اعداد : د. عبدالحليم الوريكات
مركز الرأي للدراسات
تموز 2012
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على موجز واقع وانجازات البرنامج النووي الأردني والتحديات التي تواجهه والرؤيا المستقبلية لخيار الطاقة النووية في الأردن. لقد جاء البرنامج النووي الأردني استجابة لاستيراتيجية الطاقة الوطنية لعام (2007)، ولقد تضمنت الاستيراتيجية تطوير استغلال مصادر الطاقة المحلية وإدخال الطاقة النووية كبديل لتوليد الكهرباء وذلك لمواجهة التحديات الصعبة التي تواجه الأردن ممثلة بندرة مصادر الطاقة المحلية وزيادة الطلب عليها بالإضافة لشح المياه. لذا تم إنشاء هيئة الطاقة الذرية الأردنية عام (2008) للعمل على تنفيذ الإستراتيجية الوطنية من خلال إنجاز محاور البرنامج النووي الأردني والتي تشمل بناء القدرات والكوادر البشرية الأردنية واستغلال واستثمار خامات اليورانيوم الأردني وإنشاء محطة الطاقة النووية لتوليد الكهرباء.
واقع وانجازات
أما عن واقع وانجازات هذا البرنامج، فيتضمن محور بناء القدرات والكوادر البشرية الأردنية إنشاء برنامج البكالوريوس في الهندسة النووية في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية وبرامج الماجستير في الفيزياء النووية والفيزياء الطبية في الجامعة الأردنية وجامعة اليرموك وجامعة البلقاء التطبيقية، وقد تخرج عدة أفواج من هذه البرامج، بالإضافة لدعم المنح والبعثات والتدريب المتخصص للأردنيين، حيث تم ابتعاث أكثر من (50) طالباً أردنياً لنيل درجات الماجستير والدكتوراه في العلوم والهندسة النووية في فرنسا والصين وروسيا وكوريا الجنوبية واليابان من خلال الاتفاقيات النووية الثنائية الموقعة مع هذه الدول، كما تم استكمال تركيب المختبر البحثي (المنظومة النووية دون الحرجة) في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، بالإضافة لتنفيذ مشروع المفاعل النووي البحثي الأردني بقدرة (5) ميجاواط لأغراض البحث والتعليم والتدريب وإنتاج النظائر المشعة في الطب النووي، وقد بلغت نسبة الإنجاز في أعمال هذا المفاعل حتى الآن(32%) وسيتم تشغيله بإذن الله في عام (2015). كذلك ركزت الهيئة على تعزيز التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والهيئة العربية للطاقة الذرية.
أما في مجال استغلال واستثمار خامات اليورانيوم في الأردن، فقد تم من خلال الشركة الأردنية لمصادر الطاقة عقد اتفاقية مع شركة (أريفا) الفرنسية لاستغلال واستثمار اليورانيوم في مناطق وسط الأردن، عملت الشركة خلال السنوات الماضية على تقدير احتياطي اليورانيوم، وستقدم دراسة جدوى اقتصادية في نهاية هذا العام يتجاوز (20) ألف طن من معدن اليورانيوم، وتعتبر مخزونات اليورانيوم هذه مخزونات استراتيجية للأردن حيث ستعزز أمن التزود للوقود النووي في المستقبل. هذا مع العلم بأن جزءاً من أعمال الشركة يشمل تدريب وتشغيل الكوادر البشرية الأردنية من جيولوجيين ومهندسين وفنيين وتبلغ تكاليف كل هذه الأعمال حتى الآن أكثر من (30) مليون دولار تتحملها شركة أريفا كاملة.
وبخصوص مشروع المحطة النووية الأردنية، فلقد واصلت الهيئة إعداد الدراسات الفنية والمالية واللوجستية الخاصة بتكنولوجيا المفاعلات النووية من خلال لجان متخصصة من الوزارات والمؤسسات الأردنية المعنية وسيتم اختيار التقنية التي تناسب الاحتياجات والمتطلبات الأردنية بالاعتماد على دراسة الجدوى الاقتصادية والالتزام بالمعايير الدولية ومشاركة الرأي العام والتوافق الوطني. هذا مع العلم أن الاختيار النهائي للتقنية المناسبة سيتم عرضه على مجلس الوزراء والبرلمان الأردني لإقرارها.
