الساعة

الفتاة الأردنية .. أولاً في التحصيل العلمي

اعداد : فرحان عليمات

مركز الرأي للدراسات

نيسان 2012

برزت في السنوات الأخيرة في الأردن، ظاهرة تفوق الطالبات على الطلاب في التحصيل العلمي، سواء كان ذلك في التعليم العام أو التعليم العالي، وهذه الظاهرة أثارت الدهشة والإعجاب والحيرة من المراقبين والمهتمين والأهل على حدّ سواء، لما تركته من تداعيات كثيرة على الطالبات أنفسهن والمجتمع؛ حيث أثبتن أنهن أهلاً لتحمل المسؤولية، واستطعن أن يغيّرن الكثير من المفاهيم والأفكار الخاطئة عن قدراتهن، وأنهن ليس أقل رجاحة في العقل والعلم عن أشقائهن من الذكور.

أمام هذه الظاهرة التي أكدتها نتائج الطلبة في الثانوية العامة للدورة الصيفية للعام الدراسي (2011) فقد تبيّن أن نتائج العشرة الأوائل في الفرع العلمي، الأدبي والإدارة المعلوماتية كانت على التوالي لصالح الطالبات (5/10) (9/10) (9/10).

وإذ نقف إعجابًا لما حققته الفتاة الأردنية من تميز وتفوق في تحصيلها الأكاديمي إلا أنه يتوجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن هناك أعمالاً ذات علاقة في تنمية المجتمع لا تستطيع الفتاة القيام بها؛ نظرًا لطبيعتها البيولوجية وإذ ما نظرنا بعين الإعجاب والتقدير لما حققت الفتاة الأردنية من تميز. فإننا ننظر بالعين الأخرى بمزيدٍ من التشاؤم والأسف لتراجع الطلاب في تحصيلهم العلمي.

لقد كان عدد المقبولين عندما انشئت الجامعة الأردنية عام (1962) مائة وواحدًا وثلاثين طالبًا، وطالبة واحدة، هي الكاتبة زليخة أبو ريشة، وقد شكل التحاقها في الجامعة آنذاك نوعًا من الحرج والعيب، لقصور في نظرتنا لدور المرأة وحقوقها، واقتصاره على أن تكون المرأة زوجة وربة بيت فقط.

ومع تطور التعليم وإنشاء العديد من المدارس في مختلف مناطق المملكة وخاصة في القرى النائية، وتشريع القوانين التي تفرض إلزامية التعليم لكلا الجنسين، وكذلك ازدياد عدد الجامعات، وتغيّر في الصورة النمطية للمرأة في المجتمع الأردني، وما صاحب ذلك من تغييرات طالت بنية المجتمع الأردني في مختلف نواحي الحياة، كل ذلك دفع الأهل لتغيير نظرتهم تجاه بناتهم وتحفيزهن للالتحاق بالمدارس والجامعات والقضاء على أمية الإناث التي كانت من الهواجس التي تؤرق الدولة الأردنية.

إن ازدياد أعداد الإناث الملتحقات في الجامعات الأردنية، وتراجع أعداد الذكور جراء التحصيل العلمي، يدفعنا للوقوف عند هذه الظاهرة لما لها من آثار على المجتمع الأردني الذي يتميز بأنه مجتمع شاب؛ حيث يُشكل الشباب أكثر من ثلثي سكانه. لقد ذكر الأستاذ الدكتور خالد الكركي رئيس الجامعة الأردنية السابق إبان توليه رئاسة الجامعة الأردنية عام 2008 أن نسبة الطالبات اللواتي قبلن في الجامعة الأردنية على مستوى القبول الموحد الصادر عن وزارة التعليم العالي بلغت (80 %) من عدد المقبولين في الجامعة للعام الجامعي (2008/2009).

ورأى الأستاذ الدكتور عصام الموسى أستاذ الإعلام في جامعة اليرموك، أن التطورات العديدة والمتسارعة في عالم الاتصال كان لها أثرً كبيرً في تغيير نظرة المجتمع تجاه الأنثى وأن وسائل الإعلام حفزّت الأنثى على الاندفاع وراء التعليم والإبداع، ونبهت إلى انها تمتلك من الصفات والسمات ما يجعلها تتبوأ المكانة التي تستحق، وأن تلك الوسائل مكنتها من الأدوات التي تستطيع أن تدافع من خلالها عن كيانها ووجودها وحقوقها.

