الساعة

الرئاسة الروسية والاتحاد الجديد

اعداد : د.حسام العتوم

مركز الراي للدراسات

كانون ثاني 2012

لقد أصبحت أجراس الرئاسة الروسية تدق بأصوات عالية وتتناغم مع أصوات أجراس قصر (الكرملين الرئاسي) في الساحة الحمراء مع قرب موعد الاقتراع على كرسي الزعامة الروسية رقم (1) في موسكو العاصمة ، وما يزيد من درجة حرارة التزاحم على صناديق الاقتراع القادمة هو خروج الروس للتو من انتخابات برلمانية حصد فيها (حزب روسيا الموحدة) الحاكم المرتبة الأولى بحجم 238 مقعداً برلمانياً ، فيما حصد الحزب الشيوعي المعارض وباني الاتحاد السوفييتي المرتبة الثانية بحجم 92 مقعداً برلمانياً ،

وحصد حزب العدالة المرتبة الثالثة بحجم 64 مقعداً برلمانياً فيما حصد الحزب الليبرالي المرتبة الرابعة بحجم 56 مقعداً برلمانياً ، ولم تستطع أحزاب (العدالة) و(الليبرالي) وغيرهما التوحد مع الحزب الشيوعي لقلب نتيجة الانتخابات ومع هذا اتهم الحزب الحاكم بتزوير الانتخابات وخرجت الآلاف إلى ميدان (ساخاروف) وسط العاصمة محتجة على الفارق المئوي للنتيجة الذي تراوح من 20 – 50% ، وعلق على هذا الاحتجاج الرئيس الروسي ميدفيديف حيث طالب بتشكيل لجنة تحقيق عادلة فيما قال بوتين الزعيم الحقيقي للحزب الحاكم بأنه جاهز للحوار لكنه لا يعرف من يحاور واتهم أمريكا بالذات بتحريك الشارع الروسي ،

وبأن ما حدث ردة فعل طبيعية وليست ثورة بسبب ارتفاع النسبة المئوية المؤيدة لحزبه (روسيا الموحدة) ، وهذه الزوبعة انطلقت تاريخ 4/12/2011 مع انطلاقة الانتخابات البرلمانية الروسية ستجد صداها تاريخ 4/3/2012 وبشكل سلبي إن لم تعالج موسكو مسألة التفوق على الحزب الشيوعي بفارق كبير خاصة بعد انتقاد غورباتشوف لبوتين جراء رغبته في تكرار رئاسته لروسيا من جديد ومطالبته بضرورة التنحي ، علماً بأن (كاريزما) بوتين البانية لروسيا تختلف بالتأكيد عن شخصية غورباتشوف الهادمة للإتحاد السوفييتي رغم عدم اعترافه بذلك ، بينما علت مصلحة الصهيونية وراء الهدم ذاك لبناء القطب الواحد الأمريكي المسيطر .

 

 

الحرب الباردة السرية بين روسيا وأمريكا

والملاحظ هنا بأن شخصية فلادمير بوتين أصبحت عابرة للعديد من المراحل الزمنية وعابرة للعديد من المناصب الإدارية العليا ابتداءاً من قيادة جهاز الأمن الروسي (K.G.B) المسمى حالياً بـ (F.C.B) ومروراً بالرئاسة الروسية لجولتين متتاليتين مدتهما الزمنية 8 سنوات ثم برئاسة الوزراء ثم الشروع بالعودة لاستلام زمام السلطة من جديد بعد الطلب من الرئيس دميتري ميدفيديف وبعد اتفاق مسبق معه بفتح الطريق أمامه وبعدم تكراره لنفسه ،