أما عن التحديات التي تواجه البرنامج النووي الأردني، فبعد بدء البرنامج بحوالي عام ظهرت معركة خارجية لعرقلة هذا البرنامج، لأهداف يعرفها كل مواطن أردني فهناك دول لا تريد أن يستقل الأردن في قراره السياسي والاقتصادي. وقد نجح الأردن بإيقاف هذه الحملة الخارجية بدعم من أبناء الأردن المخلصين لثقتهم بهذا البرنامج وأهدافه. وللأسف وبعد فشل المعركة الخارجية ظهرت حملات وهجمات داخلية لمعارضة البرنامج بخطاب وإدعاءات تارة لحماية البيئة وتارة للتكاليف العالية للبرنامج وغير ذلك من التهويلات والمخاوف والمغالطات وتضليل الشعب الأردني. وأخيراً نجح المشرفون على هذه الحملات الداخلية بإدخال الشخصنة والمكائد بين أبناء الشعب الأردني الواحد، ولكن أبناء الأردن الصادقين كانوا على مستوى جيد من الوعي وبالمرصاد لهذه الفتن منذ بدايتها وتجندوا بالالتفاف على الهدف الوطني الأسمى لخدمة الأردن: «الأردن أولاً».
بين المؤيدين وذوي الاختصاص
وفي هذا المجال، فلقد كتبت عدة مقالات وتوجهت فيها للمعارضين ونشطاء البيئة الأردنيين بأن يتم عقد جلسات حوار بين المؤيدين وذوي الاختصاص في الطاقة النووية والمعارضين للطاقة النووية في الأردن، ولقد تم عقد ندوة في نقابة المهندسين الأردنيين في (5/4/2012) وضم اللقاء ستة مختصين في هيئة الطاقة الذرية الأردنية برئاستي، وستة مشاركين من المعارضين ونشطاء البيئة الأردنيين. وفي نهاية الندوة لخص خبير الربط الكهربائي الأردني نتائج هذه الندوة بصورة صادقة ومعبرة تضمنت ما يلي: «لقد نجح المختصون في هيئة الطاقة الذرية الأردنية بتقديم تقارير ودراسات علمية بحتة، وبالمقابل نجح معارضو البرنامج النووي بتقديم خطابات إعلامية رنانة بحتة». ولقد تم نشر هذه المحاضرات والنقاشات التي عرضت في هذه الندوة في عدد خاص من مجلة المهندس الأردني. هذا مع العلم بأن مشاركين في المؤتمر البيئي السادس «قضايا بيئية ساخنة» والذي نظمته نقابة الجيولوجيين الأردنيين والجامعة الألمانية الأردنية قالوا خلال مناقشات حامية شهدها المؤتمر: «أن المعلومات التي استند عليها رافضو مشروع المفاعل النووي الأردني هي (أخبار الجرايد) دون أن يكون لديهم معلومات علمية موثقة».
وإنني أشكر الدكتور باسم الطويسي على مقاله المنشور في صحيفة الغد الأردنية والمعنون: «هل تلعننا الأجيال القادمة؟»، حيث عرض بصراحة وأعطى صورة صادقة لكل ما يجري في الساحة الأردنية بما يلي:» أن ما تم تقديمه من مشهد للطاقة خلال الأسابيع الماضية يمثل صورة مفزعة، بعد أن شارفت كلف الطاقة السنوية على الخمسة مليارات دينار، والغموض الحقيقي والمحير الذي يلف طبيعة هذا الاصطفاف المناوئ لحق الأردن في امتلاك التكنولوجيا النووية، فالمعارضة لمشروع البرنامج النووي الأردني التي بدأت خارجية نقلت ثقلها إلى الداخل بشكل مخطط له وآخر غير مخطط له وتلقفها بعض الناشطين في الداخل بوعي وبدون وعي أيضاً..... وطبيعة الاصطفاف الغامض الذي تكوّن بسرعة على أصداء المعارضة الخارجية لهذا المشروع لحرمان الأردن من امتلاك التكنولوجيا النووية بالإدعاء أن المشروع يشوبه الغموض ويحتاج لدراسات بيئية وجدوى اقتصادية..... هذا مع العلم أن هذه هي طبيعة المشاريع النووية في العالم عبر التاريخ، إن كانت للأغراض السلمية أو العسكرية فلا يجوز أن تكون كافة تفاصيلها متاحة للجميع وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي يكتنفها الغموض في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية..... وينهي الدكتور الطويسي مقاله بالسؤال: «من حق المجتمع الأردني أن يعرف ما يجري خلف الأبواب المغلقة؟ وهل هي معركة مستقبل طاقة أم معركة أشخاص؟ المزيد من الوضوح حول التهديدات والمخاطر السياسية مقابل الفرص، فالمعركة الحقيقية وراء الحدود، وهي معركة سياسية أولاً وأخيرا، ستلعننا الأجيال القادمة إذا لم نخضها».
