اعداد : د. نوفان العجارمة
كانون اول 2012
لقد تناولت العديد من الاقلام مفهوم الحكومة النيابية او ما يسمى على الساحة السياسية الاردنية(بالحكومة البرلمانية)،الامر الذي دفع بالبعض الى طرح فكرة تعديل الدستور الاردني حتى يتوافق مع هذا المفهوم ؟
وافضل مقال تناول هذا الامر من الناحتين النظرية والعملية، مقال دولة الدكتور معروف البخيت والذي جمع ما بين الفكر السياسي و التحليل القانوني الذي يراعي الى حد كبير خصوصية الدولة الاردنية .
وعلى اي حال، نستطيع القول بان محتوى الدساتير التي اخذت بالنظام البرلماني متشابهة الى حد كبير، حيث اتفقت في الكليات، ولكنها اختلفت في الجزئيات، لان ظروف الدول ليست واحدة، فكل دولة صاغت دستورها وفقا للظروف التي تحكم مجتمعها، حتى يكون الدستور مرآة حقيقية للمجتمع.
ومن اهم المسائل التي اختلفت فيها هذه الدساتير، قضية الجمع ما بين النيابة والوزارة وعلى النحو التالي :
1. بعض الأنظمة البرلمانية اجازت موضوع الجمع ما بين النيابة والوزارة ومنها الدستور الاردني لسنة 1952 حيث تنصت المادة (52) على :(لرئيس الوزراء او للوزير الذي يكون عضواً في احد مجلسي الاعيان والنواب حق التصويت في مجلسه وحق الكلام في كلا المجلسين.... ) اي ان الامر جوازي وليس وجوبيا ، وهذا خاضع لمطلق تقدير جلالة الملك ، فبعض الحكومة ضمت بعض السادة النواب (ومنها اول حكومة في عهد الامارة حكومة المرحوم حسن ابو الهدى في عام 1929 مرورا بحكومة المرحوم سليمان النابلسي و انتهاء بحكومة دولة السيد عبد الكريم الكباريتي في عام 1996 ) و بعض الحكومة خلت في تشكيلها من السادة النواب (كما هو الحال في الحكومات الاردنية منذ عام 1998 وحتى تاريخه .
2. كما اجازت المادة (62) من الدستور المصري(الملكي) لسنة 1923( والذي يشكل المصدر التاريخي الثانوي لدستورنا) الجمع ما بين النيابية والوزارة حيث تنص تلك المادة على: للوزراء أن يحضروا أي المجلسين ويجب أن يسمعوا كلما طلبوا الكلام ولا يكون لهم رأى معدود في المداولات إلا إذا كانوا أعضاء....)).
3. دستور المملكة المغربية - وكما هو معدل في عام 2011- اوجب تعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر الانتخابات وترك امر اختيار الفريق الوزاري باقتراح من رئيس الحكومة وقد يكونوا نوابا او من خارج البرلمان ( الفصل 47 و 87) من الدستور المغربي ، وكذلك الامر بالنسبة لدستور المملكة الإسبانية لسنة 1978 ( المواد98 و99 ).
4. بعض الانظمة البرلمانية حظرت الجمع ما بين النيابية والوزارة كما هو الحال في مملكة هولندا، حيث تنص المادة (57) من الدستور الهولندي – وكما هي معدلة في عام 1999- بالقول ( لا يجوز لعضو احدى الغرفتين – اي البرلمان- ان يجمع بين عضويته ومنصب الوزير ....)) ومن الواضح ان الدستور الهولندي وهو من الدساتير التي اخذت بالنظام البرلماني منذ عام 1814 ، تبنى الاتجاه المعزز لمبدا الفصل ما بين السلطات، حتى تقوم الحكومة بواجبها وتحت رقابة حقيقية وفاعلة من قبل البرلمان .
