اعداد: د.جمال الحياصات
مركز الراي للدراسات
كانون ثاني 2012
من يتتبّع النهج السياسي لدّولة تركيا على الساحتين الإقليمية والدولية ،يدرك أبعاد وفلسفة الحزب الحاكم في توسيع اطار العلاقات الخارجية والدولية وبخاصة مع دول الجوار وضمن المحيط الاقليمي وبمختلف الاتجاهات والامتدادات الجغرافية شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً ،والذي يعني الضرورة اعادة صورة دولة تركيا الحديثة في التعامل مع القضايا والأزمات الساخنة وذلك بتحسين وتطبيع العلاقات من جهة وتوثيق العلاقات من جهة اخرى هذا على المستوى الخارجي .
حزب العدالة والتنمية
في حين نجد ان حزب العدالة والتنمية قد تجاوز مرة اخرى التحديات في تحقيق نجاح آخر وبجدارة في الانتخابات التشريعية ، وما يلفت النظر هنا أن رئيس الحكومة ووزير الخارجية قد عملا وبنجاح في إدارة السياسة الخارجية والعلاقات الدولية بصورة متميزة في ضوء المستجدات والأحداث في المنطقة والإقليم عموماً ،وما يبرز ومن خلال تسليط الأضواء على استراتيجية السياسة التركية على المستوى الدولي المواقف ذات البعد العميق والتي انعكست بشكل واضح على منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي ، ابتداءً من مواقف الرئيس التركي إزاء حصار قطاع غزة ، ومن ثم توتر العلاقات التركية الإسرائيلية وما حصل من تسارع التوتر بين الطرفين وبخاصة العلاقات الدبلوماسية وما رافقها من مواقف سلبية وحادّة وغنيٌّ عن القول بأن تركيا قد تبنّت مواقف أثّرت على طبيعة التوازن الإقليمي في المنطقة ،حيث أحرجت هذه المواقف كثير من الدول الغربية والعربية وبخاصة امريكا وإسرائيل .
الخطاب السياسي التركي
وحتى لايُفهَم الخطاب السياسي التركي بصورة مغايرة عمّا تريده كل من إسرائيل وامريكا ،فقد حاولت اسرائيل تمرير بعض الرسائل القصيرة والإشاعات تمهيداً لحرب باردة تمكّنها من إضعاف لهجة وحدّة تصريحات اردوغان والتي اصبحت كابوساً بالنسبة لإسرائيل حيث لم يتوانَ الرئيس التركي وفي كافة المحافل الدولية من توجيه الانتقادات اللاذعة للكيان الصهيوني والذي مارس كافة أنواع القهر والحصار والعدوان على المواطنين في قطاع غزة ، بحيث اظهر الصورة القاتمة والمظلمة والسلبية للممارسات العنصرية وغير الإنسانية لدولة اسرائيل نحو الشعب العربي الفلسطيني والذي يطالب بحقه في إيجاد كيان ودولة على أرضه .
ان ما نزعت اليه اسرائيل من خلال اعلامها وحربها الباردة ضد السياسة الاردوغانية ان جاز لنا تسميتها كذلك فقد حاول تسميم بعض الاتجاهات العربية وحتى بعض الأقلام في الإشارة الى توجيهات حزب العدالة والتنمية في إعادة ما يسمى « الإمبراطورية العثمانية « وهيمنتها على الوطن العربي ،إضافة الى محاولة اثارة كثير من القضايا والفتن الإقليمية المتعلقة بكيان الدولة التركية كإثارة قضية الأرمن والأكراد وغيرها...إضافة لإثارة « العسكر» الجيش من خلال التحريض على القيام بمحاولات انقلابية .