نشطاء البيئة
هذا مع العلم إنني أحترم حق نشطاء البيئة والمعارضين لبرنامج الطاقة النووية الأردني في التعبير عن آرائهم، ولكنني أدعوهم إلى إتباع أسلوب الحوار الهادف للمصلحة العامة من خلال النقاش الموضوعي والمصداقية والدقة العلمية وأتمنى أن تكون المعارضة على أسس علمية وتطرح البدائل الناجحة. وإنني مثل كل البيئيين آمل وأرحب باستغلال الطاقة الشمسية في جنوب الأردن وخاصة في منطقة معان حيث تسطع الشمس (330) يوماً في السنة أو أية مصادر طاقة محلية أخرى، وإنني أتساءل: هل من مصلحة أي أردني أن يدعم أي مصدر للطاقة المحلية ولا يدعم أي مصدر آخر بدون الاعتماد على أسس الاختيار المعتمدة محلياً ودولياً؟ كما أنني أتساءل: إذا كانت بعض الدول قد أوقفت مفاعلاتها مثل ألمانيا، فلماذا لم توقف الدول النووية الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا وبريطانيا مفاعلاتها؟ ولماذا تعمل الصين على بناء أسطول جديد من المفاعلات النووية.....؟ وهل نستطيع مقارنة الأردن بألمانيا؟ فالجميع يعلم أن الأردن بلد محدود الموارد ويقلقه تحدي أمن الطاقة وهو البلد الوحيد في العالم الذي يستورد أكثر من (96%) من احتياجاته من الطاقة بتكلفة تزيد عن (20%) من مجمل الناتج المحلي الوطني لقاء حصوله على الطاقة، فضلاً على أنه يصنف عالمياً كرابع دولة من الدول العشر الأكثر فقراً في المياه في العالم.
كما أتساءل: هل هناك ضرر من إنشاء مفاعل نووي في الأردن سيكون قادراً على توفير نحو (5) آلاف فرصة عمل خلال سنوات البناء وأكثر من ألف فرصة عمل خلال فترة التشغيل للمحطة النووية بالإضافة لتوفير طاقة كافية لتحلية المياه في وقت يعد فيه الأردن من أفقر دول العالم مائياً، بالإضافة لرفع مستوى المعيشة للمناطق المحيطة بالمفاعل ورفع الكفاءات وتزويد الأردن بالمهارات العلمية وإدخال المملكة إلى اقتصاد المعرفة؟ هل يضر المواطن الأردني أن يحصل على تكلفة إنتاج الكيلوواط.ساعة من الكهرباء المولدة من الطاقة النووية بحوالي (60) فلساً مقابل حوالي (100) فلساً من مصادر الوقود الأخرى؟ علماً بأن التكلفة الحالية لإنتاج الكيلوواط. ساعة من الكهرباء في الأردن تزيد عن (180) فلساً وتباع بحوالي (80) فلساً حسب مصادر وزارة الطاقة والثروة المعدنية.
وخلاصة المقال، فبعد الاطلاع على إنجازات البرنامج النووي الأردني والتحديات الصعبة التي تواجهه، نجد أن البرنامج النووي الأردني قد أصبح واقعاً وأحرز انجازات ملموسة لا بد من المحافظة عليها والاستمرار في استكمالها لوضع الأردن في مرتبة لمواكبة التقدم العلمي العالمي تليق به بين الدول وخاصة في الطاقة النووية واستخداماتها السلمية المختلفة، وأن هيئة الطاقة الذرية الأردنية ستواصل سعيها نحو تحقيق رؤيتها ورسالتها من خلال إنجاز محاور البرنامج النووي الأردني والالتزام بالشفافية ومشاركة جميع المؤسسات والفئات الوطنية المهتمة وذات العلاقة في العمل على تعزيز الثقافة النووية ونشر الوعي بين المختصين للمشاركة في اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية على المستوى الوطني. ويشكل التزام الأردن بالشفافية النهج الوحيد القابل للتطبيق والذي من شأنه ضمان القبول الدولي والمصداقية للبرنامج النووي الأردني بحيث سيكون أنموذجاً يحتذى به في المنطقة في الاستخدام الآمن للطاقة النووية، وسيتم الالتزام بكل متطلبات معايير السلامة العامة والأمن والأمان النووي وحماية البيئة. وسيكون للبرنامج النووي الأردني أهمية إستراتيجية ستترك أثرها على كل أردني من خلال توفيره مصدر طاقة اقتصادي ومستقر وصديق للبيئة ولا يتأثر بالتقلبات السياسية العالمية ويلبي احتياجات وخطط التنمية الوطنية الشاملة بالإضافة لدعم جهود البحث والتطوير الوطنية ووضع الأردن في مرتبة متقدمة تليق به بين دول المنطقة والعالم.