اعداد : الدكتور نفيس المدانات
مركز الراي للدراسات
2/2/2012
يتضمن الدستور الأردني الصادر عام (1952) وكذلك التعديل الدستوري الجديد لعام (2011) عبارة ( قانون مؤقت له قوة القانون ) .
هل هذه الصيغة سليمة من الناحية القانونية والمنطقية ؟
أولاً : قانون مؤقت .
هل من المنطق السليم والقانوني أن يكون هناك عمل حقوقي استكمل مراحله الدستورية والإصدار من جانب الملك ويسمى ( قانوناً ) ، وعمل حقوقي لم يصوت عليه البرلمان وبالإمكان تسميته ( قانون ) ؟
1) إن كلمة ( قانون ) لا تطلق في بلاد الديمقراطية البرلمانية كبلادنا إلا على عمل السلطة التشريعية. وما دام أنه قانون ، فلماذا يجب عرضه على مجلس الأمة ؟ لكي يصبح دستورياً ؟
2) وهل فعلاً أن ( القانون المؤقت ) هو مؤقت ؟
إن كلمة ( مؤقت ) تعني الأجل القصير ، وعندها نتساءل عن الفترة التي تمضي بين صدور القانون المؤقت وعرضه على مجلس الأمة . مثال ذلك قانون الاتصال البرلماني الصادر عام 1995 جرى تعديله بقانون مؤقت عام (2003) ولم يصادق عليه البرلمان إلا عام (2010) ، فهل هذا أجل قصير ، وهل القانون المؤقت هـــو ( مؤقت ) فعلاً . مثال أخر، قانون الإحصاءات العامة المؤقت رقم 8 لسنة 2003 عرض على البرلمان فقط بتاريخ 17/1/2012م، فهل هو قانون مؤقت ؟
ونتساءل أيضاً هل بالإمكان التحدث عن زمن لقانون قبل إلغائه ؟
إن المقصود بالتأكيد هو الفترة بين صدور القانون المؤقت وعرضه على البرلمان، لكن في الفترة ما بين عامي (2001 – 2003 ) صدر العديد من القوانين المؤقتة، فكم من الوقت يحتاج البرلمان للنظر فيها ؟ وعندها لا يمكن القول بأن هذه القوانين هي مؤقتة.
إن طالعنا الدستور نجد أن هذه القوانين المؤقتة تصدر في حالة الضرورة ، كما أن البرلمان يراقب هذا العنصر ، وكذلك محكمة العدل العليا كانت قد راقبت هذا العنصر أيضاً . أليس من الأفضل أن نسميها قوانين الضرورة بدلاً من المؤقتة، خصوصاً أنه كما رأينا أن كلمة ( مؤقتة ) لا تتوافق مع الواقع ؟
ثانياً : له قوة القانون :
هل هناك قوانين لها قوة القانون، وقوانين ليست لها قوة القانون ؟
إن جميع القوانين تصدر لها قوة القانون دون ذكر ذلك.فما هو المقصود بذلك ؟
هل المقصود قوة النفاذ ؟ إن هذه القوة يحصل عليها العمل الحقوقي بالإصدار.
وهل المقصود بذلك قوة التنفيذ ؟ إن هذه القوة يحصل عليها العمل الحقوقي بعد أخذ العلم به سواء بالنشر أو التبليغ. كما أن تنفيذ القوانين حسب المادة (31) من الدستور يتضمن القسر والإكراه عند المقاومة من الأفراد .
إذن ما هو المقصود بقوة القانون ؟ بأن هناك عملاًَ حقوقياً ليس بقانون أصلاً وأعطي هذه القوة. فلو قيل عنه لائحة أو نظام لها أو له قوة القانون لكنا قد استوعبنا ذلك.
إذن القانون المؤقت ليس بقانون فهو أدنى من القانون البرلماني .
فما هو المقصود إذن ؟
هل المقصود رفع مستوى السلطة الإدارية لمستوى السلطة التشريعية ؟
إن السلطة التشريعية تمثل الأمة وتعبر عن إرادتها وتعين بالانتخاب الحُّر بينما السلطة الإدارية عليها أن تحصل على ثقة البرلمان، ويجب أن يكون عملها منسجماً مع عمل البرلمان أي خاضعاً له. فالتسلسل بين القواعد الحقوقية هو تسلسل شكلي ناتج عن خضوع الأجهزة لبعضها.
وهل المقصود إعفاء القانون المؤقت من الرقابة القضائية ؟
قبل التعديل الدستوري الجديد كان لمحكمة العدل العليا بموجب القانـــــون رقم 12 لسنة 1992 أن تأمر بوقف العمل بأحكام قانون مؤقت مخالف للدستور . لكن مشروع قانون القضاء الإداري لعام 2011 لم يأت على ذكر القانون المؤقت ، كما أن التعديل الدستوري الجديد لم يذكر القانون المؤقت من ضمن اختصاصات المحكمة الدستورية الجديدة ، ولم يبق إلا الانتظار حتى يصادق البرلمان عليه ، فإذا كان مخالفاً للدستور تم الطعن بدستوريته أمامها .