ان الخوف الاسرائيلي من الدور الاستراتيجي للسياسة التركية ، قد بدا واضحاً من محاولاتها التأثير على دول الاتحاد الاوروبي وعلى امريكا كذلك ، حيث ابتعدت المسافة بين تركيا ودخولها منظومة الاتحاد الاوروبي من جهة ،إضافة للرسائل المتعددة التي تحذر من الامتداد الاسلامي في دولة تركيا العلمانية ، اننا نجد ان هناك مرونة ودبلوماسية ذكية موجودة لدى حزب العدالة والتنمية وزعيمه أفشلت كافة التدابير التي اتخذتها القوة الضاغطة الاسرائيلية داخل تركيا وخارجها ،وهنا نرى مدى التوازن الحقيقي في سياسة الحزب الخارجي يعطي تركيا فرصة كافية في تعزيز علاقاتها وبالتالي منحها القوة السياسية الاقتصادية الفاعلة في البرامج والمشاريع الدولية والإقليمية .
وعلى الرغم كذلك مما تواجهه الحكومة التركية من معارضة داخلية في ضوء مواقفها المختلفة نحو القضايا الدولية والاقليمية الا ان حجّة (المدرسة السياسية الاردوغانية ) قد اقنعت المعارضة بضرورة اتخاذ مثل هذه المواقف لمصلحة الدولة ومستقبل ابناء تركيا فلقد ظهر (موقف) تركيا جلياً إزاء ثورات وحركات الربيع الغربي في مصر وتونس وليبيا وكذلك سوريا واليمن ،إذ نرى أن فلسفة حكم حزب العدالة والتنمية تؤمن بتلبية مطالب الشعوب في النهوض والتغيير والتعبير بحرية عن ذلك .
إحداث التوازن
فإننا نلمس العمق الحقيقي للسياسة التركية في المنطقة والاقليم حيث تسعى باستمرار لإحداث التوازن وفق استراتيجية تؤمن للدولة التركية مشارع استثمارية واقتصادية قد تغني الى حد ما عن رضوخها واسترضائها لمنظومة الاتحاد الاوروبي في محاولة الانضمام الى الاتحاد، وايجاد معابر قنوات اتصال استثمار دولية اخرى ولعل نجاح سياسة وفكر التنمية والعدالة ،قد زاد من شعبية (اردوغان)على المستوى الداخي وبالتالي على المستوى الاقليمي والدولي .
ان الاعلام ووسائل الاتصال الجماهيري في داخل تركيا وخارجها حرصت على توضيح ابعاد ومواقف السياسة التركية في مختلف المحافل والمؤتمرات الاقليمية والدولية ،من خلال الحضور الدائم الذي يحقق الاحترام والثقة للسياسات الداخلية والخارجية والتي تنسجم وطموحات واهداف الحزب الحاكم من جهة واهداف الدولة التركية من جهة اخرى .
ان حزمة الاصلاحات في بعض التشريعات والقوانين الناظمة للحياة السياسية في تركيا قد اعطت دفعة قوية لمسار الاصلاح والبناء الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع التركي إضافة لاظهار دور تركيا في المحافل الدولية المتعددة والتي اعطت ثقة عالية بالاستثمارات التركية من جهة وتوطيد العلاقات التجارية والاقتصادية وفي مختلف المجالات والمشاريع التنموية الدولية.
وخلاصة القول ان السياسة التركية قد ظهرت بصورة ايجابية نحو الكثير من القضايا الساخنة في المنطقة والاقليم من جهة وعلى المستوى الدولي من جهة اخرى الامر الذي جعل تركيا تحظى بنوع خاص من الاحترام والتقدير لمواقفها وبخاصة ازاء كثير من القضايا العربية والاسلامية وبخاصة القضية الفلسطينية وكذلك في ثورات وحراك الشارع العربي او ما اتفق على تسميته بالربيع العربي والذي اعطى فرصة ذهبية لتركيا في محاولاتها الداعية الى تحقيق المطالب الشعبية بأسلوب سلمي بعيد عن الاقتتال اضافة الى مبادرتها (تركيا) محاولة اقناع بعض الزعماء العرب في الاستجابة لمطالب الشعب في الاصلاح والتغيير
واهم ما يسجل للسياسة التركية في المنطقة هو موقفها الواضح والمحدد ازاء عنجهية وهمجية واستفزاز دولة اسرائيل للشعب العربي الفلسطيني ومطالبة تركيا لاسرائيل بضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في ذلك.