5. بعض الانظمة البرلمانية حظرت الجمع ما بين النيابية والوزارة من خلال تجميد عضوية عضو البرلمان الذي يعين وزيرا ، ومن اهمها الدستور البلجيكي لعام 1830 و الذي يعد المصدر التاريخي( الرئيسي) للدستور الاردني حيث تنص المادة (50) منه – كما هي معدلة في عام 1993- على (( عند تعيين الملك لاحد اعضاء المجلسين – اي البرلمان- وزيرا يتوقف هذا الاخير عن تمثيل مقعده حال موافقته ، ويستعيد حقه بعد اقالته من قبل الملك من الوظيفة الوزارية ، ويحدد القانون كيفية تعيين بديل له في المجلس المعني)).
6. بعض الانظمة البرلمانية توجب الجمع ما بين النيابية الوزارة، كما هو في بريطانيا وهي الدولة الوحيدة في العام التي تأخذ بهذا الاتجاه ، من منطلق تعزيز دور المواطن في ادارة الدولة ، فاذا كان المواطن يثق بهذا الشخص كنائب له في البرلمان من اجل مراقبة الحكومة ، فسوف تعزز الثقة من باب اولى ، اذا اصبح هذا الشخص عضوا في هذه الحكومة .
7. إن الوضع في بريطانيا، لا يمكن أن يقاس عليه، ويجب أن لا يؤخذ حجةً أو نعتبره كتابا مقدسا لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه، فالجمع ما بين النيابة الوزارة في النظام الانجليزي ، لم يكن وليد مبدأ أو رأي مقرر سلفا، بل جاء ثمرة تطورات تاريخيه ومصادفات خاصة بالمجتمع الانجليزي وحده،(والذي يتكون من عدة عرقيات، وهذه الظروف و التطورات لم يمر بها الأردن ، فعندما يضطر المشرع إلى اقتباس أنظمة قانونية (أو تجارب) ثبت نجاحها في بيئية أجنبية نظرا لاستنادها على أسس علمية واضحة لابد له من مراعاة طبيعة البيئة الوطنية في صياغة التشريعات الوطنية ومنها الدستور، ان هذه السياسة المتمثلة بالنقل الحرفي للتجارب الأجنبية، محفوفة بالمخاطر، إذا تم تجاهل عناصر البيئة الوطنية، المادية والروحية، لذلك فإن المشرع مقيد بمراعاة هذه البيئة عند صياغة قواعد قانونية ذات مصدر مستمد من القانون الأجنبي.
ونلاحظ مما تقدم، ان موضوع الجمع ما بين الوزارة والنيابة ليست ركنا في النظام البرلماني، بل يخضع الامر لطبيعة المجتمع و النظام السياسي السائد فيه ، وحسب ظروف كل دولة ، وتصبح المناداة - لتعديل الدستور الاردني لغايات وجوب الجمع ما بين النيابة و الوزارة لتحقيق ما يسمى بالحكومة البرلمانية - لا اساس لها على الاطلاق، ولا تعتبر ركنا لوجود النظام البرلماني او تحقيق ما يسمى بالحكومة النيابية او البرلمانية .
وعليه ، نجد بان الحكومة النيابية (او البرلمانية) في ظل النظام الدستوري الاردني يمكن ان تأخذ صورة او اكثر من الصور التالية :
1. ان تحصل الحكومة على ثقة برلمان منتخب انتخابا حرا في ظل عمليه انتخابية حرة ونزيهة بحيث يكون البرلمان معبراً تعبيراً حقيقياً عن ارادة الشعب . وهذه الصورة الاولى .
2. ان تتم مشاورة الاحزاب و الكتل النيابية في شخص رئيس الحكومة قبل تعيينه من قبل جلالة الملك، على ان يقوم الرئيس المكلف في التشاور مع البرلمان ثانية في فريقه الوزاري والذي يتكون من خارج مجلس النواب. وهذه الصورة الثانية.
