المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية .. أكثر من بُعد

29/11/2012

مركز الرأي للدراسات

اعداد : بلال حسن التل

تشرين الثاني 2012

منذ اليوم الأول لانطلاق «المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية» كانت الصورة واضحة في أذهان القائمين على المشروع بأنه مشروع متعدد الأبعاد لا يتوقف عند حدود الدفاع عن اللسان العربي والحفاظ عليه وحمايته من أي اعوجاج، رغم أن ذلك واجبٌ شرعيٌ وقومي، لكن المشروع يحمل أبعاداً أكثر من ذلك، أولها البُعد الوطني؛ فقد أجمع علماء السياسة والاجتماع على أن اللغة مكوّن رئيس من مكونات السيادة والاستقلال الوطني، وأن مكانة الأمة بين الأمم تقاس بمكانة لغتها، وهو ما أشار إليه أيضاً مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون عندما قال في مقدمته:» إن غلبة اللغة بغلبة أهلها وإن منزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم».. وهو ما أشار إليه أديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي عندما قال:» ما ذلّت لغة شعب إلا ذَلَّ، ولا أنحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار؛ ومن هنا يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضاً على الأمة ويركبها بها ويشعرهم عظمته فيها، ويستلحقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثة في عمل واحد: أما الأول فحبس لغتهم في لغته سجناً مؤبداً، وأما الثاني فالحكم على ما فيهم بالقتل محواً ونسياً، وأما الثالث فتقيد مستقبلهم في الأغلال يضعها، فأمرهم لأمره تبع»؛ بل لقد ذهب المفكرون إلى أن اللغة هي الصفة الثابتة للأمة، والتي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها.. وبسبب هذا الدور الذي تلعبه اللغة في تثبيت هوية الأمم والأوطان ينصرف المحتل إلى إبعاد الشعوب عن لغتها؛ رأينا ذلك في الجزائر وغيرها في القرن الماضي، ونلمسه الآن في فلسطين المحتلة، حيث يسعى العدو إلى تهويد معالم فلسطين وطمس لغتها العربية في الوقت الذي أحيا فيه اللغة العبرية بعد أن كانت لغة منسيّة. لذلك فإن الشعوب الحية ترفض المساومة على لغتها أو إضعاف هذه اللغة، فقد وافق اليابانيون على كل شروط الاستسلام في الحرب العالمية إلا الشرط المتعلق باللغة اليابانية. وطيلة حرب تحرير فيتنام ظل القائد هوشي منه يردد لشعبه قوله:» لا انتصار لنا على العدو إلا بالعودة إلى ثقافتنا القومية ولغتنا الأم».. من هنا فإن المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية يصب في خانة المحافظة على استقلالنا وسيادتنا الوطنية والقومية من خلال الحفاظ على لغتنا العربية باعتبارها واحداً من أهم مكونات هذه السيادة والاستقلال المستهدفَيْن.

وحدة الشعب والأمة

وفي إطار البعد الوطني للمشروع تبرز اللغة كواحدة من أهم مكونات وحدة الشعب والأمة، ذلك أن الشعب ليس مجموعة من الناس تعيش في بقعة واحدة فقط، بل هو وحدة الشعور والسلوك والإرادة والهدف.. وهي الوحدة التي لا تبنيها إلا اللغة التي تنقل المشاعر والأحاسيس وتجسد الإرادة وتُعبّر عن الأهداف، لذلك فإن اللغة هي أساس وحدة الشعب والأمة، خاصة الأمة العربية التي يسعى أعداؤها إلى إبعادها عن لغتها العربية واستبدالها بلهجات عامية هجينة لتقطيع أواصر وحدتها، لذلك فإن الدفاع عن اللغة العربية هو دفاع عن الوحدة الوطنية للشعب الواحد، ودفاعٌ عن الوحدة القومية في إطار الأمة كلها بكل أديانها، يتساوى في ذلك المسلم والمسيحي، وبكل مذاهبها ومدارسها الفكرية.

دولة القانون

ومثلما يهدف المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية إلى المحافظة على الاستقلال والسيادة الوطنية، فإنه يهدف أيضاً إلى الدفاع عن دولة القانون من خلال الانصياع للدستور الأردني الذي ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد.. وكذلك سائر القوانين النافذة التي تنص على احترام اللغة العربية. ومن المعلوم أن بناء دولة القانون هو هدف كل مواطن في بلدنا.

المشاركة

وإذا كان بناء دولة القانون مطلباً لكل مواطن، فإن من مزايا العصر الذي نعيش فيه أنه عصر المؤسسات المدنية والأهلية، ويأتي «المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية» ليؤكد هذا الدور.. ذلك أن المشروع ينفذ بإرادة وتعاون مؤسسات المجتمع المدني الأهلية في بلادنا، ولذلك فإنه يساهم في وضع بلادنا على خارطة العصر.

