكل يجمع أن إسرائيل هي المستفيدة من كل هذه الأحداث ولكنها قلقة من مرحلة ما بعد الأسد لأن إسرائيل مطمئنة من بقاء الأسد في الحكم حيث الحدود هادئة منذ أكثر من 40 عاماً ولكن ما تخشاه إسرائيل هو وصول الثوار إلى الحكم والبدء بالمطالبة بالجولان، ما تريده إسرائيل هو مصالحها السياسية والأمنية والنفطية، وتبحث عن الثروات المكتشفة في المنطقة وخلاصة ما تريده إسرائيل هو توجيه النظام السوري لا تغييره وأقصى ما تتمناه هو فصل سوريا عن حزب الله والإنفراد بعزل إيران تمهيداً لتعطيل مفاعلاتها النووية.

البيئة الدولية والإقليمية

أ- البعض يقول لماذا لم تلجأ أميركا والغرب إلى خلع الأسد بالقوة العسكرية كما خلعت صدام حسين عام 2003. الجواب هو أن العراق دخل في صراع الطائفية والأثنية والإيديولوجية والقتل والتدمير والهجرة الجماعية والإرهاب الطائفي، فالحرب ما زالت منذ أكثر من 10 سنوات تراوح مكانها. وما زال اندماج الدولة العراقية موضع شك فيما يغلب التوتر بين السنة والشيعة على السياسة في بغداد، فما هو مستقبل سوريا بعد الأسد إذا رحل؟

ب- الطريق إلى الحرية ستكون في سوريا أطول وأشد عذاباً وألمـاً ولا سيما في ظل عنصرين اثنين هما:
1- المعارضة، لم ترتق إلى مستوى الثورة العارمة ولا يتوقــع قدرتها على حسم الصراع مع النظام لصالحها في المدى المنظور بسبب دعم إيران وروسيـا وحزب الله إذا تطلب الأمـر. ولكن هذا ممكن أن يحصل إذا تطورت قــدرات الجيش الحر وتعاظمت حركة الانشقاق في الجيش السوري النظامي والقيادات السياسية والأمنية.
2- التخاذل الإقليمي والدولي، ما زالت التصريحات والمواقف اللفظية أقوى بلا قياس من الأعمال الفعليـــة والمؤثـرة، وقد لا يكون من المبالغة القول في هذا المجال أن الثورة السورية تشكل الامتحان الأبرز عالمياُ ودولياُ لمدى شلل النظام الدولي والإقليمي، ممثلاً في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة ومجلـس الأمن الدولي.

جـ- معظم المحللين يقولون أن الغرب يراهن بسقوط النظام السوري من الداخل بعد ارتباك الجيش النظامي، وبعد أن تلاشت قيادته الدموية وأن تبادر بعـض القيـادات والوحدات العسكرية الوطنية بالانشقاق المبكر لضبط الأوضاع وحفظ الأمن خوفاً من الانفلات المطلق للأمور.

د- تفيد المعلومات أن تركيز النظام على مناطق الشمال والشمال الغربي والساحل ومحافظات حمص وحماه وإدلب هو تحضير لفرز طائفي مناطقي حيث يخطط رأس النظام للتحصن في الساحل والجبال الغربية كمحاولة يائسة أخيرة.

هـ- لقد نجح النظام السوري في إثارة الهلع بين المسيحيين السوريين ونزح كثير منهم نزوحاً داخلياً هرباً من الاقتتال ومن شائعات التصفية، كما يخشى كثير من العلويين أن يكونوا هدفا لقوى ما بعد النظام إذا سقط. وهناك تحركاً واسعاً من عقلاء ووجهاء الطائفة العلوية للتبرؤ من نظام الأسد والنأي بالطائفة عن جرائمه وهذا ما يراهن عليه البعض باختراق الطائفة العلوية لتقوم هي بنفسها بالإطاحة ببشار الأسد.

إدارة النظام السوري للأزمة

أ- إذا كان نظام عبدالله صالح قد اعتمد أسلوب المماطلة والتسويف مع الجهود الدبلوماسية والدولية من أجل تفادي مصير زواله من الحكم، فإن نظام القذافي كان قد اعتمد أسلوب العنف ضد شعبه من أجل زيادة فرص بقائه في السلطة.

ب- أما استراتيجية بشار الأسد أعتقد أنها تستند إلى توظيف الإدارتين معاً، إذ إنه يزاوج بين تفريغ المساعي الدبلوماسية من مضامينها المؤثرة من خلال المماطلة التي تؤدي إلى اليأس من جهة، والفتك بالثورة الشعبية بالأساليب العسكرية بقصد تكسير إرادة القوى المعارضة من جهة أخرى، ولكن بفقدانه قادة خلية إدارة الأزمة بدأ يفقد السيطرة على البلاد.

