اعداد : المحامي د. كامل السعيد
مركز الرأي للدراسات
آذار 2012
تسهيلاً على القارئ الكريم سيقوم كاتب هذا المقال بتوضيح خطته على أساس اعتماد المحاور التالية:
أولاً:صحة أو صوابية المصطلحات القانونية المستخدمة في الحوار من عدمها.
ثانياً: حق النيابة العامة الكريمة في متابعة القضية من عدمه.
ثالثاً: حق المجلس النيابي الموقر في الإحالة أو منعها.
أولاً: صحة أو صوابية المصطلحات المستخدمة من المتحاورين.
لقد حمي وطيس الجدل بين رجال السياسة والقانون في مجتمعنا سواء في مختلف المواقع الالكترونية أو في الحوارات التلفزيونية بخصوص ما إذا كان من حق النيابة العامة معاودة تحريك أو إثارة قضية الكازينو خاصة بعد أن سبقت إثارتها أمام المجلس النيابي الموقر في الماضي القريب، وهذا هو موضوع المحور الثاني في مقالنا هذا والذي سنتطرق إليه بعد قليل، أي بعد أن نستوفي متطلبات المحور الأول.
المحور الأول:
لقد لاحظ كاتب هذا المقال – وهو يخوض غمار التصدي لهذا الموضوع باعتباره وبكل تواضع متخصصاً في هذا المجال- استخدام بعض رجال القانون وهم يدافعون عن وجهة نظرهم- وهذا من حقهم – مصطلحات قانونية في غير مواقعها الصحيحة، الأمر الذي قد يؤدي إلى الانطباع أو الإيحاء بأن موضوع الكازينو بعد أن تم طرحه أمام المجلس النيابي قد أسدل الستار عليه إلى الأبد ولا مجال لمعاودة بحثه.
منع المحاكمة
لقد هالني بصدق أن استخدم بعض المتحاورين من رجال القانون مصطلح « منع المحاكمة»، أي أن المجلس النيابي قد منع محاكمة الأشخاص المعينين في قضية الكازينو، وهذا أمر غير صحيح أو دقيق بالمرة، لا لأنه مصطلح غريب على دستورنا فقط، ولا لأنه غريب حتى على دساتير العالم بأكملها، بل لأنه من المصطلحات المستخدمة حصرياً في قوانين أصول المحاكمات الجزائية أو الإجراءات الجنائية لا الدستورية، وبالتحديد من قبل أعضاء النيابة العامة فقط في حالتين لا ثالث لهما، وهما:
1- عندما يجد المدعي العام المكلف بالتحقيق وعند انتهائه منه أن الفعل لا يشكل جرماً، أو بأنه لم يقم دليل على أن المشتكي عليه هو الذي ارتكب الجرم، وذلك على مقتضى نص المادة (130) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
2- عندما يجد النائب العام في حالة رفع القضية إليه من قبل المدعى العام أن الفعل لا يؤلف جرماً، أو أنه لم يقم دليل على أن المشتكي عليه ارتكب ذلك الجرم، أو أن الأدلة غير كافية وذلك على مقتضى نص المادة (133/4) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
مبدأ الشرعية
أما المصطلح المستهجن الثاني الذي تم استخدامه في غير محله، هو أنه قد صدر عن المجلس النيابي قرار بالبراءة بحق دولة السيد -الذي اقدر- معروف البخيت، فالبراءة لا تكون إلا من المحاكم أولاً حتى ولم يكن إصدار البراءة من صلاحية المجلس النيابي قبل التعديلات الدستورية الأخيرة، إذ كانت صلاحيته مقصورة فقط على توجيه الاتهام، فقرار البراءة يصدر عن محاكم الموضوع بعد ختام التحقيق النهائي من قبلها وجاهزية الدعوى للحكم فيها في حالة انتفاء الأدلة على وقوع الجريمة- أي انتفاء وقوعها- أو ثبوت وقوعها ولكن مع عدم كفاية الأدلة التي تربط الظنين أو المتهم بالتهمة المسندة إليه، أما قرار عدم المسئولية فلا يكون إلاّ من المحاكم أيضاً عندما يثبت لها بأن الفعل لا يشكل جرماً أو لا يستوجب عقاباً، وذلك على مقتضى نص المادة (236) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فلا مجال إذن لاستخدام مصطلح منع المحاكمة أو البراءة واعتباره أحد المصطلحات الدستورية، اللهم إلاّ إذا كان لدى البعض ما يخالف وجهة نظرنا من أن احد دساتير العالم قد استخدم هذين المصطلحين، عندئذ لا نقول لمستخدم هذا المصطلح إلا كما قال تعالى في كتابه الكريم بعد بسم الله الرحمن الرحيم « قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين»، عندها يمكننا القول بأن فوق كل ذي علم عليم، أما في حالة العجز عن الإتيان ببرهان، فإن كاتب هذا المقال يؤكد بأن أساتذة القانون الجنائي جلَّهم أن لم يكونوا كلهم سيخرون صرعى لهول ما سمعوا أو ما تناهى إلى مسامعهم بأن البعض لدينا قد استخدم هذين المصطلحين في المجالات الدستورية.