بُعد تعليمي

بُعد آخر هامٌ من الأبعاد التي يحملها المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية، هو البُعد التعليمي.. فقد دلت الدراسات والبحوث على أن من أهم أسباب تراجع استخدام اللغة العربية في بلادنا هو تراجع مستوى مناهجنا وكتبنا الدراسية، خاصة في مجال تعليم اللغة العربية، وتقليص الأوقات المخصصة لتعليمها في مدارسنا وجامعاتنا.. ولذلك فإن من أهداف المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية السعي لإصلاح الواقع التعليمي في بلادنا، ومن أجل ذلك تم تشكيل فريقٍ من خبراء التعليم لدراسة واقع المناهج والكتب الدراسية، وتقديم المقترحات المناسبة لإصلاح هذه المناهج والكتب؛ كما خاطب رؤساء الجامعات من أجل هذا الهدف. فالقائمون على المشروع يؤمنون بأن الإصلاح اللغوي هو المدخل لإصلاح التعليم في بلادنا.

تنمية

وامتداداً للبُعد التعليمي للمشروع يأتي البُعد التنموي، حيث دلت الدراسات والبحوث وتجارب الأمم على أن توطين العلوم والمعارف باللغة الأصلية للبلاد هو من أهم أسباب نهضتها العلمية والصناعية والاقتصادية.. خاصة وأن استيعاب الطلبة للمواد العلمية بلغتهم الأصلية يكون أضعاف استيعابهم باللغات الأجنبية.. لذلك فإن المشروع الوطني يهدف إلى توطين العلوم والمعارف باللغة العربية، ليكون ذلك أساساً متيناً لنهضة حقيقية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

بُعد تربوي

وارتباطاً بالبُعد التعليمي يأتي البُعد التربوي للمشروع.. فمن المعروف أن لكل لغة أخلاقها؛ فاللغة تحمل في مفرداتها دلالات أخلاقية تشكل بمجموعها منظومة أخلاقية كاملة، وهي أبرز ما تكون في اللغة العربية، لذلك كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يكتب لولاته قائلاً:» خذ الناس بالعربية فإنها تزيد بالعقل وتثبت المروءة»؛ وذهب الكثيرون من المفكرين إلى « أن من لا يتقن العربية لا يعاني من نقص في ثقافته فقط، إنما يعاني من نقص مهين في رجولته وأخلاقه»، لذلك قالوا:» ليس لعييّ ولا لمنقوص البيان بهاء ولو بلغ يافوخه عنان السماء»، وذهب باحثون إلى أن من أسباب حالة الانهيار الأخلاقي الذي تعيشه بلادنا ابتعاد الناس عن لغتنا العربية، لذلك فإن الدفاع عن اللغة العربية هو دفاع عن الأخلاق الحميدة للأمة.

بُعد اجتماعي

يأتي الدفاع عن أخلاق الأمة في إطار بُعد آخر للمشروع.. وهو البُعد الاجتماعي؛ ذلك أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، لكنها نظام اجتماعي متكامل يربط أبناءها باعتبارها أداة للتنشئة والتربية للفرد، ونمط شخصيته، وأسلوبه بالتفكير، كما أنها وسيلة لتنمية العادات الحميدة والسلوك الاجتماعي لأفراد المجتمع، وأنها من أهم مكونات الذوق العام للمجتمع، خاصة على صعيد بناء الذائقة الفنية للأعمال الإبداعية.. ويؤكد الكثيرون من المهتمين أن من أهم أسباب ما يعانيه مجتمعنا من تخلف اجتماعي، وغياب الذوق العام عن سلوك الكثير من أبناء المجتمع، ومن تراجع الذائقة الفنية في مجتمعنا، إنما يعود إلى الابتعاد عن اللغة العربية الفصيحة.. لذلك فإن الدفاع عن اللغة العربية هو دفاع عن نظامنا الاجتماعي، وسعي لبناء الذوق العام لمجتمعنا ولذائقته الفنية.

فكر وثقافة

كثيرة هي الأبعاد التي ينطوي عليها المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية؛ غير أن البُعد الفكري والثقافي يأتي في مقدمتها، ففكر الأمة وثقافتها هما عماد وجودها وتميزها واستقلالها؛ واللغة هي فكر الأمة وثقافتها ووسيلة التعبير عن هذا الفكر وهذه الثقافة، لذلك فإن المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية هو دفاع عن فكر الأمة وثقافتها الذي تمثل اللغة العربية عمودها الفقري، حيث تميزت هذه اللغة ببعد القداسة، ذلك أنه إذا كانت اللغات تشترك بالكثير من الصفات والأدوار، فإن اللغة العربية تتميز عن غيرها من اللغات بقدسيتها وبعالميتها، فهي ليست لغة عرق من الأعراق، لكنها لغة كل مسلم موحد مهما كان عرقه، ذلك أنه لا تجوز صلاة لمسلم أو تلبية أو قراءة للقرآن الكريم بغير اللغة العربية، لذلك فإن كل المسلمين مأمورون بتعلمها والدفاع عنها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:» تعلموا العربية وعلموها للناس» ولقول علماء الأمة وفقهائها: «إننا مأمورون ـ أمر إيجاب أو أمر استحباب – أن نحفظ القانون العربي ونصلح الألسنة المائلة عنه» وقولهم:» إن على الخاصة أن تقوم بكفاية العامة فيما يحتاجون إليه لدينهم وفي تعلم لسان العرب ولغتهم»، وهذا البُعد من أبعاد «المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية» يستوعب كل الأبعاد الأخر، ويجعل نجاحه ووصوله إلى أهدافه واجباً شرعياً ووطنياً وقومياً لكل فرد من أفراد الأمة.