جـ- هل يمكن أن يؤدي عناد النظام بالقتل والترويع إلى اجماع المجتمع الدولي على التدخل العسكري؟ وهذا ما هو مطروح الآن، وهل هذا التدخل يؤدي إلى حرب إقليمية في المنطقة خصوصاً وإن روسيا والصين ما زالتا تعارضان هذا التدخل وهذا ما يقلق المتابعين والمراقبين!

د- يمكن للدول الخليجية أن تنسب إلى نفسها الفضل في المساهمة الفاعلة في تسوية الأزمة اليمنية بالوسائل الدبلوماسية، تماماً كما يمكن للدول العربية أن تنسب إلى نفسها الفضل في المساهمة الحاسمة في معالجة الأزمة الليبية بالوسائل العسكرية، ولكن الأزمة السورية لا تزال بعيدة تماماً عن أي نهاية متوقعة "بسبب هشاشة الجهود الدبلوماسية ومخاطر الخيارات العسكرية".

هـ- اعتقد أن الأزمة السورية تتجاوز أهمية مطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية وتمتد إلى ما فوق الإقليمية والدولية وقد تقود إلى صياغات جديدة على الساحة الدولية وهي فرصة لا تريد كل من روسيا والصين وحلفاؤها تفويتها بكل تأكيد، وسوف تتمسك هذه الدول بممارسة أدوارها الكاملة في إدارة الأزمة ورسم نهايتها بالشكل الذي يخدم صياغة مكانتها الطامحة إليها في إطار المنافسة العالمية مع الولايات المتحدة وحلفائها.

و- من خلال تحليل معطيات انشقاق عدة شخصيات مهمة عن النظام السوري منهم السفير السوري في العراق نجد أن هذا أول دبلوماسي ينشق عن نظام الأسد ويعلن تأييده للثورة والمعروف أن السفير نـواف الفارس يحمل درجة البكالوريوس في الحقوق وهو ضابط سابق و شغل عدة مناصب.

ز- جاء الإعلان عن انشقاق السفير نواف الفارس بعد أيام من مغادرة العميد مناف مصطفى طلاس والذي يعمل في الحرس الجمهوري السوري إلى فرنسا منشقاً عن النظام، وبعض المعلومات تشير إلى أن العميد مناف طلاس يتواجد حالياً في تركيا. فقد يكون له دور قادم.

أحداث و مفاجآت

بعد هذا العرض التحليلي عن الحالة السورية وتداعياتها ونظراً لسرعة التطورات والمتغيرات فإنه من الممكن وقوع أحداث ومفاجآت قادمة لذا هنالك عدد من الأسئلة والاستنتاجات يمكن أن توضع أمام المحلل والمخطط والمتابع والمفكر الاستراتيجي وعلى النحو التالي:

(1) هل جرى الاستفادة من المعلومات التي هربها العميد مناف مصطفى طلاس عندما انشق وسافر إلى باريس؟ وهل أيضاً جرى الاستفادة من المعلومات التي سربها السفير السوري في العراق نواف الفارس الذي انشق مؤخراً؟ هل ساعدت هذه المعلومات على التخطيط لعملية انفجار مبنى الأمن القومي؟
(2) لماذا الانشقاق في الفرقة الرابعة المكلفة بحراسة القصر والنظام؟ هل هذا الانشقاق قائم على الخلاف في معالجة القضية السورية بين متطرف وأشد تطرفاً؟
(3) لماذا لم يكن ماهـر الأسد قائد قوات النخبة، واللواء جميل الحسـن مدير إدارة المخابرات الجوية في الاجتماع في مجلس الأمن القومي؟ وبعد ذلك تم الإعلان أن ماهر الأسد مصاب بجراح خطيرة! ومعلومات أخرى تقول أنه هو الذي يدير البلاد.
(4) هل انشق ماهر الأسد عن شقيقه وكان مثل القادة العسكريين والأمنيين والسياسيين وهل هو أولى ثمار الانشقاق الذي سوف يظهر في الأيام القادمة؟
(5) هل الذين سقطوا في الانفجار هم جماعة الرئيس بشار؟ أم جماعة ماهرالأسد؟ أم أن هناك مخططاً قادماً لتغيير النظام!
(6) هل كان هؤلاء المجتمعين بصدد انقلاب أم بصدد ارتكاب المزيد من المجازر؟
(7) لماذا لم يُظهر التلفزيون السوري مكان العملية "المبنى" كصور الجثث،آثار التدمير، الإصابات وتفاصيل الانفجار؟ التفاصيل جاءت من وجهة نظر الثورة وليس النظام!
(8) هل تفجير مبنى الأمن القومي هو بداية الانهيار؟ أم هو ضربة قاصمة؟ أم صراع داخلياً؟ وهل النظام انتقل إلى صراع الأجنحة ومراكز الثقل؟ علماً أن الصراع والتصفيات ليس جديداً على النظام السوري قديماً وحديثا!
(9) هل يقصف النظام السوري طرابلس السنية؟ أم يسمح لحزب الله بقصفها؟ وهل يقتحم حزب الله بيروت إن هي تمردت كما أقتحمها من قبل؟
(10) هل تُقصف المخيمات في دول الجوار؟ وتتم عملية تهجير للفلسطينيين من لبنان وسوريا إلى الأردن؟ وهل سيتم استخدام الكيماوي.متى وكيف؟
(11) هل يتم قصف مراكز حدودية في تركيا والعراق والأردن؟ وما هي الأسلحة التي ستستخدم في القصف؟
(12) هل ستنشق درعا وتصبح قاعدة انطلاق وتكديس للذخيرة والثوار، ومنطقة حشد للمناصرين من الخارج؟ وكيف سيتم التعامل مع هذه التداعيات؟
(13) لماذا تتسع الفجوة بين الغرب وروسيا والصين؟ ولماذا الفيتو المزدوج؟
(14) لماذا المشادة الدولية تجاوزت سوريا؟ فالصين وروسيا لا تريدان السيطرة على سوريا فقط إنما تريدان السيطرة على المنطقة.
(15) لماذا روسيا أرجأت إرسال المروحيات إلى سوريا وبريطانيا وفرنسا مستمرتان بدعم الثوار؟
(16) لماذا لا تتعلم الأنظمة الدكتاتورية من التاريخ؟
(17) لماذا قوات الناتــو وبدون قرار من مجلس الأمن قامت بتدخل عسكري في البلقان؟ أما سوريا فالوضع يختلف!