أما المصطلح المستهجن الثالث، فهو استخدام المبدأ القانوني العقابي الخالد المتمثل في إمكان تطبيق مبدأ القانون الأصلح في نطاق الدساتير أو المجالات الدستورية، فهذا المبدأ المعبَّر عنه بمبدأ الشرعية جاء نتيجة لنضال طويل خاضته البشرية واستجابة لصيحات الفلاسفة والفقهاء من رجال القانون في القرن الثامن عشر درءاً لتحكم القضاة، ذلك التحكم الذي كان احد مظاهره الخلط بين الجريمة الجنائية والرذيلة الخلقية والمعصية الدينية، فقيمة هذا المبدأ تتجلى في كونه ضمانة للحريات الشخصية، فمن يرتكب فعلاً غير مجرم بنص في القانون لا يجوز أن يتعرض للمسئولية الجزائية قط، فهذا المبدأ هو الفيصل بين ما هو محظور وما هو غير محظور.
ونتيجة لحرص الكثير من الدول العربية والأجنبية على تطبيق هذا المبدأ في هذا المقام- وهذا المقام وحده- جعلته أحد مبادئها الدستورية وزينت به صدر دساتيرها تلك حتى لا يتم الخروج عنه بقوانينها العادية، ومن هذه الدساتير على سبيل المثال الدستور المصري الصادر عام 1964 المادة (25) وكذلك الدستور العراقي الصادر أيضاً عام 1964 المادة (20) والدستور الكويتي الصادر في سنة 1962 المادة (32). فلا ندري ما علاقة هذا المبدأ الخالد في مقامنا هذا طالما انه لا ينطبق حصرياً إلاّ في نطاق القوانين العقابية، وفي حدود ما تقدم. اللهم إلاّ إذا كان لدى البعض علم نجهله بأن مثل هذا المبدأ قد طبق في دستور بلد معين، عندها نتمنى على مستخدم هذا المصطلح إعلامنا عن ذلك الدستور.
وختاماً لهذا المحور طلع علينا أحد الزملاء في أحد المواقع الالكترونية بأنه كان على المجلس العالي الموقر لمحاكمة الوزراء بصفته محكمة جزائية خاصة، أن يحول مباشرة الملف الذي كان بحوزته إلى المحكمة النظامية وهي محكمة البداية، تطبيقاً لنص المادة (166) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وبعد رجوعنا إلى النص القانوني المذكور لم نجد ما يساعد فهمنا على التسليم بما ذهب إليه صاحب هذا الرأي، فقد ورد نص المادة (166) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على النحو التالي: « لا يقدم أي شخص للمحاكمة أمام محكمة بداية من أجل الجرائم التي يخرج حق النظر فيها عن اختصاص قضاة الصلح أو الجرائم الملازمة لها ما لم يصدر بحقه المدعى العام قرار ظن من أجل محاكمته في تلك الجريمة». فما علاقة هذا النص بالمجلس العالي أو بإلزامه بإحالة القضية مباشرة إلى محكمة البداية؟؟؟؟
إن النص القانوني المنوه عنه بأعلاه جاء تحت عنوان الباب الرابع الذي خصه المشرع بعنوان « أصول المحاكمة لدى المحاكم البدائية في القضايا الجنحية: تعلق المحاكمة أمام محاكم البداية على صدور قرار ظن».
