15/02/2016

م. وائل سامي السماعين
ما زالت قضية عالقة في الذهن لم يمح الزمن اثرها من الذاكرة، فقبل عدة سوات ادخلت فتاة مستشفى تشكو من الم شديد في رجلها وقام الطبيب المعالج آنذاك بتجبيرها ولكن بعد عدة أيام توفيت الفتاة وتبين لاحقا ان الألم بالرجل لم يكن نتيجة كسر كما ظن الطبيب بل كان سببه لدغة ثعبان، هذا الخطأ الطبي في التشخيص والعلاج يصنف بالإهمال الطبي وفي معظم دول العالم عندما يتم إلحاق الضرر بالمريض نتيجة للإهمال الطبي يوجد هناك قانون لتعويض المريض مادياً ومعنوياً أضف إلى أن هناك نظام مساءلة طبي داخلي في النقابات المهنية المعنية وذلك للحفاظ على الصالح العام (Public Interest) وكذلك مصالح المرضى وإذا ثبت ان الاهمال الطبي يشوبه عناصر الجريمة تتحول القضية إلى النائب العام. ومن المعلوم أن الأخطاء الطبية موجودة في كل دول العالم ولا يوجد دولة تستثنى منها ولكن هناك دول تعتبر متقدمة في مجال الطب في الشرق الأوسط وعلى رأسها الأردن التي لم تطل يد الاصلاح بعد تشريعاتها ومعظم قضايا الاهمال الطبي يبت فيها على أساس انها قضاء وقدرا وغالبا لا يتم تعويض المريض.
وللبدء في عملية حقيقية وفعالة لاصلاح القطاع الطبي فهناك امران مهمان لا يمكن التغاضي عنهما وهما:
أولا: الشفافية في المساءلة الطبية
في كل دول العالم المتقدمة يوجد هناك بما يسمى بلجنة الانضباط او السلوكيات (Disciplinary Committee) وهذه تعمل بشفافية منقطعة النظير حيث تتلقى شكاوى او مزاعم المرضى ضد الاطباء ولها نظام داخلي وجلسات استماع وتعلن جميع المزاعم او الاتهامات على الموقع الاكتروني للنقابة ويتم اتخاذ الاجراءات المناسبة حسب النظام الداخلي وتعلن النتائج والعقوبات ايضا على الموقع الاكتروني للنقابة فمثلا يمكن للمريض تقديم شكوى ضد طبيب طلب منه عمل فحص ما على جهاز في عيادته وكان الهدف منه الكسب المادي فقط. وتميز نقابات الاطباء والمحامين والمهندسين انفسها على انها نقابات محترفة (Professional Association) ولهذا يوجد لها انظمة محاسبة ومساءلة داخلية. لا اعلم مدى فعالية لجان الانضباط لدينا حيث ان الموقع الاكتروني لنقابة الاطباء او النقابات الاخرى لدينا لا تشير من قريب او بعيد للشكاوي او نتائج جلسات الاستماع وقد تكون الانماط السلوكية المرفوضة تماما للمرضى في التعبير عن استيائهم مرده عدم كفاءة النظام الطبي في استقبال شكاوي المرضى والبت فيها بمستوى مقبول من طرف مستهلكي خدمات الرعاية الصحية.
ثانيا: التحكيم والتعويض:
اغلبية القضايا في كل دول العالم تندرج تحت قانون (Tort Law) وهي القضايا التي لا يوجد بين الاطراف المتنازعة عقد مكتوب فيما بينها بينما الاقلية تندرج تحت ما يسمى( Contract Law) اي تلك القضايا التي يتنازع الاطراف على تفسير العقود المكتوبة بينهم. وتعريف كلمة (Tort) هي الفعل الخطأ الذي يلحق الضرر بالآخرين وتنقسم انواع (Tort) إلى ثلاثة:
1- (Negligence) اي الاهمال فعلى سبيل المثال الاهمال الطبي يندرج تحت هذا البند وكذلك التشهير في الآخرين وهكذا فمثلا عندما تشرب القهوة فائقة الحرارة في مطعم بدون ان يكون هناك تحذير على الكأس وأصبت بضرر فإنه بإمكانك رفع دعوى قضائية ضد المطعم تحت هذا البند لان العناصر توفرت وهي الاهمال والضرر.
2- (Intentional Tort) اي الاهمال المتعمد فمثلا يدان الشخص الذي قام باخافة شخص آخر حتى لو لم يكن لديه نيه في ان يحدث له سكتة قلبية فالنية موجودة لأخافته وهي كافية لادانة الشخص الآخر.
3- (ٍStrict liability) ويدان في هذه الحالة الشخص حتى لو لم يكن لديه النية في الحاق الضرر بالآخرين بغض النظر عن الظروف فمثلاً لو كان لدى الشخص حيوان وقام هذا الحيوان بالحاق الضرر بالجار او المارة فيعتبر صاحب هذا الحيوان مدان وهذا ينطبق ايضا على المنتجات الغذائية فإذا تضرر شخص من تناول أحد المنتجات الفاسدة فإن صاحب المصنع يتحمل المسؤولية كاملة.
