اعداد :د. محمد المشاقبة
مركز الراي للدراسات
كانون ثاني 2012
إن تفوق الأفراد على آخرين لا يرجع بالأساس إلى كيفية اكتساب المعارف أو حجمها. بل يرجع إلى استراتيجيات التعلم.
والإستراتيجية: كحلقة متكاملة تقريبا، طويلة ومعقدة من الإجراءات المنتقاة لتحقيق هدف من أجل جعل الأداء أفضل فالإستراتيجية تعتبر كصيرورة لتحسين الأداءات، فهي بالتالي تتألف من مجموعة من الإجراءات الذهنية التي يمتلكها الفرد المتعلم لبلوغ هدف محدد.
وهي مجموع العمليات التي يبرمجها المتعلم طبقا لمكتسباته السابقة: ولذلك قصد الوصول إلى هدف معرفي معين داخل وضعية تربوية متميزة. وتوفر الفرد على إجراءات متعددة، وقابلة للتوظيف تبقى قضية صعبة، وتتجلى في كيفية، إعطاء المتعلم أو إكسابه مجموعة من الإجراءات.
هكذا نرى أن الاستراتيجيات هي عبارة عن قدرات داخلية، يتمكن بواسطتها الفرد/ المتعلم من توجيه انتباهه، وتعلمه لموضوع معين، وكذا توجيه عملية التذكر، والاحتفاظ لديه، مع تمكينه من مراقبة تنفيذ أو تطبيق عمليات ذهنية مختلفة.
إصلاح التعليم
وهنا نجد أن المدرس أصبح مسهلا لاكتساب المعرفة، ووسيطا في إكساب المتعلم الإجراءات وكيفية التعامل مع الوضعيات التعليمية التي تجعل المتعلم فعالا.
ويرى العديد من الباحثين أن إصلاح التعليم وبناء مجتمع المعرفة من الأمور ذات الأولوية في إحداث التنمية والتطوير والإصلاح على جميع المستويات في المجتمع الأردني. وعلى هذا يولون أهمية كبيرة لهذا الموضوع. وبالرغم من الجهود المبذولة في هذا القطاع ؛ أي قطاع التعليم ، إلا أن النتائج السلبية للعملية التعليمية تستدعي إعادة النظر في مجمل المنظومة التعليمية ؛ فالتعليم العام في الأردن أصبح على ثلاثة أنواع على الأقل هي :
ـ التعليم الحكومي: وهو الأكثر انتشاراً ، وهو أيضاً الأكثر حاجة للإصلاح في كل النواحي سواء على المستوى الأبنية والتجهيزات ، أو على مستوى إعداد المعلم وخفض عدد الطلاب في الفصل الواحد.. إلخ.
ـ التعليم الأجنبي : وهو عالي التكلفة ، وغالباً ما يكون مرتفع المستوى في التعليم ، ولكن لا يقدر على تحمل تكلفته إلا قلة القلة من المواطنين وهذا موجود في العاصمة عمان.
ـ التعليم الخاص : وهو نفسه ينقسم إلى مستويات مختلفة ، منها ما هو منخفض وما هو متوسط ، وما هو مرتفع ؛ وذلك طبقا لتكلفة كل مستوى ، والجهة المشرفة عليه ؛ سواء كانت شركة خاصة أم جمعية أهلية...الخ.
هذا على مستوى التعليم في المدارس دون الجامعة ، أما على مستوى الجامعة فقد أصبح في الاردن أيضاً ثلاثة أنواع من التعليم الجامعي : الجامعات الحكومية ، التي تقوم بالدور الأساسي في هذا المستوى ، والجامعات الخاصة التي اهتمت كثيراً بالربح دون الاهتمام بالمستوى التعليمي و استكماله ، وكذلك الجامعات الأجنبية ، وهي أيضاً مرتفعة التكلفة ولا يستطيع تحمل تكلفتها إلا قلة قليلة من القادرين مادياً. وهذا كله يستدعي من وجهة نظر الباحثين مراجعة شاملة للتعليم بمستوييه قبل الجامعي
والجامعي وفق المحددات الآتية :
- مراجعة ميزانية التعليم في الموازنة العامة ، والعمل على زيادتها باستمرار بما يكفي لتغطية مشروع شامل لتطوير التعليم في مدة زمنية محددة ولتكن فترة طويلة الامد.