من جانب آخر، بيّن د. هاني ارتيمة، أستاذ الموارد البشرية في جامعة العلوم الإسلامية أن برامج تنمية الموارد البشرية تكون موجهة لكلا الجنسين، وإذا ما حدث تغليب أحد الجنسين على الآخر في تلك البرامج فإن ذلك يؤدي إلى حالة من عدم التوازن، خاصة أن برامج تنمية الموارد البشرية تكون موجهة باتجاهين أولهما: الأداء، وثانيهما: المسار الوظيفي وهنا سيكون اختلال في هذه البرامج، خاصة وأن المسارات الوظيفية للذكور فيها ميول لإبراز المهارات القيادية وتحمل المسؤولية على المدى البعيد إذا ما علمنا أن سن التقاعد للنساء يختلف عن سن التقاعد للرجال مؤكدًا أن بعض الوظائف بحاجة إلى قدرات بدنية وعضلية وتحتاج إلى ساعات عمل طويلة وشاقة، مبينًا أن الدراسات أظهرت أن الغياب والتعطل عن العمل عند الإناث أكثر من الذكور.

ورأى أستاذ علم الاجتماع د. حمود عليمات / نائب رئيس الجامعة الهاشمية أن نظرة المجتمع تجاه الفتاة تغيّرت وأصبحت أكثر إيجابية، وأن الفتاة بطبيعتها أكثر انضباطًا والتزامًا وتنظيمًا وأنها تسعى جادة لزيادة فرصها في الحياة كالعمل والزواج وإثبات الذات.

وذهبت أستاذة التربية د. أدب السعود / عميدة شؤون الطلبة في الجامعة الإسلامية إلى أن بعض الدراسات تشير إلى أنه لا توجد فروق على مستوى الذكاء بين الإناث والذكور لكن الفروق التي تظهر تعزى لأسباب عديدة اقتصادية واجتماعية وثقافية، وبينت أن دراسات أخرى أشارت إلى أن الذكور أكثر ذكاء من الإناث، ولكن الإناث أكثر مثابرة ويقضين ساعات أكثر في الدراسة من الذكور.

وأوضحت د. السعود أن من أهم أسباب زيادة تحصيل الإناث العلمي أن حق التعليم أصبح متاحًا للجميع سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، وأن نظرة المجتمع تغيرت بعد أن كانت تعطي الأولية للذكور وأن هناك الكثير من العوامل الاقتصادية والاجتماعية غيّرت في قناعات الفتيات تجاه ضرورة زيادة التحصيل العلمي لكي يحصلن على المكانة الاجتماعية من خلال التعليم وأن دخول المرأة لسوق العمل مرتبط بشروط معينة وتحصيل علمي معين وبمستوى معين، وهذا ما يجعل الفتاة تبذل جهدًا أكثر في التحصيل العلمي حيث أن خياراتهن محدودة وأقل من خيارات الذكور، ناهيك عن حرص الفتيات على التعليم داخل الوطن، وخلافًا للذكور الذين يستطيعون التعلم خارج الوطن.

وفي لقاء أُجرِيَ مع بعض الطلاب والطالبات في بعض الجامعات، عزوا بروز هذه الظاهرة إلى طبيعة الحياة التي تعيشها الفتاة في مجتمعنا؛ حيث أنها تمضي وقتًا طويلاً في البيت، وهذا الفراغ يدفعها لملئه بالدراسة، وما يتاح للشاب في بلدنا من الخروج والسهر إلى وقت متأخر لا يُتاح للفتيات، بالإضافة إلى أن خيارات الفتاة وفرصها في العمل محدودة جدًا ولا سبيل أمامها لبناء مستقبلها، إلا التعليم، وأرجع البعض هذه الظاهرة إلى فكر الشباب وبحثهم عن الوصول إلى المال بسرعة أكثر، وأشار البعض الآخر إلى أن الأهل يمارسون سلطاتهم بالضغط على الطالبات في الدراسة أكثر من الشباب.

إن تميز الطالبات وتفوقهن في تحصيلهن الأكاديمي، يجعلنا ننظر إليهن بمزيد من الإعجاب والتقدير، إلا أن ذلك يجعلنا لا نغض الطرف عن ظاهرة تراجع تحصيل الذكور، ويجعلنا ندق ناقوس الخطر حتى لا نجد أنفسنا في مجتمع تطغى عليه الشهادات الأنثوية وبالتالي يمكن توجيه التعليم الأنثوي وحتى الذكوري إلى مناح ٍ معينة.

ومن هنا فإن هذه دعوة إلى صناع القرار والمهتمين بتنمية الموارد البشرية للوقوف على شكل هذه المعادلة، حيث يتوجب علينا أن نملك مجتمعًا شابًا متساويًا من كلا الجنسين، حتى نستطيع أن نحقق التنمية الشاملة في كل المجالات.