اعداد : د.المهندس فخرالدين الداغستاني
مركز الرأي للدراسات
تموز 2012
بدأ إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية لأول مره في الولايات المتحدة عام 1951 وتلى ذلك بناء محطه نووية في روسيا عام 1954 ثم في الولايات المتحدة عام 1956. وازداد عدد المحطات تدريجياً بعد ذلك حتى وصل إلى 433 محطة تعمل الآن (حزيران 2012) في 30 دوله مختلفة. ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 985 محطة نووية في 48 دوله بحلول عام 2030.
تطوير نوعي
وقد صاحب ازدياد عدد المحطات النووية تطوير نوعي لهذه التكنولوجيا وباستمرار خلال ثلاث مراحل (أجيال) متتالية هي: (1) مرحلة الجيل الأول التي تميزت ببناء محطات صغيرة ومتوسطة من حيث القدرة الإنتاجية وشملت المحطات التي تم بنائها من أوائل الخمسينات وحتى أواخر السبعينات من القرن الماضي، (2) مرحلة الجيل الثاني الذي استخدم في بناء المحطات من أوائل الثمانينات من القرن الماضي وحتى العقد الأول من هذا القرن، (3) ويغطي الجيل الثالث المحطات التي هي في مرحلة البناء أو التصميم أو التخطيط، أي بعد عام 2010. ومن المتوقع إستخدام هذا الجيل حتى عام 2040 حيث يبدأ العمل حينئذٍ في الجيل الرابع.
ورافق هذا التطور التكنولوجي خلال مراحله إدخال تحسينات كبيرة في مجال السلامة والأمان وازدياد الحجم الإنتاجي لكل محطة نووية وانخفاض كلفة إنتاج الكيلو واط ساعة وازدياد عمر التشغيل الإفتراضي لكل محطة من حوالي 40 سنة للجيل الأول والثاني إلى 60 سنة للجيل الثالث إضافة إلى ارتفاع كبير في الكلفة الرأسمالية.
وفي الآونة الأخيرة توجهت العديد من الدول الصناعية والنامية إلى الاتجاه نحو استخدام المفاعلات النووية لإنتاج الكهرباء لتلبية الطلب المتزايد الذي نتج عن زيادة أعداد السكان ومتطلبات التنمية الإقتصادية والإجتماعية المستمرة. وكان هذا الإقبال ناتجا عن الارتفاع المتزايد في أسعار البترول ومشتقاته وانخفاض كلفة الوقود النووي المخصب بالنسبة لكلفة التشغيل وازدياد نسبة الانحباس الحراري العالمي إضافة إلى المزايا الإيجابية الأخرى التي يوفرها الجيل الثالث من المفاعلات النووية.
علماً بأن المحطة النووية الواحدة بقدرة 1000 ميجاواط (م.و) تستهلك حوالي 20 طنا من الوقود النووي المخصب لتشغيلها لمدة سنه واحدة. وتعادل هذه الكمية 3.4 مليون طن من الفحم الحجري أو 13 مليون برميل من النفط أو 2 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي وهذه كميات هائلة إذا ما قورنت مع كميات الوقود النووي اللازمة للتشغيل. كما أن كلفة الوقود النووي تشكل حوالي 5% من كلفة التشغيل. وترتفع هذه النسبة إلى عدة أضعاف لمصادر الطاقة الأخرى مثل النفط والغاز مما يؤدي إلى إرتفاع كبير في كلفة التشغيل عند ارتفاع أسعار هذه المصادر.
تقوم الرابطة النووية الدولية (World Nuclear Association) بنشر معلومات بشكل دوري حول محطات الطاقة النووية في العالم العاملة منها في الوقت الحاضر والمتوقع بنائها وتشغيلها حتى عام 2030. والأرقام الواردة هنا عن عامي 2007 و 2012 مأخوذة من هذا المصدر.
ويمكن تصنيف المعلومات الواردة في هذا المصدر ضمن أربع مجموعات. تضم المجموعة الأولى المحطات النووية التي تعمل في الوقت الحاضر. وتضم المجموعة الثانية المحطات النووية التي هي قيد البناء حالياً والمتوقع أن تكون عاملة خلال (4-5) سنوات. وتأتي ضمن المجموعة الثالثة المحطات التي تم التخطيط لها والتي تمر بمراحل إختيار الموقع أو الترخيص أو التصميم أو التمويل والتي من المتوقع أن تكون عاملة بعد فترة 8-10 سنوات. وأما المجموعة الرابعة فتضم المحطات المقترح بنائها والتي تمر بالمراحل الأولى لبنائها والمتوقع أن تكون عاملة بحلول عام 2030.
بلغ عدد المحطات النووية العاملة الآن (حزيران 2012) 433 محطة بقدرة إنتاجية كلية قدرها 371 ألف (م.و) والتي تقوم بإنتاج ما نسبته 16% من مجمل إنتاج الكهرباء في العالم. وتتوزع هذه المحطات في 30 دوله مختلفة. وتتركز معظم هذه المحطات في الولايات المتحدة الأمريكية (104 محطة) وفرنسا (58) واليابان (50) وروسيا (33) وكوريا الجنوبية (23) والهند (20) وكندا (17) وبريطانيا (16) والصين (15) وألمانيا (9). وتم تصميم وبناء جميع المحطات ضمن هذه المجموعة حسب تكنولوجيا الجيل الأول (الأقل أماناً) والجيل الثاني (الأكثر أماناً) للمفاعلات النووية. والجدير بالذكر أن عددا كبيرا من هذه المحطات صغيرة الحجم، أي بطاقة إنتاجية 700 (م.و) أو أقل حيث أن قدرة معظم المحطات الجديدة والمستقبلية هي 1000 (م.و) وأكثر.