هل هناك حرب سرية

أ- هناك تغير نوعي في طبيعة الاشتباك الأميركي بالأزمة السورية، فقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز أواخر الأسبوع الماضي أن عناصر ومن وكالة الـ C.I.A تعمل داخل تركيا بالقرب من الحدود مع سوريا لتحديد مَن مِن الثوار يستحق الحصول على أسلحة ومعدات لوجستية ، بينما إدارة أوباما تنفي ذلك تماماً.

ب‌- أشارت بعض مصادر الاستخبارات لمجلة تايم الأمريكية أن أسلحة متقدمة قد تم تهريبها من داخل تركيا لتسليح الجيش السوري الحر وأضاف المصدر أن وكالة الاستخبارات الأمريكية الـ C.I.A لا تملك خبرة في التعامل مع سوريا ولا تعرف كثيراً عن طبيعة تكوين المعارضة التي تشمل حركة الإخوان المسلمين وجهات يسارية وقومية أخرى، كما أن المعارضة ليست منظمة ويمكن أن تكون مخترقة من بعض دول الإقليم.

جـ- دخول عملاء وكلاء الاستخبارات المركزية الأميركية على خط المعارضة يعني أن الأزمة السورية قد تم تدويلها رسمياً وأن حرباً سرية تجري على هامش الحرب العلنية التي تشهدها سوريا، بينما يستمر الحوار المبطن بين أميركا وروسيا.

د- لا يمكن قراءة المشهد الحالي للأزمة دون التوقف عند دور بعض دول الإقليم وتداعيات الملف النووي الإيراني على الأمن الإقليمي، فقد تكون الحرب السرية هي الخيار في ظل غياب حل دبلوماسي، ولا أحد ينكر أن الاستخبارات الأميركية لعبت دوراً رئيساً في تسليـح مجاهـدي أفغانستـان إبان الاحتلال السوفيتـي، كما تورطت في فضيحة "الكونترا – إيران" في ثمانينات القرن الماضي. فكيف سينتهي الأمر في سوريا؟

اللاعبون الرئيسيون في الأزمة

أ‌-بعد تراجع الدور الأوروبي في الشرق الأوسط وأصبحت أوروبا تكتفي باستضافة المؤتمرات "أصوات بلا صدى وحبر على ورق" إضافة إلى معاناة أوروبا من أزمة اليورو، نجد أن العالم الآن بثلاث أقطاب هم: روسيا، الصين، الولايات المتحدة. لأن مكانة أوروبا أصبحت محفوظة في الملحق الأميركي، وكذلك تركيا والتي كانت لاعباً إقليمياً و أقصتها روسيا وإيران.