الأمر الذي سيؤشر على احتمال قوي لبقاء بوتين في الحكم 12 عاماً إلى الأمام بعد ترتيب موسكو للفترة الرئاسية الواحدة بـ 6 سنوات بدلاً من 4 سنوات بهدف الاستفادة من قدرة بوتين على الاستمرار في قيادة روسيا لأطول فترة ممكنة حتى يتم استنساخ بوتين ثاني جديد في المستقبل، وقيادة بوتين لبلاده روسيا ستفوق الفترة الزمنية التي قاد فيها ليونيد بريجنيف الاتحاد السوفييتي ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن وعبر ماكنة اتصال العالم هو هل بوتين صاحب العيون الحمراء مع أمريكا والغرب ، وصاحب اللسان الدافئ معهم بنفس الوقت وهو المعروف بقيادته لروسيا حتى بوجود ميدفيديف في السلطة ديكتاتور أم ديمقراطي ؟ ولماذا هي الحرب الباردة السرية بين روسيا وأمريكا بالذات الآن ؟

 

يصعب القول بأن بوتين ديكتاتور وهذا الموضوع دون غيره جدلي بالطبع فهو يحظى بشعبية مليونية غير مسبوقة وتتكرر ، وله شعبية مماثلة خارج روسيا ، ويواجه في المقابل بمعارضة تعدادها بضعة آلاف ولهم خالص الاحترام ، ويصعب القول بأن الحرب الباردة العلنية وسباق التسلح الذي تبادلته أمريكا والغرب مع روسيا إبان قيادتها للإتحاد السوفييتي قد انتهى الآن بعد انفراد روسيا بقيادة نفسها وتزعم الشرق الصيني والإيراني المناهض لأمريكا دون الغرب ،

الحرب الباردة العلنية تلك تحولت إلى سرية ، وكذلك الأمر بالنسبة لسباق التسلح رغم الاتفاقات وأنظمة الرقابة عالية الجودة بسبب التصعيد الأمريكي لقضية الدرع الصاروخي المنتشر في أوروبا في وضع مواجه للمدن الروسية ، وتمتلك روسيا اليوم (5000) رأس نووي حربي بالإضافة إلى (20000) رأس نووي حربي احتياطي تحت الصناعة ، وبسبب عدم رغبة أمريكا المسيطر عليها صهيونياً بإعطاء دور فعال لروسيا ضمن اللجنة الرباعية في قضايا الشرق الأوسط الساخنة والتي على رأسها القضية الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف والقضايا العربية الاحتلالية الأخرى وقضية إيران النووية السلمية والعسكرتارية ، وبسبب رغبة أمريكا بتجزئة روسيا عن طريق إحداث اختراقات في قضاياها القفقاسية مثل (الشيشانية والشركسية) ، ولكي لا تنهض روسيا من جديد وتصبح قوة ضاربة وقطب اقتصادي عالمي هام .

إن مراثون الانتخابات الرئاسية الروسية سيشهد هذه الأيام بروز عدد كبير من المرشحين لمنصب رئيس روسيا إلى جانب بوتين الذي قدم ورقة ترشيحه أولاً وعين المخرج قفاروخين رئيساً لحملته الانتخابية الحالية بعد قدرة كل مرشح على جمع مليوني توقيع ، والأسماء التي بدأت ترشح الآن هي (ميروناف) رئيس حزب العدالة الذي عمل بوتين على تنحيته من رئاسة مجلس الأعيان بسبب معارضته له، وجيرينوفسكي رئيس الحزب الليبرالي (المحسوب على تيار بوتين) وهو مرشح تقليدي ، و(زوقانوف) عن الحزب الشيوعي وهو مرشح تقليدي أيضاً ، و يافينسكي زعيم حزب يابلاكا (التفاحة) ، وخامييف (رجل أعمال ثري) ، وبروخاروف (رجل أعمال ثري جداً) ، وميدينسيف (محافظ إقليم ايركوتسك) ، وجيريوف (متقاعد) ،