هنالك دولتان فقط من بين الدول الإسلامية والعربية لديها مفاعلات نووية تعمل الآن وهي إيران التي بدأت بتشغيل أول محطة عام 2012 والباكستان التي بدأت بتشغيل أول محطة لديها عام 1972. وقد تعرضت الباكستان إلى مقاومة شديدة من بعض الدول الغربية لمنعها من الدخول في عصر الطاقة النووية. كما أن الحكومة العسكرية أثناء رئاسة الجنرال أيوب خان للباكستان كانت تعارض مشروع بناء هذه المحطة. إلا أن الجنرال أيوب خان اتخذ القرار الجريء لوحده وأمر بتنفيذ هذا المشروع. وهكذا بدأت الباكستان بالمحطة الأولى والتي تبعتها محطات أخرى وامتلكت زمام معظم جوانب العلوم والتكنولوجيا النووية للإستعمالات السلمية والدفاعية.
زيادة في عدد المحطات
وأما المحطات النووية التي هي في مرحلة البناء فقد ارتفع عددها من 30 محطة بقدرة 22 ألف (م. و) في حزيران 2007 لتصل في حزيران 2012 إلى 63 محطة بقدرة إنتاجية كلية بلغت 62 ألف (م.و)، أي بزيادة في القدرة عن مستوى عام 2007 بنسبة 182% خلال هذه الفترة القصيرة. ولا توجد ضمن هذه المجموعة أي دولة إسلامية أو عربية.
وأما محطات المجموعة الثالثة التي تم التخطيط لها والتي ورد ذكرها في حزيران 2007 فقد ازداد عددها من 74 محطة بقدرة 82 ألف (م.و) لتصل في حزيران 2012 إلى 160 محطة بقدرة 180 ألف (م.و)، أي بزيادة في القدرة بنسبة 120%. والدول الإسلامية والعربية التي تقع ضمن هذه المجموعة هي مصر وإيران والأردن وكازاخستان وتركيا وأندونيسيا والإمارات العربية والتي خططت لبناء ما مجموعه (16) محطة نووية بقدرة إجمالية متواضعة بلغت 17 ألف (م.و).
وأما المجموعة الرابعة فتضم المحطات المقترحة والمتوقع أن تكون عاملة بحلول عام 2030. دلت الأرقام التي نشرت في حزيران 2007 أن عدد هذه المحطات بلغ 182 محطة بقدرة إجمالية بلغت 151 ألف (م.و). ثم ارتفع هذا الرقم في حزيران 2012 ليصل إلى 329 محطة بقدرة إجمالية بلغت 373 ألف (م.و)، أي بزيادة نسبتها 147%. وتتضمن هذه المجموعة عددا من الدول الإسلامية والعربية هي الإمارات العربية المتحدة (10 محطات) والمملكة العربية السعودية (16 محطة) ومصر (1) وإيران (1) وكازاخستان (2) وماليزيا (2) والباكستان (2) وأندونيسيا (4) وتركيا (4). حيث يبلغ عدد هذه المحطات 42 محطة بقدرة إجمالية تبلغ47 الف (م.و) . وتدل هذه الأرقام بأن العالم الإسلامي والعربي بدأ يخطط وبزخم للدخول في العصر النووي .
ويجدر الإشارة هنا أن الأرقام الواردة ضمن المجموعة الرابعة للمحطات النووية ليست نهائية لأنه من المتوقع في السنوات القليلة القادمة أن تقدم العديد من الدول على تبني فكرة اللجوء إلى الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء لتكون عاملة في عام 2030. و لهذا ستكون الأرقام المستقبلية أعلى من الأرقام الواردة ضمن هذه المجموعة .
لإعطاء فكرة إجمالية عن واقع الحال كما ورد في معلومات عام 2012 فإن مجمل عدد المحطات النووية التي ستكون عاملة بحلول عام 2030 قد يبلغ 985 مقارنة مع ال 433 محطة تعمل في الوقت الحاضر و بقدرة إجمالية قد تصل إلى 986 ألف (م.و) مقارنة مع 371 الف (م.و) تعمل في الوقت الحاضر، أي بزيادة معدلها 165 % علماً بأن حوالي 60 محطة سوف تلغى خلال هذه الفترة بسبب الإهتلاك والتقادم بينما سيضاف عدد أكبر للتعويض عنها أو إستبدالها. وإذا تم بناء جميع هذه المحطات ستكون لدى 10 دول عربية وإسلامية 59 محطة نووية بقدرة إجمالية تبلغ 65 ألف (م.و) بحلول عام 2030.
لا شك بأن هنالك فئات قليلة من السكان في كل بلد تقاوم التوجه لاستخدام الطاقة النووية وتدعو إلى اللجوء إلى مصادر أخرى كبدائل . ولكن إستخدام البدائل يعتمد على المصادر المتوفرة محلياً وعلى كلفها الإقتصادية. والأردن يعمل على كافة الجبهات لإستخدام المصادر المحلية مثل الصخر الزيتي و الغاز و الإستفادة من خامات اليورانيوم و الطاقة الشمسية و طاقة الرياح وذلك لتلبية الطلب الذي يزيد سنوياً بمعدل 7% من خلال بناء محطات إضافية لرفع القدرة الإنتاجية من 2.65 ألف (م.و) لعام 2012 ليصل إلى 9.4 ألف (م.و) عام 2030. وسيأتي دور إستخدام كل من هذه المصادر عندما تثبت الجدوى الإقتصادية لكل مصدر حيث أن الطاقة هي المحرك الأساسي للإقتصاد الوطني.