فهذا العنوان الذي يندرج تحته نص المادة (166) يتعلق أولاً بالجنح لا بالجنايات ولا ندري إذا ما إذا كانت الوقائع التي رفعت للمجلس العالي لمحاكمة الوزراء قد تم وصفها أو تكييفها بأنها جنح أو جنايات.
ولا ندري بهذا المقام أيضاً أن كان صاحب هذا الرأي قد علم بأن الوصف كان جنائياً أم جنحوياً لكي يبدي رأيه بهذا الخصوص.
فإن كانت من قبيل الجنايات فلا مجال لانطباق نص المادة (166) وما بعدها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن كان الوصف الجرمي جنحوياً، فلا بد من صدور قرار بالظن من قبل المدعي العام بالذات لا من قبل من يقوم بوظيفة المدعي العام، وهو في هذا المجال المجلس النيابي الذي يقوم بوظيفة المدعي العام، ولا يمكن اعتباره مدعياً عاماً، فلا مساغ للاجتهاد في مورد النص.
لائحة الاتهام تصدر عن النيابة العامة
أما إن كان الوصف الجرمي جنائياً، فالنصوص الواجبة التطبيق هي مواد الفصل الأول من الباب السادس من قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي خصه الشارع بعنوان « أصول المحاكمات لدى المحاكم البدائية في القضايا الجنائية».
وعوداً على بدء نقول، بأن من يتوجب عليه إصدار قرار بالظن أو بالاتهام أو لائحة الاتهام هي بالتحديد النيابة العامة وليس من يقوم مقامها بالاتهام على منطق نص المادة (56) من الدستور قبل تعديلها.
ولو أردنا مسايرة الرأي الذي قال بإمكان تطبيق نص المادة (166) في هذا المقام، فإن الأمر لا يتوقف عند حدود التزام أو وجوب أن يقوم بالظن أو بالاتهام النيابة العامة، وإنما يجب أن يتم توجيه ذلك الظن أو الاتهام إلى محكمة البداية إما بصفتها الجنحوية أو الجنائية باعتبارها محكمة نظامية.
إلا يكون صاحب هذا الرأي قد اعتبر المجلس العالي لمحاكمة الوزراء محكمة بدائية؟
إلا يكون صاحب هذا الرأي قد اعتبر المجلس العالي محكمة نظامية علماً بأنه من المسلم به قانوناً وفقهاً واجتهاداً- وهو ما كنا قد ذهبنا إليه في مقالات قانونية سابقة -أن المجلس العالي عندما كان يمارس اختصاصه في المحاكمة كان هو عبارة عن محكمة جزائية خاصة وإن ما يطبق على المحاكم الجزائية الخاصة لا يطبق على المحاكم النظامية إلا استثناءاً أي بنص قانوني صريح؟
وأخيراً لا أخراً، فإن القول بأنه كان يتعين على المجلس العالي إحالة القضية مباشرة إلى محكمة البداية فيه نوع من التشاطر أو التشطر على صفوة من رجال القانون الإكفياء الذي يتشكل منهم هذا المجلس، إذ لا يعقل أن يكون المجلس قد جهل أو تجاهل ما كان يتوجب عليه عمله بخصوص إحالة القضية مباشرة إلى محكمة البداية.
وأخيراً علينا أن نعرف أو نتعرف على حقيقة ساطعة «كشمس تموز وآب» في صيف كل عام تتمثل في أن المجلس العالي لمحاكمة الوزراء كان محكوماً بل وملزماً في تسييره للإجراءات أو الأصول التي يقوم بها، للنصوص الدستورية، فلا مجال لإحلال نصوص قانونية محلها. إذ المبدأ الذهبي الخالد هو أنه «إذا أراد الشارع الدستوري قال وأن أبى سكت» فلو كان المشرع الدستوري قد ألزم أو أوجب على المجلس العالي عند تعديلاته الأخيرة القيام بإحالة القضية إلى محكمة البداية أو أية جهة أخرى لما تردد في النص على ذلك صراحة في تلك التعديلات. أما وأنه لم يفعل فلا مجال لتحميل النصوص الدستورية أو القانونية أكثر مما تحتمل.