3. ان تتم مشاورة الاحزاب الفاعلة في البرلمان والكتل النيابية في شخص رئيس الحكومة قبل تعيينه، على ان يضم رئيس الحكومة في تشكليه حكومته عددا من اعضاء مجلس النواب وهذه الصورة الثالثة.
4. ان يقوم جلالة الملك بتكليف رئيس حزب الاكثرية البرلمانية في تشكيلة الحكومة، ويقوم الرئيس المكلف بالتشاور مع بقية الأحزاب و الكتل على تشكليه الحكومة وغالبا ما تكون هذه الحكومة في جلها من اعضاء مجلس النواب . وهذه الصورة الرابعة.
وأيا كان الامر، اعتقد ان الوصول الى الصورة الرابعة يتطلب عقدا من الزمان على الاقل ، نظرا لعدم تجذر الحياة الحزبية في الاردن لأسباب كثيرة ، تخرج عن اطار هذا المقال، وحتى نجسر الفجوة ما بين الواقع الدستوري الجميل ، والواقع العملي في الحياة السياسية الاردنية ، اعتقد ان الدولة الاردنية مطالبة بما يلي:
أولاً: مراجعة شاملة لقانون الاحزاب ، وكل ما يتعلق به من تشريعات ان لزم الامر، لان الحزب يعيش في بيئة، والبيئة يحكمها اكثر من تشريع ، والقانون هو وسيلة لتحقيق غاية .
ثانياً: تعزيز دور القائمة الحزبية في قانون الانتخاب، بحيث يحجز للقوائم الحزبية ثلث مقاعد البرلمان ، وما تبقى- نسبة الثلثين- يترك للانتخاب الفردي، شريطة ان لا تزاحم الاحزاب الافراد(المستقلين) على المقاعد الفردية، اي لا يجوز للأحزاب ان تترشح على النظام الفردي ، ولا يجوز للأفراد المستقلين(اي غير المنتمين للأحزاب) الترشح على نظام القوائم الحزبية، عندها نوفق ما بين المادتين (6) و(67) من الدستور، اي التوفيق بين مبدا المساواة - وما يتفرع عنه كمبدأ تكافؤ الفرص – وحق المشرع في تأليف مجلس النواب، لان تأليف الاحزاب في الدستور الاردني حق وليس واجب ، وحجز مقاعد للأحزاب تختلف عن مقاعد المستقلين، يؤدي الى ايجاد التنوع في التوجهات الفكرية والسياسية داخل مجلس النواب، ليصبح المجلس بتشكيله النهائي معبرا عن رؤى المجتمع، وممثلا له بمختلف اطيافه وتياراته وتوجهاته، ومستوعبا لها، لتضطلع بدورها الفاعل في اداء المجلس لوظيفته الدستورية .
ثالثاً: ان تطغى الصبغة السياسية والقانونية على تشكيلة مجلس الاعيان ، بحيث نتلافى اي نقص في خبرات مجلس النواب، عندها يصبح دور المجلسين تكاملياً لا تفاضلياً.
رابعاً: الابقاء على صلاحيات جلالة الملك الواردة في الدستور باعتبارها اولاً نقطة توازن ما بين السلطات وثانياً ان هذه الصلاحيات لا تتعارض مع النظام البرلماني، فالملك في النظام البرلماني، وفي الديمقراطيات المعاصرة يحكم، ولكنه غير مسؤول سياسيا عن تدخله في شؤون الحكم، والذي يسأل عن أعماله هي الوزارة، فالملك يحكم بواسطة وزرائه ، موضحين ما يلي :
1. إن مقولة ( الملك يسود ولا يحكم ) مقولة غير صحيحة ، وليس لها أي أساس دستوري أو قانوني، وهذه المقولة قالها السيد (تيير) في عام 1829 وهو سياسي فرنسي ، وكان يعبر عن وجهة نظره في النظام الملكي الفرنسي آنذاك.