قضايا الاهمال الطبي يتم التعامل معها بطرق مختلفة من دولة لأخرى فالاردن كما ذكرنا آنفا لم تطل يد الاصلاح بعد التشريعات ولهذا يتجنب المرضى الذهاب إلى المحاكم لطول أمد التقاضي والتكاليف الباهظة ولا تفرض التشريعات بان يكون لدى المستشفيات او الاطباء أو المهن المساعدة اي تأمين ضد الاخطاء الطبية كما في السعودية يتوجب على الاطباء ان يكون لديهم (Medical Malpractice Insurance) وكذلك يوجد جهة تحكيم طبية، وفي تركيا تقوم الحكومة بدفع الاضرار المادية ويوجد فيها مجلس طبي أعلى للنظر في قضايا الاهمال الطبي واما في المملكة المتحدة فالمحاكم مع هيئة المحلفين تقوم بالبت في القضايا بالاضافة الى ان وزارة الصحة لديها تأمين ضد الاهمال الطبي وكذلك القطاع الخاص وفي معظم الدول تتراوح نسبة تعوضات المحامين عن اتعابهم ما بين 20-25% من التعويضات المادية للمريض وتشير احصائيات (USAID) الى انه في الفترة الواقعة ما بين 1991 و 1993 تم النظر في 997 حالة اهمال طبي في تركيا ووجد ان ما نسبته 47.7% من مجموع القضايا ثبت فيها الاهمال الطبي واما في السعودية فتتراوح نسب الاهمال الطبي من مجموع القضايا 46% واليابان 31.9% والولايات المتحدة 28% وألمانيا 16% وهذا يثبت ان قضايا الأهمال الطبي واقع ويجب التصدي له.
واما كيفية البت في قضايا الاهمال الطبي فهناك عدة طرق منها:
1- المملكة المتحدة: وكما هو معلوم فالاحكام القضائية في انجلترا تعتبر سابقة وتصبح بمثابة تشريع ساري المفعول ومرجعا قضائيا ولذلك يسمى القانون (Common Law) ومن اهم قضايا الاهمال الطبي المعروفة هي قضية (Bolam vs Friern Hospital Management ) حيث اصدر القاضي في عام 1957 حكماً ينص على ان الطبيب لم يقم بمخالفة واجباته برعاية المريض اي لم يكن هناك خرقاً لواجباته (Breach of duty) أي معتمداً في ذلك على رأي طبيب آخر وأصبحت القضية مرجعاً منذ ذلك الوقت وقرار القاضي يعرف في المملكة المتحدة (Bolam test) أي بمعنى انه اذا رفع المريض شكوى فإنه ان وجد رأي طبيب آخر يفيد ان الأجراءات الطبية التي اتخذها الطبيب مقبولة طبيا فان المريض يفقد حقه بالتعويض، ولكن هذا القانون طرا عليه تغيير في عام 1997 في قضية أخرى تسمى (Bilitho vs City Hackney Health Authority) ونتج عن تلك القضية (Bilitho test) بحيث وافق اللورد (Brome) في المرافعات بان يكون الرأي الطبي الآخر منطقياً حتى يأخذ به بعين الاعتبار من قبل المحكمة كدليل طبي مهني وبمعنى أدق تقوم المحكمة بالتدقيق وتمحيص الاراء الطبية المختلفة ثم تقوم بالاستنتاج الخاص بها اي تكون الكلمة الفيصل للقضاء وليس للرأي الطبي فقط
2- نظام (Fault) وهو معتمد على وجود الاهمال الطبي وأسبابه ونتائجه أي الضرر للمريض فإذا ثبتت هذه العوامل فان المريض يستحق التعويض وهذا مطبق في معظم دول العالم. وفي مثل هكذا حالات يتوجب على المشتكي المريض ان يقوم باثبات الآتي:
1- الطبيب مدين للمريض بواجب الرعاية.
2- وجود خرق في اداء الواجب اثناء تقديم الرعاية
3- نتج عن هذا الخرق ضرر مادي ومعنوي
وبناء على ما ورد فإننا في الاردن بحاجة ماسة إلى عملية إصلاح جذرية تاخذ بعين الاعتبار الصالح العام ومصلحة المريض خصوصا انه قد مضى حوالي مائة عام على تخرج اول اطباء الأردن من بريطانيا ونستحق ان نرى الاردن في المقدمة ولهذا نوصي ان يشمل مشروع المساءلة الطبية الآتي:
1- انشاء هيئة طبية يتم تقديم الشكاوي الطبية لها.
2- اصدار التشريع المناسب للتحكيم الطبي بحيث لا تزيد مرافعات وجلسات التحكيم اكثر من 9 اشهر.
3- التأمين الإلزامي للمستشفيات والأطباء وغيرهم حسب الفئة فمثلا المستشفيات نقترح ان تكون قيمة التأمين مليون دينار والجراحين مائتين وخمسون ألف دينار.
4- تفعيل دور لجنة السلوك والانضباط في نقابة الاطباء وتحديث اجراءاتها بتلقي الشكاوي والاعلان عنها كما هو معمول به في الدول المتقدمة.
5- تقوم نقابة الاطباء بالتعاون مع القطاع الخاص والحكومي بدور ريادي بتمويل برامج استطلاع (Consumer Survey) للوقوف على مدى رضا مستهلكي خدمات الرعاية الصحية للاستفادة من نتائج الاستطلاع لتصحيح الاخفاقات ووضع الخطط المستقبلية لاصلاح القطاع الطبي من تجهيزات ومبان وتشريعات.
6- تحديد رسوم استيفاء المحامين.
7- رفع مستوى المهن الطبية المساعدة امر ضروري فالشهادات الجامعية ليست كافية لتمييز الخريجين من حيث الكفاءة والمقدرة المهنية ولهذا التعليم المستمر امر حيوي وهام ودرجات الأعتمادية مثل Registered Nurse غاية في الأهمية
8- ما ينطبق على القطاع الخاص من تشريعات يجب ان يسري على القطاع العام