وبين اوناف سيفتلان إلى جانب رفض ترشيح كسيانوف (رئيس وزراء أسبق) بسبب التشكيك بحجم التواقيع التي جمعها ولاعتقاده هو بأن السبب سياسي لكونه معارض ، والنتيجة ستحسم بالتأكيد لصالح بوتين وحزب روسيا الموحدة الحاكم ، وسوف يعود ميدفيديف وحسب إعلان مسبق ليصبح رئيساً للوزراء ، وهذا الموديل الإداري والسياسي والديمقراطي تنفرد به روسيا بالطبع بالمقارنة مع دول العالم ، والملاحظ هنا بأن ساسة روسيا وقادة الكرملين لا يرغبون بإعطاء أي دور قيادي للحزب الشيوعي الذي حصد 20% من أصوات الانتخابات البرلمانية المليونية بجدارة ، ويحاولون إبعاده إلى الخلف ما أمكن حتى يتلاشى في عمق الزمن والتاريخ ، وحتى يندثر معهم أي مشروع لإعادة إحياء الاتحاد السوفييتي بكامل خطه الأيدلوجي اليساري من جديد ،

ورغم هذا وذاك سيبقى الحزب الشيوعي لفترة طويلة قادمة من الزمن حزباً معارضاً وناقضاً صاخباً لقيادة الكرملين ولبرامجه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الإدارية بما فيها تعيينات كبار رجال الدولة أصحاب الأصول اليهودية السانت بطرس بورغية (الليننغرادية) ، والملفت هنا هو أن ميدفيديف الرئيس الحالي لروسيا وقبل قرب رحيله عن السلطة وجه انتقادات عبر ماكنة اتصال بلاده للنظام الانتخابي البرلماني ولمسألة تعيين المحافظين في الأقاليم ودعا لأسس جديدة انتخابية ولضرورة انتخاب المحافظين بينما المتوقع أن لا يمرر بوتين اقتراحاته عندما يستلم السلطة في آذار المقبل ، فإلى أين تتجه روسيا الآن ؟

 

روسيا بلاد عملاقة لا تغيب عنها الشمس

البلاد الروسية ومن خلال قربي منها ، وهي بالمناسبة بلاد عملاقة لا تغيب عنها الشمس وتتربع على أكثر من 17 مليون كلم2 ، ويقطن فيها حوالي 150 مليون نسمة منهم 76% مسيحيون و 12% مسلمون و 1% يهود و 1% بوذيون والنسب المئوية الأخرى من دون أديان سماوية ، وهي أول دولة في العالم تصعد إلى الفضاء عام 1964 بفضل التكنولوجيا الروسية المتطورة وبفضل الطيار الفضائي يوري غاغارين ، ولديها 10 محطات نووية سلمية بالإضافة إلى 13 محطة نووية تعمل على الماء ، وهي ثاني أكبر دولة في العالم في الصادرات العسكرية (11 مليار) ، وهي متطورة في السلاح التقليدي الدفاعي والهجومي الأرضي والفضائي ، وحسب إحصاءات مؤسسة معهد العالم (SIPR) لديها المخزون الأول في العالم في الغاز الطبيعي ، وهي مزود رئيسي للغاز لأوروبا ولديها اتفاقية مع أوكرانيا مدتها 10 سنوات لتمريره عبرها حسب اتفاقية وقعها بوتين مع يوليا تيماشينكا (رئيسة وزراء أكرانيا سابقاً) ، وهي أي روسيا مكونة من 21 جمهورية و 9 أقاليم و 46 محافظة و 4 مناطق مستقلة ، ولديها 12 بحراً وأكثر من 2 مليون نهر ، و 80% من سكانها روس والباقي تاتار وأكران وشيشان وشركس وأرمن وغيرهم ، واللغة السائدة هناك هي بالطبع الروسية وهي عالمية قوية إلى جانب مائة لغة ولهجة أخرى ،