2. إن القول بان الملك ( يسود )) قول غير صحيح أيضا من الناحية الدستورية، لان السيادة للأمة و ليس للملك، والأمة مصدر السلطات. ولا تجسد السلطة بيد الملك، فهو لا يملكها، ولكن يمارس اختصاصه باعتباره رئيسا للدولة، فالبرلمان مثلا يتولى اختصاص التشريع، ولكنه لا يملك تلك السلطة، فالسلطة ملك للأمة.
3. ليس صحيحا بان الملك في النظام البرلماني(( لا يحكم)) الملك يحكم، ولكن ليس منفردا بل يحكم (بواسطة وزرائه ) .
4. اذا كان الملك مسؤولا باعتباره رئيسا للدولة: فان المبدأ المطبق في علم الإدارة العامة هو اقتران السلطة بالمسؤولية ،فلا يجوز – قانونا- أن نلزمه بالمسؤولية ونجرده من السلطة ؟ فلابد من منحه السلطة حتى يتحمل المسؤولية .
5.إن الوضع في بريطانيا: و غيرها من الملكيات في أوروبا، لا يمكن أن يقاس عليه، ويجب أن لا يؤخذ حجة أو كلاما مسلما لا نقاش فيه، أن سلبية الملك في النظام الانجليزي ، لم تكن وليد مبدأ أو رأي مقرر سلفا، بل جاءت ثمرة تطورات تاريخيه ومصادفات خاصة بالمجتمع الانجليزي وحده، و الذي يتكون من عدة عرقيات وهذه أدت إلى إضعاف سلطة الملك في انجلترا، و هذه الظروف و التطورات لم يمر بها الاردن ( كما اسلفنا).
6. مما يؤيد ضرورة وجود دور أساسي و ايجابي للملك أو رئيس الدولة : التعديل الجوهري الذي اجري على الدستور الفرنسي في عام 1958، دستور الجمهورية الخامسة (شارل ديغول) حيث تخلص الدستور الجديد من النصوص التي كانت تعطي دورا سلبيا لرئيس الدولة ، وعمل الدستور على تقوية وتدعيم سلطات رئيس الدولة ، من اجل كفالة التوازن ما بين رئيس الدولة و الوزارة والبرلمان .
7. إذا كان رئيس الدولة (الملك) غير مسؤول سياسيا: فهو مسؤول أدبيا وأخلاقيا أمام ضميره ، وأمام الله ، لأنه اقسم عند توليه العرش أن يحافظ على الدستور ويخلص للأمة، وليس من المعقول أو المقبول أن نطالبه بالتوقيع بشكل آلي تلقائي على قرارات تخالف الدستور أو الضمير؟ فالملك يحتاج إلى البحث و التمحيص قبل توقيع قراراته، وهذا يستلزم بالضرورة وجود سلطة له، وما قام به جلالة الملك مؤخرا في عدم الموافقة على قرار مجلس الوزراء المتضمن الموافقة على اعلان بطلان القانون المؤقت المعدل لقانون التقاعد المدني، يؤيد وجهة النظر هذه .
8. إن الملك يحكم في النظام البرلماني بواسطة وزرائه، فهو يشترك معهم اشتراكا فعليا في الحكم وفي إدارة شؤون البلاد، وله الحق أن يعبر عن آراءه السياسية، وهذا يتطلب بالضرورة، وجود حكومة قادرة على تحمل مسؤولية تدخله في الشؤون العامة . فكل ما يصدر عن الملك من قول أو فعل يجب أن ينسب إلى الحكومة(فالملك لا يخطأ أو كما يقال بالانجليزية(( The King Can Do No Wrong)) وكل ما يصدر عن الملك من اعمال تعتبر من صنع الوزارة ، وهي مسؤولة عنها وحدها. وفي كل الأحوال، يجب أن تحتفظ هذه الحكومة بثقة البرلمان.