فهل استحال المجلس العالي بقدرة قادر إلى محكمة نظامية؟
هل استحال المجلس النيابي بقدرة قادر إلى مدعٍ عام علماً بأنه كان يقوم بوظيفة المدعي العام وليس بصفته مدعياً عاماً.
المحور الثاني:
فكما قلنا فإن هذا الموضوع ثنائي الطرف، حيث يتعين بحث ما إذا كان من حق النيابة العامة معاودة طرح هذا الموضوع أم لا، وما إذا كان يتعين عليها للبدء في تحقيقاتها ولوج طريق المجلس النيابي. أننا نسجل سلفاً عدم أحقية النيابة العامة بطرح موضوع سبق بحثه في المجلس النيابي أصدر قراراً بخصوصه، لأن الموضوع الذي تم طرحه يكون قد استنفد كل سبل البحث فيه اللهم إلا إذا كان قد استجدت وقائع جديدة أو ظهرت أدلة جديدة، فإنه لاشيء يمنع دستورياً أو قانونياً معاودة إثارة ذلك الموضوع تطبيقاً لنص المادة (16) وما بعدها من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فالفقرة الأولى من هذه المادة أوجبت على المدعي العام مراقبة سير العدالة والإشراف على السجون ودور التوقيف وعلى تنفيذ القوانين وتمثيل السلطة التنفيذية لدى المحاكم والدوائر القضائية، وغير ذلك أيضاً من القيام بمخابرة السلطات المختصة رأساً، وبما أن المطلق يجري على إطلاقه ما لم يرد ما يقيده وبما أن المجلس النيابي من قبيل السلطات العامة فإنه يكون من حق النيابة العامة مخابرة المجلس النيابي بصفته هذه، خاصة إذا استجدت وقائع وأدلة جديدة أو ظهرت أدلة جديدة في قضية ما، أما ما نصت عليه الفقرة الثانية من هذه المادة فتتعلق بحق المدعي العام في تحريك دعوى الحق العام وتنفيذ الأحكام الجزائية.
التقصي عن الجرائم وتعقب مرتكبيها
أما المادة( 17/1) من ذات القانون فقد أوجبت على المدعي العام القيام باستقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها، ويقوم المدعون العامون المختصون بهذا الاستقصاء أو التعقب على منطق نص المادة (17/2) من ذات القانون وفقاً لإحكام المادة (5/1) من ذات القانون التي حددت الاختصاص المكاني لإقامة الدعوى في قولها « تقام دعوى الحق العام على المشتكي عليه أمام المرجع القضائي المختص التابع له مكان وقوع الجريمة أو موطن المشتكى عليه أو مكان القبض عليه ولا أفضلية لمرجع على آخر إلاّ بالتاريخ الأسبق في إقامة الدعوى».
أن هذه النصوص صريحة الوضوح وقوية الدلالة على حق النيابة العامة في التقصي عن الجرائم وتتبعها من قبل أعضاء النيابة العامة تحت طائلة المسؤوليتين الجزائية والتأديبية تنهضان قبل من يقصر منهم أو يتهاون أو يتقاعس عن القيام بواجبه هذا، ويأتي ذلك تطبيقاً لنص المادة (182/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية في قولها « كل موظف يستعمل سلطة وظيفته مباشرة أو بطريق غير مباشر ليعوق أو يؤخر تنفيذ أحكام أو القوانين أو ألأنظمة المعمول بها لجباية الرسوم والضرائب المقررة قانوناً أو تنفيذ قرار قضائي أو أي أمر صادر عن سلطة ذات صلاحية يعاقب بالحبس من أسبوع إلى سنة».
ومع أن أي مسئولية جزائية لأي موظف ترتب عليها المسئولية التأديبية بحكم اللزوم والضرورة، إلاّ أن نص المادة (183/1) من ذات القانون جاء صريحاً بالنص على تحميلهم وتحميل غيرهم من الموظفين المسؤولية الجزائية والتأديبية معاً إن هم أهملوا أو تقاعسوا في القيام بواجباتهم في قولها «كل موظف تهاون بلا سبب مشروع في القيام بواجبات وظيفته وتنفيذ أوامر آمره المستند فيها إلى الأحكام القانونية يعاقب بالغرامة من عشرة دنانير إلى خمسين ديناراً أو بالحبس من أسبوع واحد إلى ثلاثة أشهر».