لكن الرقابة البرلمانية ليست رقابة قضائية، فهي رقابة سياسية ورقابة خضوع، وبذلك نجد أن القانون المؤقت قد أعفي من كل رقابة قضائية، مع أنه عمل السلطة الإدارية، ويمكن أن يعتدي على الحقوق والحريات.ولهذا من الأفضل إلغاء وجود القانون المؤقت من الدستور والاستعاضة عنه بنظرية الظروف الاستثنائية .
فما هو القصد من وجوده في دستورنا ؟
إن القصد من وجود القانون المؤقت هو مساعــدة السلطـة الإداريــة وهي (السلطة التنفيذية عندما تستخدم امتيازات القانون العام ) على انجاز مهامها في غياب البرلمان عندما يكون العمل الحقوقي الذي تسعى السلطة الإدارية لانجازه هو من اختصاص المشرع، فأعطى المشرع الدستوري وصف القانون وقوة القانون لهذا العمل الحقوقي الصادر عن سلطة لا تمثل الأمة ، في حين أنه عبارة عن لائحة لا ترقى إلى مستوى القانون كي يجنبها الطعن بها أمام محكمة العدل العليا بدعوى تجاوز السلطة .
فما هو الحل الأسلم إذن ؟ أليس هناك أسلوب أخر ؟
نعم هناك أسلوب أخر، وهو أولاً إلغاء القانون المؤقت في دستورنا والاستعاضة عنه بنظرية الظروف الاستثنائية، وبذلك نتجنب التعرض للانتقاد.وسنعرض لهذه النظرية.
يجب أن ننبه إلى أن هذه النظرية ( نظرية الظروف الاستثنائية ) لا تحتاج إلى النص عليها في الدستور، وكانت الحكومة الأردنية قد طبقتها ، مثال ذلك إيقاف العمل بأحكام المادة (10) فقرة (3) من قانون تشكيل المحاكم النظامية. ان محكمة العدل العليا قررت وهي على حق (إن المادة 20 من تعليمات الإدارة العرفية لسنة 1967..) توقيف العمل بالقوانين المتعارضة مع التعليمات إنما تهدف في إقامة الحكم العرفي إلى تمكين السلطة القائمة على إجراء هذا الحكم من المحافظة على الأمن والنظام العام....... )(1)، هذا ما تم بناء على النصوص، لكن النظرية الاجتهادية تذهب أبعد من ذلك.
نظرية الظروف الاستثنائية الاجتهادية ((2))
إن نظرية الظروف الاستثنائية عبارة عن تركيب قانوني أنشأه اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي، والذي بموجبه تصبح بعض القرارات الإدارية التي تكون في الظروف العادية غير مشروعة ، مشروعة ، في بعض الظروف لأنها تبدو عندئذٍ ضرورية لضمان النظام العام وسير المرافق العامة ، إذ يحل محل مضمون المشروعية العادية في مثل هذه الظروف مشروعية استثنائية تستفيد منها السلطة الإدارية بتوسيع صلاحياتها توسعاً غير منصوص عليه في القانون.
مصادر النظرية
إن نظرية الظروف الاستثنائية هي نظرية اجتهادية وقد طبقتها المحاكم المدنية. بدون شك هناك نصوص تشريعية ترى توسيع صلاحيات السلطات الإدارية في عهود الأزمات وخصوصاً الحـرب ( المواد 124 ، 125 من الدستور ) ، لكن السلطات الاستثنائية التي مصدرها النظرية الاجتهادية تتميز عن السلطات الاستثنائية التي مصدرها هذه النصوص أولاً : بأنها تضاف لها وتسمح بالتالي للإدارة بأن تذهب أبعد أيضاً من التوسع في الصلاحية الذي تمنحه هذه النصوص التشريعية أو الدستورية ، ومن جهة : ثانية : وفيما يتعلق بما هو ليس مذكور في هذه النصوص فإنه يشكل نظرية قانونية رائعة ، لأنها تسمح للقاضي نفسه أن يُعّدل في مضمون المشروعية التي تتجاوز أو تخالف النصوص .
إن نموذج الظروف الاستثنائية هو ظروف الحرب ، إلا أن حالة الحرب ليست إلا مثالاً شهيراً على مفهوم الظروف الاستثنائية وسلطات الحرب ليست إلا مجالاً لمفهوم السلطات الاستثنائية ، إذ أنه منذ الأصل قام الاجتهاد وطبق النظرية أولاً على فترات الأزمات التي تعتبر لاحقه للحرب (3) ، ثم في أوقات السلم في الفترات الحرجة (4) ، مثل التهديد بإضراب عام ، وأخيراً فيما عدا عهود الأزمات العامة ، لقد طبقت هذه النظرية في الحالة التي يتبدى فيها من الظروف بأن تطبيق الشرعية العادية يتضمن تهديداً خطيراً بالإضطراب وفي هذه الحالة الأخيرة التي أشهر مثال عليها هو رفض الإدارة تنفيذ الأحكام القضائية ، وعليه نلاحظ أن مفهوم الظروف الاستثنائية لم يعد يتوافق مع الظروف العامة في لحظة ما ، لكن مع الظروف الخاصة في حالة معينة ، وأخيراً فانه في داخل فترة الحرب نفسها فان مفهوم الظروف الاستثنائية يلعب دوراً مرناً ، ويمكن أن يبرر في لحظة ما أو في حالة ما توسيعاً للصلاحية يمكن أن يكون غير مشروع في لحظات أو حالات أخرى (5) .