- يجب البدء في مراحل التطوير بحيث تشمل المباني وتجهيزاتها ، وسعة الفصول ، وبناء الملاعب والمعامل ، وإعداد المدرس ورفع مستواه المهني ، وتحسين دخله حتى لا يضطر إلى اللجوء إلى إعطاء الدروس الخصوصية.
- وضع معايير موضوعية للعملية التعليمية ولمخرجاتها في مختلف المراحل ، وذلك وفق المعايير الدولية ، وخاصة المعايير المتبعة في الدول المتطورة. على أن يجري القياس والتقويم في كل أنواع التعليم المشار إليها على أساس تلك المعايير.
- التأكيد على واجب الدولة في تغطية الجزء الأساسي في العملية التعليمية ، مع ضمان الاستقلال الأكاديمي والإداري لمؤسسات التعليم ، وتشجيع مؤسسات المجتمع الأهلي والمدني على تحمل مسؤولياتها في العملية التعليمية ؛ تمويلاً وبناءً و إدارة ، في إطار رؤية واعية بأهمية العائد الاجتماعي لمثل هذه المشروعات التعليمية.
- تشجيع الطلاب على المعرفة والابتكار والمبادرة ، وتوفير المناخ اللازم لذلك ، وذلك بوسائل مناسبة للتحفيز ، مثل المسابقات ، ومكافآت التفوق ، وتكريم المبتكرين وربطهم بالمؤسسات الإنتاجية للاستفادة بأفكارهم...إلخ.
- تطوير الاهتمام بالحاسوب ( الكمبيوتر ) كأداة فعالة في تحصيل العلم والمعرفة ، والعمل من توفيرها لكل مستويات ومراحل العملية التعليمية.
- دعم جهود تطوير البحث العلمي ، وتوفير الموارد المالية اللازمة له وربطه بالواقع الاردني ، وربط الجامعات والمعاهد والأكاديميات العلمية بمراكز الصناعة والزراعة والتجارة لتطويرها بشكل علمي ومنهجي ، ودعم التعاون مع الجهات العلمية
والهيئات الدولية والاستفادة من خبراتهم المختلفة في هذا المجال.
- الاهتمام باللغة العربية وتطوير مناهجها ، وتشجيع تعريب العلوم الحديثة والثقافة العالمية النافعة ، وتشجيع الترجمة لكل أنواع المعرفة المفيدة للأمة.
- تطوير ونشر المكتبات المجهزة بأحدث وسائط نقل المعلومات وحفظها واسترجاعها ، وذلك في كل مراحل العملية التعليمية سواء التعليم قبل الجامعي أو التعليم الجامعي ، وكذلك الارياف والقرى ، وتشجيع الإطلاع والمعرفة والاستعارة وتوصيلها بشبكة المعلومات الدولية ، وتوفير أماكن التواصل معها بشكل ميسر وغير مكلف ، وخاصة في النواحي التعليمية والمعرفية والتدريبية.
- تشجيع التكوين المستقل للطلاب في كل مراحل التعليم ، ونشر ثقافة الديمقراطية والتسامح والحوار و الحريات العامة ، وقيم المواطنة ، وإدخال التربية المدنية والمهارات الحياتية بالشكل المناسب في المقررات الدراسية. و إعطاء الفرصة للطلاب من أجل المشاركة في العمل العام وفق لوائح ديمقراطية ، ورفع جميع القيود عن الحركة الطلابية سواء في الانتخابات أم في حق التظاهر السلمي أم في الحق في عقد الاجتماعات....الخ.
- ضرورة توفير حد أدنى من القاسم المشترك بين مختلف أنظمة التعليم التي يشهدها الواقع الاردني بما يحقق التوافق والانسجام في بناء الهوية الوطنية للأجيال الجديدة.