أما الطرف الثنائي الثاني من هذا المحور فيتمثل في أنه من غير الممكن قيام النيابة العامة بواجباتها الوظيفية المنوه عنها أعلاه بحق الوزراء ما لم تطرق باب المجلس النيابي فبعد أن حددت المادة (55) بعد تعديلها من الدستور الجهة التي يحاكم أمامها الوزراء في قولها « يحاكم الوزراء على ما ينسب إليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم أمام المحاكم النظامية المختصة في العاصمة وفقاً لأحكام القانون».
رسمت المادة (56) من الدستور للنيابة العامة المسلك الذي يتعين عليها بموجبها سلوكه وجوباً لغايات القيام بواجباتها، وهو اللجوء إلى مجلس النواب على مقتضى نص المادة (56) من الدستور في قولها « لمجلس النواب حق إحالة الوزراء إلى النيابة العامة مع إبداء الأسباب المبررة لذلك ولا يصدر قرار الإحالة إلاّ بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب» فوفقاً لهذا النص يكون لجوء النيابة العامة للمجلس النيابي أمراً حتمياً لا قبل لها بتجنبه أو تخطيه إن أرادت القيام بواجباتها القانونية المطلوبة منها، فبدون اللجوء إلى المجلس النيابي تطبيقاً للنص الدستوري المنوه عنه قبل لحظة تبقى يدها مشلولة تماماً.
المحور الثالث والأخير:حق المجلس النيابي في الإحالة أو عدمه
يستفاد من صراحة نص المادة (56) من الدستور أن المجلس النيابي هو سيد نفسه وقراره، له اليد العليا التي تعلو على كل يد بخصوص الاستجابة لطلب النيابة العامة، له الحق المطلق في ضوء الدراسة المعمقة للقضية المطروحة أمامه من قبل النيابة العامة، إما أن يقرر إحالة الوزراء المعنيين إلى النيابة العامة أو أن يقرر عدم إحالتهم بشرط واحد فقط هو إن قرر إحالتهم إلى النيابة العامة فيكون من المتعين عليه إبداء الأسباب المبررة لذلك، وقد جاء هذا النص لصالح الوزراء المحالين، بالنظر لأنه يلزم المجلس النيابي تحت طائلة البطلان بتعليل أو تسبيب قراره في حالة ممارسته لحق الإحالة، ولا وجود لهذا الشرط أو القيد إن قرر المجلس النيابي عدم الإحالة، وعدم تطلب هذا الشرط أو القيد عند عدم الإحالة يجعل سلوك هذا السبيل أيسر وأهون على المجلس النيابي لأنه يحرره من الالتزام بالتسبيب أو التعليل.
الخلاصة
ونخلص مما تقدم إلى أن طلب النيابة العامة من المجلس النيابي لا يلزمه بسلوك الطريق الذي يتعين عليه سلوكه أو اتخاذ القرار الذي يراه مناسباً، فقد يقدم على اتخاذ قرار بالإحالة --مشفوعاً بالتسبيب -أو بعدم الإحالة غاية ما في الأمر أنه يتعين القيام باختيار أحد هذين الطريقين إذ لا يستطيع أن يحجم عن اتخاذ قرارٍ بهذا الخصوص إن كان هذا القرار سلبياً أو إيجابياً.
أما النعي على النيابة العامة بأن صيغة الطلب التي تقدمت به النيابة العامة للمجلس النيابي كان غير صحيح، نرى انه بعد أن أثبتنا أنه مهما كانت صيغة ذلك الطلب، فهو غير ملزم للمجلس النيابي، وأن التمسك بسوء تلك الصيغة، يعتبر تمسكاً بشكل زائف على حساب التضحية بجوهر أصيل.
إننا واثقون تماماً من أن هم النيابة العامة والمجلس النيابي والسلطات الأخرى بل هم كل مواطن أردني إن كان ممثلاً بالمجلس النيابي أو ممثلاً بالنيابة العامة باعتبارها تقوم بالنيابة عنه في الملاحقة والتتبع والذود عن حياضه، هو همّ واحد يتمثل في أن لا يفلت مجرم من العقاب وأن لا يدان برئ واحد.
حفظ الله مجتمعنا من كل شر وسوء ووفق الله على الدرب خطانا.