ما هو الأساس القانوني لمفهوم الظروف الاستثنائية ؟
إن نظرية الظروف الاستثنائية الاجتهادية ليست تطبيق بسيط للفكرة العامة لحالة الضرورة ، لكنها تجد أساسها في الالتزامات العامة للسلطة الإدارية ، إذ أن هذه السلطات في الحقيقة عليها التزام أولي هو ضمان النظام العام وتسيير المرافق العامة ، وعندما يصبح هذا الالتزام معرضاً للتعطيل عن تطبيق الشرعية العادية فإن السلطات الإدارية تعلق تطبيقها .
إلى أي مدى تتوسع صلاحيات السلطات الإدارية في حالة الظروف الاستثنائية ؟
من المستحيل تحديد مدى توسع صلاحيات السلطات الإدارية في حالة الظروف الاستثنائية إن المبدأ الرئيسي في هذا المجال هو (( تصبح مشروعة الوسائل التي لا غنى عنها من أجل السير الحسن للمرافق العامة )).
ومن الأمثلة على ذلك، الوسائل التالية التي أقر مشروعيتها الاجتهاد:
وسائل في العادة غير مشروعة بسبب عدم الصلاحية، مثال ذلك وسليه من صلاحية المشرع تم إصدارها بتعليمات وزارية.
وسائل هي في العادة غير مشروعة بسبب عيب في الشكل، كف يد رئيس بلدية بدون ملاحظة الأشكال القانونية.
وسائل هدفها في العادة غير مشروع لأنها مخالفه مباشرة للقوانين والأنظمة ، مثال ذلك قرار ضابط إدارية بتقييد الحرية خارج حدود الصلاحية التي يمكن للضابط الإدارية عادة ممارستها ( حجز ، إبعاد ، منع ) ، وكذلك فرض ضريبة بلدية من قبل رئيس بلدية أثناء الغزو الألماني عام 1940 ، من أجل مواجهة الاحتياجات النقدية غير الاعتيادية المتولدة من الحوادث ، أو تعليق تطبيق القوانين ، أو رفض تنفيذ الأحكام القضائية بسبب خطر الإضطراب الذي يمكن أن يجلبه هذا التنفيذ .
كما قد استخدم الاجتهاد مفهوم الظروف الاستثنائية استخداماً يختلف عما سبق تحليله ، ففي بعض الحالات أقر بوجود الظروف الاستثنائية ، دون أن يصل إلى درجة التبرير الكامل للوسيلة غير المشروعة المتخذة من قبل الضابط الإدارية ، إلا أنه قد خفف من درجة عدم المشروعية فيها ، فوصفها بأنها عدم مشروعية بسيطة في حين أنها تشكل في العادة اعتداءً مادياً . ( voie de fait ) .
ويجب ملاحظة أن السلطات الاستثنائية محاطة بالحدود ولها ما يوازنها :
أولاً : فهي محددة بالفترة الاستثنائية نفسها .
ثانياً: أنها تبقى خاضعة لرقابة القاضي الإداري، فهي ليست نقصاً في المشروعية بل تصحيح لها. ولهذا فإن حكم المشروعية لا يتم استبعاده أو تعليقه ولكن يتوسع مجاله من قبل القاضي وتحت إشرافه.
ثالثاً: إن للأفراد الذين اتخذت القرارات الإدارية بحقهم تحت اسم الظروف الاستثنائية الحق بإقامة دعوى تجاوز السلطة في مواجهة هذه القرارات.
رابعاً : أن استخدام (( السلطات الاستثنائية )) يمكن أن يجر بالنسبة للإدارة عندما تسبب أذىً للخاصه ، الالتزام بالتعويض .
وأخيراً لو كان هناك أصراراً للإبقاء على شيء في الدستور ، فالأفضل النص على ( لوائح ضرورة ) فهي تبقى خاصه لرقابة القضاء الإداري ، بدون عرضها على مجلس الأمة ، وتُلغى عند زوال حالة الضرورة .
1- أنظر قرار محكمة العدل العليا الأردنية رقم 44/67 عدد 6 سنة 15 ص 749
De .A.de laubadere , «traite de droit administratif» , t.1.p.292et sui
2- انظروا قرار محكمة النقض الفرنسية المسمى ( ville de lilledonne ) الصادر بتاريخ 29/11/1950.
3- انظر قرار مجلس الدولة الفرنسي المسمى ( Chamber syndicale ) الصادر بتاريخ 17/6/1924.
4- انظر قرار مجلس الدولة الفرنسي المسمى (Cotte) الصادر بتاريخ 31/10/1924.
5- انظر قرار مجلس الدولة الفرنسي المسمى ( Guy ) الصادر بتاريخ 8/3/1944 .