ب‌- دخل إلى هذا العالم الثلاثي الأقطاب، قطبان آخران من خارجهما: الأول إيران وهو قطب من جنس آخر، خارج حيوية النظام الدولي وتفاهماته ومسالكه، إيـران وحيدة. لكنها عنيدة تقول وتنفذ أحياناً ولا تتراجع، كانت إيران معزولة فباتت منتشرة، كانت متخلفة فباتت ثورية بلا سلاح وكانت شرطي أميركا في الخليج وأصبحت جنرالاً يأمر وينهي في العراق ولبنان وسوريا، وحماس أحياناً.

جـ- والقطب الثاني هو الأزمــة السوريــة التي أصبحت تشكل مفتاح خريطة النظام العالمي الجديد وقالها الروس صراحة "النظام الدولي الجديد رهن بكيفية حل الأزمة السورية ولا حل من دون سوريا فهي ليست ملحقاً بل هي المصدر إنها النص وليس الهامش".

د- أما بعد فليس أمام اللاعبين المحليين والإقليميين، إلا قراءة المتغيرات الدوليـة للخروج من الثوابت القديمة، التي أوصلت الشرق الأوسط إلى نقطة الانفجارما قبل الثورات العربية؟ إلى نظام القطب الواحد وهل تكون روسيا وأميركا وسوريا هما بوابات العالم الجديد والله أعلم.

الخلاصــــة

بعد هذا التحليل والقراءة التفصيلية للمشهد السوري نجد أن الصراع على المنطقة وعلى المصالح سينحصر بين طرفين، الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى من خلال الحقائق والمعطيات التالية :

أ- الولايات المتحدة تراقب تداعيات الربيع العربي ووصول الإسلاميين إلى أماكن صنع القرار وتدعم هذا التحول والتغير إذا كان يخدم مصالحها وأمن إسرائيل.

ب- أما الروس والصين فيطمحون إلى إدارة العملية السياسية القادمة في سوريا إذا تم تفعيل النموذج اليمني، وكما أدار الأميركان العملية السياسية في اليمن بفاعلية.

جـ- يمكن أن تدعم الولايات المتحدة ودول أوروبا الحل السياسي في سوريا ويمكن أن تتحفظ بعض دول الإقليم على العملية السياسية بسبب دعمها للثورة السورية وفي مقدمتها تركيا وبعض دول الخليج التي تسعى لإسقاط نظام الأسد الذي أصبح التعايش معه صعباً.

د- إذا سقط النظام السوري سيضعف الدور الإيراني وتفقد إيران أحد منافذها على البحر الأبيض المتوسط ويمكن أن يتم عزل حزب الله عن إيران.

هـ- ليس هناك مصالح اقتصادية كبرى للروس في سوريا وإنما المصالح الرئيسية ترتبط بمشتريات الأسلحة أي أنها مصالح سياسية وأمنية عسكرية.

د- الغرب يرغب بإيجاد نظام جديد في سوريا ليس من أجل الضغط عليه لتحقيق السلام مع إسرائيل بل من أجل التخفيف من النفوذ الإيراني فهل نحن مقبلون على حل سياسي أم حل ميداني وعسكري؟

و- أعتقد أن الحالة السورية تشكل لعبة أمم مصغرة أو حرب باردة جديدة بزعامة روسيا وأميركا.

ز- إيران أصبحت لاعباً إقليمياً أكثر تأثيراً وأقوى من تركيا، حيث نرى أن تركيا أكتفت بالتصريحات دون تدخل فعلي.

ح- هناك غياب واضح للإرادة السياسية في العالم كما أن المجتمع الدولي غير مستعجل للتدخل في سوريا، كما أن أميركا ما زالت متفرجة رغم أن القتلى في سوريا زاد عن 20 ألف قتيل.

ط- إذا زاد الانشقاق السياسي والعسكري في سوريا وإذا تمكن الجيش السوري الحر من السيطرة على مناطق واسعة فإن هذا سيسارع في التدخل العسكري الخارجي.

ي- العامل الأخلاقي غائب في الحالة السورية حيث العالم يتفرج وينتظر وصول القتلى إلى أكثر من 800 ألف كما حصل في روندا التي وصل عدد القتلى فيها إلى أكثر من900 ألف قتيل ولم تتدخل أميركا.

ك- أميركا تحاول استعمال القوى الناعمة للضغط على سوريا من خلال البنك الدولي ليضغط على البنك المركزي السوري للوصول بسوريا إلى حالة الإفلاس النقدي.

م- الموقف الأميركي قد يتغير بعد الانتخابات وسيكون التدخل أقل كلفة وأسهل على أي رئيس منتخب، ولكن التدخل الأميركي قبل الانتخابات سيكون مكلفاً ومحفوفاً بالمخاطر التي قد تؤثر على مستقبل الرئيس الأميركي المنتخب.

( تم إعداد هذه الدراسة قبل انشقاق
رئيس الوزراء السوري رياض حجاب).