ولهذا هي بحاجة إلى اقتصاد قوي ولاتحاد اقتصادي سياسي جديد ، ولإدارة مركزية ولا مركزية بنفس الوقت ، بينما لا زالت الإدارة المركزية البيروقراطية والأتوقراطية تراوح مكانها وتسيطر على خيرات المدن الروسية وتعيق تطويرها وتحسين مستوى المعيشة فيها ، و 85% من دخول المدن الروسية تقريباً تذهب لتطوير موسكو العاصمة والمدن الكبيرة الأخرى مثل (سانت بطرس بيرغ) و سوجي ، ولا تستفيد المدن الصغيرة سوى ما نسبته 15% من هذه الدخول والصناعات فيها قديمة وشبه متوقفة وشوارعها ضعيفة التعبيد أو غير معبدة من قبل التاريخ وحتى الآن بينما هي الطرقات بين المدن بعيدة المسافة أفضل تعبيداً ، ولا تطور ملحوظ على مستوى خدمة الطيران (الأيروفلوت) ، وأسعار المحروقات مرتفعة رغم أن البترول الذي تستخدمه المركبات الروسية هو روسي 100% ، ورواتب الموظفين والمتقاعدين لا زالت غير مقبولة وتتراوح من 200 – 300 دولار في الشهر للموظف المتوسط ، والإعلام متعدد (63 ألف صحيفة مثلاً) لكنه في أغلبه محافظ ومركزي مرتبط بسلطة الكرملين ، وهو عاجز ومرعوب من ممارسة النقد من أجل مواصلة البناء، فلا زال البناء السوفييتي السابق ماثلاً ومن دون تطوير حقيقي على مستوى مواقف السيارات والمصاعد للبنايات ذات الطوابق العالية ، والكل في روسيا يتساءل عن سبب ظهور 250 ملياردير في العاصمة الروسية وحدها ، وإلى أين تذهب أموال دولتهم الكبيرة المأخوذة من الصادرات ؟ وماذا عن نتائج مكافحة الفساد الكبير ؟ ولماذا العزوف عن الزواج لأسباب اقتصادية في تصاعد ؟ ولماذا أصبح التعليم النوعي مثل الطب بالواسطة وأثمان الالتحاق به عالية ؟ ولماذا هي أسعار تذاكر المواصلات عبر القطارات عالية أيضاً ويلاحظ تحرك القطارات بين المدن دون نسب مئوية معقولة من الركاب ؟

اتحاد اقتصادي أوروبي آسيوي

اقترح الرئيس الروسي ميدفيديف ورئيس وزراءه الحالي بوتين (الرئيس القادم لروسيا) العام المنصرم 2011 تشكيل اتحاد اقتصادي أوروبي آسيوي يتكون من روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان ، وهو بالمناسبة اتحاد جمركي قابل لتوسيع عدد أعضاءه ولتحويله لسياسي ، وصاحب الفكرة في التاريخ هو نزاربايف رئيس جمهورية كازاخستان الروسية إبان الحقبة السوفييتية ، والروس يخططون لتقوية هذا الاتحاد عام 2015 لكنه لن يشبه الاتحاد السوفييتي وسيصبح له خطا أيدولوجيا جديدا ، وستبقى روسيا بحاجة لرجال ونساء مخلصين من وسط الأحزاب السياسية والاقتصادية المختلفة ومن خارجها بعيداً عن احتكار السلطة والمال ، وعلى صعيد السياسة الخارجية الروسية نلاحظ أن روسيا لا تدعم ولا تمارس الاحتلالات والاستعمارات على خارطة العالم ، ولا تطالب بإسقاط أنظمة حتى لو كانت ديكتاتورية وتمسك العصا السياسية من الوسط ، فهي مع الأنظمة السياسية ما دامت باقية في الحكم وهي مع الشعوب وقضاياها وتحديد مصيرها بنفسها ذات الوقت ، وهي ضد العنف والقتل والتعذيب ومع حقوق الإنسان ، والربيع العربي الذي أزعجها بسبب تخوفها من الإسلاموية القادمة خاصة المتطرفة والمتشددة الراديكالية منها يهدد بالإنتقال إليها إذا لم تعتدل في الانتخابات الرئاسية القادمة ، وإذا لم تمارس الشفافية والنزاهة ، وهذا ما أكده جون مكين نائب الرئيس الأمريكي في آخر تصريح له عقب الانتخابات البرلمانية السابقة 2011 ، والوجه الأمريكي في المقابل تقوده منظمة (أيباك) اليهودية الصهيونية المعروفة ومليء بالأخطاء والفضائح من (ووترغيت) إلى (مونيكا لوينسكي) إلى (أبو غريب) إلى أفغانستان وإلى العلاقة الوثيقة مع إسرائيل المحتلة لأراضي العرب